تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

التحية المتأخرة

بدء بواسطة برطلي دوت نت, نوفمبر 26, 2011, 10:36:57 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

التحية المتأخرة



الأستاذ متي كلو

كنت على موعد مع صديقي فؤاد ، حيثُ نخرج سوياً بين فترة وأخرى في نهاية الأسبوع لقضاء العطلةِ معاً، اتفقت معه على أن نلتقي في مراب للسيارات قرب إحدى محطات القطار، انتظرته بعض الوقت وحضر في الموعد المحدد وترجل من سيارته وتركها في ألمراب لحين عودتنا من ريف المدينة مساءا، وخرجنا من زحام شوارع المدينة متجهين إلى مدينة صغيرة تقع على المحيط ومشهورة بجوها السياحي الجميل ، والتي تلفت الأنظار بشوارعها العريضة التي تكتنفها على الجانبين أشجار الكالبتوس المتراصة في خطوط طويلة . وفي هذا الطريق الجميل، أخذنا نتبادل الأحاديث المتنوعة، وأثناء الحديث، كنا نستمع إلى موال وأغنية حزينة لأحد الفنانين عبر مسجل السيارة، وفجأة توقف "فؤاد" عن الحديث، وطلب مني إعادة الأغنية، لبيت طلبه قائلا له:

ما الذي خطر بذهنك وأنت تطلب إعادة سماع الأغنية ؟

خطر ببالي قصتي عندما نزحت من مدينتي "البصرة" إلى بغداد الحبيبة لأقيم مع أخي.

هات ما عندك من تلك الذكريات، أمامنا متسع من الوقت للوصول إلى المدينة.

نظر إلي وقال: إنها ذكريات قديمة ولكن كلمات الأغنية جعلتني أتذكرها.

ضحكت قائلا: إذا هات ما عندك يا فؤاد.

بعد الانفلات الأمني وتردى الأوضاع في البصرة في سنة 1963 وبعد أن أنهيت السنة الدراسية قبل الأخيرة من المرحلة الثانوية، دعاني أخي "عماد" للإقامة معه في بغداد والذي كان يقطنها خلال الدراسة الجامعية ثم بعد تعينه في البنك المركزي.تركت مدينتي متوجها إلى بغداد للإقامة مع أخي الساكن في إحدى الغرف في منزل تعيش فيه عدد من العائلات في منزل يقع في شارع تونس والذي يربط شارع النضال بشارع السعدون ، استقبلني "عماد" بحفاوة وطلب مني الانصراف إلى دراستي والاجتهاد والمثابرة وخاصة في السنة الأخيرة من الثانوية واجتياز امتحانات البكالوريا بتفوق لكي احصل على درجات عالية تؤهلني للقبول في إحدى الكليات المميزة . كنت استيقظ صباحا لأجهز الفطور ، وبعدها يسبقني أخي في الخروج لكي يلحق بالباص رقم 4 "باب المعظم- ساحة الأندلس"، ثم أغادر الغرفة متجها إلى موقف ساحة النصر للباصات ، أقف بانتظار الباص الأحمر رقم "13باب المعظم- باب الشرقي- كرادة خارج" ذي الطابق الواحد المتجه إلى مدرستي في الكرادة الشرقية(خارج) أخذت مقعدا من المقاعد الخشبية في الصفوف الأخيرة والتي كانت تسمى بالدرجة الثانية وكان سعر البطاقة عشرة فلوس .

ومن اليوم الأول بهرني جمالها وجذبتني ابتسامتها الرقيقة وهدوؤها العذب تصعد إلى نفس الباص وتأخذ مقعدا في المقاعد الجلدية "درجة أولى" ، خفق لها قلبي بشكل لم يألفه سابقا، وأصبحت كل يوم انتظر قدومها إلى موقف الباصات ولا استقله إلا بعدها.

وأصبح لقائها يوميا والذي كان يحفزني أن اهتم بدراستي أكثر وعندما تغيب عن الحضور أصاب بالحزن ولا أستطيع أن أركز على دراستي وهذا ما حصل عدة مرات خلال السنة الدراسية، وكنت أحس إنها تلاحظ نظراتي إليها وإعجابي بها ولكن لم أجرأ يوما من الأيام أن القي تحية على مسامعها ! من أكون أنا الساكن في غرفة بين عدة غرف مستأجرة لعائلات عمالية بسيطة ولا املك سوى 3 قمصان وبنطلونان ! وهي التي تجلس على مقعد الدرجة الأولى في الباص لقاء خمسة عشر فلسا! و مظهرها الملفت للنظر وملابسها الأنيقة .

ومضت الأيام والأشهر وأصبح يفصلنا عن امتحانات البكالوريا خمسة أسابيع ولهذا سوف يتمتع طلبة الصف الأخير بالعطلة " التحضير لامتحان البكالوريا" ولابد أن اكلمها أو القي عليها التحية لأنها الفرصة الأخيرة، حضرت يوم الخميس مبكرا إلى محطة الباصات ، وقفت تحت مضلة المحطة وجمعت شجاعتي وجرأتي وألقيت عليها التحية غير مهتما أو متوقعا لرد فعلها وتقدمت إليها قائلا:...



