تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

ما بين كل عطلة وعطلة، عطلة

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, ديسمبر 23, 2011, 11:38:24 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي

ما بين كل عطلة وعطلة، عطلة



23-12-2011 | (صوت العراق) -  أضف تعليق - نقاش - د. ناجح العبيدي - برلين

تسعة أيام بالتمام والكمال عطل العراق بمناسبة عيد الأضحى أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) 2011. خمسة أيام منها أعلنتها الحكومة عطلة رسمية لكي يتسنى للجميع، شيعة وسنة، الإحتفال بالعيد دون حسد الآخر. وأضيفت إليها عطلتا نهاية الإسبوع ليكتمل هذا الرقم الذي يؤهل بلدنا "المرفه" لدخول كتاب جينس للأرقام القياسية.

ولو حدث ذلك في بلد صناعي متقدم لأعلنت عشرات الشركات إفلاسها ولفقد الآلاف وظائفهم. فليس من المعقول أن توقف الشركات في مناسبة واحدة فقط نشاطها لأسبوع ونصف وتواصل في الوقت نفسه دفع الأجور والمرتبات وغيرها من التكاليف الثابتة. وأي صحيفة تحتجب لمدة تسعة أيام هي مهددة بأن تفقد قراءها، هذا الى جانب تكبد خسائر مالية باهظة.

في العالم المتقدم يشكل وقت الفراغ والعطل الرسمية والإجازة السنوية أحد المؤشرات الهامة على رفاهية المجتمع. ولم يأت ذلك عن فراغ، وإنما بعد كفاح طويل خاضته بالدرجة الأولى الحركة العمالية من أجل حصول العمال والموظفين على وقت كاف للراحة ولاستعادة نشاطهم الجسمي والعقلي. وللمقارنة فإن مواطني السويد يتمتعون سنويا بتسع عطل رسمية فقط، بينما تترواح مدتها في ألمانيا بين 10 و13 يوما بحسب الولاية، مقابل 14 يوما في إسبانيا الكاثوليكية.

ومع ذلك فإن الكثير من أرباب العمل في البلدان الصناعية يشكون من كثرة العطل الرسمية والاجازات. وعندما يصادف مجئ عيد الميلاد أو أي عطلة رسمية أخرى مع عطلة نهاية الاسبوع فإن رجال الأعمال لا يخفون عادة فرحهم لأن ذلك سيعني زيادة في الايرادات والأرباح.

وتشير تقديرات الخبراء الاقتصاديين الى أن توفير يوم عطلة واحد يعني زيادة النمو الاقتصادي بقرابة 0,1 نقطة مئوية. في المقابل يشعر العمال والموظفون بالأسى لذلك لأنهم سيفقدون يوما للراحة أو لتمضية وقت مفيد مع عوائلهم. وبالتأكيد فإنه هذا الأسى سيتحول الى استغراب لو عرفوا بما يحدث في بلادنا.

ومع أن عدد العطل الرسمية بحسب مشروع قانون العطل الرسمية الذي أعده مجلس الوزراء لايتضمن عطلا كثيرة، إلا أن العراق يتفوق في الواقع على بقية دول العالم بكثرة المناسبات الوطنية والدينية الرسمية وغير الرسمية والتي يقدرها البعض بما يزيد عن 100 يوم في العام دون أن تثير استهجان مسؤولي عهدنا الجديد.

فالقانون يحتوي على 13 عطلة رسمية في العام، فضلا عن 13 عطلة رسمية اخرى خاصة بالأقليات الدينية في العراق طبقا لتواريخ المناسبات الدينية لتلك الأقليات.

لكن وكما يبدو فإن عقارب الساعة تسير في العراق بطريقة تختلف عن بقية العالم. فقد أصبح تعطيل أعمال البلاد والعباد صفة بارزة للمرحلة التي جاءت على أنقاض النظام الديكتاتوري وتحول فيها مهد الحضارات وموطن الابداع الانساني الى مايمكن وصفه ببلاد تنابلة السلطان الذين تتحدث عنهم الحكايات القديمة.

وبالتأكيد فإن هذا الوصف لا ينطبق على العمال والحرفيين وأصحاب المهن الحرة وأرباب المشاريع الصغيرة والفلاحين الذين يعملون في ظروف صعبة من أجل تدبير رزقهم، وإنما بالدرجة الأولى على الطبقة والنخبة الجديدة الحاكمة.

وهي ظاهرة استفحلت بعد سقوط نظام صدام حسين البائد ولاحظها على سبيل المثال لا الحصر الحاكم المدني الأمركي بول بريمر. ففي مذكراته عن العام الذي قضاه في العراق يتحدث بريمر عن "كسل" بعض أعضاء مجلس الحكم وعادتهم بأخذ قيلولة أثناء فترة الظهيرة بعد تناول وجبة غداء دسمة، بينما كان مساعدوه يعملون ليلا ونهارا على حد قوله.

وبعد عهد بريمر القصير أصبح من الأعراف السائدة للعمل البرلماني أن يتوقف مجلس النواب عن عقد جلساته في موسم الحج لأن نوابه المؤمنين لا يفوتون فرصة لمحو ذنوبهم، أما مصالح الناخبين فتأتي في مرتبة لاحقة.

وبعد عودتهم من الحج يخصص ممثلو الشعب ومسؤولون آخرون بضعة أيام لاستقبال المهنئين بالحج المبرور. وليس نادرا أن يواجه البرلمان مشكلة عدم اكتمال النصاب في جلساته لأن عددا ليس قليلا من النواب ومن بينهم زعماء بارزون يفضلون قضاء معظم الوقت في إجازة مفتوحة في عمان أو دمشق أو طهران. ومع ذلك يتسلم هؤلاء مرتبات ومكافآت ومنافع اجتماعية يحسدها عليهم أعضاء البرلمانات العريقة في العالم.

بدروها اعتادت الحكومة التبرع في عيدي رمضان والأضحى بأيام عطل اضافية على الرغم من أن مدتها تعتبر طويلة أصلا بالمقارنة مع البلدان الأخرى.

أما المشكلة الأكبر فتتمثل في المناسبات الدينية الكثيرة التي تستغلها الأحزاب الاسلامية بمختلف ألوانها لاستعراض عضلاتها ولتحشيد أنصارها في ظاهرة نادرة لا توجد في أي بلد في العالم.

وقد بدأ ذلك مباشرة بعد سقوط النظام السابق الذي مارس قمعا وحشيا لمنع الشيعة من أداء طقوس عاشوراء وغيرها. ومن هنا كانت مشاركة الملايين في إحياء ذكرى مقتل الأمام الحسين في تلك الفترة مفهومة تماما لأنها جاءت تعبيرا عن الفرحة بنهاية هذا التمييز الطائفي المقيت.

وبعد انتهاء حقبة الدكتاتورية والتغيير الجذري في النظام السياسي كان من المفترض أن تعود الأمور الى سياقها الطبيعي دون مبالغة أو تسييس في المناسبات الدينية. غير أن الواقع يشير الى عكس ذلك، إذ يلاحظ أن إحياء ذكرى مقتل الحسين وأربعينته وغيرها من المناسبات يستغرق أياما عديدة. بل وظهرت مناسبات جديدة وبدأت مجالس المحافظات وخاصة في جنوب البلاد في التنافس على إعلان عطل جديدة.

ولا تقتصر الآثار الاقتصادية السلبية لكثرة العطل على تكاليفها المالية المباشرة والخسائر الناجمة عن تعطل الحياة العامة وتوقف النشاط الاقتصادي والحكومي خلال هذه المناسبات وما تمثله من عبء تنظيمي كبير على دوائر الدولة وخاصة الأجهزة الأمنية بسبب التهديدات الارهابية.

فعلاوة على ذلك تشكل أيضا عاملا سلبيا بوجه الاستثمارات الأجنبية وتلقي بظلالها على قطاع التعليم الذي لا يجد الوقت الكافي لتنفيذ البرامج الدراسية. وفوق هذا وذاك فإن طريقة إحيائها لا تعود بفائدة اقتصادية تستحق الذكر على القطاع الخاص والسوق المحلية.

في العالم المسيحي تنتظر شركات تجارة الجملة والتجزئة شهر ديسمبر/كانون الثاني بفارغ الصبر، ليس للاحتفال بميلاد يسوع المسيح وإنما لأن هذا الشهر هو الفترة التي ينفق فيها المستهلكون المليارات لشراء الهدايا والمأكولات والمشروبات الخاصة بالمناسبة. وهو ما يشبه الى حد بعيد ما يحدث في رمضان في الدول الاسلامية حيث تزيد النفقات بشكل غير طبيعي لشراء مستلزمات شهر الصيام.

غير أن تخفيض ساعات الدوام وتراجع النشاط الاقتصادي الى أدنى درجاته خلال شهر كامل يعني تكبد البلاد لخسائر اقتصادية باهظة تعادل بالتأكيد بضع نقاط مئوية من الناتج المحلي الاجمالي. ولو مرت بلدان صناعية ببضع أشهر رمضان فإن هذا لوحده كفيل بإرجاعها الى مصاف الدول النامية خلال سنوات معدودة.

لا أحد يجادل في الأهمية الروحية والاجتماعية والثقافية والسياسية للعطل والاجازات. فهي جزء لا يتجزأ من وجدان الشعب وذاكرته الجمعية. ولا يمكن لأحد أن يدعو الى إلغاء العطل الرسمية أو الاسبوعية أو حرمان العمال والموظفين من الاجازة السنوية.

فهذه العطل هي أولا ضرورية للراحة ولتجديد قوة العمل وبالتالي لاستمرار العملية الاقتصادية ورفع مستوى الانتاجية. وهو مبدأ أقرته الأديان السماوية إذ يعتقد الموروث اليهودي والمسيحي أن الرب خلق السموات والأرض في ستة أيام واستراح في اليوم السابع.

كما تعتبر العطل بحد ذاتها عاملا اقتصاديا لا يستهان به، إذ توجد قطاعات بكاملها، وفي مقدمتها السياحة، تعتمد الى حد بعيد على وقت الفراغ وطرق تمضيته. غير أن مدة وقت الفراغ لا تُحدد اعتباطيا وإنما بناءً على مستوى تطور الاقتصاد الوطني.

إن الجهات التنفيذية والتشريعية ملزمة بالاسراع بإصدار قانون جديد للعطل الرسمية والعمل على تطبيقه في كافة أنحاء البلاد وبما يكفل ترشيد العطل والقضاء على العشوائية والفوضى السائدة في هذا المجال. وبالتأكيد فإن هناك إمكانية لتقليص عدد أيام عيد رمضان والأضحى دون المساس بقيمتهما الروحية.

مع حساسية الموضوع لا بد من خوض نقاش صريح وواسع حول معنى وجدوى العطل في المناسبات الدينية. وإضافة الى التفكير بالجوانب الاقتصادية لها لا بد من الاشارة الى أن إحياء المناسبات، وحتى تلك المرتبطة بأحداث مأساوية في الماضي، يجب أن يهدف في المقام الأول الى إشاعة روح التسامح واستلهام عبر الماضي وتجنب إثارة الاحقاد والتفرقة.




Read more: http://www.sotaliraq.com/mobile-news.php?id=35909#ixzz1hMB4OWGL
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة