مشاكســــة مــن يســـرق رغيفــــا ومـــن يســـرق وطنـــا / مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يناير 08, 2015, 06:47:40 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت


مشاكســــة
مــن يســـرق رغيفــــا
ومـــن يســـرق وطنـــا


برطلي . نت / بريد الموقع

مال اللــــــه فــــرج
Malalah_faraj @yahoo.com

كانت قصة الحب العنيفة التي جمعت بين زميل وزميلة عزيزين كانا يعملان معنا في الدائرة نفسها، في تسعينيات القرن الماضي من القوة والعمق والعنف بمكان حتى أنها خلفت وراءها بمراحل كل اساطير العشق التي اذهلت الانسانية عبر التاريخ، بدءا من قيس وليلى مرورا بروميو وجوليت وانتهاء بعنتر وعبلة، وكانت مثار دهشة واعجاب ،بل وذهول الجميع، بحيث انها حولت زميلنا الى شاعر مرهف راح ينظم ارق قصائد الحب المشتعلة وجدا، بينما اصبحنا لانجد على شفتي زميلتنا التي كانت لحظتها (سعيدة الحظ) الا اسم خطيبها، وتحركاته ونوادره وحكاياته وغيرته وحبه ووفاءه واستعداده للموت من اجلها ، ولجلب عشرة اطباء متخصصين لها ان هي اصيبت بالزكام او نزلة برد، وكنا نتوقعها اسعد فتاة على وجه الارض قاطبة، من كثرة الوعود والعهود والتمنيات والاحلام التي قطعها لها والتي لاتفوقها عددا وسعة وعمقا الا وعود المرشحين للانتخابات البرلمانية في هذه الدولة او تلك، حتى ايقنا ان قصتهما سوف تدخل التاريخ ليس من اوسع ابوابه حسب وانما من جميع ابوابه التي لانعرف عددها، وفي اعماقنا كنا نحسدهما فعلا على ذلك التوافق الروحي الذي يكاد ان يكون من المستحيلات في زمن المصالح والماديات والانانيات.
بيد ان المفاجأة غير المتوقعة التي اذهلتنا جميعا وهزتنا من الاعماق، ان قصة الحب الاسطورية تلك وقبل ان يكملا العام الاول من زواجهما السعيد تحولت الى معارك ضارية وحولت معها مخدع الزوجية الى ساحة حرب فعلية، اشبه بالحرب الزوجية الثالثة، بسبب خلافات هامشية تحولت بفعل تدخلات الاهل الى معضلات حقيقية دفعتها مرغمة الى اللجوء لابغض الحلال بعد ان كانت تأتي الى الدوام حينا متورمة الوجه من قسوة الصفعات التي تلقتها من ذلك العاشق العنيف واخرى متورمة العينين من شدة مرارة الدمع الذي نزفته، وبعد ذلك الاحتراق ، كان لابد من الفراق.
عادت الى ذاكرتي تلك القصة المأساة التي حولت مخدع الزوجية من واحة محبة وحنان ورومانسية الى ساحة عنف وحروب زوجية  ، وانا اطالع تقريرا لمديرية حماية الأسرة والطفل اكد وقوع 22 ألفا و442 حالة عنف ضد المرأة، منذ سنة 2010 وحتى تشرين الاول الماضي، اضافة لتسجيل عشرة آلاف و155 حالة اعتداء من الزوج على الزوجة خلال تلك المدة، مقابل ألف و527 حالة اعتداء من الزوجة على الزوج، اي ان المخادع الزوجية شهدت خلال تلك الفترة (11682) معركة حامية ربما استخدمت فيها مختلف الاسلحة البيضاء وقذائف الشتائم من مختلف الاعيرة والمديات الموجهة ليس للازواج والزوجات وحسب وانما للاهل والاقارب والاجداد ايضا واذا كانت الزوجة مشروع أم مستقبلية، ولان (الام مدرسة اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق) فاننا بذلك نكون قد هدمنا عبر ذلك العنف الزوجي (11682) مدرسة اخلاقية وتربوية.