صباح الخير

ردت بكل هدوء وبصوت ملائكي لم اسمع بعذوبته قبلا:

صباح النور

أنا فؤاد الصف الخامس الثانوية القسم العلمي في الثانوية الشرقية للبنين

أنا "رونق جميل" في الصف الخامس القسم العلمي في الثانوية الشرقية للبنات .

تسمرت فدماي وتسارعت أنفاسي وأخذت انظر إليها ولسان حالي يقول، أحقا ردت على تحيتي ، ثم قلت :

أتمنى أن أراك مرة أخرى وقاطعتني قائلة: لا اعتقد ، لاني بعد الامتحانات سوف أسافر مع عائلتي إلى الولايات المتحدة لاستقر معهم هناك وإكمال تعليمي أيضا ولهذا جاءت تحيتك متأخرة، ولا اخفي عنك باني كنت انتظر هذه التحية منذ زمن بعيد.

وصلت الحافلة الحمراء رقم 13 واستقلته "رونق جميل" وانطلق بها إلى "الكرادة خارج" ، ولم اشعر كم من الوقت مضى على تسمر قدماي ولكن وصلت إلى المدرسة متأخرا وكانت المرة الاخيرة التي اراها.

كنت من أوائل المتفوقين في امتحانات البكالوريا ، اخترت كلية الهندسة وتخرجت منها بدرجة جيد وأصبحت معيدا فيها،.

واستأجرت مع أخي منزلا في حي الكرادة"داخل" وتركنا تلك الغرفة التي شهدت أيام السهر والدراسة والجهد في التفوق والمثابرة في الثانوية والكلية وطلبنا من والدينا ترك مدينتهم والعيش معنا، وخلال اشهر قليلة كان المنزل الجديد يجمع عائلتنا مرة اخرى .

بعد مضى أكثر من سنة على استقرارنا، قلت لأخي:

الحمد لله على حالنا وأرجو أن تقبل اقتراحي.

ما هو اقتراحاتك يا أخي العزيز.

كنت من المتفوقين في كلية الإدارة، وألان أيضا متميزا في وظيفتك، واعتقد في كل عام يحصل البنك على بعثات دراسية لموظفيه في عدة دول ، واعتقد من السهل أن تحصل على إحدى البعثات ، أم تريد أن تبحث على بنت الحلال!.

ضحك أخي وقال :

أنا طماع وأريد البعثة وبنت الحلال معا.

ضحكت قائلا:

إذا اختار بنت الحلال وبعدها ابحث عن أول بعثة دراسية ولتكون بنت الحلال رفيقة لك في الغربة.

خلال ثلاثة اشهر حصل أخي على بعثة دراسية من إحدى الجامعات الأمريكية في مدينة"نيوجرسي" وزف لنا الخبر .

قال له والدي :

كنت أتمنى يا ولدي أن أرى زفافاك قبل السفر، ولكن أتمنى أن تحصل على ما ترغب وانأ فخور بك ،كنت الابن الأمثل في رعايتنا وحرمت نفسك من الكثير في سبيل مستقبل أخيك فؤاد ، و أتمنى أن يكون مستقبلك باهرا وطريقك مفروشا بالسعادة .

نظر إلى والدي وتقدم منه واخذ يده وقبلها قائلا:

أن هذا ما تعلمته منك ياوالدي والله أوصى بالوالدين.

وبعد الانتهاء من إجراءات القبول والسفر رافقنا آخي إلى مطار المثنى * وودعناه وسط دعاء والدتي ودموعها .

لم تنقطع رسائله ألينا و بين حين وأخر نتبادل الاتصالات الهاتفية للاطمئنان، وحصل على شهادة الماجستير في فترة قياسية، وقرر أن يكمل تعليمه للحصول على شهادة الدكتوراه بعد أن حصل على موافقات مجلس إدارة البنك المركزي والجهات الرسمية.

وبعد سنة وصلتنا رسالة منه يعلمنا بأنه اختار إحدى زميلاته من الجالية العراقية والمقيمة في نفس المدينة لتكون زوجة المستقبل، باركه والدي متمنيا له السعادة وطلب منه إرسال صورتها واسم عائلتها.

بعد شهر وصلتنا منه رسالة يبث فيها تحياته إلى الوالدين ، وكتب عن الصورة المرفقة التي تجمعه:

خطبيتي " رونق جميل "

توقف صديقي عن الكلام ونظرت إلى وجهه فرأيت الحزن والأسى على ملامحه وانحدرت دمعة على وجنته، لم أساله شيء، بل انتظرت ليكمل حديثه:

عاد أخي بعد أن حصل على الدكتوراة ولكن فقد خطيبته " رونق جميل" في حادث سيارة .



* مطار المثنى: مطار بغداد الدولي السابق.

ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

بهنام شابا شمني

ما اجمل الذكريات حتى لو كانت حزينة