كيف تدير مصالحك أمام قوة عظمى 4- الموازنة

بدء بواسطة صائب خليل, يونيو 17, 2011, 12:51:48 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

في هذا الجزء من المقالة التي تعتمد مرجعاً أساسياً كتاب ستيفان والت: "تدجين القوة الأمريكية" (Taming American Power – Stephen Walt) (1) مع إضافات وتعليقات حيثما أجد الأمر مناسباً. الحلقتين الأولى (2)والثانية (3) والثالثة (4) تم نشرها خلال الفترة القصيرة الماضية.

***

في هذا الجزء سنبدأ بفحص استراتيجيات المعارضة للدولة العظمى، من قبل دولة أو دول أضعف منها، ونبدأ مناقشة هذه الستراتيجيات بـ "الموازنة" وربما تكون أهم الستراتيجيات لهذا الغرض.

ترى النظريات الساسية "الواقعية" بأن الدول تستجيب لوضعية القوة "غير المتوازنة" بـ "الموازنة ضد الدولة المهيمنة". ويرى كينيث والتز بأنه "عند مواجهة وضعية غير متوازنة القوة، فأن بعض الدول (في الجانب الأضعف - الكاتب) ستحاول ان تزيد من قوتها أو أن تتعاون مع دول أخرى، لإعادة توزيع القوة الدولي، إلى التوازن.
وهناك طريقتين للموازنة، أولاً: الداخلية، (التي سنطرحها بتفصيل اكثر بعد قليل) وتتم بأن تقوي الدولة نفسها من خلال استغلال أفضل لإمكاناتها الداخلية بطريقة تتيح لها مواجهة أكثر فعالية مع الدولة الأقوى، و ثانياً: الموازنة الخارجية، من خلال التعاون وعقد الإتفاقات لمواجهة القوة الأكبر، وفي الغالب تلجأ الدول إلى النوعين معاً. وفي جميع الحالات يبقى الهدف واحداً، وهو منع الجانب الأقوى من استغلال تفوقه بطريقة تؤثر سلباً على مصالح الدول الأخرى.
في التسعينات من القرن العشرين كرر وزير الخارجية الفرنسي أن "كل جهود السياسة الخارجية الفرنسية موجهة لخلق عالم متعدد الأقطاب، وليس واحداُ". وكرر رئيس الحكومة الألمانية جيرهارد شرودر الفكرة نفسها عام 1999 بالقول بأن خطر الإنفرادية الأمريكية أمر لا يمكن نكرانه. وحصل شرودر على الفوز في انتخابات 2002 من خلال إستنكاره للحرب على العراق. كذلك فأن زيادة عدد اعضاء حلف الناتو، لا يخفي الشقة المتسعة بين الولايات المتحدة وبقية الأعضاء في الحلف. ويسعى الإتحاد الأوروبي إلى تثبيت استقلاليته عن الولايات المتحدة من خلال محاولاته بناء قدراته العسكرية الذاتية، وهو ما تقاومه الولايات المتحدة بقوة، بشكل مباشر (من خلال التأكيد على أن تلك الفعاليات يجب أن لا تكون على حساب التعاون ضمن حلف الناتو) و بشكل غير مباشر، من خلال أعضاء الإتحاد الموالين للولايات المتحدة، مثل جيكيا وبولونيا، إضافة إلى عدد كبير من السياسيين الذين يقفون مع الولايات المتحدة في كل مشاريعها تقريباً بشكل ثابت.
كذلك نتذكر بشكل واضح التقارب الصيني الروسي (وأحيانا بمشاركة إيرانية) لمواجهة الضغط الأمريكي الأمني والعسكري وبشكل خاص، الإقتصادي والمالي ، وكثرة الحديث عن عملة بديلة للدولار، خاصة بعد تراكم الإحساس العام بأن الولايات المتحدة تستغل عملتها واستعمالها كعملة تبادل رئيسية وعملة ديون، لإمتصاص ثروات وجهود الدول الأخرى، من خلال طباعة كميات هائلة من العملة بشكل مستمر وغير متناسب مع الناتج القومي الأمريكي أو حاجة السوق التبادلية للسلع.
ويعبر هوغو شافيز عن نفس الإتجاه بقوله عام 2000: "يجب أن يكون القرن الحادي والعشرين قرن القطبيات المتعددة، وعلينا جميعاً أن نسعى من أجل ذلك العالم. لتحيا إذن ، "آسيا المتحدة" ، "أفريقيا المتحدة" و "اوروبا المتحدة". "
ورغم ذلك يرى ستيفان والت أن جهود الموازنة الدولية تبقى أقل من المتوقع بكثير، ويعزو ذلك إلى أن الدول الأخرى لا تجد في أميركا تهديداً. إلا أن الإحصاءات العديدة في مختلف المراحل في العقود الماضية، تبرهن العكس، وتبين أن أميركا تعتبر التهديد الرئيسي بالنسبة لمعظم الشعوب في العالم. لذلك ربما يعود ضعف إنجازات "الموازنة" المضادة بشكل رئيسي إلى الجهود الأمريكية لمنع تلك المحاولات بأساليب فعالة مختلفة. ويمكننا أن نتذكر بسهولة أن العديد من بلدان اميركا الوسطى والجنوبية كانت تتهم بشكل مباشر بالشيوعية من قبل الولايات المتحدة، لمجرد محاولة شراء السلاح من الإتحاد السوفيتي السابق أو لمجرد محاولة لإقامة علاقات معه، والتآمر لإسقاط تلك الأنظمة. وأخيراً ينبه الكاتب إلى أن إمكانات أميركا واستقلاليتها العالية تتيحان لها أن تلعب بشكل فعال لعبة "فرق تسد" لمنع أية تحالفات تحاول تعديل التوازن.