في خضم ذلك حاولت ان اتلمس كم مرة كذب اولئك الرجال والنساء على بعضهم خلال فترة الخطوبة، وخصوصا الرجال الذين وعدوا خطيباتهم بتوفير افضل اعشاش المحبة والرومانسية والامن والامان لهن وارفع مستوى من الحياة اليومية وكم قصيدة حب ورسالة عشق واغنية محبة اهدوها لخطيباتهم، وكم مرة ادعى هؤلاء الرجال لخطيباتهم بانهن مدارس الاجيال، وبانهن كنز المستقبل وبانهن خيمة الاسرة السعيدة وضمانتها وبانهن المربيات الفاضلات لابنائهم وبانهن مثار فخرهم امام الآخرين، وبان شعرة واحدة من رؤوسهن تساوي كنوز العالم كلها وبانهن وانهن وانهن، لكن ماان ضمهم عش الزوجية حتى تحولت حدائق المحبة الى صحراء قاحلة جفت فيها المشاعر وطارت من فوق اغصانها بلابل الحب والاحاسيس وتحولت اعشاش المحبة الى ساحة حروب ومواجهات ساخنة، ربما لاتفه الاسباب، فاين العهود؟ واين الوعود؟ واين الاحلام الرومانسية والوعود الوردية؟
في خضم هذه المفارقات الزوجية تحضر في الذاكرة الوعود والعهود والخطب والبيانات والتصريحات النارية من قبل المرشحين للانتخابات البرلمانية في الدول النائمة والنامية، حيث تكون فترة الاستعدادات للانتخابات اشبه بفترة الخطوبة يتسابق فيها المرشحون على تسويق افضل ما يمكنهم انتاجه من الوعود الوردية والاحلام الرومانسية للشعوب المسكينة والمستكينة بدءا من القضاء على الفقر والبطالة وهدم خط الفقر مثلما هدم الالمان جدار برلين وتوفير افضل الخدمات والتوزيع العادل للثروات واجتثاث الفساد والفاسدين والمفسدين ومحاسبة الفاشلين والمقصرين وبناء المساكن للمسحوقين وتوفير ليس رغيف الخبز وحسب وانما ( الكص والكباب والبرياني والباجة والبقلاوة والتوتي فروتي واصابع العروس) للجائعين، لكن ما ان تنتهي المعارك الانتخابية وتسقط من على لافتات الاعلانات الصور الفضائية للمرشحين بابتساماتهم الملائكية، حتى تتحول الساحات البرلمانية في مختلف الدول المتوسلة والمتسولة الى ساحات للمكاسب والامتيازات والمناصب والسفرات والايفادات للاشخاص وللكتل البرلمانية وتبقى حقوق الشعوب الاساسية مهملة منسية بانتظار دورة اخرى للانتخابات البرلمانية لتمسي مرة اخرى مادة دعائية تحيط بها الهدايا والمكارم (الانسانية) من المدافئ والبطانيات والمواد الغذائية تماما مثل فترات الخطوبة العادية التي غالبا ما تتحول من فترة للتعرف على طباع وخصال وعادات ومميزات شخصية الآخر الى واحدة من اخصب فترات الكذب والدجل والخداع التي تجر وراءها المصائب والخرائب وتشعل فتيل الازمات الاسرية والمعارك الزوجية.

واذا كانت التقارير الرسمية قد اكدت ان المعارك الزوجية قد ادت الى وقوع (11682) حالة عنف بين الرجال والنساء، منها (10155) حالة عنف رجالية ضد النساء، مقابل (1527) حالة عنف نسائية ضد الرجال، فان في العلاقة بين البرلمانيين المنتخبين الذين (يمثلون) شعوبهم (اصدق) تمثيل في الدول المتسولة والمتوسلة لايمكن بأي حال ان تقع اية حالة عنف من قبل الشعوب ضد ممثليها مهما استأسدوا عليها وسرقوا ثرواتها واهانوا كرامتها وبددوا اموالها، والا اتهم من يقوم بذلك بالخيانة العظمى وبالارهاب وبالعمالة للدول الاجنبية، فاذا سرق الجائع رغيف خبز في بعض الدول ربما يعدم، اما اذا سرق  مسؤول ما الوطن فانه ربما يكرم.