تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

راحة بال الامس وهموم اليوم

بدء بواسطة simon kossa, سبتمبر 16, 2011, 07:30:08 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

simon kossa

راحة بال الأمس وهموم اليوم


شمعون كوسا

هناك مثل كردي يقول : سال به  سال خوزﮔـه م  به  ﭘار ، ومفاده : بعد مرور كل سنة نشتاق إلى التي سبقتها .

إن الحياة في تقدم مطـّرد والعلم لا تتوقف بحوثه ، والاكتشافات التي يتوصل اليها لا تهدف غير الوصول الى وسائل من شأنها تسهيل حياة الانسان . لقد كُرِّست كافة الانجازات الصناعية والزراعية والغذائية والصحية وغيرها وسخّرت لخدمة الانسان . ولقد أزاحت هذه الانجازات فعلاً الكثير من ثقل الماضي وخففت من ظروفه المضنية . فاذا تناولنا الطيران مثلا ، نقول بان الطائرة أحدثت ثورة في عالم النقل وقصرت المسافات بشكل لا يصدق ووفرت وقتا ثمينا على الانسان . واذا تكلمنا عن صناعة السيارات ، نقول عنها بانها ابتكار فريد من نوعه في مجال النقل البري ، وهذا صحيح على صعيد القاطرات والدراجات النارية وغيرها من وسائل النقل .
وهل لنا ان ننكر ما وفره المجال النووي المدني والسلمي من صناعات مهمة .
والهاتف المحمول او النقال ، أليس انجازاً يفتخر به هذا العصر  كونه وسيلة اتصال ترافق الانسان أينما ذهب . والحاسوب او الكومبيوتر ، ألم تحقق برامجه ولا سيما الانترنيت حلما لم يكن يدر في خلد أوسع خيال . وماذا نقول عن مكائن الاشغال العامة والاجهزة المنزلية بكافة انواعها ، والزراعة وتطورها في كافة مجالاتها ،  والحديث يطول لان القائمة لا زالت في ثلثها الاول .

نعم هذه الانجازات وغيرها ساهمت في تطوير حياة الانسان ، غير انها لم تفلح في معالجة موضوع سعادته وعيشه بهناء ولم تؤمّن له الطمأنينة وراحة البال، لانها بالرغم من ايجابياتها الكثيرة ، لا تخلو من لسلبيات . لقد وفرت فعلا على الانسان جهودا مضنية ، ولكنها خلقت له لاحقاً متاعب جانبية كبيرة . ولأن الانسان لا يرى الا راحته الآنية ، فانه لم يأبه بما ستتركه هذه المكائن او الاجهزة من آثار على المدى المتوسط  والبعيد .

فاذا عدنا الى ما ذكرناه من صناعات ، نبدأ ونقول بان للطائرة أو بالاحرى الطيران متطلبات صارمة ، حيث على المسافر الحضور ساعتين او ثلاث قبل موعد سفره ، كما عليه   الخضوع لفحص طويل يثير الغيض احيانا ، واما عن الضجيج الذي يسبق إقلاع الطائرة ويلي هبوطها فحدّث  ولا حرج . بالاضافة الى ذلك  يبقى المسافر في حالة دعاء مع ربّه عند الاقلاع خوفا من تناقص اندفاعها وفي حالة ترقب عند الهبوط خشية تأخر إطاراتها في الخروج من مكانها في الوقت المناسب ، فضلا عن المفاجئات عند تأخر الرحلة او إلغائها كليا دون سابق انذار مع كل ما تترتب عليه من عواقب استخدام وقت المسافر ومواعيده والتزاماته، وهل لي أن امرّ هنا دون التطرق للخطورة المتمثلة بهوايات يمارسها بعض المهووسين داخل الطائرة ، مدفوعين بخفة دم غير مسبوقة،  لإلهاء  الركاب في لعبة التهديد والاحتجاز والابتزاز والترهيب !!

