أسئلة طرحتها على الريح / شمعون كوسا

بدء بواسطة matoka, ديسمبر 26, 2012, 11:58:00 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

أسئلة طرحتها على الريح






برطلي . نت / بريد الموقع



لقد سبق لي وأن حاورتُ الطيورَ وخاطبت الحيواناتِ وغازلت الاشجارَ والزهور واستلهمت افكاري من الغيوم والانهر ، وتابعت نموّ السنابل وناجيت الشمس ، قلت لنفسي لماذا لا اتوجه الى الريح في هذا اليوم العاصف ، إن الريح مستودع كبير للاسرار فهي تدخل البيوت وتتسلق المرتفعاتِ وتجوب الاعماقَ وتذهب الى اقاصي الارض . جلست في الحديقة خارج البيت وبعد أن هيأت اسئلتي توجهت للريح قائلا :
لا اعرف هل أُناديكِ ريحاً أم رياحا ، انتِ  التى نشعر بك ولا نراك ، انت التي تتصاعدين ، فتنخفظين وتنبسطين ، تزمجرين تارة وتهدئين طورا ، ايتها الريح التي نُحسُّ بوجودك في كل مكان ، ايتها الريح التي ائتمنتك الحياة على الكثير ممّا لم يُكشف بعدُ ، أودّ أن أطرح عليك السؤال التالي :
يتحدث الناس في هذه الايام عن نهاية العالم ، حديث شاع كثيرا وبدأ يزرع بلبلة هنا وهناك ، كيف ترى الرياح ما يدور بين الناس ، هل لِلرياح علم بذلك ،  وهل هذا صحيح ؟
اجابت الريح : على مدى المليارات السابقة من عمري ، لم اسمع يوما بان العالم قد انتهى .  سؤالك يدهشني كثيرا ، لانه صادر من كائن بشري خُلِق ناطقا عاقلا . إن مثل هذه الاشاعات تمّ تداولها لآلاف المرات قبل الان ، وقعت كوارث هنا وهناك ، غير انّ العالم بقي قائما ولم ينقرض . ولكني من جهة أخرى اقول : إذا فكرتم مليّا بهذا الامر ، ستجدون بأن نهايةَ العالم الحقيقية تحدث فعلا وتتكرر  يوميّاً في كل دقيقة وفي كل لحظة .
قلتُ ، ما هذا الكلام وكيف ذلك ؟ قالت الريح : ان نهاية العالم تحدث لدى موت كل انسان ومغادرته هذه الدنيا . فالانسان الذي يغيب عن الدنيا ، يصبح العالم بالنسبة له شيئا غير موجود ، وهذه هي نهاية العالم لانه سوف لن يتمكن من رؤية العالم وستكون النهاية بالنسبة له . أنت الذي تسألني الان ، إنك تحتضن العالم باكمله ، في  عينيك وعقلك وتحليلاتك ، وخيالك وتفكيرك ، فاذا انطفأت عيناك وشُلّ عقلك ومات خيالك وتوقفت انفاسك ، إذا رحلت عن العالم ، بعد عمر طويل ، ألا يكون غيابُك هذا نهايةً للعالم ؟ هل سيوجد بعد ذلك عالم بالنسبة لك ؟ العالم موجود بالنسبة لك لانك حيّ . قلتُ لها : صدقتِ حقا في ما قلت ، إذا اختفيتُ انا ، سيموت كل شئ معي ، وبالنسبة لي ستكون فعلا نهاية العالم . قالت : هل اقتنعتَ الآن بالموضوع ؟ قلت نعم . قالت فاذن اغلق فمك واسكت  !!! 

بالرغم من جوابها الذي اختتمته بعنف ، تجرّأتُ وعدت لها قائلا  : في يوم عاصف كهذا ، أتمنى احيانا لو قُدِّر لي أن استعير قساوتك وقوة غضبك ، ولو لفترة محدودة ، لكي أمحوَ بعض ما لا يتحمل البقاء ، وتقويم بعض ما اراه معوجّاً ، وتصفية بعض الامور المعلقة الاخرى . إبتسمت لي الريح وقالت :  من المؤسف أن تكون  قد اخترتَ أسوأ جانب من صفاتي . أنا أعصف وأتلف وأحطّم  وقد أذهب لحدّ القتل  لان الطبيعة قد برمجت قوتي ومواقع عملي ،  غير اني غير مقتنعة بالكثير مما افعله في حالات غضبي . ، أودُّ ان تصغي لرواية ساقصها عليك بهذا الخصوص ، إنها تحمل معاني بليغة ، فالرواية تقول :
في يوم من الايام إلتقتِ الريحُ مع الشمس وقالت لها ، منذ زمن بعيد لم نلتقِ لإمضاء بعض الوقت معا ، ما رأيكِ لو انصرفنا الى بعض اللّهو ولعِبنا لُعبة الرّهان ؟ قالت الشمس : ولِمَ لا ، ولكن ما هو موضوع الرهان ؟ اجابتها الريح : رهاننا سيدور حول موضوع بسيط جدا لانه يستهدف العجوز المستلقي على اريكة الحديقة هناك . علينا ان نستخدم قوتنا لحمله على نزع معطفه باقصر فترة . قبلتِ الشمسُ الرهانَ ، وأشارت للريح بالبدء في اللعبة .
تحركت الريح وهبّت باعتدال على العجوز ولكنه لم يأبه لها كثيراً. عاودت محاولتها بعصف جديد تضاعفت فيه قوتها ، واستعانت بالاتربة والرمال وحتى اوراق الشجر ولكن العجوز بقي منكمشا على نفسه وملازما لمعطفه . غضبت الرياح وعلا ضجيجها وازداد صفيرها وتوصلت بشراستها الى فكّ أزرار المعطف ، وإخراج احدى يديه منه ، غير انه بقي ملتصقا بالمعطف ، وكأنه متمسك بالخشبة التي تضمن له النجاة وسط بحر هائج . عصفت الريح مرة ومرتين وثلاث وتوقفت عند المحاولة الخامسة ، عند ذلك اعترفت الريح للشمس بفشلها ، لانها بالرغم من إنتهائها بازاحة العجوز من اريكته واسقاطه على الارض ، لم تقوَ على نزع معطفه ، فانسحبت من الساحة ، ودعت الشمس لابراز مهاراتها في النزال .
ابتسمت الشمس ونهضت من مكانها دون ارتباك  وارتفعت بهدوء وبدأت تبثّ حرارتها . كانت ترتفع الشمس وتنتشر اشعتها في كل مكان الى ان ملأت الجو دفئا . شعر العجوز المستلقي على الارض بحرارة شديدة جعلته يستغني عن المعطف ، فنزعه بهدوء وألقاه جانبا .
الآن وقد انتهت الرواية ، هل لي ان أبيّن لك بان المشاكل لا تجد مخرجا الا بالحلم والوداعة ، فالقوة تؤدي في اغلب الاحيان الى نتائج عكسية . ألستم انتم الذين  تردّدون في امثالكم بان الكلام المعسول كفيل باخراج الحيّة عن جحرها ؟  انا أكون احيانا أشبهَ  بشخص مخبول . ادخل سورة الغضب من غير مناسبة ، فاسحق كل شئ هنا واصبّ جام غضبي هناك ، حتى البحار لا اتورّع عن تحريك ساكن اعماقها ، واذا هاجت حنقا ، افتح فاها وألقِّمها سفنا كاملة بما تحوي من احمال وارواح . غير اني في مواسم اخرى ارتدي ثيابا اخرى ، ارتدي الوانا مريحة عند قدومي من المشرق في ايام الربيع ، حيث ألامس كل شئ برقة ورشاقة ، وانعش كل ما اعانقه .
قلت للريح ، قبل ان تستأنفي حركتك اريد ان اطرح عليكِ سؤالا سبق وأن ألقاه عليك بعض الكتاب والشعراء ولكنهم عاشوا حياتهم يترقبون الجواب ، صاغ البعض منهم السؤال بالشكل التالي :

ا
أيتها الريح ، إلى اين تذهبين ... بارواحنا ؟
الى اين تذهبين ... بأرواحنا ... وأنفاسنا ... وتنهّداتنا ؟
والى أين تحملين ...رسوم ابتساماتنا ؟
هل تذهبين بها الى  ... ما وراء الشفق ... الازرق البعيد ؟
أم تجرّينها فريسةً ... الى المغاور البعيدة ... والكهوف المخيفة ،
وهناك تقذفينها ... يمينا وشمالا ... حتى تضمحلّ ... وتختفي؟

نظرتْ إليّ الريح بابتسامة خفيفة ولملمت اجنحتها المترامية في كل الجهات ، وعند ارتفاعها نفضت أجنحتها بقوة فتناثرت منها كلمات وحروف . لم اشكّ بان يكون المنثور جوابا فجمعته وحصلت على السطر التالي : يا صاحِ ، يجب ان تترك الحياة محتفظة ببعض اسرارها ، فالكثير من اللوحات سحرها في ظِلالها .






Matty AL Mache

ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة