سورية أنتجت فناً مسيحياً منسجماً مع كل ما هو موروث … صُدّر إلى العالم كفن سوري م

بدء بواسطة برطلي دوت نت, فبراير 25, 2017, 11:35:52 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

سورية أنتجت فناً مسيحياً منسجماً مع كل ما هو موروث ... صُدّر إلى العالم كفن سوري متكامل الهوية   

      
برطلي . نت / متابعة
عنكاوا دوت كوم/ صحيفة الوطن/سوسن صيداوي

سورية مهد للحضارات ومهبط الديانات السماوية، فهي احتضنت الديانة المسيحية التي انبثقت من القدس وانتشرت من دمشق إلى أصقاع العالم كافة، وفي رحابتها تمّ إنتاج فن مسيحي سوري منسجم مع الموروث، كما تمّ إنتاجه بحلة روحية مثالية مفعمة بروح الشرق، ليس هذا فقط بل قامت بتصديره إلى العالم كفن سوري متكامل الهوية تجسّد بعضه بالأيقونات التي عُدّت جزءاً مهماً من إرثنا الوطني وعبّرت عن مساهمة أسلافنا في الفن العالمي، وكان لابدّ من توجيه النظر إلى أهميتها الأثرية والتاريخية والفنية ومعرفة قيمتها ومدلولاتها في وطن كبير احتضن الإنسان وحضارته منذ طفولة التاريخ. هذا ما قدمت به إلهام عزيز محفوض كتابها «الأيقونة السورية» الصادر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب، جاء الكتاب بواقع 237 صفحة، استُهلت بمقدمة وستة فصول.

المقدمة... أيقونة

جاءت المقدمة بالحديث عن تعريف للأيقونة وشرحت عن أصل الكلمة، وبحسب المؤلفة فهي كلمة يونانية وهي مشتقة من الفعل «Eiko» وتعني شابه أو ماثل، والأيقونة مصطلح متعارف عليه بالكنيسة الشرقية للدلالة على الصور المقدسة، وكُرست في العصر الكلاسيكي (اليوناني- الروماني- البيزنطي) كوسيلة تعليمية دينية لشرح محتوى الفكر السائد فيما يتعلق (بالفداء والخلاص والرجاء) وقد استمر هذا الأمر في الكنيسة الشرقية حتى اليوم. وبين المدلول القديم والمدلول الحديث للأيقونة فيه تشابه لأن القيم الجمالية لهذا الفن واحدة وجوهره الروحي واحد، وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن أن تُنسب الأيقونة إلى بيزنطة كما يزعم بعض الباحثين، بل هي نتاج فن ديني ازدهر في أنحاء متفرقة من الإمبراطورية البيزنطية وخاصة في سورية ومصر اللتين انبثق منهما الفن الأيقوني معاً خلال القرن الثالث الميلادي، فأخذ هذا الفن يزدهر إثر سقوط القسطنطينية متابعاً تطوره في الكنيسة الأرثوذكسية ليشكل دوراً تعليماً فعالاً في شرح مضامين الكتاب المقدس. ويتم تكريس الأيقونة بوضعها فوق المذبح، وبعد الصلاة عليها يمسحها الأسقف بزيت الميرون وهو زيت مقدس يُستخدم في طقوس خاصة ضمن الكنيسة، تنال الأيقونة تكريماً خاصاً في الكنيسة منسوباً إلى القديسين الذين تمثلهم، ويأتي إيقاد الشموع أمامها من قبيل الاعتراف بأن هذا القديس كان نوراً لجيله وللأجيال اللاحقة لكونه يرمز في الكنيسة إلى الصلوات المرتفعة إلى الله.