أما عن السيارات ، فان مسؤوليتها رئيسية في جريمة اسمها التلوث ، وللعيون كما للحناجر حكايات وقصص أبطالها الدخان بكافة الوانه. من جهة اخرى فان قيادتها تولـّد  توترا في نفس السائق خاصة عند توقف السير أوتقدّمه بخطى السلحفاة ، وإذا كان قائد العربة رجلا مسنّا أو شخصا مرهقا، فانه يتحول الى كتلة اعصاب افلتت من مواضعها لتلتفّ على بعضها البعض . وإذا حدث وان وقعت السيارة بين يدي الميكانيكي ، ولا نقول لا سمح الله لان هذا قدر السيارة مهما بالغت في حرصها ، فعلى صاحبها التهيؤ  للقاء المصلـّح عدة مرات لان كل تصليح يخلف تصليحا آخر ،  وعند كل فاتورة يختار الفقيه أعز الرؤوس واقدس الكتب في قسم ليخفي كذبه . 

وهنا كنت أرقب المناسبة لاتكلم  عن  وسيلة نقل صغيرة  وسريعة ، ألا وهي الدراجة النارية ، فان بعض الانواع منها اُشبّهها بامرأة باعت ماء وجهها وخرجت للشارع لتصيح باعلى صوتها  ، والصوت الذي يطلقه هذا المحرّك الصغير  في اندفاعه وسرعته الهائلة يعادل صياح عشرة نساء من هذا النوع !!، إنه فعلا جهاز لا يُحتمل ،  ومن يكون قد عبس الحظ بوجهه في ذلك اليوم وصادف هذه الدراجة ، فانه يتوقف ويبدأ تلقائيا باغلاق آذانه بصورة مُحكمة ، ونفس هذه التلقائية تدعوه لتحريك لسانه في اخراج شتائم خفيفة جاهزة الصنع ، لا تصيب سائق الدراجة لانها لا تتمكن من مجاراة سرعته، فتغيّر اتجاهها نحو أبيه ، لان رسالة اللسان الخفيفة هذه موجّهة أصلا لابيه،  كونها تستهلّ جملها بـِ (إبن الـ ..  ) !!!
والحديث عن الضجيج والضوضاء ينطبق على مكائن الاشغال العامة ايضا ، فمنها ما يهتزّ ومنها ما يحفر ومنها ما يدقّ الركائز ومنها ما يضغط الهواء وهناك ايضا بعض الاجهزة المنزلية . وهنا اودّ التركيز على جهاز الميكروويف الذي يُجمع كافة المختصين بان موجاته القصيرة تؤثر على صحة الانسان .
أما الهاتف النقال ، فالتقارير القديمة والجديدة تفيد بان ذبذباته تضرّ برأس الانسان  .إنه جهاز يستخدمه حتى الاطفال ، ولِبعض الشباب جهازين او ثلاث ، وكثير من العجائز يحملنه في جيبهن لمتابعة أمور الطبخ والتحرّي عن اخبار الجيران مع بناتهن او كنـّاتهن ، وقد يكون لهذا الموضوع مقال خاص .  كما ان استخدام الكومبيوتر او الحاسوب لفترات طويلة يؤثر على العيون والاعصاب والفقرات .
وفيما يخص المجال النووي ، ساترك استخداماته التدميرية جانبا ، لان ناغازاكي وهيروشيما والاسلحة التي استخدمت في بلدنا العزير ستبقى افضل شواهد لاجيال واجيال، غير أن استخدامه المدني ايضا بدأ يشكل خطرا على حياة الانسان ، وما حدث في اليابان مؤخرا ومن قبله تشيرنوبل هو افضل درس، ولقد بدأ القادة النوويون فعلا باعادة النظر في سياساتهم في هذا المجال .

وبالنسبة للتطور الزراعي ، فان المبيدات المستخدمة لتحسين الانتاج ومضاعفة كمياته تؤثر مباشرة على المياه الجوفيه وتهدد حياة الانسان والحيوان ، ومن بين الحشرات المهددة حاليا نذكر النحل الذي بدأ بالتناقص جراء استنشاقه زهور ونباتات قد تعطـّرت بمبيدات سامة.   والهرمونات المستخدمة  في الاسمدة  تجعل بعض اصناف الفواكه والخضرفي حالة نموّ وانتفاخ مستمرين حتى بعد قطفها . والغذاء لم يعد طبيعيا كالسابق ، لقد دخلت في صناعته كثير من المكونات الغريبة  كالملوّنات والمطيبات والمواد الحافظة والاضافات الاخرى، وقد لعب هذا دورا كبيرا في بروز امراض غير معهودة سابقا ، إن ما هو أكيد أن الكثير من اغذيتنا تضم بين جوانبها مواد مسرطنة. 
أصبح انساننا العصري قليل المقاومة وهشّ المناعة ، فعشعش الوسواس داخل نفسه ، وصار  شديد الحرص على صحته  ، بدليل ان الغالبية العظمى من الناس يحتفظون باجهزتهم الخاصة لقياس الضعط والسكر وغيره ويعيدون الفحص بعد كل وجبة طعام .

لكي نكون موضوعيين ، نقول باننا لا ننكر البتة التطور الذي حصل بعد هذه الاختراعات ولكننا لا نستطيع السكوت على التوتر واسباب القلق والترقب والخوف التي اوجدتها الصناعة الحديثة . اضحت الحياة العصرية حياة سرعة وهذا ما نلاحظه جليا في البلدان الصناعية  .مع تقدم الحياة ازدادت متطلباتها ، وانسان عصرنا الذي يريد اقتناء كل شئ ، ينهض مبكرا للعمل ويرجع الى البيت متأخرا ليضع رأسه وينام كي يستأنف نفس الدورة في اليوم التالي .  فيركض الانسان طوال اليوم ليكسب الحدّ الادنى الذي يبقيه على قيد الحياة . لاسيما وان طلبات الاولاد لا تقبل التأخير،  أولاد لا يريدون معرفة أي شئ عن ظروف والدهم ، لان ما يهمّم هو الحصول على آخر جيل من الهواتف مثلا ، أوسيارة تشبه سيارة زميلهم الفلاني .

انا الذي عايشت قليلا الزمن السابق ، لا انكر الفائدة الجمّة التي جناها الانسان من الابداعات الجديدة ، غير اني ، قابلا بالانتقادات والنعوت سيوجهها لي البعض كمتخلف أو رجعي ،  أقرّ باني أحنّ لتلك الايام الهادئة التي كان يعيش فيها الانسان بين اهله وذويه . كان يكدّ في الصيف بين مزروعاته وحيواناته وكرومه ، والقليل الذي كان يحصل عليه كان مصدر سعادته في فصل الشتاء لانه كان قنوعا . كان يبذل الناس جهودا كبيرة في اعمالهم  بهدف الخلود للراحة والعيش لفترة من الزمن بهدوء وفرح وراحة بال . أما الانسان الحالي فانه يربط الليل بالنهار بهدف البقاء على قيد الحياة ، فالقدامى كانوا يعملون  ليعيشوا ويتلذذوا بالحياة ، اما الانسان الحالي فانه يحافظ على حياته للعمل والعمل فقط .

هذا الانشغال الدائمي وحالة التوتر والضغط اليومي والقلق والتلوث الذي تشبّعت منه أجواء عصرنا الحالي يؤثر على تصرف الناس وحالتهم النفسية . من جهة اخرى ، كانت العائلة سابقا تحافظ على كيانها ويعيش اعضاؤها في حب ووفاق دائمين ، وكانت افراحهم واحزانهم يتقاسمونها مع اهالي القرية او المدينة ، واذا  نجم خلاف بينهم ، تكون كلمة الاقدمين الفيصل ودون نقاش . كان الجوّ نقيا لا تشوبه شائبة ، كان محيطهم صغيررا وكان الناس بسطاء وصادقين وليس كيومنا ، حيث انك تعرف الكاذب هذه الايام اذا قال لك صدّقني .

كان اهلنا متواضعين في حفلاتهم ، فايام العرس كانت اطول مما هي عليه الان ولكنها في غاية البساطة . كان اهل القرية كلهم مدعوين والكلّ يحظر مأدبة تكون موائدها وكراسيها الارض ومشروبها من الانتاج المحلي وطعامها من طبخ نساء الحارة . كانت تتخلل الحفلة فعاليات فولكلورية مسلية ، بعكس ما يجري الان حيث ينبغي حجز القاعة قبل سنة او سنتين ولعدد محدود من المدعوين ، وتكون الحفلة مناسبة لعرض ازياء النساء في فساتين خاصة وثمينة والمهم ما يقال عنها داخل القاعة او خارجها في البيت . 

