تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

مؤتمر واشنطن و الدولة التي نريد

بدء بواسطة صائب خليل, ديسمبر 15, 2011, 09:54:19 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

في المؤتمر المشترك بين المالكي وأوباما (1)، بدا الحديث ودياً جميلاً، لكن كان هناك الكثير بين السطور، فالكثير منه يثير القلق على ما ينتظر وطنه وما يأمله من مستقبل له، وهنا نناقشه نقطة نقطة.

تحدث اوباما عن سرعة النمو في العراق، وقال أنه "في طريقه ليصبح في مقدمة (منتجي) النفط."

والحقيقة أن العراق لا يجب أن يريد أن يكون "في مقدمة منتجي النفط" بل أن يكون له إقتصاد متوازن، يستخرج نفطه (فليس هناك أي "إنتاج" في الحقيقة) بالدرجة التي يحتاجها لبناء عقلاني لإقتصاده وتطوير شعبه، وليس أن يكون مثالاً آخر للنماذج الخليجية التي أهدرت ثرواتها في شراء الأسلحة وبناء أعلى العمارات، ودعم الأزمات المالية للبنوك الأمريكية والبريطانية، وبقيت متخلفة العلم والثقافة كما كانت منذ عقود وهاهو نفطها يوشك على الإنتهاء ولم تكد تتقدم خطوة في سلم الحضارة. فكثرة "إنتاج" النفط بلا تخطيط وتحديد ليست تطوراً بل بلاهة وتبديد ثروة البلاد وخيانة للأجيال القادمة. أن من يقف في الصف الأول من منتجي النفط، دول لا تستحق التقليد.

وذكر أوباما أن "العراق يقيم علاقات إقتصادية وتجارية جديدة مع جيرانه".

لكن الحقيقة أن ليس هناك تأثير للولايات المتحدة سوى قطع العلاقات الإقتصادية بين العراق وجيرانه، وقد بدأتها بإيران، التي تضغط أميركا من أجل أن يشاركها العراق حصارها عليها. فبعد إقالة الوزير الذي كشف تحكم بنك جي بي موركان بقرارات العراق الإقتصادية ودعا إلى علاقة إقتصادية قوية مع إيران، وقال أن العراق بحاجة إلى تعاون إيران في قطاع الكهرباء والتي كانت تبيعه المحطات والغاز والمواد الإحتياطية بنصف سعر الغرب، ألغيت العقود مع إيران وأعيدت العقود الإستغلالية مع الشركات الغربية. وكما أخبرنا الوزير "الفاسد بلا دليل"، لم يسمح بنك جي بي موركان للعراق حتى بدفع ديونه مما اشتراه من إيران من كهرباء وغيرها، والآن يتظاهر أوباما بتشجيع العراق على علاقات إقتصادية مع جيرانه! بل لا يستبعد أن يتم الضغط على العراق، سواء بواسطة جي بي مورغان أو غيره لقطع العلاقات مع سوريا، وأية دولة لا ترتاح لها أميركا، وبالفعل عبرت بعض الشخصيات البرلمانية عن قلقها من هذا الأمر. ما تريده أميركا هو أن لا تبقى من علاقات "الجيران" إلا العلاقات الإبتزازية لأصدقاء أميركا، مثل علاقتنا النفطية المشبوهة بالأردن، وعلاقة التوتر مع حكومات الكويت والسعودية- الأمريكيتان بامتياز.

أوباما: "ستكون (علاقتنا) مثل العلاقات الحميمة التي لدينا مع الشعوب الأخرى ذات السيادة."

