ظاهرة التسرب من المدارس العراقية 1

بدء بواسطة د.عبد الاحد متي دنحا, سبتمبر 07, 2011, 12:26:10 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

د.عبد الاحد متي دنحا

ظاهرة التسرب من المدارس العراقية 1

أن تعريف اليونيسيف لعام 1992 للتسرب يؤكد بأنه:"عدم التحاق الأطفال الذين هم بعمر التعليم بالمدرسة أو تركها دون إكمال المرحلة التعليمية التي يدرس بها بنجاح, سواء كان ذلك برغبتهم أو نتيجة لعوامل أخرى, وكذلك عدم المواظبة على الدوام لعام أو أكثر". أي أن التعريف لا يشير إلى فترة إلزامية مناسبة, تاركا ذلك إلى إمكانيات الدول المختلفة. ففي العراق يعني التسرب ترك التلميذ للمدرسة قبل إنهاء الصف السادس الابتدائي وفقا لقانون التعليم الإلزامي رقم 118 لسنة 1976 الذي شمل الفئة العمرية (6-11) سنة. فيما يشمل في بلدان عربية أخرى كل تلميذ ترك المدرسة قبل إكمال المرحلة المتوسطة، وهو الاصوب لأن احتمال ارتداد التلميذ بعد المرحلة الابتدائية إلى الأمية أمر وارد جدا كما تبين التجربة.
ويعتبر التسرب المدرسي والرسوب الدراسي من أبرز أسباب الهدر الاقتصادي.
قد أشارت إحصاءات التعليم في الدول العربية إلى أن الإهدار التعليمي يستحوذ على أكثر من 20% من مجمل ما ينفق سنويا على التعليم في هذه الدول, ورغم أن ظاهرة الإهدار في التعليم ذات طابع عالمي وتعاني منه معظم دول العالم, إلا أن المشكلة تكمن في الفرو قات الكبيرة بين حجم انتشاره من دولة إلى أخرى وكذلك الاختلاف الكبير في طبيعة الأسباب التي تقف ورائها, ففي الدول المتقدمة تتراوح نسبة التسرب بين 0ـ1% وهي تكاد تكون معدومة.
في العراق, وحسب تقرير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام 1973 فأن معدل التسرب في التعليم الابتدائي قد هبط في العراق إلى ما يقارب 5% بين الصف الأول والخامس الابتدائي, وكان هذا أوطأ معدلات تسرب في الدول النامية.
إما المسح المدرسي الذي نفذته وزارة التربية عام 2004 بدعم من اليونيسيف اظهر إن الملتحقين بالمدارس الابتدائية في العراق بلغت 86% من الأطفال بعمر التعليم الإلزامي, أي كان هناك 600 ألف طفل غير ملتحقين, وقد اظهر المسح أن حوالي 24% من الأطفال يتسرب من المدارس قبل إتمام المدرسة الابتدائية الإلزامية. كما أن هناك إحصائيات حديثة نسبيا تشير إلى أن نسبة عدد التلاميذ الذين يلتحقون بالمرحلة الأولى ويصلون إلى الصف الخامس قد ارتفعت عام 2006 لتصل 90%.
