سلطان يخشى النمل ولا يتورع عن قطع الرقاب/ شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, مايو 13, 2015, 10:14:58 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

سلطان يخشى النمل ولا يتورع عن قطع الرقاب


برطلي . نت / خاص لبريد الموقع
   

قبل ايام كنت اشاهد حلقة من مسلسل حريم السلطان ، فجلب انتباهي بصورة خاصة  موقف للسلطان وهو يتجول في حدائق القصر . توقف السلطان عند شجرةٍ كان قد اجتاحها النمل وكأنه قد اقسم ،بواسطة جيشه العرمرم ،على إزهاق روحها . تأثر السلطان كثيرا لحالة الشجرة الكبيرة وكاد يُصدر أمرا بإيقاف تقدّمِ النمل ومن ثمّ إبادته ، لولا الشك الذي  ساوره بصورة مفاجئة  وجعله يتردد في اتخاذ قراره : هل له الحق فعلا في قتل النمل ؟!!   استدعى كاتبه وأملى عليه كتابا موجها الى أبو السعود افندي ، مستشاره في شؤون الشريعة  . أتاه الردّ من المصدر الديني  مؤكدا بأنه للسلطان الحق في كل شئ  لأنه سلطان العالم ، بما فيه القضاء على النمل ، ولكنه يجب ان يعلم بان هذا النمل سيحاسبه يوم القيامة . عند هذا تراجع السلطان سليمان عن فكرته تاركا الشجرة فريسة لأطماع النمل.

