دراما مُتعجلة عن المأساة الإيزيدية المتواصلة

بدء بواسطة برطلي دوت نت, ديسمبر 30, 2016, 02:51:26 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

دراما مُتعجلة عن المأساة الإيزيدية المتواصلة     

      
برطلي . نت / متابعة
الحياة / أمستردام - محمد موسى

ليس بعيداً من مواقع الأحداث الأصلية وعلى تخوم جبهات قتال فعلية، صَوّر المخرج والممثل الكردي العراقي حسين حسن فيلمه الروائي الطويل «العاصفة السوداء»، والذي يُعد الأول روائياً الذي يتناول مأساة الإيزيديين العراقيين (فاز أخيراً بجائزة أفضل فيلم روائي في مهرجان دبي السينمائي). لم يحتج المخرج الذي قام بالدور الرئيسي في الفيلم إلى بناء ديكورات جديدة ليعيد تجسيد ما وقع للإيزيــديين، والخراب الذي أصاب مناطقهم على يد تنظيم داعش قبل عامين، فالقرى المُدمرة المهجورة هي في كل مكان من تلك المنطقة في العراق، ومخيمات اللاجئين التي صور فيها بعض مشاهد فيلمه، هي اليوم كما كانت قبل عام، تغص بالهاربين من العنف من إيزيديين وغيرهم. وربما لو استغنى المخرج عن شريط الصوت في فيلمه سيكون من الممكن سماع أصوات نيران حقيقية آتية من مناطق المعارك مع التنظيم الإرهابي والتي لم تصمت منذ نحو عامين.

دراما للفاجعة
بثقة كبيرة يختار المخرج الكردي الدراما لمقاربة الفاجعة العراقية الجديدة على رغم أننا ما زلنا على مسافة صفر منها. وفي الوقت الذي فضّل مخرجون غربيون وأكراد تسجيل الواقع وتفاصيل من المأساة وقدموها في أفلام تسجيلية، بخاصة أن ضحاياها مازالوا حتى الساعة في وسط الجحيم الذي فتح «داعش» أبوابه عليهم، إلا أن «حسن»، فضل الشكل والمعالجة الدرامية. هذا الخيار سيدفع سريعاً وتلقائياً إلى مقارنة بين الصور الفعليّة التي نقلتها تغطيات إخبارية مفصلة أو أفلام تسجيلية وبين الفيلم الروائي، والتي لن تكون لصالح الأخير، إذ أتى فيلم «العاصفة السوداء» في كثير من زمنه صدى باهتاً غلبت عليه العجلة، واجترار للحدث العاصف والمحنة التي مازال العالم يحاول أن يجمع كل تفاصيلها المُرعبة.

تمنح الدراما التي تستند إلى وقائع فعليّة حريات كبيرة لصناعيها، في اختزال واستلهام تفاصيل حقيقية عديدة لتشييد الحكاية أو الحكايات التي يرغبون في سردها، والتحكم بسعة أو ضيق المشهد الذي يرغبون بحصره في عدساتهم، والتركيز ورفع محن شخصيات معينة وتحويلها إلى إيقونات تاريخية وعاطفية. كما تتطلع هذه النوعية من الأفلام، وبخاصة تلك التي تريد أن تشد الانتباه إلى قضاياها مثل فيلم «العاصفة السوداء»، وإلى جانب تقديم قصص متماسكة هو جمع أشلاء صورة الحدث العام المبعثرة في سياقات القصص الفردية الذاتية، مسلحة بعاطفية يتم التحكم بدرجاتها عن طريق ممثلين وممثلات محترفين أو هواة، واعين بثقل المهمة التي يحملونها والحدث التاريخي الذي يعيدون تمثيله.
يتعثر فيلم «العاصفة السوداء» وهو يحاول أن يتلمس طريقه وسط آنية وكارثية الأحداث التي يتناولها، أو أن يجمع بين إلحاح وتزاحم الصور التي يريد أن ينقلها وبين الاحتفاظ بديمومة سينمائية ما. وعلى رغم أن ظروفاً مثالية توافرت للفيلم، أهمها إمكان التصوير في بعض المواقع الأصلية للأحداث، ووسط إيزيديين هاربين إلى المنطقة الكردية في كردستان العراق، إلا أن محصلته النهائية لم تقترب من نقل هول الحدث ذاته وتداعياته الجدية المتواصلة، وبقي دائماً أقل قسوة من الصور التي نقلها الإعلام لما حدث، والتي تحول بعضها إلى أيقونات لعالمنا المعاصر، الذي يبدو في العامين الأخيرين وكأنه فقد عقله. وهذا سيبدو واضحاً في المرة الوحيدة التي نقل الفــيلم فيها مشـــاهد أرشيفية لصفوف طويلة من الهاربين من «داعش»، والتي ستبين بشكل حازم الفروقات بين الصور الحقيقية والمُتخيلة.

الحب أولاً
يختار الفيلم قصة حب بين «ريكو» حارس منشآت نفطية، و «بيرو» الفتاة الشابة. هما من العراقيين الإيزيديين الذين يعيشون في قرية بشمال العراق. ستتوج علاقة الحب سريعاً بخطوبة. ما حدث بعد ذلك سيهز حياة الحبيبين والمنطقة وحتى العالم. فتنظيم داعش سيحتل قرية البطلين ويقتل ويختطف فتيات منها، ومنهن البطلة نفسها. وبعد أن بدا أن الفيلم سيكون عن محنة البطل وامتحان صلابته في مجتمع ذكوري تسيّره العادات الشرقية والتي تقسو أحياناً حتى على الضحايا، تنجح مساعي «ريكو» في تخليص خطيبته من أسرها، وستعود هذه منكسرة تماماً إلى مخيم اللاجئين، حيث يعيش أهلها. يضيق الفيلم مشهدياته بعد رجوع البطلة، وينسحب بعوالمه من الشأن العام إلى الدراما الخاصة، ويركز على كابوس «بيرو» بعد وصولها إلى أهلها، والذي يشكل امتداداً لما مرَّ عليها عندما كانت في أسر «داعش».
فاقت طموحات نصف الفيلم الأول قدرات الفريق الفنيّ، فواجه الأخير صعوبات بالغة في المشاهد الواسعة ومشاهد المعارك التي يتحرك فيها عدد كبير من الكومبارس (مشكلة مزمنة لمعظم الأفلام العربية والشرق أوسطية)، كما كان المشهد الطويل لبيع النساء في أحد أسواق «داعش» مخيباً للآمال بشكل كبير، بل واقترب من الكوميديا لمبالغته، وبسبب اللهجة الكردية الواضحة للممثل في ذلك المشهد والذي تحدث باللغة العربية، ونمطية المشهد برمته وكسله. وكذلك مشاهد المعارك في ربع الفيلم الأول، وقبلها مشاهد القرية الإيزيدية والتي تغافلت عن تمييز الطبيعة الخاصة لسكان تلك المنطقة من العراق.
سيتحسن الفيلم في نصفه الثاني، وبعدما بدأ بالاقتراب من شخصياته والتركيز على محنهم الذاتية والانكسار العميق الذي أصاب أرواحهم. وستبرز البطلة بصمتها والألم الذي تحمله في هذا النصف، فيما ينسحب الأبطال الآخرين، ليراقبوها من مسافة معينة، حالهم حال كاميرا الفيلم ذاته.
يستند الفيلم، كما يخبرنا في مقدمته، إلى حوادث حقيقية، لكن قصة الفيلم بذاتها لا تتضمن خصوصية معينة (عودة فتاة إلى أهلها بعد فــترة من الخطف على أيدي «داعش»)، ذلك أن حوادث الفيلم مرَّت عليها في العام الماضي أفلام تسجيلية وتحقيقات تلفزيونية، أحدها قدمه برنامج «الخط الأول» التســـجيلي الأميركي. وبمقارنة تفاصيل النصف الأخير من الفيلم، وبالتحديد الشق الذي يتعلق بالانهيار النفسي للبطلة، وما قدمته أفلام تسجيلية حفرت في جروح أهل المنطقة، ترجح كفة الأخيرة بصدقها وتأثيرها الكبيرين.
والفيلم هو البطولة الثانية لحسين حسن في فيلم كردي طويل لهذا العام، فقبل هذا الفيلم لعب أحد الأدوار الرئيسية في فيلم مواطنته سولين يوسف «منزل بلا سقف». ويعد «حسن» من الأسماء السينمائية المهمة اليوم في كردستان العراق، سواء في وقوفه خلف الكاميرا أو أمامها. تلمع موهبة المخرج في مشاهد معينة، وفي بحثه عن مشهديات حيَّة غير مألوفة في كردستان تخالف الصورة النمطية الشائعة عن المنطقة، بيد أن هذا المشروع السينمائي كان يحتاج إلى مزيد من التروي، والكثير من التحضيرات، على صعيد تدريب الممثلين والممثلات الرئيسيين، أو الثانويين، والأهم من ذلك كان يحتاج إلى حساسية خاصة مُتفهمة تجيد الاقتراب من الجرح الشديد الإيلام الذي تحمله النساء الإيزيديات اللواتي عانين الاختطاف والاغتصاب والمهانة.