إن استثنينا إسرائيل، فليس للولايات المتحدة علاقة "حميمة" مع أية شعوب، وإنما مع حكومات فقط. فالشعوب عموماً لا تحب أميركا وسياساتها ولا تريد علاقة معها وتثبت الإحصاءات سنة تلو سنة أن موقف الشعوب من أميركا موقف سلبي، وأنها تعتبرها الخطر ألأكبر على إستقلال قرارها وسيادتها، وبالذات في البلدان التي تواجدت فيها قوات أميركية. وفي معظم الأحيان تجد تلك الشعوب أن حكوماتها تبتعد عن مصالحها حين تتعامل مع أميركا وإسرائيل، وبالتأكيد العراق ليس استثناءاً.
وإن كانت الولايات المتحدة قد فشلت في غرس قواعدها العسكرية ثابتة في العراق واكتفت بمركز تجسس عالمي أسمته "سفارة" فان دولاً أخرى فشلت في زحزحة تلك القواعد، وأدت محاولاتها إلى إسقاط حكومات منتخبة كما في استراليا 1972 و استقالة حكومات اخرى أنتخبت على أساس شعار إزالة القواعد الأمريكية كما في حكومة اليابان السابقة، فعن اي علاقات مع شعوب يتحدث أوباما؟ هل حكوماتهم قادرة على إقناع شعبهم بهم أصلاً؟ الم تصل خيبة امل الناسب بأوباما حدها الأقصى، وهبط من سبقه إلى أدنى من 20%؟

أشار أوباما إلى أن العراقيين يبحثون عن ... "دولة للمواطنين وليس للطوائف" ، وقال "لذلك فنحن نتشارك لتقوية المؤسسات التي تعتمد عليها الديمقراطية العراقية.. إنتخابات حرة..."

معروف لدى العراقيين أن المشاريع الأمريكية للعراق كانت مشاريع تقسيمية بامتياز، والإعلام العراقي الذي بناه الإحتلال ويموله مازال يبث سمومه لتفريق الناس، وآخر خبر كان عن شكوى محافظ كربلاء وتهديده قناة الحرة الأمريكية بالملاحقة القضائية لأنها اختلقت الأخبار عن الخلاف بين كتلتي أمل الرافدين ودولة القانون وإنها تضع صيغة الأخبار بما يلائم تلك الأجندات (2). وهاهو أبرز المرشحين للرئاسة الأميركية نيوت غينغريتش يصرح قبل أيام أن الفلسطينيين "شعب مختلق"(3)
فهل هناك دولة أخرى يقودها مثل تلك النماذج النازية الشديدة الإحتقار لشعوب الدول العربية بالذات، إن استثنينا حليفها الحميم إسرائيل؟ هل توجد أمة أخرى يكون أهم مواضيع مرشحيها للرئاسة ما يقدمونه من دعم للنازية الإسرائيلية المحتقرة للعرب والإسلام؟ ولا يستبعد أن يجد العراقيون أنفسهم وفق المعاهدة تحت رحمة إدارات برئاسة مثل هذه النماذج، وقد استلمت مقدراتهم الأمنية والعسكرية والإقتصادية، فما العمل عندذاك؟ وحتى لو بقي الديمقراطيون، فهل تدل مشاريع بايدن، عراف المعاهدة، إلا على أنه يعتبر الشعب العراقي أيضاً "مختلقاً" من أجزاء يسعى إلى إعادة تقسيمها؟

أما المؤسسات الديمقراطية، فقد رأينا نوع العلاقة التي تريدها أميركا معها، حين أرسلت السفير ليضغط على تلك المؤسسات من اجل إبقاء البعثيين الممنوعين من المشاركة في الإنتخابات، وعن الإنتخابات الحرة. ورغم ذلك تشتد اليوم مع المعاهدة حملة شرسة لإسكات كل من يعترض، فتخرج له كالدبابير أصوات محمومة ليتهمونه بأنه مع البعث!! وقد علق أحد الكتاب على الوضع قائلاً: ما أشبه اليوم باليوم الذي هتف البعض: "والما يصفق عفلقي" ثم "الما يصفق فارسي" وهاهو من لا يصفق لمشاريع المالكي الأمريكية "عفلقي" من جديد، رغم كل الحقائق التي تدين أميركا وتؤكد علاقتها الوطيدة بالبعث! ولقد رأينا فضيحة استلام الجيش الأمريكي لصناديق الإقتراع سراً من المفوضية الفاسدة، ورأينا رئيس برلماننا يقطع البث عن الناس لكي لا تفتضح أميركا، فهي عنده أهم ما يجب حمايته، ليس على حساب وطنه فقط، بل حتى على حساب سمعته، وكل ذلك من اجل إيصال قائمة علاوي التي تضم اكثر البعثيين عدوانية ووقاحة، ورغم ذلك فمن لا يصفق لهؤلاء فهو المتهم بالبعث!

