نموذج للتعايش الإسلامي ـــ المسيحي في الجنوب: حارة المسيحية في النبطية.. يد واحد

بدء بواسطة برطلي دوت نت, نوفمبر 28, 2012, 11:42:13 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

نموذج للتعايش الإسلامي ـــ المسيحي في الجنوب: حارة المسيحية في النبطية.. يد واحدة في وجه الانقسامات



مصلى عيسى ابن مريم
برطلي . نت / متابعة

عشتارتيفي كوم- اللواء/

عند زيارتك لمدينة النبطية، يلفتك لحظة وصولك إلى مدخلها من الجهة الشرقية ارتفاع الصليب - رمز المسيحية فيها، وهي المدينة التي يطغى عليها طابع التعايش الإسلامي - المسيحي منذ عقود، مما يثير حفيظة الناظر، فيلحق بالصليب بين الطرقات فيرى نفسه داخل حي قديم جديد، تتعانق فيه الأبنبة من شدة قربها من بعضها البعض، وبعض بيوته من الصخر القديم، ثم تجد نفسك واقفا أمام كنيسة السيدة للروم الكاثوليك، التي يُقارب عمرها حوالى 100 عام، وكثير من أهالي المدينة يعتبرون هذه الكنيسة جزء من كينونتهم..
حملت الحارة التي توجد فيها الكنيسة اسم «حارة المسيحية»، بالرغم من أن عدد المسيحيين فيها يقل بكثير عن عدد المسلمين، إلا أن أبناءها مجتمعين يطلقون عليها هذه التسمية، وهي نموذجاً للتعايش الإسلامي - المسيحي، الذي لم يتأثر يوماً بالمناكفات والانقسامات التي لم تنته يوماً داخل هذ الوطن، حتى إبان الحرب الأهلية نأت هذه البلدة عن الإنقسام وكان أبناءها بطوائفهم يداً واحدة، ولم يتعرّض أحد للآخر..
وعلى بعد أمتار من الكنيسة موجود مصلى للمسلمين أطلق عليه تسمية «مصلى عيسى بن مريم - عليهما السلام»، ولعل هذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على وحدة التعايش فيما بين أبناء هذه البلدة والحي..
«لـواء» صيدا والجنوب وقف على الظروف التي يعيشها هذا الحي، وأين هم ممّا يجري من تجاذبات ومشاحنات طائفية؟..


