ما هو دور البطريرك سويريوس في إستقلال الكنيسة السريانية ؟

بدء بواسطة henri bedros kifa, يناير 27, 2012, 07:19:56 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

henri bedros kifa

ما هو دور البطريرك سويريوس في إستقلال الكنيسة السريانية ؟



هذه السنة هي الذكرى الألف و الخمسمئة على إنتخاب سويريوس بطريركا على كرسي إنطاكيا. عندما كنت طالبا أحضر أطروحة دكتورا حول أسباب إستقلال الكنيسة السريانية الآرامية المناهضة لمجمع خلقيدونيا، تابعت عدة محاضرات حول خطب البطريرك سويريوس الكبير وهي مترجمة من اليونانية الى السريانية. و كنا بدورنا نترجم تلك الخطب و المواعظ الغنية الى اللغة الفرنسية بينما كان الأستاذ يعلق عليها  و يشرح لنا أهميتها و عمق معانيها.
لقد إكتشفت من خلال الدراسات التي تابعتها حول تاريخ كنيستنا السريانية أن كثيرين من العلماء يقللون من دور البطريرك سويريوس في إستقلال الكنيسة السريانية لذلك أحببت من خلال هذه الدراسة أن ألقي بعض الأضواء على حياة هذا البطريرك الناسك القديس .
أولا - من هو البطريرك سويريوس ؟
أ – " تاج السريان"
   هو من ألمع العلماء في اللاهوت لأنه - كما سنرى - درس اللغات اليونانية و اللاتينية في الإسكندرية و علم الشرائع (المحاماة) و الفلسفة في بيروت. لقبه يعقوب الرهاوي ٦٣٣-٧٠٨م بتاج السريان مما دفع
بعض السريان اليوم الى الإعتقاد بأنه سرياني الجنس و هذا غير صحيح تاريخيا.
ولد سويريوس في مدينة سوزوبوليس (قرب أنطاليا الحالية) في منطقة بيسيديا في أسيا الصغرى (تركيا اليوم). سنة ولادته غير معروفة بالتأكيد و هي بين سنتي ٤٥٩ و ٤٦٥ م. يؤكد لنا زكريا البليغ , الذي كتب سنة ٥١٦ م كتابا حول حياة سويريوس، أن أحد أجداده كان أسقفا لمدينة سوزوبوليس و قد شارك في مجمع أفسس سنة ٤٣١ م.
ب - سفره الى الإسكندرية
  توفي والد سويريوس و لكن والدته إهتمت في تعليمه و أرسلته مع أخويه الى الإسكندرية كي يتعلم اللغات اليونانية و اللاتينية . يقول لنا رفيقه في الدراسة زكريا البليغ أن مدينة الإسكندرية و رغم إنتشار الديانة المسيحية كانت لا تزال تحوي مناطق و قرى وثنية عديدة. و كان الصراع الفكري قائما بين أساتذة الفلسفة من جهة و بين المسيحيين المؤمنين من جهة ثانية.
و كان سويريوس يعيش حياة التقوى بينما كان رفاقه يهاجمون بعض الأحيان المعابد الوثنية ليلا و يهدمونها. يخبرنا زكريا البليغ هذه القصة الطريفة, بعض طلاب الإسكندرية كانوا يقفون على الحياد في الصراع بين المسيحيين و المدافعين عن الديانة الوثنية. أحد هؤلاء الطلاب كان متزوجا و قد صبر عدة سنوات و لكن زوجته لم تنجب له فذهب الى كبير الوثنيين و طلب مساعدته كي تنجب له زوجته و هنا طلب منه الوثني أن يعيش معهم في القرية و أن يدفع مبلغا من المال .
و في النهاية أعطاه طفلا مولودا جديدا و طلب من الزوج أن ينشر الخبر في مدينة الإسكندرية  أن زوجته العاقر قد أنجبت بفضل الديانة الوثنية و لكن سرعان ما إنفضح كذب الوثنيين. و قد علق الورع إسطيفان " إذا كانت إمرأة عاقر تلد طفلا بفضل أدعية الوثنيين، فمن المنطقي أن يتأكدوا إذا كانت ترضع الحليب !".