أوباما: "سوف نجعل الظروف انسب للشركات للتصدير والإبتكار."

صدق أوباما هنا...ظروف أنسب للشركات لتنهب البلد وتسحق فقراءه وتتلف بيئته، كما تدل كل تجارب الدول التي دخلتها تلك الشركات، خاصة إن لم تكن فيها بنية تحتية سياسية وإرادة حكومية كافية لمنعها من ذلك.

أوباما: "سنقدم خبرتنا في مجال الزراعة والرعاية الصحية... ولتعميق تكامل العراق في الإقتصاد العالمي."

في حقيقة الأمر، خبرة الزراعة هي أعطاء شركات تطوير النباتات المحورة جينياً إحتكار النباتات الزراعية عملياً. ويمكننا أن ندرس ما حدث لفلاحي الهند من ويلات زادت من نسبة إنتحارهم بشكل كبير من جراء ذلك، لنعرف ما ينتظرنا من ذلك. أما في الصحة فهو يريد أن يأتي بتلك الشركات الوحشية التي حاربته هو بالذات وكلينتون قبله طويلاً من أجل منع تقديم التأمين الصحي لشعبه، ونجحت في إبقاء الشعب الأمريكي، الشعب الغربي الوحيد الذي لا يتمتع بتأمين صحي لعقود طويلة! وأما عن "تعميق تكامل العراق في الإقتصاد العالمي" فهو يعني بالضبط وضع العراق في مصيدة مالية مصرفية يمكن امتصاص ثرواته من خلالها بشكل هادئ، أو بشكل حاد في "الأزمات" التي تخلقها المصارف.
لقد بينت "الأزمة المالية" (وهي ليست أزمة، وإنما سرقة بنوك أمريكية للمال العالمي) أن تأثر الدول وخسائرها جراءها كان يتناسب طردياً مع درجة "تكامل تلك الدولة في الإقتصاد العالمي". وفي منطقتنا كانت الإمارات المتضرر الأكبر، وكادت تدخل في مرحلة خطرة على وجودها وسيادتها من جراء ذلك.

أوباما: "نحن نستقبل المزيد من الطلاب و "قادة المستقبل" للدراسة وتكوين الصداقات".

إنه يقصد بـ "قادة المستقبل"، اللصوص المهندمون من رجال الأعمال واصحاب الشركات والإستثمارات كتلك التي تكلف العراق 12 مليار دولار بدلاً من 880 مليون دولار في قطاع الكهرباء. إنها الطبقة الجديدة التي تسعى اميركا لتشكيلها في العراق بنشاط محموم، فهي تعلم من خبراتها السابقة أن مصالحها ومصالح تلك الطبقة الطفيلية تسير في خط واحد، وأنها ستجد في تلك الطبقة النصير الأكثر إخلاصاً، حينما يعي الشعب ما تكلفه علاقته بأمريكا ويسعى لتحديدها والسيطرة على مؤسساته بنفسه. وسيسعى الأمريكان إلى تسليم أمور العراق الحقيقية بيد "قادة المستقبل" هؤلاء، وخاصة من يبرهن أنه الأكثر إخلاصاً لأميركا.

أوباما: "نظراً للتحديات المشتركة التي تواجهنا في منطقة سريعة التغيرات... إتفقنا على تكوين قناة اتصال رسمية جديدة بين مستشارينا الأمنيين."

أية "تحديات مشتركة"؟ من يخدع نفسه بتخيل "تحديات مشتركة" بين العراق وأميركا؟ أية أهداف مشتركة لدى العراق وأميركا في المنطقة أو في أي مكان في العالم؟ "مستشارين أمنيين" سيكونوا أداة أميركا للسيطرة على العراق وشعبه. وسيجمعون كل المعلومات عن كل فرد من افراد الشعب، وبصمة اصابعه ورسم حدقة عينه وخارطة كروموسوماته، لتكون تحت تصرف السي آي أي والموساد، مثلما هي إتصالاته التلفونية الآن. إنهم يفعلون ذلك مع شعبهم وشعوب دول أوروبا "الصديقة"، فيتجسسون عليها لأنهم يعتبرون شعبهم وبقية الشعوب، الخطر الأكبر عليهم. هذه هي الحقيقة ولا توجد أية "تحديات مشتركة" بيننا وبينهم. التحدي الوحيد أمامنا هو في الإفلات منهم.