فن الأيقونة في سورية
إثر انتشار المسيحية في سورية في القرن الأول بعد الميلاد، وبعد أن أصبحت الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية الشرقية، تطورت الوسائل التي ساهمت في نشر هذه العقيدة، بدءاً بالرسوم الجدارية والفسيفسائية، لأنها أكثر ثباتاً واستمراراً إذا ما قورنت بالجداريات المعرضة للتخريب والزوال إثر الزلازل والحرائق والتهشيم إضافة إلى الأحداث الحربية والسياسية. ولعل هذا الفن ابتدأ عندما قام الفنانون برسم الوجوه الإنسانية على لوحات خشبية كانت تثبت للتعريف بالمتوفى، على عادة المصريين القدماء، وقد سار على نهجهم مصريو العصر القبطي، وجاراهم في نهجهم هذا فنانون سوريون صوروا الآلهة والأرباب بتصاميم وأشكال نافرة أو غائرة، إذاً يعود هذا الفن إلى ما قبل المسيحية لكنه تطور مع هذه الديانة، وحول الجذور الحضارية لفن الأيقونة في سورية تحدثت إلهام عزيز محفوض في كتابها «ما يقدمه موقع تل المريبط في حوض الفرات الأوسط، يعبّر عن الجهود الأولى فيما نتحدث عنه، حيث تمّ العثور على رسوم تصويرية تجريدية وأشكال هندسية ضمن بعض البيوت، ما دعا إلى اعتبار إنسان المريبط من أوائل من عرف الرموز والرسومات التي تعد الأقدم في الشرق القديم، كما تم العثور في تل بقرص القريب من دير الزور على رسومات جدارية تعود إلى الألف الثامنة قبل الميلاد... ولعل مؤرخ الفن النمساوري جوزيف ستريخوفسكي كان أول من نبه الأذهان في بداية القرن الحالي إلى أهمية الشرق في فن الأيقونة البيزنطي... وبخاصة تلك المدن الثلاث الواقعة على الحدود مع الدولة البيزنطية وهي الرها ونصيبين وأميدا (ديار بكر)، هذه المدن كانت أهم مدارس اللاهوت التي ذاع صيتها في كل مكان بفضل الرهبان المتنورين الذين تربوا في الأديرة السورية وتلقوا تعليمهم بها... فسورية كانت حلقة اتصال مهمة بين الشرق وبيزنطة».

الأيقونة بين الفن واللاهوت
يبرز دور الأيقونة في اللاهوت المسيحي من الغاية الإيمائية والتربوية التي ساعدت الأيقونة بالتأسيس لهما عبر التاريخ من خلال مساهمتها في خلق حياة روحية ترتقي إلى التبصر والتفكير في خالق الكون، والتقرب منه عبر التأمل العقلي الذي يبقى محصوراً بالخاصة، إلا أن العامة من الناس لا يروي غليلها ويثبت إيمانها إلا التشخيص والتجسيد الذي يتناول الجوارح والحواس، فجاءت الأيقونة لتشغل هذا الفراغ عبر المشاهدة والملامسة التي تملأ عيني الفؤاد بالأسرار الإلهية، كما تضيف المؤلفة: «لعبت الأيقونة دوراً مهماً في العبادة، فهي أولا: يُصلى أمامها وتطلب عبرها المساعدة من القديسين الذين تصورهم، كما أن الأيقونة موجودة في بيوت المسيحيين للبركة والصلاة أمامها، وتضاء لها الشموع وقناديل الزيت المقدس إيفاءً للنذور، وترافق الأيقونة المؤمنين في سفرهم إضافة إلى الكتاب المقدس وكتب الصلوات ولاسيما في الأماكن التي لا توجد فيها كنائس للصلاة والعبادة». وبالنسبة للمكونات الفنية والعناصر الرمزية للأيقونة، فلكل أيقونة مدلولات عقائدية وتعليمية تنعكس من خلال عناصرها الأساسية مثل: الخلفية والوجه والأنف والفم والشفاه والعينين والأذنين واللحية واليدين والجسد، ويحرص الأيقونوغرافي على إظهارها لقدسية الأيقونة على الالتزام بمبادئ الرسم واللون بدءاً من الخلفية المذهبة التي تبدي نورانية مطلقة.

يصعب الإيجاز
إذا المؤلف جاء في ستة فصول، وتحدث الفصل الثالث عن حرب الأيقونات وكيف عانى تلاميذ السيد المسيح من الاضطهاد والاعتراضات من المجامع اليهودية إضافة إلى السجن والتعذيب، ولكن بعد مرسوم ميلانو سنة 313 ميلادي والذي نص على إعطاء الحرية لكل الأديان التي في الأراضي الرومانية خرج المسيحيون من الظلمة إلى النور، فأخذت رموزهم الدينية تجاري وتنافس أبهة العصر الروماني، الأمر الذي أدى إلى صراعات فكرية ومنها إلى ما يسمى «حرب الأيقونات» والتي كان من نتائجها زهق عشرات الألوف من النفوس، تكريس انقسام الكنيسة والانقسام السياسي. هذا إضافة إلى أن الفصل الرابع من الكتاب شرح أن سورية هي الحاضن الطبيعي للأيقونة كما تمّ ذكره في عدة نقاط، فوثقت المؤلفة بحثها في طرح الكثير من النماذج الحاضرة رغم الاختلاف الزماني والمكاني في سورية، كما تمّ ذكر مدارس الأيقونة السورية مع أساليب تنفيذها في الفصلين الأخريين.