إنّ ما سردته بكل موضوعية هو للانتهاء بالقول ان أهل السابق لم يعرفوا التوتر والقلق كما يحدث الان . صحة الانسان لم تغدُ كالسابق لان الناس كانوا يعيشةن في جو صاف . لقد كثرت هموم الحياة،  وتعقدت ظروف العيش ، وازدادت متطلباتها . إنسان اليوم يفتقر الى العاطفة والخيال وبعض دقائق خلوة من شأنها اعادته الى مصادره النقية الهادئة وغير الملوثة. كان اهلنا يفوضوّن امرهم لخالقهم ويرددون دائما شعارات مثل : لا تفكر لها مدبّر ، أو يغلق الله بابا لكي يفتح ألف باب . هذه كانت قناعتهم وهذا كان اعتقادهم ، وبهذ الطريقة كانوا يحافظون على هدوئهم وبرودة اعصابهم ، لانه حتى اذا لم تنفتح لهم الابواب الالف الموعودة ، فانهم كانوا يعيشون فترة انتظارهم هذه بهدوء وراحة بال .




جون شمعـون آل سُوسْو


   الأخ الكاتب والشماس شمعون كوسا المحترم 

  طابت  أوقاتك  بكل سرور وأفراح  بعيدا ً عن الهموم  وتعقيدات  العصر  وبعد

   كلنا   نَحْن ُ    للأمـس   مهما كان متواضعـا    بسيطا ً  رغم المعاناة   وخصوصـا ً حياة  البساطة التي تملؤها القناعة وتحفها روح المحبة والطيبة وتسودها الألفة والأنسام  التي كانت  تلف  وتغلف  الزمان والمكان  .   وما  كانت تتميز  به   الحياة سابقـا ً  التفكير  والفعل  والتصرف   الإيجابي  كان  ولا زال  تاركا ً الأثر  الطيب في نفوسنا وخواطرنا  . 

فالتطور بحد ذاته تعقيد للحياة  كما  أوضحت  وهو واقع  حال  كذلك  التغيير  القيمي  والأخلاقي الحاصل نتيجة  هذا التطور  ؛  فـأكثر الناس خطراً على الأخلاق هم علماء الأخلاق  ؛  وأكثر الناس خطراً على البلدان  هم رجال  السياسـة ؛  وأكثر الناس خطراً على الدين هم رجال الدين في  زماننا الأغبر  هذا    وهكذا   !!!   

  ومن أمراض   ومفاسد هذه الحضارة  والتطور  أنها تسمّي الاحتيال ذكاءً,  والفساد  أنفتاح،  والانحلال حرية، والرذيلة فنّاً، والاستغلال معونة،والتمرد ثورة، والعماله وطنية،  والنفاق سياسة،   وقلة الأدب والذوق  ديمقراطية و، و، و، ....   

  أخيرا ً  أقول : أين  الأنسانية  الحقيقة  ؟ أين  الاخلاق التي تتجسد في المعاني النبيلة التي كانت أساس متين وأصيل في حياة  الآباء  والاجداد  !!؟ أين  الزمن الجميل   !؟ الى  أين نحن ذاهبون !؟! 

   والى  اللقاء في  موضوع  من  مواضيعك  القيمة  الممتعـة  الشيقة  متمنيا ً لك  حياة  هانئة  هادئة  مـع  حـُسن  ورخاء  الحال .. وراحـة  الفكر   والبال  إن شاء الله  آمـيـــــــــــــن   

simon kossa

#2
اخي جون

لم اكن اتوقعك على هذه الجبهة

قرأت تعليقك القيم والجميل واستمتعت به . كل مرة اتعلم منك شيئا . قلمك كالسيف تستله بسرعة حيثما يجب وتجيله يمنة ويسرى لبتر ما يجب واحيانا تستخدمه اداه لتقويم ما يقتضي تقويمه بهدوء سريع ايضا !!. اخي جون ، انا اكتب عادة عما تعاني منه نفسي . الاحظ الامور واعيدها كثيرا واقارنها واخرج ببعض العبارات المتواضعة وبعض الاراء التي اراها تجد بعض الصدى لدى الناس .
شكرا لجمال تعبيرك