أوباما: "عدد لا يحصى من العراقيين الذين قدموا أرواحهم، ... وحوالي 4500 امريكي قتلوا."

الصحيح أن يقول: "عدد لم يحص"، وليس "لا يحصى" لان اميركا كما يعلم المتابعون، منعت الإستمرار في إحصاء الضحايا العراقيين منذ السنين الأولى للغزو، فعددهم لا يهم أميركا، ولا يجلب سوى السمعة السيئة للإحتلال.

وإن كان أوباما قد بدا فخوراً في المؤتمر، باعتباره يجلب صيداً ثميناً للشركات التي تقرر فرصه الإنتخابية، فأن الأمر كان أعقد بالنسبة للمالكي. إنه يعلم أن أغلبية كبيرة في العراق تمكنت من فرض سحب القوات، ولا تثق بالأمريكان، و أن لا مصلحة للعراق في علاقة "الشراكة" القوية التي يقوم بتوريطه بها....

المالكي: "لم يكن احد يتخيل أننا سنتمكن من هزيمة القاعدة"

"القاعدة"، هزمها جيش المهدي لوحده يوماً، فاضطرت أميركا لتحويل ما بقي منها إلى "صحوات"، فكيف لا يتخيل أحد أن تتمكن دولة من هزيمتها؟ لا أرى هذا التضخيم إلا محاولة لتبرير السماح للولايات المتحدة بإدارة الشؤون الأمنية في البلاد تحت شعار التعاون ضد عدو مشترك، ولو وهمي.

وأشار المالكي إلى مجالات التعاون المختلفة، بضمنها "الجوانب التربوية"

ولا نفهم لماذا يريد المالكي من الحكومة الأمريكية التعاون في المجال التربوي؟ أية تربية مميزة إيجابية قدمت الحكومات الأمريكية لشعبها لنريد نقل "خبرتها" إلى العراق؟ فوارقه الطبقية القصوى أم جهله بالعالم أم الإنحطاط المعروف في التعليم الحكومي (عدا مؤسسات الأثرياء) قياساً ببقية الغرب. هل نريد أن نقلد التربية التي أنتجت الرقم القياسي لعدد ونسبة السجناء في العالم؟ أم ان الأمر يتعلق بإزالة كل ما يفضح إسرائيل من كتب التاريخ؟

قال المالكي أنه بحث تفاصيل تنفيذ الإتفاقية في لجنة مشتركة عليا تحت رئاسة السيد بايدن ورئاسته شخصياً.

ولا ندري أولاً لماذا يساوي رئيس الحكومة العراقية نفسه بنائب رئيس، حتى ولو من الناحية الشكلية، واهم من ذلك ألم يجد هؤلاء "الأصدقاء" لرئاسة تلك اللجنة، شخصاً أنسب من الرجل الذي يفتخر بصهيونيته، والمعروف بالعراق بمشاريعه التقسيمية المتتالية؟ لماذا لم يطلب المالكي وجهاً أقل قبحاً بالنسبة للعراقيين من وجه بايدن؟ لقد علمته التجربة المرة، أن مثل تلك الطلبات لا ينظر إليها برضى من أميركا، فعندما طلب من بوش تغيير قائد القوات العسكرية الأمريكية في العراق لأنه "لا يستطيع التفاهم معه"، طلب منه بوش "أن يهدأ"!، وهكذا يتعامل الأمريكان مع "أصدقاءهم" - بشكل متكافئ!

قال المالكي أنه "يشعر بالحاجة إلى التعاون السياسي" أيضاً..." خاصة في القضايا المشتركة والأمور التي تهمنا كطرفين"