الموازنة الناعمة: بالعكس من محاولات تعديل موازنة القوة، فأن "الموازنة الناعمة" تقبل بحقيقة عدم التوازن، لكنها تعمل ضمن ذلك الوضع على الحصول على أفضل النتائج الممكنة، فالتوازن الناعم يمثل "التنسيق الواعي للجهود الدبلوماسية بهدف الحصول على نتيجة قد لا تفضلها الولايات المتحدة". نتيجة لم يكن ممكن تحقيقها بدون تعاون وتوحيد الجهود الدبلوماسية للجهات المعنية بالموازنة. وتهدف جهود "الموازنة الناعمة" عادة إلى تنسيق الجهود لزيادة القدرة على مقاومة الضغط الأمريكي، بضمنه الضغط العسكري.

ويمكن للموازنة الناعمة أيضاً أن تهدف إلى التعاون من أجل الحصول على قوة تفاوضية أفضل أمام الولايات المتحدة حول الأمور العالمية. فعلى سبيل المثال تمكنت واحد وعشرين دولة نامية بقيادة البرازيل والصين والهند وجنوب أفريقيا، وتمثل نصف الإنتاج العالمي، من فرض تخفيض مؤثر على دعم الدول المتقدمة، وخاصة الولايات المتحدة، لإنتاجها الزراعي، وهو الأمر الذي كان يضع الإنتاج الزراعي للدول النامية في وضع صعب.

كذلك يمكن أن يكون هدف الموازنة الناعمة توجيه تحذير للولايات المتحدة بأن لا تتمادى في إحادية القرار العالمي، كما حدث في المعاهدة الصينية الروسية عام 2001. وأكثر وضوحاً هو التقارب التجاري الأوروبي الصيني، فكل منهما هو الشريك الأول للثاني، كما أن حكومات الجانبين تلتقيان بشكل مستمر ومنتظم لتطوير تلك العلاقة وحل إشكالاتها.

إن الأساس لكل جهد موازنة صلب أو ناعم، هو ما يتوقعه كل من أطراف الجانب الموازن، من زملائه من تعاون ومشاركة في الجهد، فلا أحد يريد أن يواجه الولايات المتحدة لوحده. ولذلك فكلما كان عدد الدول التي تجد مصلحتها في تحديد وموازنة القوة الأمريكية، وكلما كانت الثقة بينها أكبر، كلما كتب النجاح لتلك الجهود. ويلاحظ أن عدداً من الدول المستفيدة من تلك الموازنة ستحاول أن تستفيد منها دون أن تلعب دوراً فيها، متجنبة كلفتها المحتملة.

لكن "الموازنة الناعمة" لها حدودها، فرغم جهود الموازنة الناعمة ونجاحها في حرمان الولايات المتحدة من شرعية مجلس الأمن فيما يخص الحرب على العراق، فإنها لم تستطع منع تلك الحرب. وكذلك يلاحظ الكاتب والت أن التوسع في الناتو منح الولايات المتحدة فرصة أكبر لممارسة سياسة فرق تسد بين رفاقها في داخل الحلف، حيث أن دول أوروبا الشرقية مهتمة بعلاقتها مع الولايات المتحدة اكثر من أهتمامها بالحلف نفسه. هذا الأمر يزيد من صعوبة تكوين اتفاق يمكن تحقيق موازنة من خلاله. من جهة أخرى نجحت "الموازنة الناعمة" بين بريطانيا وفرنسا والمانيا عام 2005 في ردع بوش عن استعمال القوة ضد إيران، واضطرت الولايات المتحدة إلى قبول أسلوب المفاوضات، وهو الخيار الأوروبي للموضوع. ويشير الكاتب أن على الولايات المتحدة أن لا تخلق لها العديد من الخصوم في نفس الوقت إن ارادت أن تتجنب تعاون تلك الدول من أجل الموازنة ضدها. ومادامت الولايات المتحدة لا تريد التخلي عن تفوقها، فليس لها سوى أن تعتني بالكيفية التي ترى فيها الدول الأخرى ذلك التفوق، وتقنعهم أنه لا يمثل تهديداً لها، ومن خلال التصرفات وليس من خلال التصريحات، حسب الكاتب.

