العراق بحاجة لإتفاقية تبادل مجرمين مع دولة كردستان

بدء بواسطة صائب خليل, ديسمبر 22, 2011, 09:07:15 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

هرب طارق الهاشمي المتهم بالإرهاب إلى كردستان، أو ربما سمح له البعض ان يهرب تفادياً للإحراج، كما يوحي به توقيت إعلان التهمة في  الإعلام وتوقيت إصدار مذكرة إلقاء القبض، وهكذا تثير قضية الهاشمي عدة إشكالات وتبرزها إلى السطح إضافة إلى محورها الرئيسي وهو علاقة الهاشمي بالإرهاب.

المشكلة الأولى هي الموقف السني من الموضوع. ويبدو لي ان هذه المشكلة ليست بالحجم الذي نخشاه، فليس المفروض بالسنة، مهما كانت ثقتهم قليلة بالمؤسسات العراقية القضائية خاصة، أن يقفوا بين القانون وبين المتهم. ونذكر أن جماعة علماء العراق حذرت من ثقافة قد يشيعها بعض الاطراف بان استهداف الهاشمي هو استهداف للسنة ، داعية الهاشمي الى المثول امام القضاء العراقي المستقل، وفي موقفها هذا ما يحتذى به.(1)

القضاء العراقي بعيد عن أن يوصف بالنزاهة، هذا أمر يجب أن نقره، والأدلة عليه عديدة، ونزاهته ليست بالضرورة لصالح الحكومة، بل لدينا مثال ناصع عليها في الوقوف بوجه الحكومة أيضاً في قضية عادلة واضحة، ولصالح جهة يبدو أنها اقوى من الحكومة.

والمثال الذي لا أنساه عن ذلك هو وقوف القضاء بوجه فضح التزوير الإنتخابي الذي حدث مؤخراً، بتنسيق مع المفوضية الفضائحية، لمنع كشف الحقيقة. فبعد الضغط الشديد ومقاومة فرج الحيدري لإعادة العد، أصدرت المحكمة قراراً يسجل كفضيحة من نوع خاص ربما على مستوى العالم، حين وضعت نص قرارها بشكل يسمح بإعادة العد يدوياً، مشترطة عدم إجراء مقارنات الوثائق التي يمكن أن تفضح ذلك التزوير! لم اسمع بحياتي محكمة تحكم بالتحقيق، بشرط أن لا يقدم نوع معين من الأدلة، أو أن يمنع متهم أو مشتكي من تقديم نوع معين من الأدلة التي تثبت قضيته، في أية محكمة في التاريخ!

محكمة عليا أخرى تبرهن لنا أن القضاء العراقي بعيد للغاية عما يؤمل منه، هي محكمة الجنايات العليا، والتي قدمت قبل فترة قصيرة وثائق تثبت أن رئيس المحكمة يسيء إستخدام صلاحياته بشكل مخيف وصل إلى محاولته حل مشاكله العائلية بالقوة من خلال استخدامه تهماً ملفقة تتعلق بـ "الإبادة الجماعية" (!!) ليجبر زوج إبنته السابق على الخضوع لشروطه في موضوع الطلاق! ولا تقف الكارثة عند هذا الحد، بل ان هذه الوثائق التي تحتوي توقيعاً لنائب برلماني، قدمت إلى أعلى الجهات الحكومية والقضائية والبرلمان، ولم يتخذ حسب علمي أي إجراء بشأنها، وربما جرت تسوية الموضوع مع المشتكي وإعطاءه حقه، أما الحق العام وسمعة القضاء والثقة بواحدة من أخطر المحاكم في البلد، فهي أمور يمكن التضحية بها على ما يبدو، ولن يثير أحد الكثير من الضوضاء حولها.
هذه القضية وهذا التجاهل والدفع بالقضية إلى مجاهل النسيان، لا يدين المحكمة وحدها وإنما يشكك بالقضاء العراقي عموماً، إضافة إلى التشكيك بالبرلمان والحكومة.

أقول، رغم كل ذلك، لا مفر من القبول بالمحاكمة ومواجهة القاضي، فالخيار الآخر يعني تحطيم إحترام القضاء وبالتالي أحد أهم اسس الدولة. ونذكر أن المشتكين على فرز الأصوات، ومنهم كتلة رئيس الوزراء، قبلوا حكم المحكمة المسخرة، رغم علمهم بأنه جائر ووقح بشكل غير معهود، إحتراماً منهم للقضاء والمحكمة الدستورية، فكلفة تحطيمها أكبر من قيمة المقاعد التي ساهمت بتزويرها مع بقية فريق السفارة الأمريكية والمفوضية العليا للإنتخابات وممثل الأمم المتحدة، الذي كان بصفة مراقب ولم يحتج على مثل ذلك القرار، بل كان يدعوا بصلافة الجميع إلى احترام "نتائج التصويت"، وكان بالحقيقة يدعو لإحترام "نتائج التزوير".

نلاحظ أن هذا الموقف مختلف عن موقف أياد علاوي حين حكمت المحكمة الدستورية بأن تعريف الكتلة الفائزة بأنها التحالف الذي يحصل على أغلبية المقاعد، وهو قرار قابل للأخذ والرد ، وليس فضيحة مدوية كقضية العد. ومع ذلك فقد رفض اياد والعراقية قرار المحكمة، وملءوا الدنيا بالشكوى ضده، ولو كان الأمر بيدهم لتصرفوا بعكسه.

الموقف السليم لمن يحرص على البلاد أن يقبل بالقضاء الحالي حتى يتم تنظيفه، فليس هناك خيار بديل سوى الفوضى، والهاشمي لذلك، وكشخص مسؤول، مدعو إلى الإمتثال لهذا القضاء، إن كان حريصا عليه وعلى سمعته.

من ناحية أخرى فأن على من يرون أن طارق الهاشمي يمثلهم، من السنة، أن يدعموا هذا الإتجاه، فالوقوف بين المتهم وبين القانون موقف سلبي خطر، أكبر من طارق الهاشمي وأكبر من السياسة والمصالح ولا تعرف نتائجه. فبالنسبة للضحايا، وخاصة الطائفة الشيعية، فإن الرجل مطلوب لمشاركته في قتل أبنائهم، فكيف يكون شعورك ممن يحمي قاتل أبنائك؟ وأي شرخ إضافي يمكن أن يحدث بين الشيعة والسنة في هذا الظرف الحرج؟
ربما لا نستطيع أن نجبر متهماً بالقتل أن يسلم نفسه، ونتفهم ما قد يكلفه ذلك، لكن الطائفة السنية مطالبة بأن توضح موقفها بأسرع وقت ممكن وبأوضح ما تكون العبارة، بتأييد تقديم المتهم إلى القضاء ودعم الحكومة في هذا الأمر بكل ما تستطيع.

ستكون هناك أسئلة شك كثيرة. لماذا في هذا التوقيت؟ مئات القضايا الإرهابية، هل يعقل أنها اكتشفت كلها فجأة اليوم، ام كانت موجودة على الرف حتى اللحظة المناسبة؟ الوثائق تتحدث عن نتائج تحقيق مر عليها أكثر من سنة، فأين كان المالكي والحكومة والشرطة خلال كل تلك السنة؟

لكن هذا كله، ورغم أنه يشي بثغرات خطيرة في الأمن العراقي وكيفية تسيير الأمور فيه، فهو لا يعني أن المتهم لم يرتكب تلك الجرائم ويشارك بها. ربما الشرطة والحكومة أجلت بالفعل تلك القضايا حتى اللحظة التي تريدها، والتي قد تناسب أجندتها، لا أدري، لكن أمامنا متهم بالإرهاب وعليه إعترافات قوية، وعليه أن يواجه المحكمة. فقضية ارتكاب الجرائم تختلف عن قضية تأجيل إثارتها، رغم أن الثانية مؤشر خطير ايضاً، ويتوجب على الحكومة أن تقدم تفسيراً له.

ولنفرض أن قضية التأجيل مسيسة، وأن المتهم قام بارتكاب جرائمه منذ زمن، وأن الحكومة أخفتها، فلماذا تريد الطائفة السنية أن يحسب عليها مجرم، وأن يكون أحد ممثليها؟ بالنسبة للجميع هو مجرم قاتل، إن ثبتت التهمة عليه، ويجب أن ينال جزاءه، اما بالنسبة لطائفته وحزبه وقائمته، فهو إضافة إلى كونه قاتل، فأنه قد الحق ضرراً شديداً بتلك الطائفة وذلك الحزب وتلك الكتلة. أفليس من الطبيعي إذن أن تكون هذه الجهات الأكثر إصراراً على عقابه لما ألحقه بها من اضرار إضافية؟ أليس إيجابياً أن يفهم قادة الطائفة والكتلة والحزب أنهم إن أساءوا لطائفتهم أو حزبهم فأنهم سيدفعون الثمن غالياً ، وأنها ستكون أول الداعين إلى إنزال أقسى العقوبات به؟

من يخشى أن يظلم الرجل ولا يحصل على محاكمة عادلة، فليوكل له أفضل وأكبر مكاتب المحامين، حتى من الخارج. وليدع ممثلين عن جهات قضائية وإعلامية عالمية لحضرو الجلسات لضمان سلامة المحاكمة. الشهادات التي قد تكون مزورة ليست دليلاً قاطعاً، وستكون هناك فرصة للمحامي أن يبين الخلل فيها ويحاجج الشهود عن المكان والتاريخ والظروف التي قامت بها الجرائم. وسيكون من الصعب الحكم بحكم جائر في حالة وجود خلل في الأدلة وفي أقوال الشهود يكشفه الدفاع. السنة يجب أن يضغطوا على الهاشمي لكي يسلم نفسه للقضاء، لأنهم بذلك يدافعون عن سمعتهم وموقفهم وصورتهم أمام غيرهم. هذا إضافة إلى أن رفض ذلك الموقف سيدفع الآخرين إلى نفس الأمر ويتدهور القضاء والقانون إلى القعر. وحتى لمن يرى أن الجانب الآخر الشيعي قد تساهل مع بعض قادته أو حماياتهم وهربهم إلى الخارج، فأن هذا لا يعني أن الصحيح هو الإستمرار في هذا النهج، وتصحيح الخطأ بالخطأ ، بل يجب اتخاذ الموقف الصحيح، والضغط على المقابل من خلال هذا الموقف، بأن يتخذ هو أيضاً الموقف الصحيح مستقبلا. وقبل أن يقول لي أحد أن هذا موقف مثالي نظري، أرجو منه أن يقول لي ماهو الموقف العملي الصحيح؟ أن تقف كل طائفة في حماية متهميها من مواجهة القانون وتساعدهم على الإفلات منه، إنتقاماً من الطائفة الثانية؟ أليس الضرر أكبر عليك مما هو على الطائفة الثانية؟ تطهير البيت من المجرمين ضرورة بشكل خاص لأصحاب البيت نفسه قبل الجيران، فهل تحرق بيتك من أجل أن تنتقم من الطائفة الثانية؟
لطالما استغربت أن تنتخب الطائفة السنية من انتخبت من أشخاص سيئي السمعة مثل أياد علاوي، الذي يصفه الأمريكان انفسهم بأنه "سافلهم في بغداد"، وطارق الهاشمي الذي يعود من واشنطن ليتحدث عن ضرورة طرح تمديد القوات وأخيراً يطلب من المالكي أن "يجد صيغة لحل مشكلة الحصانة"، رغم أن الطائفة السنية هي الأكثر كرها للأمريكان، فكيف يمثل هؤلاء هذه الطائفة؟ إن كانت الأمور قد سارت بشكل لم يتح للناس ان تنتخب من يمثلها بشكل مرضي، فقد آن الأون أن يتم تنظيف هؤلاء ليس فقط من المجرمين، وإنما من كل من لا يسير وفق الأجندة التي يرتضيها ناخبوه، وجاء بظرف طارئ.

النقطة الأخرى في الموضوع هي موقف حكومة كردستان، فقد أكد المسؤولون فيها للشرق الأوسط بأنهم لن يسلموا الهاشمي إلى بغداد وأن له أن يبقى إلى ما يشاء، وأنهم على استعداد لتوفير محاكمة عادلة له، وأنه "في دائرة الاتهام وليس مدانا"،...." وعليه فإن تسليمه إلى السلطات العراقية غير وارد إطلاقا".(2)
وكانت قيادة عمليات بغداد أكدت أمس أن "القوات الأمنية ملزمة بتنفيذ أمر إلقاء القبض بحق المتهم طارق الهاشمي في جميع المناطق دون استثناء".

وهي ليست المرة الأولى التي تضع كردستان من نفسها ملجأً للفارين من القانون. فقد سبق لها أن احتظنت اللص المدان حازم الشعلان، الذي شكر حماته مثلما يشكرهم طارق الهاشمي اليوم، وكنت قد كتبت مقالة عن ذلك في ذلك الحين بعنوان "اللصوص تشكر حماتها علناً".(3)

وقصة كردستان والعراق قصة كتبت وكتب العديد غيري المقالات الكثيرة عنها، وسنكتب، فنحن نشعر ليس فقط أن هذا الإقليم أصبح بلداً مستقلاً، وإنما ربما بلد غير صديق للعراق، وموضوع الشركات النفطية مازال مشتعلاً. وهاهي قضية الهاشمي تشير إلى أن العراق ربما كان بحاجة إلى معاهدة لتسليم المطلوبين للعدالة مع كردستان، على الأقل كما تفعل الدول التي بينها علاقة جيدة!

أخيراً أود أن أنبه إلى أني لاحظت أن العديد من القضايا الإجرامية كانت موضع خلاف بين الشيعة والسنة، إلى درجة أن إحداها – عروس التاجي- أحتوت على جزء غير صحيح، وبشكل لا يدين أية جهة ، لكنه يشير إلى ان من وضعه يتعمد إعطاء غير المصدقين للقصة (من السنة)، سبباً قوياً لما يعتقدون، ليكون الخلاف والتوتر على اشده، وتلعب جريمة النخيب على نفس الوتر، ويبدو لي أن هذه الأخيرة يمكن أن تفسر بهذا الشكل، وأن هناك من تعمد كشف الحقائق، وفي نفس الوقت السماح للمتهم بالهروب لكي تبقى القضية تثير التوتر بين الطرفين، وإلا فإني لا اجد تفسيراً أن يعلن في وسائل الإعلام عن الموضوع قبل صدور أمر القاء القبض، وكأن من رتب الموضوع يريد للمتهم أن يهرب، وإلا فأرجو من الجهات المسؤولة أن تشرح لنا لماذا تم تسريب الخبر إلى الإعلام، وهل ينتظر من متهم بالإرهاب أن ينتظر الشرطة في بيته؟

إنها مجرد تساؤلات، وفي كل الأحوال، فأن على الجهات التي يحتسب طارق الهاشمي عليها أن تدعم تسليمه للقضاء والمحاكمة العادلة، سواء كان هذا السيناريو الأخير صحيحاً أم مجرد مصادفة، وفي ذلك الخير للجميع، كما بينا.

ملاحظة: قبل إرسال هذا المقال علمت ان حملة تفجيرات في بغداد تسببت في سقوط 48 شهيد، وفي تقديري أن هذا يزيد من احتمال كون القضية مؤامرة للإيقاع بين الشيعة والسنة. ويميل الناس الغاضبون إلى القاء التفجيرات على "جماعة الهاشمي" لكن ليس هناك أي دليل على ذلك. وفي تصوري أن الهاشمي ليس لديه كل هذه الإمكانيات لتجنيد الإرهابيين بعد تشتت شمله، ولو كان له كل هؤلاء الإرهابيين لما استخدم ضباط حمايته ليقوموا بأنفسهم بتنفيذ العمليات التي تم الإعتراف بها، بدلاً من تكليف المجموعات التي تنفذ العمليات اليوم فلا يجلب شبهة على نفسه في حالة الإمساك به. كما أنه ليس من الواضح كيف يمكن ان يستفيد الهاشمي من هذه التفجيرات بقدر ما يتضرر، فهل يمكن أن يتوقع أن الحكومة ستخاف منه وتتراجع أم يزيد إصرارها على الإمساك به؟ بينما من يريد أن يثير حرب أهلية عند خروج قوات الإحتلال، فهو المستفيد من القضية، وليس لي سوى أن ادعو إلى الروية والتقصي قبل إصدار الأحكام فالوضع خطير للغاية، وهذا تخطيط جهة قوية وليس مجموعة حماية. وهناك حملة واضحة على النت لزيادة غضب الناس وتوجيهها ضد عموم السنة، حتى قبل أن يمسك اي شخص، أو يعرف مذهبه أو حتى إن كان الضحايا من الشيعة، ولو هم قادرين على كل شي، فأرجو الحذر الحذر، وعدم الإنجرار إلى ما يريده من خطط للمؤامرة الوسخة الكبيرة. من يثبت عليه جرم يجب محاسبته بشدة، والباقي أبرياء تماماً، ولا تزر وازرة وزر أخرى!

قلبي على هذا البلد وأهله.

(1) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=10667#comment64470
(2) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=10670
(3) http://www.iraqgreen.net/modules.php?name=News&file=article&sid=3359


ماهر سعيد متي

برأيك هل هناك علاقة طردية بين الزيارة الى واشنطن وبين الوضع الحالي المتفجر ؟
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

صائب خليل

تحياتي استاذ ماهر،
لا أحد يدري طبعاً، لكن لو لاحظت بعض المؤشرات التي تؤكد ذلك وأهمها أن المالكي يتنقل في تصرفه عادة بين الحذر الشديد والصولات المفاجئة، ومن ملاحظاتي ان الصولات تأتي دائماً في وقت يمكن أن يفسر لصالح أميركا، وهو مؤشر معقول أن الفرق بين التصرفين يعتمد على الضوء الأخضر الأمريكي. الكارثة ليست في ما حدث حتى الآن، الكارثة إن كانت الخطة الأمريكية فخ لقتل المالكي نفسه بعد استثارة أتباعه بأن هناك حملة إرهاب سنية..
تحياتي لك أخي العزيز