أن التسرب يمثل مظهرا من مظاهر الهدر التعليمي, إلى جانب مشكلة الرسوب المتكرر و تتعدى الآثار الكارثية للتسرب والرسوب إلى جميع نواحي المجتمع فهي تزيد معدلات الأمية والجهل والبطالة وتضعف البنية للاقتصادية للمجتمع والفرد وتزيد الأتكالية وطول أمد الإعالة الأسرية والاعتماد على الغير, كما تفرز في المجتمع ظواهر خطيرة كعمالة الأطفال واستغلالهم وظاهرة الزواج المبكر, كما يؤدي إلى زيادة حجم المشكلات الاجتماعية كانحراف الإحداث وانتشار السرقات والاعتداء على ممتلكات الآخرين مما يؤدي إلى ضعف المجتمع وانتشار الفساد فيه, وما تسببه أيضا هذه المشكلة من أثار سلبية في نفسية التلميذ وتعطل مشاركته الفعالة والمنتجة في المجتمع.
أن ظواهر الغياب والتأخر الدراسي والهروب من المدرسة هو مؤشر مبكر عن الطفل الذي لديه استعداد للانحراف.
أن تأمين التعليم الأساسي لهذه المرحلة العمرية المهمة يعتبر جهد الحد الأدنى من " الأمن التربوي " لتزويد الطفل بالمهارات الأساسية اللازمة في القراءة والكتابة والعادات الأساسية اللازمة لتكيفه ضمن هذه المرحلة من التعليم ومنع تسربه وردته وانضمامه إلى جيش الأميين, وبالتالي يشكل تعميم التعليم وألزاميته والقضاء على التسرب احد العوامل الأساسية لتجفيف منابع الأمية.
أن الكثافة الزائدة لعدد الطلاب في الفصول يترتب عليها عدم استفادة كثير من الطلاب, وكذلك عدم توافق برامج النشاط المدرسي مع احتياجات الغالبية العظمى من الطلاب إلى محاولة بعض الطلاب البحث عن وسائل أخرى خارج المدرسة يصرفون فيها ما لديهم من طاقات، ولأصدقاء السوء بالمدرسة دور كبير في انحراف الطلاب إذا لم تستشعر المدرسة أهمية اكتشاف مشكلات الطلاب قبل استفحالها، مما يزيد من شعور الطالب بالفشل وعدم الآمان ودفعه إلى السلوك العدواني مثل التخريب، والسرقة والعنف، وربما الهروب من المدرسة، ولقد أثبتت الكثير من الدراسات أن هروب الطالب المتكرر من المدرسة يعدّ من أهم أعراض سوء التكيف، الذي يعتبر من علامات الجنوح.
إن التسرب من المدارس يطيح بمفهوم ديمقراطية التعليم (مجانية التعليم الإلزامي) المنجز الاجتماعي الهام تاريخياً.
إن مشكلة التسرب كجزء من أزمة التعليم في المراحل المختلفة تؤثر سلباً على مستوى التطور الثقافي والعلمي للمجتمع لأنه يسبب في إنشاء جيل أمي في عصر الثورة المعلوماتية.
أشرت الدراسات التي ظهرت من داخل العراق ظاهرة التسرب في المدارس الإعدادية والابتدائية وترك آلاف الطلبة مدارسهم للبحث عن عمل أو تناول الكحول أو المخدرات أو السرقة أو العمل في مهن لا تناسب أعمارهم وتؤدي إلى انحرافات سلوكية مبكرة تصل في أحيان كثيرة إلى القتل كما أشار إلى ذلك البحث الموسوم( اتجاهات الجريمة لدى الطلبة والشباب في زمن الحصار) للواء الشرطة أكرم المشهداني أو حسب تصريح وزير التربية في عهد النظام السابق فهد الشكرة الذي نص على( أن عدد الطلبة المتسربين بلغ 97738 للعام الدراسي 98ـ90 من بينهم 35 ألف حالة تسرب في المرحلة الابتدائية, ارتفع الرقم إلى 150 ألف حالة تسرب في عام 1995 من بينهم 90 ألف حالة تسرب في المرحلة الابتدائية).

من أسباب التسرب
1-   ضعف الإمكانية المادية للأسرة, حيث تشير الإحصائيات إلى أن 40% من الشعب العراقي باستثناء إقليم كردستان, يعيش تحت مستوى الفقر(يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور جبار عبد الرزاق إن  تقارير محايدة قد ذكرت أن نسبة الفقر في العراق تقترب من حاجز 40 %), إن العامل الاقتصادي يلعب دوراً رئيسياً في سعة حجم ظاهرة التسرب.
2-   إن عددا غير قليل من أطفال الصف الأول يتركون الدراسة بسبب عدم التأقلم مع الأجواء الجديدة في المدرسة، وذلك لعدم تهيئة الطفل للمرحلة الابتدائية, وقلة عدد رياض الأطفال.
3-   ضعف النظام التعليمي في المدارس الابتدائية حيث يؤدي عجز هذا النظام عن تحقيق الأهداف التربوية وعدم توفير الجو المناسب للطفل داخل المدرسة وعدم قدرة النظام التعليمي على تنمية قدرات وإمكانياته وبالتالي يؤدي بالتلميذ إلى عجزه نحو الوصول إلى الغاية المنشودة من الدراسة وإلا فأنه سيفشل في الدراسة مما قد يدفع به إلى تركها.
4-   عدم توفر الوعي الثقافي والاجتماعي لدى الأسرة وعدم إدراكهم لمدى الضرر لاحقا من جراء انقطاع أطفالهم عن المدرسة, إضافة إلى النظرة المتخلفة إلى تعليم الإناث والعادات والتقاليد العشائرية، والزواج المبكر للإناث, وخصوصا في الأرياف والإحياء الفقيرة المحيطة بالمدن الكبيرة، إضافة إلى التطرف الديني. فقد أشار المسح الميداني المذكور أنفا إلى انخفاض نسبة التحاق الفتيات بالمدارس الابتدائية عن معدلاتها بين الصبيان في كل المراحل الدراسية وفي جميع المحافظات.
5-   تدهور الأوضاع الصحية وانتشار الأمراض المختلفة مما يؤدي إلى الانقطاع المدرسي كخطوة نحو التسرب منه نهائيا.
6-   نتيجة الحروب وغياب الأمن انهارت التركيبة الاجتماعية مما أدت إلى الهجرية القسرية, ازدياد نسب الأطفال اليتامى وفقدان الرعاية الأبوية, انتشار ظاهرة أطفال الشوارع, محنة الأطفال غير الشرعيين أو مجهولين النسب, ازدياد نسب الأطفال ذوي الإعاقات المختلفة العقلية والجسمية وانعدام الرعاية التربوية الخاصة بهم, بالإضافة إلى ضعف العلاقات الأسرية وكذلك وجود الانقسام العائلي والطلاق وكثرة الخلافات وازدياد عدد الأولاد وإدمان الإباء على الخمور وتخليهم عن مسؤولياتهم نحو الأسرة وتغيبهم عن المنزل, إن جميع هذه العوامل تؤدي إلى زيادة نسبة التسرب من الدراسة.
7-   استهداف الإرهابيين المدارس في عملياتهم فاستشهد عشرات الأطفال في العمليات العسكرية, وتم إغلاق العديد من المدارس اثر تهديدات بممارسة العنف.
8-   اختيار الإدارات على أسس غير تربوية بما في ذلك المحاصصة والحزبية الضيقة وانعكاس ذلك على المعلمين والعلاقة فيما بينهم وكذلك ضعف إشراف إدارات المدارس على عملي انتظام التلاميذ في مدارسهم ومتابعة شؤون المتغيبين منهم بصورة جادة ودراسة العوامل المؤدية إليها ومحاولة تذليل الصعوبات التي تواجه التلاميذ بالتعاون مع أولياء أمورهم وكذلك ضعف عناصر العملية التربوية و الأنظمة الخاصة بالنقل من صف لأخر والأنظمة المتعلقة بقبول التلاميذ والتي كثيراً ما تكون سبباً مباشراً في تسرب التلاميذ من مدارسهم.
9-   عدم ارتباط المناهج بحاجات المجتمع وعدم تلبيته لميول الأطفال وهواياتهم وكذلك ضعف كفاءة المعلم من حيث الإعداد والتدريب وضعف كفاءة الإدارة التعليمية (الواقع لم تعد دور المعلمات والمعلمين التي تقبل خريجي وخريجات الدراسة المتوسطة ملائمة للتعليم الحديث.( قصور الإشراف والتوجيه, والاعتماد على أساليب التقويم القائمة على الامتحانات التقليدية وقصور الإمكانات التربوية من مبان وتجهيزات وفرص النشاط المختلفة.
10-   الرسوب المتكرر وعدم متابعته من قبل إدارة المدرسة أو ذوي التلاميذ مما يضعف ثقة التلميذ ويفقده المتعة من وجوده في المدرسة ويثبط حافزه على متابعة الدراسة,  ولاشك إن هذا قد يكون مرتبط بالواقع الاقتصادي الذي يعيشه التلميذ داخل الأسرة.
11-   عدم استخدام كثير من الطرق (الحديثة والمشوقة) والتي تعتمد على التفكير والعمل والحركة والحيوية والنشاط داخل الصفوف والمدرسة مما قد تساعد على شد التلاميذ للعملية التعليمية.
12-   عدم وجود برامج منتظمة في المدارس الابتدائية وكذلك لا توجد نشاطات وفعاليات مختلفة سواء داخل المدرسة أو خارج المدرسة كالمسابقات الرياضية والسفرات الترفيهية وذلك بسبب الوضع الأمني المتدهور الذي يمر به البلد.
13-   ضعف مخصصات قطاع التربية والتعليم من الميزانية العامة, مما يؤدي بدوره إلى ضعف الإنفاق على التعليم الابتدائي لتوفير مستلزماته من كوادر تعليمية وأبنية صالحة وكتب منهجية وقرطاسيه ولوازم مدرسية ولتغطية مختلف نشاطات هذا القطاع.
يتبع

مع تحيات

عبد الاحد
لو إن كل إنسان زرع بذرة مثمرة لكانت البشرية بألف خير