أمضيت ثلاثة عشر يوما ونصف في استراليا/شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, سبتمبر 24, 2017, 09:25:53 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

أمضيت ثلاثة عشر يوما ونصف في استراليا     
   

برطلي . نت / بريد الموقع

شمعون كوسا



كنت قد تعهدت بعدم العودة الى هذا البلد ، بعد زيارة كنت قد قمت بها قبل ست أو سبع سنوات .إنّ وُعورة الطريق المؤدي اليه ! وطوله الذي يبدأ ولا ينتهي(اثنتان وعشرون ساعة بالطائرة) ، كانا قد جعلاني أن أقول لأخي حينذاك باني سوف لن أعود إلاّ مشياً على الاقدام ، لان ركوب الطائرة لهذه الفترة الطويلة كان يرهبني .غير اني  لم ارعوِ ، لأني قمتُ بالزيارة قبل ثلاثة اسابيعبصحبة  زوجتي وابني ، وذلك للوقوف إلى جانب أخي الذي كان مزمعا على الاحتفال  بزفاف آخر بناته . أخي هذا كانت قد حملته الرياح الى سيدني وسط  حالة تشتت أو في خضمّ عمليه ذرّ عشوائية ، كانت قد افلتت البذرة التي احتمى في جوفها ، وقامت في التحليق عاليا جدا ، وهكذا افلحت في بلوغ برّ الامان الاسترالي الذي لم تبرز سواحله الا بعد مسافات شاسعة جدا من البحار والمحيطات .
كان العناء كبيرا هذه المرة ، بل وقعُه كان أشدّ من ذي قبل ، لان الزمن كان قد اقتطع ست او سبع سنوات من حيويتي وقابليتي. كانت فعلا مسيرة مضنية. اربع عشرة ساعة متواصلة من باريس الى سنغافورة في طائرات لم تعر اهتماما خاصة بعامل الراحة ، وبعد توقف لثلاث ساعات ، أخذت طائرة ضخمة اخرى على عاتقها مواصلة المشوار لسبع ساعات ونصف ، ولا اريد ان أذكرساعة الطيران الاولي عند انتقالنا من مدينتا الى باريس .
بالرغم ممّا ذكرتُه وسأذكره ، اقول باني قد احببت استراليا كثيرا لأنه بلد نهض بسرعة وواكب التقدم ، وإن سيدني التي حللنا ضيوفا عليها ، هي اكبر مدنه والحقّ يقال إنها مدينة عصرية خلاّبة.
كان الجوّ متقلبا جدا . عند استفهامناعن حالةَ  الطقس هناك ، قيل لنا بان القارة متجهة نحو فصل الربيع ، من المنطقي اذن ان يكون الجو معتدلاً ، لذا انتفت الحاجة الى ثياب سميكة ، ولكن عند وصولنابألبستناالخفيفة نوعا ما ، قابلتْنا فعلا سماء صافية جميلة جدا وشمس مغرية ، شمس تدعوك للاحتماء بها ولكن ليس لأكثر من دقيقتين لأنها محرقة ، وعند توجهنا للظلّطالبين مؤازرته ، كان يبتسم لنا ويشير الى معطف معلق هناك ويقول انا آسف ، لا تعتمدوا علي كثيرا ، لأني في هذه الايام أعمل كمرادف للبرد.
أنا معتاد على السير على الاقدام يوميا ، وهناك بالقرب من بيت أخي ، كنت احاذي ساقية قريبة ، واثناء مسيرتي كنت انظر الى كل ما تقع عليه ابصاري،  وان ما جلب انتباهي بصورة خاصة هي طيور استراليا . كنت مندهشا لشكلها ولونها ولا سيما للأصوات التي كان يصدرهابعض منها . بعض الطيور التي رأيتُها كانت بعيدة عن رشاقة البلبل وجمال صوته او حتى عنلياقة عامة العصافير المؤمنة المغردة الاخرى!! كان صوت بعضها يشبه بكاء أطفال  حديثي الولادة، كنت اسمع الطير المنتحب هذا ولا اراه ، وفي احد الايام عندما قيل لي بان هذا هو الطفل الباكي ،رأيت مخلوقا اسود يشبه الغراب . وكانت هناك طيور بيضاء خلتها تنوح كالحمام مثلا، ولكن صوتها كان خشنا جدا، والبعض الاخر كان يُصدر اصواتا مزنجرة ، وكأنك تسمع صوت حديدتين تصطدمان ببعضهما البعض ، كنت اخال نفسي احيانا داخل ورشة لقطع الحديد او محل لتصليح السيارات في الشيخ عمر بالعراق مثلا . وطيور اخرى غريبةفي شكل مناقيرها . هل هي طيور عريقة بعراقةسكانها القدماء الاصليين ، المتخلفين بشكلهم وهندامهم والذين يرفضونالاندماج مع الحياة العصرية المدنية مفضلين نمط عيشهم البدائية على ما تعدُهم بهِالحكومة !! ؟
ولاختتام فصل الطيور الذي طال قليلا ، يجب ان اعترف بان هناك طيور اخرى قد واكبت التطور واستجابت لرغبة الذوق الرفيع ، في الوانها وحجمها وتغريدها.
