تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

يهودي من العراق وكوردي من هولير

بدء بواسطة MATTIPKALLO, أكتوبر 24, 2017, 04:38:17 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

MATTIPKALLO



يهودي من العراق وكوردي من هولير

متي كلو

كنا نتسوق من السوق الحرة  في احد المطارات ،وكنت مع اقربائي نتجاذب اطراف الحديث باللهجة العراقية البغدادية الدارجة،اوقفنا احدهم وكان يتجاوز من العمر 50 عاما ،مستفسرا، انتم عراقيين،كان ردنا بصوت واحد نعم عراقيين،ثم قال انا عراقي يهودي ، سالته اين ميلادك قال في تل ابيب، سالته ولكنك تتكلم باللهجة العراقية البغدادية، قاطعني.. قلت لك انا عراقي فاي لغة تريدني ان اتكلم، قلت له حدثني كيف تتحدث باللهجة العراقية وانت ولادتك في اسرائيل،قال لنا:
ولدنا انا واخوتي في بيت يتكلم الابوين باللهجة العراقية البغدادية،وعلمنا من والدينا انهما تزوجا في منطقة بستان الخس ثم انتقلا الى  سوق حنون،قبل  عدة اشهر من اسقاط الجنسية العراقية  عنهم من قبل الحكومة العراقية سنة 1948،وعلمنا منهم اسماء شوارع  بغداد وحاراتها وازقتها، البتاويين وكرادة"جوة" وكرادة "برة"و جارتنا ام حسين  والسحور  والسميط و عنبة وبيض والباجة  وشلغم مائع والدولمة ،ثم ابتسم وقال هل تحبون اغنية ناظم الغزالي.. التي تقول
فوك النا خل فوك النا خل فوك
ما ادري لمع خدّه يابا ما ادري القمر فوك
والله ما اريده ما اريده ش باليني بلوى
كنا نستمع اليه بفرح وسرور وبهجة ونحن مع عراقي اسقطت عن اهله الجنسية العراقية ولكن عراقيته وحبه للعراق يفوق من حكم العراق منذ  استقلال العراق الى الان.
لم استغرب كثيرا من هذا اليهودي العراقي الذي يحب العراق بالرغم مما جرى لليهود في العراق ومنها "الفرهود" وهي اعمال العنف والنهب لليهود العراقيين في 1941  حيث راح ضحيتها اكثر من 150 قتيلا و1000 جريح و تهديم اكثر من 900 منزلا! وبالرغم من اسقاط الجنسية العراقية عنهم واجبارهم على الهجرة ومصادرة املاكهم ولكنهم لم ينسوا عراقهم وعراقيتهم ووطنهم.
نعم لم استغرب من هذا العراقي اليهودي ووطنيته،لاني كثيرا ما اشاهد عبر افلام قصيرة عبر مواقع التواصل الاجتاعي عن نشاطاتهم وتجمعاتهم في تل ابيب او في القدس وحبهم للعراق من خلال اغانيهم وذكرياتهم في بغداد الذين يعشقون ازقتها وحارتاها ودجلة العراق الخالد.
ومن الصدف ان اكون قد انهيت قبل فترة قصيرة كتابا لليهودي العراقي البروفيسور شاموئيل"سامي" موريه بعنوان"بغداد حبيبتي ..يهود العراق ... ذكريات وشجون" هذا الكاتب الذي ولد في بغداد وفي فمه ملعقة من الذهب، من عائلة ثرية وبرفقة حرس وخدم ومربيات وعندما اسقطت الجنسية عنه غادر الى اسرائيل  ثم انتقل فجاة من العز الى العمل الشاق والوقوف في طوابير الماء وبيت الخلاء والخبز وشراء اللحم والبيض والزبد بالكابونات والعمل "كعامل بناء بسيط لنقل أكياس الإسمنت والحصى والرمل على ظهورنا كما كان يفعل "العمّالة" الذين كانوا يعملون عند والدي في البيوت التي كان يبنيها "
كل هذا لم يثني البروفيسور شاموئيل"سامي" موريه عن حبه للعراق، بل كافح الى ان اصبح من كبار اساتذة الادب العربي  في الجامعة العبرية في القدس، و اهدى كتابه الى"اخواتي واخوتي العر اقيين في كل مكان"
قالت لي امي، والاسى في عينها:
"ظلمونا في العرق، وضاق المقام بنا يا ولدي، فما لنا و"للصبر الجميل"؟ فهيا بنا للرحيل"
وعندما بلغنا الوصيدا،قالت لي :"يا ولدي لا تحزن، اللي ما يريدك لا تريده"، همست"يا حافر البير""بربك قل لي لهذا سبب؟" ورحلنا...
وقبل رحيلها الاخير،قالت لي امي،والقلب كسير:"احن الى نسيم دجلة يوشوش للنخيل، الى طينها المعطار الى ذياك الخميل،بالله يا ولدي،اذا ما زرت العراق بعد طول الفراق قبل الاعتاب وسلم على الاحباب وحي الديار  وانس ما كان منهم ومنا!..
كما كانت امنية امه زيارة العراق كذلك كانت امنية والده الذي لم يتحقق حلمه، وكذلك كان حلمه ان يزور بغداد ويشاهد اماكن طفولته ومرتع صباه وازقة بغداد وحاراتها .. كان شموئيل يبكي في كل لقاء معه وهو يتذكر كيف كان يضرب بالسوط من قبل بعض العراقيين .. ولكنه ضل يحتفظ بحفنة من تراب دجلة في قارورة في مكتبته التي تضم مئات الكتب ومنها اكثر من 35 كتابا من مؤلفاته لغاية رحيله في 22 ايلول سنة 2017 ، وبقت النار مشتعلة لم تطفؤها حتى حفنة الرمل التي ارسلتها اليه الاديبة"امل بورتر" من رمل الجزرة البغدادية والتي كان يعرضها بفخر وشوق على الزوار!
كل هذا مر امامي كشريط سينمائي،عندما كنا انا وزوجتي  نستقل قطار الظهيرة المتجه الى استكهولم من كوبناهاكن،حيث علمت بان هناك خلل الكتروني بسيط في كابنة القطار، وعلى الركاب المغادرة  في المحطة  القادمة  لتغير القطار.. ، ومن الصدف ان يكون  جالسا في  بقربي احد الاشخاص ويظهر عليه ملامح عراقية، اتجهت نحوه لكي اتاكد مما سمعته من مذياع القطار المتقطع ، قلت له:
الله يساعدك.
-اهلا
هل انت عراقي
كلا كلا انا كوردي
اهلا بك، ولكن من اين انت
انا لست عراقي،انا كوردي من هولير
ابتسمت له وعدت ادراجي الى مقعدي ولم استطيع ان اقارن بين اليهودي الذي التقيته في السوق الحرة ولا البروفيسور العراقي شاموئيل"سامي" موريه ، الذي اسقطت عنه الجنسية العراقية بقانون جائر والكوردي الذي ينعم في عراق  اكثر مما ينعم به اقرانه العراقيين.