غيوم مقلقة فوق بغداد – الجزء الأول

بدء بواسطة صائب خليل, مايو 18, 2012, 03:08:39 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

غيوم مقلقة فوق بغداد – الجزء الأول



رغم الكثير من التوضيحات الهامة التي جاءت في مقابلة رئيس الحكومة السيد نوري المالكي مع قناة العراقية في 9 أيار الجاري، وما جاء فيها من حقائق هامة لا تنكر،(1) فأن فيها ايضاً الكثير مما يبدو دعاية سياسية مباشرة وتقسيم العالم إلى أسود وأبيض، للخير التام (في جانب المالكي) والشر الكامل (في جانب خصومه) – وهو ما يفعله خصومه أيضاً. ولكن عدا كل تلك التفاصيل، كان في المقابلة ما يثير القلق حول مستقبل الديمقراطية في العراق، خاصة إن تم ربطه بما يجري في العراق اليوم والتهم المتبادلة بالسعي لتقويض الديمقراطية.

لقد سمعت المالكي في المقابلة يتحدث بصراحة لأول مرة بعبارة "تجميد الدستور"! وهذا يفترض أن يثير الفزع لدى أي شخص يعلم ما قد يعنيه ذلك. جاء الحديث بعد أن خير رئيس الحكومة شركاءه بين اجتماع وطني أو انتخابات مبكرة، ثم جاء الخيار الثالث: "..أو، لا سامح الله... هذا قد يفرض نفسه لأنه لايمكن أن نستمر إلى مالانهاية بلا دستور تعالوا نتفق نجمد الدستور(!!)، حطوه على جانب لهذه المرحلة،   جمدوه لأنه لا يمكن ان يبقى دستور طرف ملتزم به وطرف متمرد عليه...وهذي مو صحيحه هذي كارثة على البلد ولكنهم هم يقودون البلد إلى هذه الكارثة..!! "

المخيف في الموضوع أن رئيس الحكومة العراقية بدا كمن لا يدرك معنى كلامه، حتى أن مدير المقابلة أثار انتباهه بالقول: "من يسمعنا يقول أن رئيس الوزراء يطالب إلى تجميد الدستور يجب أن توضح الصورة الآن".. وعلى أثرها حاول المالكي التوضيح:
"لالا... أريد المواطن أن يفهم أن سلوك الجماعة ينتهي  إلى نهاية تجميد الدستور لأن ما يمكن أن يبقى طرف ملتزم وطرف غير ملتزم ...العملية ماتمشي لو الإلتزام من قبل الكل لو يتفقون نجمده ....أنا لست مع تجميد الدستور .. فوضى بالبلد يصير إنهيار كامل يصير في البلد  أنا ضد هذه الفكرة، لكن أيضا ضد فكرة أنك تلتزم والآخر يتمرد.."
ثم أشار إلى أن شركاؤه ، ولنقل "خصومه" واجهوه بسبب لرفضهم الإلتزام بالدستور ، بأنه "منظومة غير متكاملة لا نستطيع الإلتزام به" ليتساءل: "اليس هذا تجميد للدستور؟"

ما يبدو أن رئيس الوزراء لم يدركه ، هو أن "الدستور" ليس اتفاقاً بين شريكين (في عملية سياسية أو غيرها) لكي يصبح لاغياً أو "مجمداً" متى ما رفض أحد الشريكين الإلتزام به. ليس الموضوع موضوع "زعل" على أحد اخل باتفاق ما، وليس هو موضوع "مقابلة بالمثل": إن ترفض التعامل بالدستور فسأرفض التعامل به ايضاً! حين يتولى رئيس الحكومة السلطة فإنه يقسم على أن يحمي نظامها الديمقراطي ويلتزم بالدستور، وليس في القسم أعفاء من ذلك الإلتزام أن لم يلتزم به الآخرون! الدستور ليس "عقد" بين المالكي والكردستاني والعراقية، يتيح لأي منهم إلغاءه عندما يرى أن الآخرين لا يلتزمون به. وليس صحيحاً أنه "لا يمكن ان يبقى دستور طرف ملتزم به وطرف متمرد عليه"، فالدستور قانون (أعلى قانون) والخارج على القانون مجرم، ومن واجب السلطة أن تقوده مخفوراً إلى المحاكمة، لا أن تكرر فعلته وبأكبر منها فتلغي القانون نفسه!
الدستور يفترض أنه قانون لحماية الشعب والوطن، وبالتالي فتجميد الدستور إعتداء خطير على الشعب، فهل يصح أن يهدد أحد بأن يعتدي على شعبه إن اعتدى عليه شركاؤه الآخرون؟
لا يكفي رئيس الحكومة القول " أنا لست مع تجميد الدستور" كمن يقول "أنا لست مع السطو المسلح" أو "أنا لست مع إغتصاب النساء"!