ج - سويريوس في بيروت
  كانت بيروت من أهم المدن في الشرق في العهد البيزنطي بفضل كلية الفقه و الفلسفة التي كان يقصدها الطلاب من كل أنحاء الإمبراطورية. الجدير بذكره أن زكريا البليغ يذكر لنا أسماء عدة كنائس في بيروت و يصف في إحداها لوحة جدارية لآدم و حواء. المدهش أن إحدى الكنائس كانت تسمى " يهوذا أخو يعقوب".
لقد أتهم سويريوس بأنه كان وثنيا قبل عماده و هنا شهادة صديقه زكريا هي صادقة لأنه عاش عدة سنوات مع سويروس و يؤكد أنه كان مسيحيا بالإيمان (cathéchumène شموعو بالسرياني) و كان يمضي كل أوقات فراغه في الصلاة بعيدا عن مباهج المدينة.
إن عادة سكان بسيديا المسيحيين هي أن يتعمدوا في سن الشباب و هذا ما فعله سويريوس سنة ٤٨٨ م في مدينة طرابلس و في كنيسة ليونتس و ذلك بعد إتمام دراسة الحقوق.
و كان سويريوس يريد السفر الى بلاده لممارسة مهنته . فسافر الى حمص التي كانت مشهورة بوجود رأس يوحنا المعمدان ثم سافر الى أورشليم مع أحد عبيده لزيارة الأراضي المقدسة.
  من يريد أن يطالع حياة سويريوس باللغة السريانية أو الفرنسية : رابط
http://www.tertullian.org/rpearse/pdf.articles/Zacharias_Rhetor_Life_Of_Severus_1_122.pdf
ثانيا -  سويريوس الراهب المتقشف
يبدو أن سويريوس قد تأثر بحياة الرهبان الذين تعرف على طريقة  حياتهم فسافر الى جوار غزة حيث و إنضم الى الرهبان و كان يعيش  متوحدا و لكن بعد واة والدته حصل على حقه من الميراث فبنى ديرا  و جمع عددا كبيرا من الرهبان.
سنة ٥٠٩ م شرع نيفاليوس يضطهد الرهبان الرافضين لمجمع خلقيدونيا مما دفع الراهب سويريوس مع عشرات من الرهبان للسفر الى  القسطنطينية من أجل إسترجاع أديرتهم . و بقي سويريوس حوالي ثلاث  سنوات هنالك حيث إلتقى بالإمبراطور أنسطاس و كبار مستشاريه .
و كان فلافيان بطريرك إنطاكيا يرفض شركة الإيمان مع المصريين  و هذا مما دفع المطارنة و الأساقفة الى الإجتماع في فينيقيا سنة٥١١ و خلعه من كرسي إنطاكيا. و تم إنتخاب سويريوس و صدق  الإمبراطور على هذا الإنتخاب لما كان يتمتع سويريوس من سمعة طيبة.
كان المطران فيلوكسين المنبجي توفي ٥٢٣ م يناضل منذ سنوات عديدة ضد تعاليم مجمع خلقيدونيا و كان يفسر قانون الإيمان الذي  أصدره الإمبراطور زينون بمعنى رافض لمجمع خلقيدونيا . أغلبية ساحقة  من مطارنة و أساقفة و رهبان بطريركية إنطاكيا كانت تؤيد البطريرك  ساويرا الذي قبل شركة الإيمان مع كرسي الإسكندرية و رفض تعاليم مجمع خلقيدونيا .
  لم تدم رئاسة سويريوس سوى ست سنوات لأن الإمبراطور أنسطاس  توفي سنة ٥١٨ م بدون وريث فوصل يوستينوس الى العرش و كان  خلقيدونيا فأسرع بأمر المطارنة و الرهبان بالقبول بتعاليم خلقيدونيا ثم طرد كل الرافضين .
هرب البطريرك سويريوس الى مصر و بقي هناك الى وفاته سنة٥٣٨ م في ٨ شباط.
لقد أتهم سويريوس بأنه سمح بالتعرض الى رهبان سوريا الثانية  و أغلبهم من رهبان دير مار مارون حوالي سنة ٥١٧ م. و كثير من رجال الدين الموارنة يدعون أن عشرات القتلى من الرهبان كانوا ضحية هذه " المذبحة " !