ما هي القضايا التي تتفق فيها سياسة العراق مع سياسة الولايات المتحدة لكي يتعاونا سياسياً؟ أولويات الولايات المتحدة، وأوباما بالذات معروفة هي حماية اعتداءات إسرائيل وتمكينها من تنفيذ توسعها المستمر بلا خشية من عقاب دولي. وكان قد "تنازل" لإسرائيل عن القدس، كأنه ورثها من أبيه، ووضعت أميركا دون غيرها الفيتو على إقامة الدولة الفلسطينية وانسحبت من اليونسكو وسحبت أموالها لأن هذه اعترفت بفلسطين. وعدا هذا تسعى الولايات المتحدة إلى إشعال الإضطرابات في المنطقة بمحاولات إسقاط حكومتي إيران وسوريا وجلب حكومتين عميلتين لها مكانهما، فاي من هذه الأهداف يشترك العراق في موقفه مع أميركا فيها ليتعاون معها في إنجازها؟

قال المالكي أن "العراق بحاجة إلى الشركات الأمريكية لاستغلال العراق لثرواته بالشكل الأمثل. ... ونأمل أن يكون للشركات الأمريكية  الدور الأكبر لتضخيم ثروتنا في مجال النفط والغاز وغيرها."

لماذا يتكلم المالكي عن الأمر وكأنه يطلب قروضاً من أميركا؟ في العادة ، رئيس الدولة صاحبة الشركات هو الذي "يأمل"  أن تحصل شركات دولته دوراً أكبر، وليس العكس. ولم يخبرنا السيد المالكي ما هي ميزات الشركات الأميركية لكي يأمل أن يكون لها الدور الأكبر لتضخيم ثروتنا في مجال النفط والغاز.
ولكن قبل ذلك ما هو في راي الحكومة ا لعراقية، "الإستغلال الأمثل لثروات البلد" وما هي الخبرة التي جعلتها ترى الشركات الأمريكية أنسب من غيرها لتنفيذه؟
لننظر إلى خارطة الإستكشافات النفطية التي تقدمها الشركات الغربية (التي تمتلك أميركا معظم حصصها) في العراق والدول المجاورة، لنفهم رؤيتها للعراق. إننا نجد أمثلة كثيرة تثير الريبة، ولعل أوضحها، حسب ما أشار خبير النفط العراقي فؤاد الأمير وآخرين، أن الشركات تعمل بنشاط كبير على الجانب الآخر من الحدود العراقية في دول الجوار، وتكاد لا تقترب من الحدود من داخل العراق، إلا عند الحدود الإيرانية. أي ان الشركات تريد أن تعطي كل النفط في الحقول الحدودية المشتركة، إلى الدول الأخرى غير العراق.
ولننظر إلى "الإستغلال الأمثل" بالنسبة للشركات الأمريكية كما طبقته في منطقتها الحرة، كردستان ،– حقول منتجة تحول إلى مناطق استكشافية وعقود مشاركة إنتاج وتعاقدات سرية لا تعرض حتى على برلمان كردستان. هذا ما أعرفه عن تجربة العراق مع الشركات الأمريكية، فهل هذا هو "الإستغلال الأمثل" لثروة البلاد كما يرى المالكي؟ أم هو ما جاء في عقود الجولة الرابعة من إجبار الحكومة على إبقاء معدل استخراج النفط بأقصى طاقته ودفع غرامة إن لم تفعل؟ هل تصرفات شركة أكسون موبيل وعقودها غير الشرعية في كردستان، ما يشجع المالكي للقول أنه يأمل أن تلعب الشركات الأمريكية الدول الأكبر في استغلال ثروة العراق؟ لقد نجح الشهرستاني في ردع تلك الكارثة التي حاقت بكردستان، حتى الآن، عن بقية البلاد ، فهل المالكي بصدد تعميمها على العراق؟

النقطة الوحيدة التي رأيت المالكي كرئيس مستقل يتكلم فيها بمصداقية، حين تكلم عن سوريا. تلك النقطة تعطي الأمل بأن الرجل يمكن أن يقول لا احياناً إن اقتنع بها. ولأن البلدين تصرفا هنا بمواقف تعبر بصدق عن مصالحهما التي لا تلتقي في تقديرنا إلا ما ندر، نجد أن كل منها قد وجه إهانة واضحة إلى الآخر، ربما دون أن يشعرا. أقول لكم كيف.
حاول أوباما تسمية خلافه مع المالكي بـ "الإختلافات التكتيكية" ثم قال: "أنا متأكد أن السيد المالكي قرر كما تقتضي مصلحة بلاده وليس على أساس ما تريده منه إيران".
وفي الجملة إفتراض ضمني أن رئيس وزراء العراق قد يعمل على اساس "ما تريده منه إيران"! وهي جملة مهينة في كل الإعتبارات. تخيلوا لو أن المالكي أجابه، ولو غمزاً: "وأنا متأكد أن السيد أوباما يعمل كما تقتضي مصلحة شعبه وليس كما تريده إسرائيل أن يفعل"! ألم تكن الدنيا ستقوم ولا تقعد مع أميركا؟ لكنها بقيت قاعدة مع العراق.
لم يفعل المالكي ذلك للاسف لكنه وجه إهانة أكبر إلى أوباما دون أن ينتبه – على ما أفترض - حين رد:
"نحن لسنا ضد تطلعات الشعب السوري لكن ليس من حقي ان اطلب من رئيس التنحي. .. لا نريد أن نمارس هذا الدور وأن نعطي لأنفسنا هذا الحق..."
وهذا لا يختلف عن القول لأوباما أنه ليس من حقك أن تفعل ذلك و أنك تمارس دوراً تعطي فيه لنفسك الحق بما لا حق لك به- التدخل في شؤون الدول الأخرى!
وكذلك عن سبب رفض أسلوب الحصار قال المالكي : "لأننا عانينا من الحصار والتدخلات العسكرية فإننا لا نشجع الحصار، لأنه يجهد الشعب ولا يجهد الحكومة." وهو بهذا يتهم الولايات المتحدة ويشير إلى ما فعلته بالعراق، ويذكرنا بالنصف مليون طفل، التي كانت ثمناً مقبولاً للسياسة الأمريكية، كما قالت مادلين أولبرايت، وما تفعله حتى اليوم بدول أخرى مثل كوبا وإيران وسوريا وكل دولة تخرج عن طوعها.
إن مناقشة القضية السورية كان الجزء الوحيد الحقيقي، والذي كشف حقيقة التناقض بين مصالح الولايات المتحدة والعراق.

وإحتار أوباما في جواب سؤال عن عدد منتسبي السفارة الذي يبلغ 15 الف وفيما إذا تمت مناقشة تخفيض هذا العدد باعتباره يثير إشكالات لدى الناس في العراق. وبعد أن أبدى أوباما تفهمه لمشاعر العراقيين قال أنها الحاجة لحماية الدبلوماسين والمدنيين. في الوقت الذي يعلم الجميع فيه ان هذا الرقم الكبير بسبب عدد هؤلاء "الدبلوماسيين" و "المدنيين" الذين لا يعلم احد ماذا يفعلون، وليس بسبب حمايتهم فقط. وقارن أوباما بعثته بتلك التي في الدول الكبيرة المهمة، وهنا كان يكذب بوضوح أيضاً، فليس العراق دولة كبيرة، والأعداد لا تقارن بسفارته في أكبر دولة في العالم، بأي شكل من الأشكال.

يذكر العراقيون أن معاهدة 2008، سميت في البداية بمعاهدة الصداقة، وبعد أحتجاجات شعبية عراقية شديدة، تحول إسمها مرات عديدة ليستقر على الإسم المتواضع الخجول: "إتفاقية سحب القوات" وهو ما اعتبره أحد الكتاب المؤيدين لبقاء القوات بشدة، إسماً "مهيناً"، لكنه كان ضرورياً لإقناع العراقيين بأن المقصود هو طرد الأمريكيين وليس إبقاءهم. واليوم يحاول السيد المالكي وأوباما تسويق علاقة "صداقة" من خلال أختراع "مصالح مشتركة" و "إهتمامات مشتركة"  و "القاعدة" و "الجوانب التربوية" و "تضخيم الإقتصاد" وكلها عبارات لا يستطيع أحد ألبرهنة على أن اي منها يمتلك اية مصداقية. ولهذا تقوم حملة نشطة لدعم إعلامي للمالكي وإسكات الأصوات المعترضة على الإتفاقية لكي لا تواجه هذه ما واجهته إتفاقية "الصداقة" السابقة.

