هكذا رأيت البابا فرنسيس الأول وهكذا رأيتهم /كامل زومايا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, مايو 09, 2017, 09:25:10 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

هكذا رأيت البابا فرنسيس الأول وهكذا رأيتهم     
   



برطلي . نت / بريد الموقع


كامل زومايا


       يوم أخبروني بموعد اللقاء مع قداسة البابا فرنسيس الأول فرحت كثيرا بهذا الحدث الهام في حياتي،  وكيف لا وأنا ألتقي الحبر الأعظم لكنيسة يسوع له المجد ، قضايا كثيرة وشائكة تهم شعبي مصيره ومستقبله  من اين ابتدي في الحديث مع قداسته ....؟ انها فرصة تأريخية  لا تعوض لأستمع الى رأيه وموقف الفاتيكان من حقوق شعبنا بعد اللغط والمناكفات التي تدور في بيتنا السورايا ..!
هل أطالب دعم قداسته للأعتراف أولا في ما تعرض له المسيحيين والايزيديين من إبادة جماعية هو بأعتقادي  في سلم الاولوية وضرورة تحريك الملف دوليا  ..؟
أم أطلب منه المزيد من الدعم الانساني الملح والمطلوب لشعبنا الذي اقترب على ثلاث سنوات يسكن الخيم المتهرئة والحالة المزرية للنازحين ..؟
أم عن دور الكنيسة ومهماتها في قضايا مصيرية ... الخطاب الوحدوي المطلوب ، دعم مصالح ومطالب شعبنا ، ضرورة ان تستمع الكنيسة لمطالب شعبنا وحماية خصوصيته الثقافية الى جانب الدينية ..؟
أم الحديث عن خطاب الكراهية والعنصرية السائد  اليوم في العراق والشرق الاوسط  بالرغم من لقاءات قداسته الكثيرة مع رجال الدين الاسلامي التي نشعر انها تذهب سدى ، فالعنصرية تزداد ومساحة التسامح والتعايش السلمي تضيق وتضيق معها آمال مسيحيي الشرق في البقاء في ارض الأجداد ، وتكبر الصورة في مخيلتي عن اللقاء المرتقب عسى ان يكون بلسما شافيا لجروحاتنا ،ومرة اخرى ترجع الصورة لتصغر لتراني  مكتئبا امام اللوحة القاتمة التي يعيشها شعبنا...
أمام هذه الصور المختلفة والمركبة تذكرت شيئا آخر بل تمنيت أن اقترح على قداسته لو سمح لي الوقت،  بل لو اعطوني هذه الفرصة التاريخية في الحديث لأقترحت عليه انه مجرد اقتراح ...إن كان بالأمكان ان  يلغي او يأمر بأستبدال الصلبان الذهبية صاحبة السلسلة الطويلة والغليظة التي يلبسونها رجال الدين بغيرها تكون رمزية وأكثر تواضعا احترام وتعاطفا مع شعبنا الجائع والمعوز ...! في تلك اللحظة تذكرت قصة ذلك الاسقف الانكليزي في رواية العقب الحديدية لجاك لندن هناك الكثير من المشتركات بين ذلك الاسقف الذي اراد ان يعيش المسيحية الحقيقة وبين قداسة البابا فرنسيس الأول ..
وربما أقترح عليه ان تتصالح الكنيسة مع شعبها وان تتواضع وتحيى المسيحية كما عاشها ابن المغارة ، ليستمعوا لآهات ومعاناة شعبنا قبل ان يصرحون ليل نهار بكل شاردة وواردة وفي احيانا كثيرة ضد ارادة ومصالح شعبنا المسكين ..! أفكار وأسئلة كثيرة كانت تراودني وكنت تارة مشدودا لهذه وتارة اخرى مشدودا لتلك ،ولكني وقبل اللقاء بساعات  حسمت أمري أن يكون كلامي مع قداسته مقتصرة بعبارات الشكر والسرور لزيارته وألتقاط الصور التذكارية معه..
نعم قررت أن أكون سلبيا... ويبدو قراري كان مبنيا كوني خائفا من اللقاء،  ولو اني لست معتادا على ذلك ، ولكني بعد دقائق تراجعت عن قراري ولعنت هذه الفكرة السيئة والسلبية في التفكير، ولكن قد أكون صائبا بذلك وحتى لو كنت مخطئا ، فنحن ممكن ان نحول الخسارة الى انتصار ونجاح الاخرين الى فشل ...
عادة اكون جاهزا وأحضر المادة التي سوف أتحدث بها مع من التقي بهم ، ولكن ايها السيدات والسادة انه قداسة  البابا وهنا يختلط الخوف بالخشوع معا وهنا تكمن المشكلة ...
المشكلة ليست في قداسته انها مشكلة فينا ..! فمازلنا لليوم نرتبك عندما نتحدث مع رجل دين برتبة قس ، لا أعرف إن كان ذلك من باب القدسية أو من الاضطهاد والكبت الذي تربينا عليه من الصغر ، هكذا غرسوا فينا الاستماع والانصات لهم دون مقاطعة ، واليوم كيف يمكنني مقابلة قداسة البابا الأول في كنيسة المسيح الذي تبجله وتهابه قادة الدول في العالم ،  ياترى كيف يمكنني أن أعيش هذا الموقف وهذه اللحظات .. ..!
اعود وأرجع وأمني نفسي  بأن قداسة البابا يبقى انسان على شاكلتي وعلى شاكلة الجميع .... توقفت كثيرا عند نقطة مهمة لم أفكر بها ،  ماذا لو باغتني بسؤال عن علاقة الكنيسة بمسيحيي العراق قبل ان نسمع موعظته ونصائحه لنا في هذا اللقاء المرتقب ...؟ ياترى كيف تكون اجابتي لو سألني عن الرابطة الكلدانية عن ادائها بماذا اجيب ..؟  أو عن التصريحات غير مسؤولة وانسحابات غير مدروسة من هذا المجلس او المناكفات والمنافسات مع السياسيين في خطاباتهم التي تجاوزت الموعظة والنصيحة الى الدخول في دهاليز السياسة من أوسع وأوسخ ابوابها ،  وأمام حيرتي تلك اختتمت يومي بصراع داخلي لا ينتهي ولن ينتهي ..
في الموعد المحدد كنا واقفين أمام حارس بناية دولة الفاتيكان ومن شارع الى شارع آخر ومن بناية والى طابق آخر كنا في الموعد في قاعة الاستقبال، وما هي الا دقائق معدودة فتح الباب ليستقبلك قداسة البابا بأبتسامته العريضة مرحبا بنا بأجمل ترحيب يتقدمك ويطلب منك الجلوس قبل ان يأخذ هو مكانه ، في تلك اللحظة نسيت وذهب مع الريح بكل ما كان يدور في مخيلتي ، وحاولت بقدر المستطاع ان انظر اليه بتمعن ودقة واستمع لكلمات الترحيب في الاسبانية وهو يتحدث مع زملائي في الرابطة الدولية لعلماء الجينوسايد ، حتى جاء دوري في الحديث معه ..... الأرتباك كان سيد الموقف بكلمات زملائي من قبلي وهكذا الحال معي ، صمت' لا أعرف ماذا أقول، وهو ينظر ألي مبتسما ،وانا أحاول أن أرتب كلماتي بين الانكليزية والالمانية قاطعني بهدوء قائلا تحدث الالمانية ولا احتاج للترجمة اني افهم الالمانية..، شكرته ونقلت له تحيات عائلتي الصغيرة في المانيا وعائلتي الكبيرة الثكلى من مسيحيي العراق قدمت له التقرير السنوي لمنظمة شلومو للتوثيق تصفحه وهو يدقق بالجداول والبيانات الكثيرة التي يحتويها التقرير ، وعاد ليستمع الي ، تحدثت' عن قصص الناجيات والمخطوفات والمخطوفين والذين مايزال مصيرهم مجهول وعن دور الكنيسة وادائها في هذا الملف المهم في حياة شعبنا وعن الفكر الداعشي وقضايا اخرى ... كان متأثرا جدا ولم يجد كلمة كما يبدو لي ان يجيبني سوى انه قام من مكتبه وشد على يدي وضمني اليه وهو يقول .....نعم انها صعبة .....علينا ان نصلي..... ونعمل ونعرف إن وضعكم ليس سهلا ...واسترسل بحديثه عن اوضاع الانسان والمسيحيين في الشرق الاوسط ..
شكرنا وشكرناه على حفاوة الاستقبال بعد ان قدم لنا هدية لكل اعضاء الوفد الزائر كان بسيطا ومتواضعا ومستمعا جيدا ومحاورا ممتازا لم يكن في مكتبه احدا سوى هو الذي اوصلنا للباب واغلقه بنفسه هكذا كان اللقاء مع قداسته ... وانا أغادر البيوت القديمة لدولة الفاتيكان وهذا اللقاء الجميل مع قداسته جالت في مخيلتي اللقاءات الكثيرة مع بعض رجال الدين عندنا  فمنهم يجعلك جالسا متعمدا لكي تنتظره وانت في مكتبه بالرغم انك قادم اليه في الوقت المحدد ، ومنهم من يجلس قبل ان يجلس ضيفه ومنهم من يغادر اجتماعه معك معللا بأنه مرتبط بأجتماع آخر ، وبعضهم لا يستمع اليك بقدر انه يريد منك ان تستمع منه فقط  بالرغم عدم معرفته ببعض الامور ،والبعض الآخر وانت تتحدث معه يجعلك ان تنتبه مرغما لأصابع يديه وهي تلهو تارة بخاتم ذهبي كبير الحجم وتارة أخرى لسلسلته الذهبية وبالصليب الذهبي الكبير الحجم المعلق بتلك السلسلة...! فأين نحن من قداسته وأين نحن من يدعون تمثيل ربنا له المجد في بيوتات الله التي بنيت بحجة اللقاء الروحاني مع فقراء الله المعدومين ليقول لهم " تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. "

كامل زومايا
ناشط في مجال حقوق الانسان والاقليات