قد يكون هؤلاء الرهبان قد تعرضوا الى " مذبحة " ربما من قبل لصوص مجرمين و لكن إتهام البطريرك سويريوس هو  أمر لا يقبله كل الباحثين النزهاء الذين تعرفوا على زهد و قداسة هذا  البطريرك!
ثالثا - ما هو دور البطريرك سويريوس في إستقلال الكنيسة السريانية ؟
يلمح شتاين الى أن مار يعقوب البرادعي كان قد لعب دورا أهم بكثير من دور البطريرك سويريوس إذ يقول " إن العقيدة الإيمانية عند المونوفيزتيين هي نفسها عقيدة سوريوس الإنطاكي , أما التنظيم الذي بفضله صمد إلى يومنا هذا في مصر وسوريا فهو يعود إلى يعقوب البرادعي , وإنه لمن الأصح ألاّ يسمى هذا التنظيم بالكنيسة السوريوسية بل بالكنيسة اليعقوبية"
راجع  Stein (E) , Histoire du Bas Empire . T-2 , p-626
يعتقد "شتاين" أن الكنيسة المناهضة لخلقيدونيا قد سميّت "يعقوبية" بفضل دور ونشاط يعقوب البرادعي! المشكلة هي أن تسمية هذه الكنيسة باليعقوبية ليس له علاقة بتنظيم مار يعقوب لها!
فمن المؤسف أنه من جهة نرى أن  خصوم هذه الكنيسة كانوا يسمونها "يعقوبية" ويدرجونها ضمن البدع المانوية , الأريوسية والنسطورية وغيرها و من جهة ثانية كان السريان في الماضي يجهلون كليا السبب الذي دفعهم الى تسمية كنيستهم " يعقوبية"!
ذكر البطريرك ميخائيل الكبير في تاريخه: " كثيرون كانوا يؤيدون فكرة يعقوب الطاعن في السنّ , لأنهم كانوا متعلقين به , ولهذا السبب أُطلِقت عليهم تسمية اليعاقبة"
MICHEL LE SYRIEN , chronique , livre X , chap XIII P-324 .
  دراسة المصادر و نقدها و مقارنتها تسمح لنا كشف الأسباب الحقيقية  فإننا من خلال تاريخ يوحنا الأفسسي المعاصر لتلك الأحداث نستطيع أن نعرف السبب الحقيقي فهو يكتب  يُخبرنا عن إختلاف يعقوب البرادعي مع البطريرك بولس حول امور داخلية متعلقة ببطريركية الأسكندرية فإنقسم السريان و الأقباط بين مؤيد ليعقوب و مؤيد لبولس. JEAN D'EPHESE . H.E Livre IV Chap.17
   لا أحد ينكر جهاد مار يعقوب البرادعي من أجل تنظيم الكنيسة المناهضة لمجمع خلقيدونيا و لكن يجب ألا نتجاهل دور سويريوس في إدارة شؤون المؤمنين فهو الذي سمح لرسامة الكهنة و هو الذي كان  يراسل المطارنة و الرهبان و يؤلف الكتب للدفاع عن عقائد الكنيسة المناهضة لمجمع خلقيدونيا.
  الخاتمة
إن دراسة النصوص السريانية و اليونانية التي تعود الى النصف الأول  من القرن السادس الميلادي تؤكد لنا أن البطريرك سويريوس - بالرغم  من كل الإضطهادات - كان يأمل أن تتوحد الكنيسة الجامعة و قد  سافر سنة ٥٣٥ م الى القسطنطينية و بقي فيها حوالي السنة من أجل وحدة الكنيسة.
   أفرام بطريرك إنطاكيا سيرسل سركيس الرأسعيني سنة ٥٣٥ م الى روما - ربما لمؤهلاته الدبلوماسية و لأنه كان يجيد اللغة اليونانية  -كي يقنع البابا بضرورة سفره الى القسطنتينية من أجل طرد سويريوس.
مجيئ البابا المفاجئ سيدفع الإمبراطور يوستنيانوس الى ملاحقة كل المطارنة المعارضين لتعاليم خلقيدويا.
  لا شك أن البطريرك سويريوس قد تعرف على الراهب يعقوب في مدينة القسطنطينية و قد يكون البطريرك سويريوس قد ترك تعليمات بعد فشل الوحدة المنشودة.
هنري بدروس كيفا

ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة