عقوبة جماعية اسمها (صحة الصدور )

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, يوليو 30, 2013, 08:27:43 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي

عقوبة جماعية اسمها (صحة الصدور )



يزداد وبشكل مضطرد الروتين ( 1) المعشعش في الجهاز التنفيذي للدولة العراقية بأكمله وازدادت معه المستمسكات المطلوبة لانجاز أية معاملة وبشكل مضطرد ، ففي الوقت الذي يتميز العراق كونه أصبح بلد الأزمات من أزمة أمنية فرغم زج أعداد هائلة في المؤسسة العسكرية والأمنية ومنحهم لرواتب وامتيازات عالية نجد أن الوضع الأمني لا يزال مترديا ، وأزمة طبقية فرغم الضبابية في شكل الدولة كونها ليس بالرأسمالية أو الاشتراكية أو حتى ليست مختلطة لكن نجد تربع البعض في عرش الغنى والترفه بينما نجد طبقات أخرى من المجتمع تفتش عن لقمة عيشها بين المزابل وغيرها على مفترق الطرقات تستجدي وهذا بالطبع سببه انعدام التوزيع العادل للثروات وانعدام التخطيط الاستراتيجي الحقيقي ، وأزمة المحرقات والتي تؤثر سلبا على جميع مفاصل الحياة كونها تعتمد وبشكل مباشر على النقل أما أزمة الكهرباء فلها شجون عديدة .. وسوى ذلك الكثير ، فما يكاد العراقي أن يتعود على التعايش مع أزمة ما حتى تظهر أخرى اقوي منها ،حتى أصبحنا بلدا يعتاش على الأزمات .
الأزمة التي لا تعتبر ظاهرة على العلن  هي أزمة تسمى ب ( صحة الصدور ) (2) وهي عقوبة جماعية تمارسها السلطات على المواطن العراقي المسكين الذي أصبح مخدرا من كثرة الضغط الهائل الذي يقع على أكتافه المتهرئة عبر سنوات طوال من حروب وحصار .
وعبارة العقوبة الجماعية قد ترسخت في الأذهان منذ التجنيد الإلزامي العسكري فعندما يخطا أي جندي في تنفيذ أي أمر صادر إليه في ساحة التدريب لا يعاقب هذا المخطئ لوحده بل يعاقب أفراد الرهط بأكملهم عقوبة جماعية تختلف باختلاف أنواعها من زحف أو هرولة أو ممارسة تمارين تقوية البطن (الشناو )  والعقوبة المضحكة كانت بوضع الأصبع على الرأس والدوران  بشدة ومن ثم الهرولة إلى نقطة محددة أو سوى ذلك انطلاقا من مبدأ التكافل في درء الأخطاء .
أما عنصر الإلزام في صحة الصدور سببه قيام البعض بتزوير مستمسكاتهم الرسمية ، فبدلا من أن يعاقب المزور كونه ارتكب فعلا يستوجب العقوبة يعاقب المواطن المسكين بإصدار التعميم بصحة الصدور  ، وعلى سبيل المثال لا يزال العديد من مزوري الشهادات في عدد من المجالس يمارسون أعمالهم اليومية ويتقاضون الرواتب تبعا لشهادتهم المبرزة دون حساب ، مطمئني البال وهم آمني العقاب.
.. فحالما يراجع المواطن لغرض انجاز معاملة ما في أية دائرة من دوائر الدولة يطلب منه الموظف وتنفيذا للتعليمات المرعية صحة صدور الكتاب وبالطبع إن صحة الصدور لا يجوز منحه باليد دفعا للتزوير بل يرسل عن طريق البريد الذي يمتطى ظهر السلحفاة لتبدءا رحلة الألف ميل وتستنفذ الإجابة عدة أشهر فيما لو تمت الإجابة .
راجع احد المواطنين لدائرة التسجيل العقاري المختصة لغرض إجراء نقل ملكية لأحد العقارات وابرز وكالة عامة مطلقة صادرة من إحدى الدول الغربية وموكله شقيقه وقد قام بتصديقها من مصرف الرافدين ومن دائرة الضريبة ودائرة القنصلية وما تستتبع ذلك من جهد مضني ليفاجئ بطلب صحة صدور الوكالة وتبدأ الرحلة  مجددا بكتاب يرسل بالبريد السري والإجابة لا ترى النور إلا بعد فتح الجيوب على مصراعيها لإفراغ محتواها .
راجع مواطن آخر دائرة الأحوال المدنية المختصة لغرض تغيير البطاقة الشخصية فيها إلى متزوج بدلا من أعزب بعد ارتشف العسل بعد مديونية ضخمة ليفاجئ كذلك عدم وجود شهادة ولادته ضمن الأوليات رغم تأشيرها ولتبدأ الرحلة عبر كتابنا وكتابكم إلى بغداد كون ولادته كانت في بغداد ، ليلعن يوم ولد فيه في بلد المفاجآت .
راجع مواطن آخر إحدى دوائر البلدية طالبا منها كتاب يؤيد عدم استفادته من قطعة ارض لتجيب البلدية المعنية على أصل الكتاب بكتاب يرسل بالبريد الرسمي درءا للتزوير وتنفيذا للضوابط والتعليمات المرعية .
مواطن آخر رغب بأستحصال اجازة سوق بعد ان اقدم بالتسجيل بالطريق الالكتروني لكنه تفاجأ ان تسلسله سيطاله الدور بعد سبعة اشهر على اقل تحديد وحالما وصل ( السرى) بعد سنة نظرا للزخم الحاصل وإيقاف المنح عدة اشهر تفاجأ مرة ثانية بطلب صحة اصدار الاجازة من المحافظة التي اصدرت اجازة السوق لتبدأ المعاناة التي لا تنتهي لتركن الاوليات والأوراق في مكتبة داره بعد ان يأس من المراجعات المتكررة ..
في الوقت الذي تبنت دول العالم نظام الحكومة الالكترونية والتي بموجبها قد سهلت الإجراءات إلى ابعد حدود ممكنة ، أنت جالس في بيتك تطلب إصدار هوية ما ، تدفع الرسم عن طريق بطاقة الدفع ( الفيسا كارت ) لتأتيك الهوية إلى دارك في غضون أيام معدودة لتختصر الطريق وتحافظ على مجهود المراجعات المقيتة ، وكذا الحال في الكثير من المعاملات التجارية والشخصية ، بينما يخطو العراق بمؤسساته خطوات للوراء وبتنا بحاجة ماسة إلى إصلاح واسع يمس السلطات الثلاث  التشريعية والتنفيذية والقضائية ، فالسلطة التشريعية بحاجة إلى إصلاح للنظام القانوني على غرار القانون رقم 35 لسنة 1977 والسلطة القضائية بحاجة إلى العدالة في تطبيق القوانين واعتبار الناس سواسية بغض النظر عن وظيفتهم أو مراكزهم أو غناهم ، والسلطة التنفيذية بحاجة إلى حكومة اوتقراط لا حكومة محاصة .. نحن بحاجة إلى ثورة حقيقية تمس جميع جوانب الحياة .
(1)   الروتين مصطلح غربي يستعمل إيجابا عكس المفهوم المتداول لدينا ، فهي تعني استخدام اقل قدر ممكن من وسائل الإنتاج والوصول إلى أعلى إنتاجية .
(2)   من الناحية اللغوية تسمى بصحة إصدار وليس صحة الصدور  ... حيث تعد هذه العبارة من الأخطاء اللغوية الشائعة في دوائر الدولة العراقية .

المشاور القانوني ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة