تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

بؤس إعلام بطريركية الكلدان

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يناير 16, 2017, 08:59:21 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

بؤس إعلام بطريركية الكلدان     
   
   
برطلي . نت / متابعة

د. رياض السندي
عنكاوا كوم

في الغالب لا أكتب الا عن مواضيع تعنى بالعراق عموماً، ولم أتطرق يوما الى مشاكل الاقليات التي انا منها، لان الكثير من تلك المسائل أصبحت معرفة على الصعيد الدولي, والتي باتت معروفة للمطلعين وذوي الاختصاص بإسم (أمراض الاقليات)، وفي مقدمتها التفرقة والتجزئة والتناحر التي تقود الى التشرذم. والى هذا الجانب الموضوعي، كان هناك سبب أخر شخصي لامتناعي عن الكتابة في هذا المجال, الا وهو تقديري لذات البطريرك، وخاصة البطريرك الحالي لويس ساكو الذي تربطني به صلة قرابة وصداقة. كما إن معرفتي بأبناء طائفتي, يجعلني أدرك تماما إن جانب كبير من الانتقادات للبطريركية تقوم على صراعات مناطقية، بحيث أن كل أماكن التواجد المسيحي في العراق تسعى جاهدة لان يكون البطريرك منها، ولا يخرج عنها.
إلا إن البيان لذي أصدره إعلام البطريركية الكلدانية بالأمس عن أسباب انسحاب وفدها من مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق، لبحث شؤون هذه الطوائف قد دفعني لكتابة هذا المقال. والبيان بحد ذاته بحاجة الى مقال أكبر لما ورد فيه من هنات ونقاط مثيرة للبس والجدل، ولكن لننظر الى المشكلة الأعم.
فمن المعروف إن بطريركية الكلدان قد غدت في الاونة الاخيرة، بطريركية أزمات.فما إن تخرج من أزمة الا وأقحمت نفسها في أزمة أخرى. صحيح القول إنها تسير في حقل ألغام، ولكن مراعاة جانب الدقة والحذر أمر ضروري. وأكثر ما أثار استغرابي هو إعلام البطريركية الذي أصبح هو من يدخلها في هذه الازمات ويحركها. وبمجرد غثارة أي زوبعة حول أحد تصريحات البطريركية أو بياناتها إلا وتسارع هذا الاعلام لتقديم توضيح وربما يلحقه بتوضيح ثاني، وغالبا مايكون التوضيح أسوأ من البيان المراد توضيحه للناس، مما يزيد الازمة إشتعالا, الى جانب مسيرة البطريركية الشائكة طيلة السنتين الماضية.
ولا أريد أن يظن أحد ما، باني لم أحاول أن أنقل رأيي هذا بشكل شخصي الى البطريركية، اعتقاداً مني بأنه أفضل الوسائل في مثل هذه الحالات، الا إني اخفقت في ذلك كما أخفق الكثيرون غيري. فقد حاولت شخصياً توضيح ذلك، وتقديم يد العون والمساعدة لهم, فكتبت ثلاث مرات لموقع البطريركية، الا إنها إمتنعت عن قبولها جميعاً، ولدي مايثبت ذلك. وبعد التشاور مع عدد من الاصدقاء، إتضح لي بأنهم قد تعرضوا لمثل تلك المواقف، مما طمأنني بأني لست الوحيد في هذا المجال. وأيقنت بأن اي شخص يريد أن ينشر شيئاً في ذك الموقع، فعليه أن يختار بين أمرين لا ثالث لهما. فإما أن يعتمد المديح والتملق للبطريركية وشخوصها، أو أن يكتب في أمور سماوية لا يستطيع كل من في الارض الاعتراض عليها، مثل سر الاعتراف أو يوم العنصرة، وربما حظيت مثل هذه المقالات بإعادة النشر، وهذا ما لاحظته في العديد من المرات.
وتكررت أزمات البطريركية التي أقحمت نفسها في مسائل سياسية وتاريخية وإدارية مثيرة للجدل، ومارستها بطريقة غير مختصة. ويبدو إن البطريرك الكلداني أراد هذه المرة أن يلعب دوراً سياسياً في خضم الصراعات التي تسود العراق الان. ولن أسترسل في هذه النقطة بالذات، فلها مؤيدوها ومعارضوها أيضا. ولكن يمكن الاشارة الى بعض الازمات على سبيل المثال لا الحصر، والكثير منها معروف للعراقيين من الطائفة الكلدانية، أو المكون الكلداني، أو أي تسمية أخرى, كما هو متداول هذه الايام. وهذه الازمات هي:-
1.   أزمة الكنيسة الكلدانية في سان دييغو بالولايات المتحدة الامريكية: والتي إستغرقت أكثر من سنتين، وقادت الى إنقسام الناس إثر إستخدام شبكة الانترنيت لمعالجتها, حتى أصبحت قضية رأي عام يتدخل فيها كل من هب ودب بين مؤيد ومعارض, مما أساء الى الكنيسة والمجتمع عموماً، لان أسلوب المعالجة كان غير موفق.
2.   أزمة الطروحات التاريخية: وهو موضوع حساس يثير الاخرين نظراً لما عاشته وتعيشه أقليتنا أو أقلياتنا في صراع تاريخي بسبب التدخلات الاجنبية والمطامع الاقليمية. لذا فإن أي تصريح في هذا المجال من شأنه أن يصب الزيت على النار فيزيدها إشتعالا، ويعمق الفرقة والتباعد, الذي بدت أثاره تظهر جلية واضحة على الصعيدين الشعبي والكنسي. وأكثر هذه الطروحات كانت تثار أثناء المقابلات التلفزيونية، وخاصة على قناة الشرقية. وكان بالامكان تجنبها من خلال الاشارة الى إن هذا الامر هومن اختصاص المؤرخين والمختصين في علم دراسة الاجناس البشرية، أو المختصين بدراسة الحضارات القديمة. أي إحالة الموضوع الى ذوي الاختصاص تلافيا لاي إشكال مستقبلا.
3.   أزمة المنتقدين: وما إن هدأت الاحوال نسبياً، حتى خرج علينا إعلام البطريركية لينشر بياناً أو تصريحاً يشير فيه الى حملة إعلامية ضد الكنيسة الكلدانية في 17/تشرين الثاني 2016، مستشهدا ببعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ومنها الفيسبوك. واهنا يثور التساؤل: إذا كانت الكنيسة تستخدم الاعلام بكل وسائله، الا يحق للأخرين ذلك، أم إنه حق حصري لها؟ وهذا ما لم يقم به حتى رئيس الوزراء العراقي, فكيف بكنيسة ممثلة لطائفة أو أقلية صغيرة.  كما إن المسألة تثير موقفاً قانونياً على طرفي نقيض. فمن جانب، لكل شخص الحق في حرية التفكير والتعبير عما يفكر به، شرط عدم الاساءة للاخرين. ومن جانب أخر، فإن من حق مَن صدرت الاساءة بحقه الرد وعلى نفس الوسيلة مع التقيد بذات الشرط وهو عدم الاساءة أو التجريح، أو اللجوء الى القضاء المختص، ولدينا في العراق محمكة النشر هي صاحبة الاختصاص في هذا المجال، إذا ما تضمن التصريح إساءة غير مقبولة، أو تجاوز الرد حدود الادب والاخلاق والنظام العام.
4.   ألازمات الشخصية: لوحظ إن بعض الازمات يسودها الطابع الشخصي, وتنحصر بمواقف أشخاص لا تتعدى نطاقهم. وكان الاجدى والاجدر بالبطريركية الكلدانية الابتعاد عن خلق مثل هذه الازمات مع أشخاص بذواتهم، لان البطريركية شأنها شأن أي مؤسسسة أخرى. فهي ليست شخصية أو مملوكة لشخص معين، بل هي شخص معنوي أو إعتباري في القانون, بدليل بقاءها واستمرارها حتى بعد رحيل الاشخاص أو تبديلهم. والعجيب إن كل طرف يدعو الطرف الاخر للهداية بعد الانتقاد بشراسة. ويمكن القول بشكل عام، أن الانتقادات قد تركزت على شخص البطريرك ذاته، ونادرا ما يجري الترق الى البطريركية كمؤسسة دينية، ويمكن ملاحظة ذلك في أزمة المنتقدين السالفة الذكر، والتي أشار اليها إعلام البطريركية الى إنها حملة ضد الكنيسة الكلدانية. إن مثل هذه الصراعات الشخصية من شأنها أن تقلل من مكانة هذه الموسسة العريقة. ويمكن إيراد بعض الاسماء المتداولة مثل عامر حنا فتوحي.
5.   الازمة الداخلية: الى جانب أزماتها مع الغير، فقد تولدت أزمة أخرى من داخل الكنيسة ذاتها, قادها أحد الاساقفة المعروفين، الا وهو المطران سعد سيروب، المعاون البطريركي السابق, الذي إستخدم نفس إسلوب البطريركية في النشر على الشبكة العنكبوتية، فنشر مقالا مطولا، يمكن القول بأنه كان افضل ماكتب في هذا المجال، الا إنه عاد وسحبه بعد ايام، ليصدر صيغة إعتذار موجز يوحي بأنه قد كتب تحت ضغط شديد اثناء كتابة مقاله الاول.
ويمكن القول إجمالا، إن هناك الكثير من الازمات غير التي تم ايرادها في أعلاه والتي تعصف بالكنيسة الكلدانية اليوم، إنما تنشأ نتيجة بعض المواقف السياسية التي بإلامكان تجنبها بحنكة ودراية في خضم الصراعات السياسية التي تشهدها الساحة العراقية، والامثلة كثيرة على ذلك, مثل: الموقف من إنشاء سهل نينوى، الموقف من إنشاء جيش أو حرس للمسيحيين. وأرجو أن لا يفهم إن موقف يختلف بالضروة مع تلك المواقف، وهذا رأي شخصي. ولكن الاراء الشخصية تختلف عن أراء المؤسسات والكيانات الرسمية. ألا إنني هنا أنقد أداء أعلام البطريركية وطريقة معالجتها للامور، وقد سبقني آخرون الى ذلك، الا إن الامور سارت بمنحى تصاعدي بما ينبىء بتدهور خطير، وقادت الى مهاترات كلامية أفرزت قيحاً على مواقع الانترنيت، وبإمكان أي شخص أن يرى ذلك بمجرد القيام بزيارة قصيرة لموقع عنكاوا كوم، ويبحث في كلمة البطريركية الكلدانية، ليرى سيلاً من الافعال وردود الافعال بين فريقين متصارعين منقسمين الى مؤيد ومعارض لاشخاص باتوا معروفين بمواقفهم، فريق ينتقد أداء البطريركية, وفريق يتنصر لها. وسأكون صريحاً هنا، فإن ردود الفريق الاول أكثر رصانة ودقة من ردود الفريق الثاني الذي يعتمد إسلوب المديح والتفخيم والاطراء حتى في حالة الاخطاء، مستخدماً عبارات التهديد التي يمكن إختصارها بعبارة (سنقوم بفضح كل من يسيء دون تردد).
إن النقطة الاساسية في الموضوع، أنه يجب التفريق بين النقد والانتقاد. فالنقد ضرب من ضروب الادب التي تدرس في كل العالم. أما الانتقاد فهو تعبير يقصد به الإساءة لشخص او  إستهجان لموقف معين.
وإجمالا فإن إعلام البطريركية الكلدانية هو إعلام بائس وضعيف، ولا يرتقي الى مستوى البطريركية الكلدانية، التي إنقتحت على العالم منذ خمسة قرون مضت، وكان كهنتها من أكثر الطبقات ثقافة وإطلاعاً ومعرفة باللغات الاجنبية. كما إنه لا يرتقي لمستوى الكلدان كطائفة عراقية تضم العديد من الكفاءات التي يمكن أن تقدم إعلاماً رصيناً ومتقدماً، وما مقالنا هذا الا نداء مفتوح للبطريركية، لاعتماد الحرفية والتخصص في إعلامها، لاسيما وإن الاعلام اليوم هو علم منفرد قائم بذاته، يدرس في كليات الاعلام والصحافة، لما له من تأثير كبير على تشكيل الرأي العام والتأثير فيه، حتى لقبت الصحافة والاعلام بالسلطة الرابعة الى جانب سلطات الدولة الثلاث. وبالتالي، لايعقل والحالة هذه, أن يكون إعلام هذه المؤسسة الدينية هزيلا الى هذا الحد، حد البؤس.

د. رياض السندي
دكتوراه في القانون الدولي
15/1/2017