دعتني اللقطة هذه الى ابتسامة خفيفة لا تخلو من الكثير من علامات الاستفهام لا سيما عندما نعلم بأنّ المسلسل  يسرد وقائع حقيقية من تاريخ الدولة العثمانية. توقفتُ انا ايضا اسوة بالسلطان ، وبعد تفكير بسيط  ، دخلت عالم الخيال مفترضا بأنَّ ما أفتي به ابو السعود افندي هو صحيح ، وتصورت نفسي هناك في يوم القيامة . اتخذتُ موضعي بين مليارات  الصفوف انتظر جلسة الدينونة وأحكامها ، لانه المعلومات التي استقيتها منذ القدم تفيد بان يوم القيامة هو يوم حساب لكل البشر منذ الخلقة .  كنتُ ملاصقا لكرسي صغير اعتقدت بانه قد خُصّص لمن أحسّ بالتعب جرّاء وقوفه الطويل ، فهمَمتُ بالجلوس عليه ، وإذا بأحد القائمين على حُسن سير يوم الدينونة ،  يمنعني من الجلوس قائلا بان الكرسي  مخصص للنمل ، وللحال ابصرت جمعا كبيرا من النمل يتوجه الى الكرسي الصغير . اعتقدت بان الامر يخصّني أنا شخصيا ، فقلت  ما عساه أن يكون مصيري اذا أدلى النمل بإفادته السلبية عنّي ، انا الذي لم اتردّد ولو للحظة عندما كنت  أسحق النمل وأحرقه أو أشبِعه بالمبيدات ، ولو اني بعد رؤية الحلقة  امتنع الان عن ملاحقته .
قلت ايضا : أيعقل ان يكون الامر صحيحا ، واذا كان الامر كذلك ، ماذا عن حقوق البقّ الذي نسحقه عند استقراره على وجهنا أو أية منطقة في جسمنا ، وهل سَلِم عن هذا التصرف العفوي حتى القديسون أنفسهم ؟ وماذا عن البعوض والصراصير والذباب ، ناهيك عن الحشرات الضارة ؟ واذا تابعنا نفس المبدأ نقول : لماذا نقبل بذبح الحيوانات الاخرى ونأكلها ؟ ومن سينقذنا من دعاوى الخروف والثور والسمك والدجاج والطيور الاخرى التي لم اجد لها مقاعد خاصة بها !!
قبل ان يتقدم النمل بإفادته ، وقبل دخول الحشرات الاخرى مع الحيوانات المذبوحة الى القاعة ، طويتُ الصفحة . تركت عالم الخيال والفرضيات وعُدت الى واقع حياتي اليومية ، وقلت ما هذا السلطان الذي قبل أيام ، وعلى مشهد من جمع كبير من ابناء شعبه ، إستلّ سيفه وقطع رقبة قائد جنده لانه كان قد  صدّ احد ابنائه الامراء دفاعا عن نفسه ، وفي حلقة لاحقة ، امر بخنق ابنه االبكر ولم يترك له حتى مجال الدفاع عن نفسه وإثبات براءته.
سلطان يقتل ويبطش ويقطع الرؤوس بدم بارد وضمير في غاية الارتياح ، ويهتزّ بدنه خشية محاسبة النمل !!
لقد اخترتُ هذا الموضوع وهذه المشاهد لانها مستقاة من التاريخ وتمثل  ظاهرة ليست غريبة عنّا وبعض تصرفاتنا نحن ، عندما نبلع الفيل ونعصر النملة أو البقّة كما يقال . نهمل الجوهر للاهتمام بما هو عرضي وظاهر. نهمل ما من شأنه ان يضرّ ونسعى وراء ما لا ينفع .
يُعير البعض أهمية قصوى لقصر ثوبهم وطول لحيتهم ، في الوقت الذي يكونون قد  امتهنوا  مهنة الاعتداء في قتل وذبح  البشر ، دون تقريع ضمير ، كما يحدث في ايامنا . 
ويركّز البعض الاخر اهتمامهم على تفاصيل يرونها خطيئة او مخالفة كبيرة ، كتناولهم اللحم في يوم مخصص للصوم مثلا ، او تناولهم الطعام ربع ساعة قبل انتهاء موعد الصيام ، وهؤلاء البعض يكونون قد اشاحوا بوجههم لدى مرورهم في نفس اليوم ، امام  شخص طريح الارض ينتظر يد العون من المارّة  . همّهم الوحيد والأهمّ  كان الوصول الى كرسي الاعتراف قبل ان يغادر الكاهن !! لقد خاف هؤلاء من يوم القيامة ، ولا يعرفون بأنهم سيُحاسَبون لعدم اسعافهم الجريح الذي ناداهم ولم يأبهوا به ، وليس لتأخرهم في الاعتراف .
ورجلُ دينٍ لم يرضَ حتى سماع عدد من رعاياه ، بحجة انه ذاهب لتوديع سيدنا المطران الذي كان حزم حقائبه لقضاء عطلته في الخارج ، وكان هؤلاء الرعايا قد قصدوه في محاولة المصالحة بين أخوين متخاصمين منذ زمن طويل كانا  قد تواجدا في المدينة ذلك اليوم ، وتمّ تهيئة اجواء التقائهما.  والشخص الاخر الذي امتنع عن مساعدة اخيه المحتاج بالرغم من امتلاكه المال ، ويتباهي بوضع ورقة نقدية في صندوق الكنيسة مثلا .
ولا اريد ان اطيل عن حالات قد سمعنا المئات منها ، عن المنافقين والدجالين والأتقياء المتزمتين ، لاني اوشكت الابتداء بموعظة لا أراها إلاّ من اختصاص اشخاص امتهنوا الوعظ  بقناعة روحية داخلية تامّة تقنع حتى الحجر !!   
أما كلمتي الاخيرة فهي : الأهم في الحياة هو الانسان وخدمة الانسان ومحبته قبل اية وصية او واجب آخر ، والدينونة ستنطلق من هذا المبدأ .



متي اسو

المِشكلة ليست في السلطان ( او الدول )
المشكلة ليست في جيوش الفتوحات ( غزوات غير محسنة ) .
المشكلة ليست في الرعاع القتلة  ( افرادا او احزابا او مليشيات او تنظيمات ) .
المشكلة الازلية محصورة فقط في " أبو السعود افندي ، مستشاره في شؤون الشريعة ".
المشكلة الابدية هي في الشيخ والملّا وفي دار الافتاء  .... لهؤلاء ينحي الكل وينفذ كل الجرائم التي قد لا تخطر على بال .
السلاطين كانوا يقتلون اخوانهم وكل ابنائهم  ، ويتم ذلك حرصا على " الخلافة لاسلامية " !!!! حتى لا ينافسوهم على السلطنة وتكون هناك " فتنــــــة "!!!! الشيوخ أفتوا وصدر قانون رسمي بذلك !! . ... المشكلة في الشيخ وكتابه ...