الظاهرة الغريبة الاخرى التي لا يمكن تجاهلها هي كثرةما يسمي بـ (الكْلاب)  وهنا لا اقصدفصيلة الحيواناتالاليفة التي تنبح ، ولكن نوادي تحمل هذا الاسم بالإنجليزية . وهذه  (الكلابات) وهي مجرد كازينوهات صغيرة للعب القمار  تضاهي بغزارتها اشارات المرور،  حيث بين كل ناديين نادٍ آخر . يحوي الكلَب الواحد،عفواً النادي الواحد، خمسمائة جهاز لعب تقريبا. لقد اعتاد الناس على ارتياد هذه الكلاب ، فيجلس كل واحد خلف ماكنه يختارها ، يقوده حدسه نحوها لأنه يتوسم فيها خيرا ، فيُمضي ساعات طويلة في حركة واحدة لا غيرها ، حركة تتمثل بالكبس على زرّ لمئات او آلاف المرات ، (تخيّلوا الكمية الضرورية من الثقافة الواسعة التي تتطلبهاهذه الحركة !!)يبتهل اللاعب الى الاولياء والقديسين كي ترأف به وتُحنِّن قلبَ الجهار ليُمطر عليه بعض الدولارات . فيستجيب الجهاز احيانا ، وفي مبادرة اغراء يجود على اللاعب بسخاء ، غير انه في حالة ندم سريعة ، يعود فيستردّ كل ما كان قد اعطاه . هناك من يراهنون على مبالغ ضخمة، وهناك من يرتضون القليل ، والاغراء يلاصق الطرفين.ولقد سمعت مؤخرا بان لاعبة كانت تلعب بثلاث سنتات فقط، حالفها الحظ وأمطر عليها على حين غرّة سيلاً من الدولارات. عند احصائها المبلغ منذهلةً، وجدت بانها تحتكم على ثروة تربو على خمسمائة دولار استرالي .
قيل لي بان الكثيرين أدمنوا ، ومنهم من افلسوا ، وبعضهم باعوا بيوتهم ، وعدد لا بأس به طلّق ، ومنهم من ذهب حدّ الانتحار ، ويقال بان عددا ضئيلا منهم  بقى  متّزناً. هذا ما قاله لي بعض الناس . والذين يرتادون أماكن اللهو هذه هم اشخاص بالغون من مختلف الاعمار ، نساء ورجالا .
ما رايته هناك أيضا هو. باعتقادي هذا مجرد تقليد أو عملية دخول منافسة  في من يكون الاكبر والاجمل والاكثر اختلافا عن غيره. على اية حال ، كل هذا يتم بواسطة قروض . قد اكون مخطئا او متخلـّفا ، ولكني من الذين يرتضون بالحد الأدنى الكافي في الحياة ، وهذا رأيي الشخصي تماما ، غير انه  يجدر القول بان لكل شخص نظرته في الحياة .
بالإضافة الى السباق في تشييد المباني الفخمة ، هناك فخفخة أخرى تتعلق بحفلات الزفاف .وإن كان هذا الموضوع قديما، وعامّاوشائعا في كل مكان . إن ما يحدث في هذا الشأن وفي كثير من الاحيان هو التقليد ومحاولة الظهور بصورة افضل من الجار. رأيت في استراليا بأن على المدعوّللزفاف ان يستخدم  بدلتين مختلفتين ، الاولى  للاحتفال الكنسي ، والثانية  للسهرة الليلية . واذا تطرقت سهواً لشأن المرأة في هذه الحفلات ، زينتها وتبرجها بمختلف طبقات الاصباغ والمساحيق ، وأيضا الساعات الطوال التي تحتاجها لذلك ،  فأكون قد ورّطت نفسي ودخلت  نفقاً مظلماً  لن اخرج منه سالماً !!. وعلمت أيضا بان الحفلة تكلف بين سبعين الى مائة الف دولار استرالي ، وقيل لي ايضا بان هذا مبلغ بسيط  بالنسبة لكثيرين آخرين.يجب الاقرار من جهة أخرى بان الجزء الكبير من هذا المبلغ يجد له طريق عودة من خلال الصباحية .
يجب ان اشيد بمناطق سيدني  الجميلة ، فالجبل الازرق واخواته الثلاث منطقة  جميلة جدا ، تهبّ رياحها عالية عاتية.لقد وجدت ، انا شخصيا ، صعوبة حقيقية في مقاومة عصفها الشديدوأنا في حالة جلوس . كما أن شواطئ المدينة  ايضا مشهورة ، وهذا الجمال يشمل ايضا بعض غاباتها البعيدة . اما سكانها، وجلّهم قادمون من مختلف ارجاء المعمورة ، فانهم ظرفاء جدا ويرحبون بالضيوفلانهم كانوا ضيوفاً.
لقينا ترحيبا حارا من كافة العوائل التي نعرفها هناك ، وايضا من اصدقائنا ومعارفنا القدماء الذين دعونا الى بيوتهم ، كما رأينا بسرور اناسا كنا قد قرأنا شفافيتهم عبر سطور مكتوبة ، ولم يخب أملنا عندما قابلنا وجههم الصبوح ، كما تعرّفنا على وجوه جديدة، وبفخر أشيد بشبابهم الظرفاء جدا ، كما عايشنا اطفالا ، اقل ما يمكن ان يقال عنهم ، انهم يدخلون القلب دون استئذان .
الحديث يطول عن الزيارة ، واختتاما اقول : لقد غمرَنا اخي وزوجته بكرمهما ، وأحرجانا بحبهما واهتمامهما الزائدين . لم يَدعانا دقيقة واحدة فارغين أو حائرين في ما سنفعله ، فكنا نخرج ونتنزه ونأكل في البيت او المطاعم ، وعندما لم يكن لديناشيءآخر ، كانت تنتهي حيرتنا عنما نسمع صوتا يقول :فلنتوجّه نحو الـ (كلاب)  !!!