جامع النوري ومنارة الحدباء.. تاريخ عريق انتهى بعبوات داعش

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يونيو 21, 2017, 09:03:26 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

 
جامع النوري ومنارة الحدباء.. تاريخ عريق انتهى بعبوات داعش     

         
برطلي . نت / متابعة


بغداد/ الغد برس:
اقدم تنظيم داعش الارهابي، على تفجير جامع النوري ومنارة الحدباء اثناء تقدم القوات الامنية في اخر معاقله بالمدينة القديمة بالجانب الايمن من مدينة الموصل، ونشرت "الغد برس" صورة للمنارة والجامع بعد تفجيرهما، حيث تظهر الصورة الانقاض المتناثرة من المنارة التاريخية بعد تفجيرها برمش البصر من قبل العصابات الاجرامية.

تاريخ عريق
الجامع النوري أو الجامع الكبير أو جامع النوري الكبير هو من مساجد العراق التأريخية ويقع في الساحل الأيمن (الغربي) للموصل، وتسمى المنطقة المحيطة بالجامع محلة الجامع الكبير.
بناه نور الدين زنكي في القرن السادس الهجري أي أن عمره يناهز التسعة قرون، يُعتبر الجامع ثاني جامع يبنى في الموصل بعد الجامع الأموي، أعيد إعماره عدة مرات كانت آخرها عام 1363هـ/1944م.
يشتهر الجامع بمنارتهِ المحدَّبة نحو الشرق، وهي الجزء الوحيد المتبقي في مكانه من البناء الأصلي. عادة ما تقرن كلمة الحدباء مع الموصل وتعد المنارة أحد أبرز الآثار التاريخية في المدينة. تتهدد المئذنة بسبب إهمالها بالانهيار، وكانت هناك عدة محاولات لإصلاحها من قبل وزارة السياحة والآثار العراقية، إلا أن هذه المحاولات لم تكن بالمستوى المطلوب. ما زالت المئذنة بحالة خطرة ومهددة بالانهيار.



بناء الجامع
يعود تاريخ هذا الجامع إلى العهد الزنكي، وتحديداً إلى فترة تولي سيف الدين غازي الثاني بن مودود زمام الحكم في الموصل. فقد حكم البلدة لفترة وجيزة من 565 إلى 576 هـ (1170-1180 م). وقد كان سيف الدين ضعيف الإرادة، مغلوباً على أمره، وقيل أن وزيره فخر الدين عبد المسيح كانت بيده السلطة الحقيقية ولم يكن لسيف الدين سوى الاسم. ضاق هذا الأمر على بردابكي نور الدين (وهو ابن أخ سيف الدين الثاني) فتوجه إلى الموصل واحتلها بلا مقاومة 566 هـ.
مكث نور الدين في الموصل أربعة وعشرين يوماً، وخلال هذه الفترة قام بإصلاحات منها تخفيف الضرائب، رأى نور الدين في هذه الفترة ما يُعانيه المصلون من ضيق الجامع، فلم يكن بها جامع يُجمع به سوى الجامع الأموي، ولكن سكان البلدة ازدادوا ورأى بذلك حاجتها إلى جامع جديد.
وقد جاء في وفيات الأعيان لابن خلكان:
كان سبب عمارته (الجامع النوري) ما حكاه العماد الأصبهاني في البرق الشامي عند ذكره لوصول نور الدين إلى الموصل أنه كان بالموصل خربة متوسطة البلد واسعة، وقد أشاعوا عنها ما ينفر القلوب منها، وقالوا: ما شرع في عمارتها إلا من ذهب عمره، ولم يتم على مراده أمره، فأشار عليه الشيخ الزاهد معين الدين عمر الملا وكان من كبار الصالحين بابتياع الخربة وبنائها جامعاً؛ وأنفق فيها أموالاً جزيلة، ووقف على الجامع ضيعة من ضياع الموصل.
لم يُبالي نور الدين بما قاله أهل البلدة، ولذا اتخذ قراره بأن يَبني بها جامعاً كبيراً، وأيده بهذا شيخه معين الدولة عمر بن محمد الملاء وأشار عليه بشراء الخربة وبناء جامعٍ فيها، فركب نور الدين بنفسه إلى محل الخربة، وصعد منارة مسجد أبي حاضر فأشرف منها على الخربة، وأضاف إليها ما يجاورها من الدور والحوانيت على أن يدفع تعويضات لأصحابها.



ووكل نور الدين شيخه معين الدولة عمر بن محمد الملاء بأمر بناء الجامع. شكك بعض أتباع نور الدين في مدى أهلية الشيخ لتولي زمام إدارة البناء، فقالو له إن هذا الرجل لا يصلح لمثل هذا العمل فرد عليهم نور الدين إذا وليت العمل بعض أصحابي من الأجناد أو الكتاب، أعلم أنه يظلم في بعض الأوقات، ولا يُبنى الجامع بظلم رجل مسلم، وإذا وليت هذا الشيخ، غلب على ظني أنه لا يظلم، فإذا ظلم كان الإثم عليه لا علي.
باشر الشيخ عمر ببناء الجامع سنة 566 هـ فابتاع الخربة من أصحابها، بعد أن اشتراها بأوفر الأثمان، وكان يملأ تنانير الجص بنفسه، وبقي يشتغل في عمارة الجامع ثلاث سنوات، إلى أن انتهى منه سنة 568 هـ.
بعد أن فرغ من عمارة الجامع، رأى من المستحسن أن يبني به مدرسة، وعرفت فيما بعد بمدرسة الجامع النوري. يقول ابن كثير في البداية والنهاية أن أول مدرس في المدرسة كان أبي بكر البرقاني تلميذ محمد بن يحيى تلميذ الغزالي. في حين تذكر مصادر أخرى أنه عماد الدين أبو بكر التوقاني الشافعي وأنه تباحث مع ابن شداد.



وكان نور الدين قد رجع إلى الموصل سنة 568 هـ وصلى في جامعه، بعد أن فرشه بالبسط والحصران، وعين له مؤذنين وخدما وقومة ورتب له ما يلزمه.
كان للجامع عدة أوقاف منها "العقر الحميدية" و"قيسارية الجامع النوري" و"أرض خبرات الجمس".
تكلفة بناء الجامع غير معروفة ولكن تتراوح التقديرات بين وستين ألف دينار وثلثمائة ألف دينار. ويذكر ان في زيارة نور الدين الثانية (568 هـ) للموصل كان جالسا على دجلة وجاءه إليه شيخه معين الدولة وقدم إليه دفاتر الخرج وقال له «يا مولانا، أشتهي أن تنظر فيها فقال له نور الدين ياشيخ، عملنا هذا لله، فدع الحساب ليوم الحساب وأخذ الدفاتر ورماها في دجلة.



العصور الوسطى إلى العصر الحديث
وبعد الاحتلال المغولى للموصل لاقى هذا الجامع كغيره الكثير من الإهمال والتخريب، ودُمرت الموصل تدميرا شبه كاملا. سنة 1146 هـ تولى حسين باشا الجليلي ولاية الموصل، وفي عام 1150 هـ انتشر في المدينة طاعون شديد مات فيه الكثير من اهلها وفي نفس السنة أعيد إعمار وتنظيف الجامع. في القرن الثالث عشر الهجري حاول محمد بن الملا جرجيس القادري النوري ترميم الجامع. اتخذ له في الجامع تكية عام 1281 هـ وتوفي عام 1305 هـ.
قام المشتشرق الألماني ارنست هرتسفلد بدراسة عن الجامع في أوائل القرن العشرين وقال ان ما بقي في تلك الفترة من الجامع لا يعود كله إلى إلى فترة نور الدين فقط، بل انه كان بالأصل مبني فوق مسجد بناه سيف الدين غازي الأول عام 543 هـ والتي كانت بدورها اصلا مبنية على ضريح، وهناك من قال ان بناء الجامع بدا قبل مجيء نور الدين إلى الموصل بعشرين سنة وانه لم يامر بإنشاء الجامع ولكنه اشرف فقط على إتمام بنائه، وان رواية ابن الأثير مفبركة بهدف اظهار نور الدين وشيخه الملاء باحسن وجه.



ويقال أيضا أن الجامع بنى على كنيسة تسمى كنيسة الأربعين شهيد والتي بنيت على أرض كانت سابقا كنيسة القديس بولس. شكك الديوه جي في هذه الآراء معتمدا بالأساس على نصوص ابن الأثير في هذا الموضوع، والذي كان والده مسؤول رفيع المستوى لدى الزنكيون في الموصل.
مع مرور الزمن تدهورت حالة الجامع، فقد قال تحسين علي في مذكراته انه لم صار متصرف للموصل عام 1358 هـ (1939 م) كان الجامع مهدما ومهجورا لا يصلح لاقامة الصلاة وانه في نفس العام زار الموصل مدير الأوقاف العام وذكر له حال الجامع وما يحتاجه من صيانة، وطلب منه تخصيص مبلغ لهذا الغرض فوافق وشكلت لجنة للعمل على الموضوع. ولكن المدير استُبدل بعدها بفترة وخلفه سحب هذه المنحة وبقي الجامع على حاله. تدخلت بعدها مديرية الأوقاف العامة ووعدت بمبلغ من المال. اشرف مصطفى الصابونجي على البناء حيث تم توسيعه واستخدم في البناء الجديد الرخام وبنى فيه أربع منائر أخرى على حسابه الشخصي، وكان هذا عام عام 1363 هـ (1944 م).



الطراز المعماري
شهدت الموصل نهضة عمرانية واسعة بعد مجيء نور الدين زنكي إلى المدينة، والعماير من العهد الزنكي لها طراز فريد. لم يبق من البناء الأصلي للجامع سوى المنارة والمحراب وبعض الزخارف الجبسية. المحراب جيء به من جامع آخر، وما زال محفوظ في متحف القصر العباسي ببغداد. تأثرت عمارة المآذن في الجزيرة بالمعمار الفارسي (السلجوقي تحديدا) ولكن اخذت طابعا خاصا محليا ويمكن مشاهدة ذلك في المدن القريبة للموصل كأربيل وماردين وسنجار.
منارة الحدباء
يشتهر الجامع بمنارته المائلة والتي تسمى غالبا منارة الحدباء وسابقا المنارة الطويلة وتعتبر أعلى منارة في العراق. وكلمة الحدباء هي أحد القاب الموصل وقيل ان هذا اللقب ياتى من اسم المنارة. صورة المنارة مطبوعة على الدينار العراقي الجديد من فئة عشرة آلاف دينار.
الراجح ان سبب انحنائه نحو الشرق هو الريح السائدة الغربية في الموصل، حيث تؤثر هذه الرياح على الاجر والجص المبنية منه هذه المنارة فأدت إلى ميلانها إلى جهة الشرق. عوامل أخرى هي التغيرات في درجة الحرارة والتفاوت في أسس البناء للمئذنة. تفسير آخر يقول ان إبراهيم الموصلي تعمد هذا الميلان لكي يقلل من الخسائر في حال سقوطها، لانه غرب المنارة كان (وما يزال) هناك بيوتا كثيرة ولكن إذا سقطت نحو الشرق ستقع على صحن الجامع وتقلل الخسائر. المنارة مهددة بالانهيار، ويبدو أن السبب هو المياه الجوفية التي تحيط بها، والتي أدت إلى اهتراء قاعدة المنارة. وقد درجته مؤسسة الصندوق العالمي للآثار والتراث في قائمة الأكثر مائة آثر مهددة في العالم.



وتنتشر في الموصل الكثير من الخرافات حول سبب الانحناء، ومنها ان النبي الخضر مر بالمنارة فمالت خجلا منه، أو ان الإمام عليا جاء لزيارة حفيده علي الأصغر فانحنت احتراما له، ويستدلون باسم منطقة (دوسة علي) المجاورة. خرافة أخرى تقول انه لما أسري بمحمد إلى السماوات السبع، مر بالموصل فانحنت له، وهذا مستحيل حيث بنيت المئذنة بعد وفاة محمد بقرون.
وقال النصارى أن المنارة انحنت لمريم العذراء والتي يقال أنها مدفونة قرب أربيل، أي باتجاه ميلان المنارة.
تقع المئذنة في الركن الشمالي الغربي من حرم الجامع ويلاحظ أن بعض مآذن العراق السابقة واللاحقة تقع في ذلك الركن كما في مئذنة المظفرية ومئذنة جامع البصرة التي بنيت في عهد المستنصر بالله على أن وقوع المآذن في أركان المباني انتشر في مناطق أخرى من العالم الإسلامي مثل الرّباط في سوسه ومسجد الحاكم بالقاهرة.
للمنارة قسمين أحدهما اسطواني وآخر منشوري، القسم الاسطواني يعلو القسم المنشوري ويشمل على سبعة أقسام زخرفيه أجريه نافرة على شكل حلقات.
ولها مدخلان يصل كل منهما بواسطة درج إلى الأعلى، فجعل المعمار إبراهيم الموصلي سلمين في باطن المنارة كل منهما منفصل عن الآخر، يلتقيان عند منطقة الحصن في الأعلى، فالصاعد إلى الأعلى لا يرى النازل إلى الأسفل، وعمد المعمار على جعل سلمين للمئذنة وكان الهدف الأساسي تخفيف ثقل المئذنة الكبير على القاعدة. وهذا النوع من السلالم انتقل تأثيره إلى منارة سوق الغزل التابعة لجامع الخلفاء، والمئذنة المظفرية في أربيل، ومئذنة خانقاه الأمير قوصون بصحراء السيوطى (736 هـ/ 1336 م).

صورة لجامع النوري ومنارة الحدباء بعد تفجيرهما