الموازنة الداخلية: هي الجهود التي تبذلها دولة ما من أجل حشد مصادر قوتها الداخلية، للتخفيف من قدرة الدولة الأكبر على الضغط عليها، أو إزالة تلك القدرة، ويتم ذلك على المستوى العسكري والإقتصادي وغيرها. ومن الطبيعي أن على الدولة الأضعف أن تتجنب لعب اللعبة التي تجيدها القوة الأكبر، قدر الإمكان، وأن تواجهها حيث لا يكون لفارق القوة إلا أقل تأثير ممكن في حسم الموضوع. فحتى إن حاولت القوة الكبرى توجيه الصراع حيث تكون قوية، يجب على الأضعف أن يبحث عن رد في مكان آخر، وهو ما يسمى بـ "استراتيجية الصراع غير المتناظر". وينطبق هذا على الصراعات العسكرية بشكل خاص، فالدولة الأضعف لن تجد فرصة لكسب معركة جوية مع الولايات المتحدة، لكنها قد تسبب لها مشكلة كبيرة في حرب عصابات، كما في أفغانستان. وخير ما عبر عن تلك الستراتيجية قول "ماو تسي تونك" لليابانيين: "ستخوضون حربكم، وسأخوض حربي".
وينبغي الإنتباه إلى أن الولايات المتحدة تسيطر أيضاً على تكتيكات القتال من بعد، ولها سيطرة كاملة على الفضاء والقتال الجوي بعد ارتفاع 15 الف قدم وفي أعماق البحار، أو ما يسمى "المياه الزرقاء"، وكل ما يسمى "المناطق العمومية" التي لا تخضع لسلطة دولة محددة.
وعلى الجانب الأضعف البحث دائماً عن طرق غير متوقعة وابتكارية للصراع، لتجنب تأثير تفوق القوة الأكبر. وفي الموازنة بشكل عام يبحث الجانب الأضعف عن الطرق التي يمكنه بها أن يدفع القوة الأمريكية إلى التآكل في تأثيرها، أو صبرها أو إرادتها السياسية.

ويفرد الكاتب نصوصاً موسعة نسبياً للبحث في استعمال الجانب الأضعف للأسلحة غير التقليدية، أي الأسلحة النووية والكيمياوية وغيرها مما يسمى "أسلحة الدمار الشامل"، ويؤكدعلى أهميتها للموازنة فيقول: بدلاً من محاولة مجابهة الأسلحة التقليدية الأمريكية بشكل مباشر، قد يقرر الجانب الأضعف اللجوء إلى الاسلحة غير التقليدية، والتي تجعل من الصعب، وربما من المستحيل على الولايات المتحدة أن تستعمل تفوقها العسكري التقليدي ضده. لماذا تريد دولة فقيرة أن تصرف مواردها للحصول على سلاح نووي؟ لنفس السبب الذي فعلت كل من الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي ذلك: لتردع اعدائها الفعليين أو المحتملين من تهديد مصالحها الأساسية.
وفي 2003 صرح الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي قائلاً: "يقولون لنا ان سوريا هي الهدف التالي، (بعد العراق) لكن حسب ما وردنا من تقارير فأن إيران قد تكون الهدف بعد ذلك".
كذلك لاحظ الإصلاحي مصطفى تاجزاده قبيل الحرب على العراق: "إنها مسألة توازن. إن لم امتلك سلاحاً نووياً، لا أمتلك الأمن".

وورد في مجلة (World policy journl)  في صيف 2003 تحت عنوان "حسابات إيران النووية" ما يلي: "إن حسابات إيران النووية ليست مشتقة من أيديولوجية دولية، بل من حسابات منطقية تسعى إلى خلق رادع واقعي لمجموعة متزايدة من التهديدات الموجهة ضدها. فمما لا شك فيه أن القيادة الإيرانية ترى نفسها عند شعرة تسديد البندقية الأمريكية، وهذا ما يفسر برنامجها النووي العاجل."
ونرى وجهة نظر الدولة الكبرى لهذا الأمر في ما كتبه "كينيث والتز" في كتابه "مناقشة حول انتشار الأسلحة النووية" حيث قال : "إذا امتلكت الدول الضعيفة البعض منها (أسلحة الدمار الشامل)، فسوف تنكمش أساليبنا الممكنة. عندها ستكون المعاقبة العسكرية للدولة ، حين تتصرف بشكل لا يعجبنا، أكثر خطورة بشكل كبير".

ولأن "تغيير النظام" أو الإنتصار العسكري على مثل تلك الدولة يصبح أمراً خطير، فأن الدول التي تتمكن من الحصول على السلاح النووي، تكون قد حمت نفسها بشكل مؤثر من أشد انواع الضغوط الأمريكية المحتلمة قسوة. ولذلك سعت كل من إيران وكوريا الشمالية وصدام حسين إلى امتلاك ذلك السلاح.


(1) http://www.amazon.com/Taming-American-Power-Response-Primacy/dp/0393052036
(2) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=49151
(3) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=49151
(4) http://qanon302.net/vb/showthread.php?t=5892