التعايش الإسلامي - المسيحي
يعود الوجود المسيحي في مدينة النبطية إلى العام 1860 بحسب ما تشير إليه سجلات القيد في المدينة، لكن نشوب الحرب الأهلية في العام 1975، أدى إلى بروز حركة هجرة للمسيحيين عن أرض الجنوب، لتتسع رقعتها مع الإجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، حيث لم تعد نسبة المسيحيين تتعدى 10% - بحسب دراسة إحصائية.
لكن هذا النزوح لم يكن يوماً بفعل ضغوط مورست من المسلمين على المسيحيين، ويؤكد جورج «أن أسباب هذا النزوح هي الخطابات السياسية الرنانة، ذات الشحنات المذهبية»، لكنه ينفي «أية ضغوط يتعرّض لها المسيحي لترحيله من هذه المنطقة التي لطالما احتضنتهم»، بل يعتبر الأمر «كلام فارغ لإنتزاع صلابة الوحدة، ولزرع الخوف ليس أكثر»، واصفاً التعايش اليوم بين المسلم والمسيحي بـ «اللؤلؤة البراقة»، التي تشع وحدة متجانسة، إلا أن الحلقة الأضعف هي غياب الناس».
مناكفات طائفية
{ مختار الحارة توفيق راشد متى قال: «في كل لبنان حصلت حوادث طائفية عدا النبطية، وهذا عائد إلى روحية التعايش القائم داخلها، التي تجسّد في أكثر من محفل وإستحقاق، فالنبطية الوحيدة التي لم تشهد مناكفات طائفية، ولم تنزلق في أنفاق الفتن المذهبية، بل نأت بنفسها ضمن خط واضح، خط مدينة المقاومة»، لافتاً إلى «بروز حالات زواج بين مسلمين شيعة ومسيحيين».
ويضيف متى: «إن الحارة ضربت بعرض الحائط كل الأقاويل التي جابت طريق الإعلام أن التعايش المعلن هو «مغشوش» وما يضمره المسيحيون عكس ذلك، وما يُقال بالعلن هو لحفظ ماء الوجه للبقاء، عبر إصرارها على البقاء»، «فان فاعليات المدينة وأحزابها تحديداً، يحرصون على بقائنا، بل ويحفزون العودة لمن رحل».
ترعرع وانسجام
{ ويقول أحد مسيحيي المنطقة جورج الذي نشأ وترعرع فيها: «نعتبر أنفسنا جزءاً أصيلاً من مكوّنات المدينة، لم تكن لغة «هم» و«نحن» قد ظهرت بعد. أذكر أن جدتي كانت تقيم في منزلها مجالس العزاء، وعلى رغم ما مر على لبنان من حروب أهلية ونعرات طائفية، ظلت أجواء التناغم والإنسجام الأهلي مخيّمة على مجتمع النبطية وحاراتها، ولم تُسجل فيها أية حادثة أمنية بدافع طائفي أو حزبي، ولم يجد المسيحيون أنفسهم مضطرين لدفع ضريبة الإنقسام والرحيل عن «حارتهم». بل، على العكس، فقد استضافوا في منازلهم خلال الحرب الأهلية عددا من العائلات التي نزحت من مناطق التماس في بيروت، وكانت نسوة الحارة المسيحيات يشاركن في إعداد «الهريسة» يوم العاشر من محرم مع جاراتهن الشيعيات، وكانت المدينة بأكملها تشاركنا في إحياء احتفالات وقداديس عيدي الميلاد والفصح. لم يكن بيت في النبطية يخلو من شجرة ميلاد. حتى أن جارتنا التي تأخّرت كثيرا في الحمل، صارت تأتي وزوجها إلى الكنيسة كل «أحد» تضيء الشموع على المذبح وتنذر النذور للسيدة العذراء. وحين استجابت السيدة العذراء لنذورها، ووضعت طفلتها الأولى أطلقت عليها اسم «كريستينا».
{ و«أم طوني» عاشت في الحارة منذ أكثر من 40 عاماً، قالت: «إن التعايش حقيقي في المدينة، نحن عائلة واحدة تكاد لا تفرّق من الشيعي والمسيحي، نتشارك كل شيء في أفراحنا وأتراحنا حتى مجالس عزاء عاشوراء، فأنا وعائلتي نُشارك بعضنا في كل شيء».
الحارة روحي
{ وعند شرفة أحد المنازل القديمة يقف حسيب رزق الله «النحاسي العتيق» الذي هجر حرفته في نهاية الثمانينيات، يتأمل الحارة من تحت المطر، يتذكر أصدقاء له غدرهم الموت، يقول: «هذه الحارة هي روحي ولن أتركها حتى أموت»، في مقابل منزل حسيب يقع «مصلى عيسى بن مريم - عليهما السلام» وبقربه يقطن أناس من أبناء النبطية الشيعية»، قبل أن يُبادر بالقول: «نحن عائلة واحدة، نتبادل الزيارات والمناسبات، لا أحد يتعدى على حرية أحد، كل يمارس طقوسه بإحترام هم يصلون في جامعهم ونحن نصلي في كنيستنا».
مودة واحترام
{ وكان أبناء الطائفة «حارة المسيحيين» نفوا نفياً قاطعاً ما ورد على أحد المواقع الالكترونية الذي أشار ألى أن «ابناء الطائفة المسيحية في النبطية يناشدون البطريرك بشارة الراعي وكل زعماء الطائفة المسيحية في لبنان لتجنيد المجتمع الدولي ليحميهم من أي ضربة قاضية أو كارثة تحل بهم، والوقوف ثابتين بوجه التغييرات التي يفرضها «حزب الله» على الأرض لتأكيد عدم التخلي عن الوطن».
ورداً على شائعات أثارتها بعض وسائل الإعلام المتطرفة عن غربة مسيحيي النبطية في موطنهم، إعتبر أبناء الطائفة في بيان موقّع من كاهن الرعية الأب نقولا درويش وعضو المجلس البلدي نمر عساف ومختار حارة المسيحيين راشد متى ووكلاء الوقف عن أهل الرعية «أن مروّجي هذه الأخبار يبيتون نيات خبيثة، إن لم تكن نيات تحريضية لا تخدم المسيحيين أو الوطن بشيء، بل يقدّم خدمة مجانية، إن لم تكن مدفوعة الأجر لمن يبث مثل هذا الخبر للمتربصين بالوطن»، مع الإشارة إلى أنهم «يفتخرون ويعتزون بكل ما يربطهم بأهلهم وبجيرانهم في النبطية تحديدا من علاقات مودة واحترام».



كنيسة السيدة في حارة المسيحيين بالنبطية


البيوت القديمة في حارة المسيحيين بالنبطية