الشعب الأمريكي مدين لمقتدى الصدر

بدء بواسطة صائب خليل, يناير 13, 2012, 04:38:00 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

في تشرين الثاني الماضي، كان جنود اميركيون في قاعدة عسكرية قرب بغداد يحيون آخر عيد شكر لهم في العراق، معلنين عن سعادتهم لقرب عودتهم الى بلادهم. أما بالنسبة للعراقيين، فرغم بعض المنغصات مثل وجود سفارة لا تشبه السفارات بشيء، والقلق حول فحوى الإتفاقات الستراتيجية، فإّنّ إحتفال العراقيين بجلاء القوات الأميركية كان كبيراً ومدوياً. 

لاعجب، فقد كان الوجود العسكري الأمريكي الذي يرتبط بالكثير من الجرائم المشينة والصور القبيحة في الذاكرة، مكروهاً لدى الشعب العراقي، كما أكدت جميع الإستطلاعات الأميركية والعراقية. ولعل آخرها كان استبيان نشره مركز المعلومة للبحث والتطوير في نهاية 2011، حول موقف طلاب الجامعات العراقية، وأظهر إنّ نسبة من أيد الإنسحاب قاربت الثلثين، رغم شمول أربيل، حيث التأييد الكردي لبقاء القوات، ورغم تخوف نسبة كبيرة من الطلاب من تدهور الأمن والطائفية وغيرها. ولم يعتبر الوجود الأميركي تحريراً سوى 13.5%، ورفض منح الحصانة حتى للمدربين الأميركيينن أغلبية ساحقة بلغت 86.2 %!  (1)

وقد وصل هذا الموقف الشعبي إلى الكتل السياسية والبرلمان قوياً وتم إقراره. لقد كان هناك تردد وتذبذب لدى البعض وإصرار ثابت لدى الآخر. الثابتان كانا: الكردستاني في القبول والصدريين في ا لرفض والتهديد  بعمل عسكري ضد الإحتلال. وبدا موقف كتلة رئيس الحكومة متردداً بين الضغط الأميركي والضغط الشعبي، ثم أخذ موقفاً حاسماً، ثم عاد ليشكك بموقفه، من خلال قول رئيس الحكومة المشهور للكتل الآخرى: «إن قبلتم سأقبل». لكن الجميع استجاب في نهاية الأمر للإرادة الشعبية، وكسب الرافضون للتمديد واحتفل العراقيون.

على الجانب السياسي الأميركي لم تسر الأمور بهذه البساطة، فقد تعرضت إدارة أوباما للّوم والإتهام، واعتبر البعض قرار الإنسحاب «لحظة مهينة للولايات المتحدة». وكان الناطق باسم السفارة في بغداد يرد معتذراً بأنّه قرار العراق و«لا يمكننا أن نقول للعراقيين: سنبقي قواتنا رغم إرادتكم" (2)
وتعرض وزير الدفاع الأميركي إلى النقد والتقريع من قبل أعضاء مجلس الشيوخ لسحب القوات من العراق. واجاب بانيتا: «الخيار لم يكن خيارنا». السيناتور الجمهوري جون ماكين لم يصدق، واتهم الإدارة بأنّها فعلت ذلك لأنّه جزء من إلتزامها الإنتخابي! فردّ بانيتا بقوة قائلا "سناتور مكين هذا ببساطة غير حقيقي."! (3)

لم يكن غضب ماكين مفاجئاً، فقد كان هناك لوبي سياسي كبير يعمل منذ حوالي سنتين من أجل توقيع معاهدة جديدة تبقي القوات، لكنّه فشل في النهاية. (4)

أما الشعب الأمريكي، فكان في غير واد سياسييه، فلم يكن أقل حماساً للإنسحاب مما كان لدى العراقيين، بل ربما أكثر. فقد بينت إحصائية أجرتها الواشنطن بوست أن أكثر من ثلاثة أرباع الأميركيين (78%) يؤيدون سحب القوات الأميركية! (5)

وهنا يتبادر إلى ذهن المرء سؤال لا بد منه: إذا كان شعبان يعيشان الديمقراطية التي تعني «حكم الشعب»، ويؤيدان قضية واحدة في العلاقة بينهما، وبنسب عالية جداً تكفي حتى لتغيير دستوريهما، فلماذا بدا الإنسحاب كحلم لا يصدق لكليهما؟
وأكثر إثارة هو السؤال: لماذا نجحت ديمقراطية الشعب العراقي التي تئن تحت الإرهاب والفساد في تحقيق ما ينتظر منها، فكان قرار ساسته في هذه النقطة ما يريد شعبهم، بينما لم يقبل الساسة الأميركيين الأمر إلا غصباً؟ ولماذا وجب على بانيتا أن يختبئ  وراء جواب خجول بأنّ الإنسحاب «لم يكن خيارهم» بدلاً من أن يجيب بثقة: «نعم إنّه خيارنا لإنه خيار شعبنا ونحن نعيش في ديموقراطية»!

أليس مثيراً للإنتباه أن الدولة التي تنشر جيوشها في كل العالم "من اجل الديمقراطية"، لا تبدو مهتمة بحال الديمقراطية في بلدها؟ أليس غريباً أنّ الحكومة التي طالما دعت القذافي وعلي صالح والأسد إلى الإستماع لصوت شعوبهم، تتعرض للتقريع بأنّها تستمع لصوت شعبها، فتعتذر بأنّ الأمر لم يكن في يدها؟ اليس من المدهش أن يكون «تنفيذ الأجندة الإنتخابية» تهمة تنأى الحكومة بنفسها عنها، ويؤكد وزراؤها بغضب: "هذا ببساطة غير حقيقي!"؟ أخيراً، أليس غريباً أنّ الدولة التي تصدر المجلدات في إنتهاكات حقوق الإنسان في العالم، تنتخب مرتين رئيساً يضطر لإلغاء زيارة إلى السويد خوفاً من القاء القبض عليه بتهمة التورط بالتعذيب؟ (6)

ما نتحدث عنه ليس في شكل ومظاهر الديمقراطية، بل أسس الديمقراطية وتعريفها، فحين يصل الأمر إلى أن يتعرض السياسي الذي «يشك» بأنّه أتخذ قراراً أراده الشعب الأميركي بنسبة 78%، ويتوقع أن يعود عليه بالخير لدعم خزينته المنهارة. (7)

ألا يعني أن الديمقراطية الأمريكية في أزمة كبيرة، وأكبر من أزمة الديمقراطية العراقية المنهكة، وأنّ ساسة أميركا يعاملون شعبهم باحتقار رغم كل ما يقال.

كتب أحد المتظاهرين في حركة «إحتلوا وول ستريت» يقول: "كيف يمكن أن يحدث هذا في أميركا؟ لماذا تعامل الشرطة المواطنين الأمريكيين وكأنّهم أهدفا عسكرية؟ ولماذا توجه القوة العسكرية اللازمة لشن الحروب على الخارج، ضد تجمعات محلية واحتجاجات سلمية؟ هل مازال هذا بلدي؟" (8)

ويرى رون باول، الساعي لرئاسة أميركا بأن "المسمار الأخير قد دق في نعش الجمهورية الأمريكية. الكونغرس يعيش حالة إنكار تام، وحقوقنا المدنية تختفي بتسارع أمام عيوننا، يدفعها الخوف غير المبرر والجهل بالمعنى الحقيقي للحرية، مؤسسة على خرافات  إقتصادية وأكاذيب ونوايا حسنة غير منطقية. دور القانون يلغى باستمرار وتقدم حلول سلطوية لجميع مشاكلنا."
ثم تحدث رون عن الصلاحيات الجديدة التي يتم منحها للرئيس والتي شبهها بصلاحيات الدكتاتورية. "فالرئيس الآن يحق له إصدار أوامر الإغتيال، حتى للمواطنين الأمريكان، وإجراء المحاكمات العسكرية السرية، والسماح بالتعذيب وإصدار أوامر الإعتقال لمدة غير محدودة، وخارج نطاق النظام القضائي المتعارف، والتفتيش بدون الإجراءات النظامية والدستورية  وتجاوز الحد الأقصى القانوني لستين يوماً لإبلاغ الكونغرس عن طبيعة اية عملية عسكرية، والإستمرار بتنفيذ "الباتريوت أكت" الذي لا يعني سوى "إشعال الحروب حسب الرغبة"، ومعاملة الأمريكان جميعاً كمشبوهين بالإرهاب في المطارات بالتفتيش بالأشعة التي تكشف الجسم..." ....ويستمر الحديث.. (9)

ما الذي أصاب النظام الأمريكي ليصل بالبلاد إلى هذا التدهور الإقتصادي وبأهلها إلى خيبة الأمل العميقة تلك؟ - أنا أقول: "الشركات"!

