هوكي توكي

[برطلي دوت نت]

هوكي توكي
"خوفي من جيش من مائة خروف يقودهم أسد أكثر من خوفي من جيش من مائة أسد يقودهم خروف"

الأستاذ متي كلو
     

1

وصلت إرسالية لعب أطفال إلى مجمع مخازن "عويريج" التابعة لإحدى الشركات التجارية للقطاع العام ، ومن ضمن هذه الألعاب لعبة "الهوكي توكي" المخصص للأطفال وبلا ترددات وبسلك بمسافة 50 متر وربما يصلح للاستخدام المنزلي ، وكنت في حينها مديرا لقسم السيطرة المخزنية في الشركة ، وأرسلت بطلب النموذج ، وأرفقته مع نماذج أخرى من الإرسالية بمذكرة إلى المدير العام بوصفه رئيس لجنة التسعير ، وتم تسعير هذا الجهاز بـ (350 فلس) وتم الإيعاز بتوزيعه مع المواد الأخرى إلى فروع الشركة في بغداد والمحافظات .

في اليوم التالي اتصل بي مدير مكتب المدير العام ليبلغني بان هناك تعليمات عليا بوقف توزيع " الهوكي توكي" وان هناك مسؤول امني سوف يقوم بزيارتي والاطلاع على هّا الجهاز! وتسهيل مهمته في هذه الزيارة.

بعد الظهر حضر شخصان بلباس مدني إلى مكتبي وعرفا نفسهما، احدهما برتبة نقيب والأخر برتبة ملازم! طلبت منهما الجلوس وطلبا مني بعض المعلومات المتوفرة حول هذا الجهاز والذي كان من ضمن إرسالية تحتوي على عشرات الأنواع من لعب الأطفال، وطلب نموّج من الجهاز ، واطلعا عليه ثم خرج معا بعض الوقت يتشاوران وهما يتمعنان النظر بصناعة هّا الجهاز ونوع السلك وكانا مهتمان جدا، ثم عادا إلى مكتبي ، ومن خلال حديثهما علمت بان احد الموظفين "الوطنيين" قد قدم تقريرا إلى الجهات الأمنية بوجود هّا الجهاز إلي ربما يستخدم من أعداء الثورة للقيام بانقلاب ضد الثورة والحزب.

طلب النقيب مشاهدة الكمية ورافقته إلى المخازن وطلب جردها وتم تثبيت الكمية واخذ النموذج بعد أن وقع احدهما بالاستلام وكرر طلبهما بالتحفظ على هذا الجهاز وان عقوبات رادعة سوف تتخذ بحق أمين المخزن في حالة تسرب أي جهاز إلى خارج المخازن وان الشركة ملزمة بالتحفظ على العدد المستورد أمام السلطات الأمنية .

بعد أسبوع من زيارة رجال الأمن، حضر ثلاثة من رجال الأمن بسيارة خاصة وترافقهما سيارة شحن مع أمر وزاري بتحميل الكمية إلى الشاحنة بعد جردها ومطابقتها مع الجرد السابق، كانت مطابقة وغادروا المجمع.

في اليوم الثاني كنت في مكتب المدير العام وحدثني بان هناك آمرا بتشكيل لجنة تحقيقيه مشتركة بين مديرية امن بغداد والوزارة حول استيراد هذا الجهاز وأسماء موظفي قسم الاستيراد حول هذا الجهاز ، استمرت التحقيقات أكثر من ثلاثة اشهر ، وتدخل عدد من شخصيات "من الوزن الثقيل"لقناعتها بان هذا الجهاز ليس إلا لعبة أطفال ومتداول بين أطفال العالم منذ وقت طويل ، وليس جهاز امني آو مخابراتي! وبعد "التوسط" تم غلق الموضوع ومصادرة "الجهاز الخطير".



2

في عطلة نهاية الأسبوع كنت مع صديقي على موعد للتسوق في شارع الرشيد، وإثناء تجوالنا ، عرجنا إلى احد متاجر بيع لعب أطفال قرب "حافظ القاضي" لاقتناء لعبة لأحد أبنائه بمناسبة عيد ميلاده ، لمحت عدد من جهاز "هوكي توكي" معروضا فوق احد رفوف المتجر ، توجهت نحوه أخذت واحدا ، رأيت انه لايختلف عن الذي صودر من قبل أجهزة الأمن قبل أسبوعين ، سالت عن سعره ، أجابني صاحب المتجر بثلاثة دنانير، ثم سألته :

وهل هذا مسموح باستخدامه. أجابني:

انه من لعب الأطفال .

ثم ابتسم قائلا:

كيف لا يكون مسموحا واني اشتريته من احد أصدقائي الذي يعمل شقيقه برتبة "نقيب" في مديرية امن بغداد !!..


نقلا عن جريدة بانوراما الصادرة في سدني / استراليا

[ماهر سعيد متي]