استرضاء مسيحيي العراق بالمزيد من استضعافهم، ونصوص قانونية تميز بين العراقيين وتد

بدء بواسطة برطلي دوت نت, مارس 29, 2018, 07:32:37 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

استرضاء مسيحيي العراق بالمزيد من استضعافهم، ونصوص قانونية تميز بين العراقيين وتدعي "التوازن بين المكونات".     
   
      
برطلي . نت / متابعة

همام طه

العرب

قرر مجلس الوزراء العراقي تعويض الدرجات الوظيفية لموظفي الدولة من المكوّن المسيحي ببدلاء من المكوّن نفسه. بمعنى أن الموظف المسيحي حين يترك الخدمة لأي سبب كالاستقالة أو التقاعد فإن درجته الوظيفية تؤول إلى مسيحي حصراً. وهو قرار في ظاهره الرحمة وفي باطنه العذاب؛ ذلك أنه وإن كان يهدف للإبقاء على بعض الوجود "المادي" المسيحي في مؤسسات الدولة بعد تزايد هجرتهم وانكفائهم نتيجة ما تعرّضوا له من انتهاكات فإنه سيؤدي إلى إلغائهم معنوياً على المستوى الوطني لأنه يجرّدهم من حقهم في أن يعيشوا حياة طبيعية كمواطنين عراقيين وأن تتعامل معهم الدولة كعراقيين وأن يتنافسوا على الوظائف كعراقيين من دون "تمييز إيجابي" أو "إجراءات خاصة".

إن هذا القرار بمثابة اغتيال رمزي للمسيحيين لأنه ينزع عنهم الصفة الإنسانية والوطنية، ويتعامل معهم وكأنهم فصيلة نادرة من كائنات غرائبية غير بشرية وغير عراقية يراد المحافظة عليها من الانقراض من المجتمع ومؤسسات الدولة. فما يسمى بالتمييز الإيجابي للفئات الضعيفة كالمرأة والأقليات يشي في كثير من الأحيان بنظرة استصغار واستهانة تجاه هذه الفئات تتناقض مع الخطاب الرسمي الذي يشدد على تمكينها وتقوية أوضاعها.


العراق بلد تفتك به الفاشية الدينية والنزعات الشعبوية مما يزيد في تمزق نسيجه الاجتماعي وانهيار كيانه الثقافي الذي عرف به على امتداد التاريخ، ويبدو الأمر جليا في ما آلت إليه وضعية المكوّن المسيحي العراقي، فمع حالات القهر والاضطهاد والتهجير التي تعرض لها يأتي السياسيون الشعبويون ليعالجوا وضع المسيحيين بما هو أسوأ، وهو التعامل معهم قانونيا ودستوريا ككائنات مستضعفة وليس كشركاء في الوطن

ما يحتاجه المسيحيون وسائر الأقليات الدينية والعرقية حقاً هو إنهاء "سياسات الهوية" التي تحكم البلاد وأدت إلى تهميشهم وظلمهم وليس معاملتهم بطريقة "خاصة" عبر المنطق الهوياتي ذاته لاسترضائهم شكلياً وحماية السياسات القائمة من المساءلة. المعاملة الخاصة تحطّ من قدر وقدرات العراقي المسيحي وتعتبره فاقداً لأهلية التنافس على قدم المساواة مع بقية العراقيين.

لا معالجة ناجعة لمحنة الأقليات من دون مدخل كلّي شامل يعالج المعضلة العراقية برمّتها، إذ لا يمكن صناعة أمن مسيحي أو إيزيدي مستقل بمعزل عن شعور العراقيين الآخرين بالأمن، وبالتالي فإن إقرار نظام سياسي يقوم على المساواة ويتخذ من الاندماج الاجتماعي بوصلة لسياساته هو كلمة السر في إيقاف النزيف الإنساني المتمثل بهجرة أو انزواء وتهميش الأقليات العراقية.

محنة الأقليات في العراق هي مشكلة وطنية لا يمكن مقاربتها بحلول فئوية، وهي انعكاس لأزمة عميقة في النظام السياسي لا تجدي معها المعالجات السطحية. فالإجراءات الاستثنائية لن تفلح في معالجة مأساة المسيحيين لأن مهمة الدولة حماية العراقيين جميعاً وليس المسيحيين فقط، بمعنى أن كل خطوات حماية الأقليات التي تمنحها امتيازات فئوية إنما تنطوي على مخالفة للدستور الذي ينص على المساواة بين العراقيين، ولا يمكن القبول بالإطاحة بمبدأ المساواة لإنصاف الأقليات.

الأقليّات ضحايا التمييز فكيف نعالج مشكلتهم بالتمييز حتى لو كان لصالحهم؟ لا تعكس هذه الحلول الارتجالية وعياً حقوقياً لدى صنّاع القرار؛ بل تنسجم مع الروح المكوناتية التقسيمية السائدة في الدستور العراقي، والتي تكشف عن إرادة تشريعية أيديولوجية متغطرسة لا تحترم التنوع وتعتبر وجود الأقليات مشكلة، وتجلّت هذه الإرادة في نصوص معبّئة بالفرز والتمييز والتفرقة بين العراقيين مثل النصوص التي غيّبت المساواة الكاملة لصالح ما يسمى "التوازن بين المكوّنات".




توريث إثني للدولة

هذا القرار يسلب المسيحيين عراقيّتهم وما يترتب عليها من حقوق وواجبات، أي أنه يكرّس "القلق الوجودي" الذي يعانون منه حالياً بفعل ما يطالهم من استهداف هم والأقليات الأخرى، بمعنى أن القرار يلتقي مع غايات الإرهاب، فالإرهاب يهدف لإلغاء المسيحيين وجودياً وسكانياً فيما سيؤدي هذا القرار إلى إلغائهم وطنياً ومواطنياً.

مرة أخرى يخفق صانع القرار في التعامل مع الأزمة وينساق وراء أعراضها عوض معالجة جذورها، وما زلنا في دوامة معالجة الخطأ بالخطأ، وحل المشاكل بمفاقمتها وتكريسها. إذ عكس منطق القرار الاختزال والتسطيح في التعامل مع الأزمات وثقافة الاستهانة بالعقول والتهوين من القضايا.

فمن شأن قرار يجعل المسيحي يرث درجة المسيحي الوظيفية في الدولة أن يكرّس ثقافة التوريث الديني والإثني للوظائف وفق منطق الاحتكار المكوّناتي السائد، فرئاسات الجمهورية والحكومة والبرلمان يتم توارثها على أسس قومية ومذهبية وحزبية.

وآخر صور التوريث كانت تنازل أحد النواب عن مقعده البرلماني لمستشار رئيس البرلمان كي ينال الأخير الحصانة والامتيازات في صفقة حزبية ومناطقية فاقدة للشفافية وتكشف عن ازدراء للرأي العام. وباتت السياسات الطائفية الاحتكارية بمثابة أعراف متجذرة في مؤسسات الدولة. وليس في احتكار مكون لمنصب ما أي خير لذلك المكوّن بل على العكس، إنه إلغاء ضمني له، فمنحك حصة في الوطن يعني أنك ليس لك فيه إلا هذه الحصة وعليك أن تتحمل كل ما سيترتب على تصرّف الآخرين في حصصهم وفق مصالحهم التي تتناقض، وفق منطق المحاصصة، مع مصالحك.



الأقلية مفهوم إقصائي وطبقي

يطيح هذا القرار بمبدأ تكافؤ الفرص ويؤشر إلى هشاشة نظام الخدمة العامة وقابليته للتسييس والأطيفة والإخضاع للمعايير الإثنية ما يشكّل انتهاكاً للقانون يرقى إلى مستوى "الفساد الإداري" الذي يضرب بمعايير الكفاءة والنزاهة والحاجة الموضوعية لمؤسسات الدولة عرض الحائط ويقرّ محلها سياسات الهوية واعتبارات الانتماء الفئوي، فعدم قدرة المسيحيين على المنافسة على الوظائف ناتج عن سطوة نظام المحاصصة على عملية توزيع الوظائف، والحل ليس في تخصيص "حصة" للمسيحيين وإنما في إنهاء المحاصصة من الأساس، لأنها فشلت في تحقيق العدالة حتى لما يسمى بـ"المكوّنات الأساسية" فهناك شكوى دائماً من المكونين السني والكردي من هيمنة المكوّن الشيعي على الدولة.

وربما يقول صنّاع هذا القرار إنه يدخل في إطار "التمييز الإيجابي" لصالح المسيحيين لتمكينهم من الصمود والبقاء في بلدهم رغم ما يتعرّضون له من عنف وتهديدات؛ لكن هذا التمييز الإيجابي لن ينجح في تحقيق غاياته المفترضة لأنه يستند إلى الفلسفة ذاتها التي أوجدت المشكلة؛ الفلسفة المكوّناتية الأقلياتية التي تعتبر المكوّن الأقل عدداً أقل شأناً وقيمة، وأقل قدراً وقدرة.

إن مشكلة المسيحيين الحقيقية هي في كونهم أقلية عددية في بلد يبني سياساته على أساس الأوزان السكانية الافتراضية لمكوّناته الدينية والإثنية. بمعنى أن حقوقك السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتحدد وفق قوتك الديموغرافية الحقيقية أو المتخيّلة لا على أساس مبدأ المواطنة. والأقلية في العراق مفهوم إقصائي ضد مَن لا يراد أن يكون له دور حقيقي في الحياة السياسية، أما الأغلبية فمفهوم سلطوي يراد به فرض هيمنة مشروع سياسي معين على الجميع.

ولكل من الأغلبية والأقلية في العراق مفهوم طبقي أيضاً فبحسب الوزن الديموغرافي لطائفتك يتم تحديد موقعك في الهرم الاجتماعي. وهذه الإشكالية المفاهيمية لن يحلّها إحصاء سكاني بل تحتاج إلى مشروع وطني يتضمن حزمة سياسات تعيد بناء التماسك الاجتماعي وتخليق الهوية الوطنية من جديد.

ولن ينفع الدخول في جدل عددي ومزايدة رقمية في إقرار حقوق الأقليات لأن وصمها بأنها "أقليات" كان قراراً سياسياً يهدف للإقصاء والإخضاع والتهميش والاستبعاد من المشاركة السياسية الفعلية وتكريس تفوّق طرف متغلّب ولم يستند إلى أي إحصاء سكاني محايد وموضوعي.

"كل خطوات حماية الأقليات التي تمنحها امتيازات فئوية إنما تنطوي على مخالفة للدستور الذي ينص على المساواة بين العراقيين"

كما أن المبدأ الجوهري الذي ينبغي إعلاؤه في النضال من أجل حقوق الأقليات هو أن حقوق الإنسان العراقي ترتبط بإنسانيته ومواطنته لا بتعداد المكوّن الذي ينتمي إليه. إن وصم المسيحيين بأنهم "أقلية" كان يهدف لتأكيد الأغلبية الإسلامية كمدخل لتكريس سردية الأغلبية الشيعية والاتكاء عليها في ترسيخ هيمنة الأحزاب الدينية من خلال المحاصصة الطائفية.

وليس مجدياً الركون إلى الحلول الفيدرالية والتقسيم الجغرافي في إنصاف الأقليات كما يريد مثلاً دعاة مشروع محافظة "سهل نينوى" المقترحة ملاذاً للمسيحيين لأن المحافظات المغلقة دينياً أو إثنياً هي بمثابة "محميات ديموغرافية" تعزل الأقليات وتؤكد ضعفها وانكسارها، إذ يجذّر وجود هذه المحميات فشل التعايش ولا يحلّ أزمته، كما أن الفرز المكاني والسكاني للأقليات سيكرّس مشاعر العزلة والدونية التي فرضها عليها مشروع "الأغلبية السياسية" الإسلامي الشعبوي الأحادي الساعي للهيمنة على المجتمع واحتكار الدولة.

وقد أدى اعتماد السياسات الهوياتية القائمة على المغالبة العددية بين المكوّنات إلى احتضار التنوّع العراقي، وحين يحتضر التنوع فإن الأقليات ستكون من أولى ضحايا احتضاره لأنها خاصرة رخوة للمجتمع حيث يرتبط وجودهم بعقد التعايش والتضامن الاجتماعي لا بالعصبوية القبلية أو المذهبية.

لذلك لا تتعلق مشكلة الأقليات بالتفكك الاجتماعي أو الجغرافي فحسب وإنما بالتفكك القيمي وسقوط رأس المال الاجتماعي المتمثل في مفهوم التنوع وفكرة التعايش في ظل تأجيج العواطف الدينية والطائفية ومشاعر التمحور حول الذات والاستغراق في الهويات الأولية بحيث صار المناخ الاجتماعي رافضاً للتنوع وأمست التعددية الدينية والعرقية حالة غريبة ومثيرة للقلق لدى التوجهات الأحادية المهيمنة.

والوجه الآخر لمشكلة المسيحيين أنهم يعيشون في ظل نظام سياسي يعتمد "سياسات الهوية" في إدارة البلاد ويقوم على أساس المكوّناتية، فالشيعة والسنّة والأكراد أطلق عليهم عند تأسيس العملية السياسية "المكوّنات الأساسية أو الرئيسية" ما يعني ضمنياً أن المكوّنات الأخرى من مسيحيين وإيزيديين وصابئة وتركمان هم مكوّنات هامشية وثانوية.

وفي ظل هذا النظام يتم تقييم المكوّنات وفق نظرتها هي عن نفسها وما تنتجه من سرديات دينية وسياسية ذاتية وانفصالية في توصيف التاريخ والحاضر، لا وفق معيار موضوعي يجمع الجميع على أساس المواطنة والعقد الاجتماعي.

ولم يكن لدى المسيحيين "سردية سياسية" تتعلق بالمذهب أو المظلومية يروجونها عن أنفسهم كي يحجزوا لهم مكان بين "المكوّنات الأساسية" لذلك تم التعامل معهم باعتبارهم مجرد ديكور اجتماعي وسياسي واكتفت القوى المهيمنة بالمواظبة على إسماعهم الكلام المعسول عن المحبة والتعايش والشراكة في الوطن. ولم يكن الترويج الاحتفالي للحقوق الدينية والثقافية للأقليات إلا غطاء لمصادرة حقوقهم السياسية والمدنية التي هي حقوق أي مواطن عراقي.




إبادة دستورية للأقليات

ومن أخطر أبعاد أزمة الوجود المسيحي في العراق هو الدستور الذي تحفل نصوصه بالاستقواء على الأقليات، فالمواد التي تنص على أن "الإسلام دين الدولة" ووجوب احترام "ثوابت الإسلام" و"الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي" تجعل حياة ومصير المواطن المسيحي مرهونين بالتأويلات الدينية المتعددة والمتناقضة والقابلة للتوظيف في تبرير إقصاء وإلغاء المسيحيين والأقليات ثم إدانة وشجب الجرائم ضدهم!

ولا تعكس كل القرارات الاستثنائية التي تنصف الأقليات شكلياً إلا استمرار نظرة الاستهانة والازدراء في التعامل معهم، وأن القاعدة في العلاقة معهم هي الإقصاء، وأن الدولة الدينية في العراق ماضية في طريقها، وهي ليست مستعدة للتنازل عن مشروعها لإنقاذ أي عراقي مسيحيّاً كان أم مسلماً، لكنها ربما ستتخذ بعض الإجراءات الترقيعية للإبقاء على وجود ما للأقليات على هامش الهيمنة الأحادية للإسلام السياسي على الدولة والمجتمع لتجميل هذه الهيمنة وتسويقها.

كيف سيصدق أبناء الأقليات الدعاية القائلة إن البلد يتسع للجميع وهم لا يسمعون إلا خطاب التعصب الديني والعشائري

إن المسيحيين والأقليات الأخرى في العراق هم ضحية أفول التنوع كفكرة وقيمة في الوعي الجمعي للعراقيين، حيث صار مفهوم التنوع مشوّهاً وصار غالبية العراقيين يقاربونه مكوناتياً أي بمنطق لا يفضي إلى الاندماج ولكن إلى الفرز والتمييز والقطيعة والارتياب والتربص بالآخر.

وبالتالي لم يعد للوجود المادي والديموغرافي والجغرافي للمكوّنات أي قيمة في ظل غياب "الاعتراف" بهذا الوجود وعدم ضمان حقوق المواطنة للمنتمين إلى هذه المكوّنات بفعل هيمنة الأحادية الشعبويةعلى السلطة في بغداد واحتكارها بناء سرديات الحكم وتحديد من هو "الوطني" ومن ينتمي إلى "الطبقة الأرقى" في المجتمع.

وعليه، فإن مساعي الحفاظ على وجود المسيحيين في مؤسسات الدولة لن ينعكس إيجابياً على وضعهم الأمني والاجتماعي ودورهم السياسي في العراق لأن الشعور بالأمن والانتماء لدى الفرد مرتبط بشعوره بالاعتراف والمشاركة السياسية والاجتماعية والثقافية.




النظام السياسي في العراق هجين فهو من جهة يقوم على محاصصة الهويات وتعدد المكوّنات، ومن جهة ثانية يعتبر الإسلام هو المهيمن والهوية الأحادية للدولة، وينطوي هذا التلفيق الدستوري على إعلان رمزي بأن المسيحيين غير مرحب بهم في هذا البلد، لأن الهويات الغالبة تقصي وتزيح الهويات المغلوبة بحسب منطق الصراع المكوناتي.

وبعض المسيحيين مشارك في صنع مأساته، فعندما يعرّف نفسه كمسيحي لا كعراقي فإنه بذلك يستدعي الهوية الدينية للمجال السياسي ويبرر للإسلام السياسي اضطهاده تحت شعار الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي. ذلك أن النظم السياسية تتعامل مع الأقليات وفق الطريقة التي ينظرون بها إلى أنفسهم، وعندما ينظر المسيحيون إلى أنفسهم كطائفة دينية فإن النظام المكوّناتي العراقي سيتعامل معهم على هذا الأساس ويمعن في عزلهم وتأكيد اختلافهم وانفصالهم عن المجتمع والتمييز ضدهم، ولذلك يجب أن يبحث العراقي المسيحي والإيزيدي والصابئي عن تمثيل مدني علماني ضمن أطر وطنية عامة خارج حدود القضايا النمطية التي يحرص النظام القائم على ربطهم بها لتهميشهم والتقليل من شأنهم مثل محاولات اختزال حقوق الأقليات الدينية في حق ممارسة الطقوس الدينية أو الحق في تناول المشروبات الكحولية.

وعندما يتصرف موظفو الدولة من أبناء الأقليات كممثلين لطوائفهم لا كموظفي خدمة عامة فإنهم بذلك يشاركون في اغتيال هوياتهم وليس الدفاع عنها، لأنهم ينخرطون في اللعبة الطائفية التي تسببت في استضعافهم وتهميشهم.

كما يرتكب ممثلو الأقليات خطيئة فادحة عندما يتحدثون عن مطالب مسيحية وإيزيدية وصابئية وتركمانية بمعزل عن المصالح والمطالب الوطنية لأن اعتماد الخطاب الفئوي هو انتحار للأقليات ويمهّد الطريق لاستئصالها رمزياً قبل إبادتها سكانياً، سواء صدر هذا الخطاب عن نخب سياسية أو مرجعيات دينية تتحدث باسم الأقليات. وتشترك الحكومة في إلغاء الهوية العراقية للأقليات عندما تتعامل معهم من خلال ممثلين إثنيين أو دينيين وتتجاهل مرجعية المواطنة والدستور.

إن كثيراً من التعاطف مع المسيحيين يصب في صالح عزلهم وإقصائهم لأنه تعاطف على أساس فئوي حيث يتم اعتبارهم جماعة دينية معزولة وضعيفة ومستحقة للشفقة بوصفهم "أهل ذمة" يعيشون في حماية الأغلبية.