تعتمد الديمقراطية الحديثة على مبدأ «صوت واحد لفرد واحد»، إلا أنّ ضرورة المال للإعلان، يجعل من قدرة الشخص على التبرع للجهة التي يريد انتخابها أكثر أهميةً من صوته نفسه. وبالتالي فتأثير ملياردير على نتيجة الإنتخابات ربما يكون أكثر من تأثير أصوات الف مواطن. هكذا تحطم هذا المبدأ.
ومفهوم الديمقراطية الاساسي هو أنّ الشعب هو الذي يقرر سياسات الدولة، لكن كما رأينا فإنّ القرارات العسكرية بعيدة عن إرادة الشعب، بل إنّ القرارات الإقتصادية والإجتماعية، جميعها أيضاً تحت ضغط سلطة المال.
فمن الناحية الإقتصادية، يمتلك سوق الأوراق المالية عملياً حق الفيتو على قرارات الحكومة المنتخبة. فأول سؤال يسأله البيت الأبيض أو الكونغرس حول أي قرار إقتصادي هو عن رد فعل سوق الأوراق المالية المتوقع على ذلك القرار. وعندما رفض مجلس النواب أول رزمة لإنقاذ البنوك الأميركية في أيلول 2008، هبط سوق الأوراق المالية برقم قياسي مقداره 777 نقطة، ولم "تهدأ الأسواق" إلا بعد إمرار القرار!
وأما من الناحية الإجتماعية فتشن السطلة المالية التي تقود اقتصاد السوق حملة متواصلة لإلغاء مختلف مخصصات الأمن الإجتماعي وتخفيض ضمانات التقاعد والبطالة، وتحارب كل محاولات فرض نظام عام للتأمين الصحي وتقليل الصرف على التعليم العام والخدمات العامة.


أن ما تشهده أميركا اليوم، هو نتيجة السير في طريق بدأ قبل قرون، وانتهى إلى تسليم شركات السلاح سلطات تؤثر على القرارات السيادية للشعب كما حذر الرئيس السابق آيزنهاور،(10) وقبلها كانت الشركات المالية قد سلبت حكومة الشعب المنتخبة حتى حق طباعة الدولار!

منذ ذلك الحين سارت فيه الديمقراطية الأمريكية اشواطا إلى الوراء، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم. فهل من غرابة إذن أن يحتفل الأمريكان غير مصدقين بتنفيذ حكومتهم ما يريدون ولو إجباراً؟ وهل من العجب أن يعتذر الساسة ولو بشكل غير مباشر، لأنهم نفذوا دون قصد، نقطة في أجندتهم الإنتخابية تتعلق بسحب القوات من ا لعراق؟ وهل نكون مجانبين للحقيقة إن اعتبرنا أن الشعب الأمريكي صار مديناً لمقتدى الصدر وليس لأوباما، لتحقيق ديمقراطيته في هذه القضية ؟


(1) http://www.tammuz.net/news/arabic/22-12-0111.pdf
(2) http://www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-15724404
(3) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=57013
(4) http://www.tomdispatch.com/blog/175216/tomgram%3A_engelhardt,_the_future_belongs_to_no_one___/
(5) http://www.washingtonpost.com/blogs/behind-the-numbers/post/public-opinion-is-settled-as-iraq-war-concludes/2011/11/03/gIQADF2qsM_blog.html
(6) http://www.dailymail.co.uk/news/article-1354211/George-W-Bush-cancels-Switzerland-visit-fears-arrest-torture-charges.html
(7) http://www.yanabeealiraq.com/n1011/n01111108.html
(8) http://www.alternet.org/story/153170/%22how_could_this_happen_in_america%22_why_police_are_treating_americans_like_military_threats?page=entire
(9) AMERICA IS GONE!! Listen to this... It is over! WAKE UP PLEASE!!!.
(10) http://www.informationclearinghouse.info/article5407.htm