والحقيقة أن على المالكي أن لا ينزعج من الأصوات المعارضة، فالإستسلام شبه التام لإرادة أية دولة أخرى ، سوف لا يستدعي إلا تمادي تلك الدولة في الضغط عليه لكي يستسلم أكثر، ولدينا في السادات وحسني مبارك وعباس خير أدلة. ولن تنفع العبارات المراوغة لإخفاء ذلك الإستسلام. وكلما استسلم أكثر وخسر شعبتيه، وجد نفسه تحت رحمتهم وضغطوا عليه أكثر، وهكذا في سلسلة من الضغط والتنازل لا تنتهي سوى بالكوارث له ولدولته. أتمنى أن يعي المالكي وحزب الدعوة والإئتلاف، تلك الحقيقة، ويضعوا حدوداً واضحة للعلاقة قبل فوات الأوان، وأن يتدربوا على قول "لا" واضحة عندما يتطلب الأمر، وأن يجعلوا الناس تشعر أنهم قادرين على قولها بالفعل وليس لأغراض إعلامية. فالشعب الذي اعترض بشدة على الإتفاقية السابقة، والذي منع تمديدها رغم ضغط أميركا، مازال يقف موقف الريبة من هذه الدولة، وسوف يخسره المالكي إن فهم الشعب أنه أعطى الأمريكان كل شيء مقابل إخلاء قواعدهم.

كخاتمة نقول أنه صحيح أن "صداقة" أمريكا بدون جيوشها وعصابات "بلاك ووتر" أقل صعوبة، لكن أميركا ما تزال تتبع سياسة شديدة العدائية للشعوب العربية وللعراق بالذات، ولم تقدم اية بادرة حسن نية طيلة السنوات الثمان الماضية من سيطرتها على البلد، ولم تكسب سوى كره الشعب العراقي، ولا يوجد ما يبرر التفاؤل بأن الأمر سيتغير. هذا إضافة إلى حماسها لسياسة رأسمالية متطرفة القسوة على الفقراء، بعيدة عن حاجة الشعب العراقي. أميركا لم تقدم اي مؤشر يدعو للثقة، والمالكي يبدو مندفعاً، ولا يضع أية حدود أو شروط لتلك العلاقة الخطيرة على مستقبل العراق، والتي تهدد بتحويله إلى إمارة خليجية ذليلة، تفتخر بتطور أسلحتها وارتفاع فنادقها، وتعطيها الأولوية على مدارس فقرائها التي مازالت من الطين والصفيح. إننا لا نريد دولة مثل هذه! نريد دولة حقيقية تعتني بشعبها ومستقبله ولا تتصرف بصبيانية وكأنها في مسابقة جينيس للأرقام القياسية. نريد دولة لا تشتري الطائرات الحربية كلما بقي لها بعض المال الذي يمكن به أن تؤسس شيئاً لأجيالها، دولة لا تحتاج لأخذ إذن من بنك أجنبي لشراء شيء من اية دولة تريد، ولا تقدم معلومات مواطنيها لدول أجنبية، خصوصاً تلك التي لا يثق بها مواطنوها، ولاتتحجج بالقاعدة والخرافات من أجل ذلك. نريد دولة يمكن أن يفتخر بها مواطنها لإهتمامها بمصالحه المباشرة وليس تكنولوجيا النانو للتجسس، فهل تستطيع إرساء أساس تلك الدولة ايها السيد المالكي؟ عندذاك سنضعك في قلوبنا و فوق رؤوسنا!

(1) http://www.whitehouse.gov/photos-and-video/video/2011/12/12/president-obama-s-press-conference-prime-minister-maliki#transcript
(2) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=10380
(3) http://www.alalam.ir/news/891124



ماهر سعيد متي

من شروط التفاوض وجود نوع من التساوي في موازين القوى بين المتفاوضين .. فالتفاوض القائم على طرف قوي وآخر ضعيف .. او قائم على دولة مستقلة منذ مايزيد عن 300 سنة ودولة اخرى لاتزال رازحة تحت الأحتلال (المرئي او المخفي) لن يحقق التوازن المطلوب ..شكرا لك استاذ صائب على التحليل المنطقي لمجريات الأمور ..
(( ارجو منك الأختصار في مقالاتك فالمقال الطويل يصرف نظر القاريء عنه )) تقبل مروري .. تحياتي
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

صائب خليل

معك حق استاذ ماهر، سأحاول، شكرا لك على الإضافة وعلى النصيحة، وتقبل تحياتي