الدستور يفترض أن يكون سلاح الحاكم الديمقراطي الأساسي، ولا توجد حالة يساعد التخلي عن هذا السلاح على حل مشاكل البلاد. وبالمقابل فأن حكومة لها أهداف غير ديمقراطية وغير شعبية، ستجد في الدستور معرقلاً لها وقد تجد نفسها راغبة أو مضطرة للتخلص منه. التجميد عملياً إلغاء للدستور، فالتجميد إلى متى؟ ومن يضمن ان أحداً سيأتي ليذيب الجليد عنه فيما بعد؟ ألم يكن لإعلان حالة الطوارئ، و "الدستور المؤقت" عمر مديد في كل بلد دخل في دهاليزهما، ولم يخرج منها إلا بقوة ثورة ثانية؟

لكن هل يفكر المالكي فعلاً بتجميد – الغاء – الدستور كخيار لحل الأزمة؟ أم أن كلامه كان نوع من "زلة لسان"، خاصة وأنه كرر كثيراً في المقابلة إحترام الدستور وأهمية الدستور،فأي من هذين النقيضين سنصدق؟

الجواب يعتمد على موقفك من الرجل نفسه. فهو سهل لدى جماعتين تمثلان الطيف العراقي الأكبر بامتياز. الجماعة الأولى هي التي تثق بالمالكي تماماً، وهذه سترى "بسهولة" أن هذا الكلام عن خطر الدكتاتورية، كلام فارغ، وأن أعداء الرجل يثيرون هذه الإشاعات عنه، ويتربصون به زلات اللسان، خاصة في هذا الظرف الذي يخوض فيه جانب المالكي صراعاً شديداً مع تكتل من قوى فاسدة وأخرى مجرمة وأخرى وراء الستار، ذات إمكانات ومصالح مالية ضخمة جداً، وهذا كلام صحيح إلى حد بعيد.

الجهة الأخرى التي لن تجد صعوبة في الجواب على هذا السؤال هي الجهة المعادية للمالكي. وليس من الضروري أن يكون كل فرد في هذه الجهة ذو مصلحة في سقوط المالكي، وإنما كل شخص صدق ما قاله هؤلاء أو كوّن مخاوفه الخاصة من دكتاتورية المالكي المحتملة وجمع العديد من المؤشرات عليها، او أكتفى بما يقال عنها أو وثق بخصوم المالكي بلا مراجعة، كما يثق أيضاً المتحمسين للمالكي، به. هذه الجهة يتخوف معظم أفرادها من احتمال دكتاتورية قادمة، ولديهم ما يبرر مخاوفهم.

الجواب سهل لدى هاتين المجموعتين، لكنه سيكون صعباً جداً للمجموعة التي لا تصدق كل ما يقول المالكي ولا تصدق كل ما يقوله خصومه، وتبقى تراقب المؤشرات والأدلة بانتباه وقلق.
ومرد الصعوبة هو أنه من جهة أولى، فأن من يفكر بالدكتاتورية سوف يسعى إلى إخفاء ما يفكر به بكل الطرق، بل سيسعى إلى التمويه بأن طريقه بالعكس، وأن الدكتاتورية في الجانب الآخر. ويمكننا أن نرى أن طرفي الصراع في العراق الآن – إن صح اعتبارهما طرفان فقط - يتبادلان الإتهامات بالدكتاتورية.
ومن جهة ثانية، فمن السهل أن يساء فهم شخص وأقواله وافعاله وأتهامه ظلماً بالسعي للدكتاتورية. وقد تفسر أخطاؤه أو زلاته بأكبر من معناها الحقيقي وسوف يسعى خصومه إلى تثبيت ما تثيره هذه الأقوال والأفعال من شكوك، على أنها حقائق منتهية، وادلة قاطعة على الخطر.

من المهم التنبيه إلى أن الحكم ظلماً على رئيس بأنه دكتاتور، لا يقل خطراً عن الحكم على دكتاتور بأنه ديمقراطي وتسهيل وصوله للسلطة. لأن الرئيس الديمقراطي والمسؤول الديمقراطي شيء ثمين ليس من السهولة استبداله بآخر إلا في ظروف مستقرة. وفي العادة فأن الدكتاتورية تأتي من خلال إسقاط رئيس ديمقراطي (كما أسقطت أميركا الندي شيلي، وحاولت مع شافيز فنزويلا) مثلما تأتي من دعم دكتاتور وتسليمه السلطة، دون إدراك (مثلما حدث لهتلر المانيا وموسوليني إيطاليا).

كلما ازداد الإستقطاب في البلد، تقلصت المجموعة الثالثة الشكاكة، وامتصتها المجموعتان المستقطبتان: مع أو ضد. وكلما ازداد الإستقطاب تدهور النقاش والجدال إلى تراشق شعارات واتهامات بلا أدلة وعبارات رأي وأكاذيب لا تخشى الإفتضاح، ويتوقف الجدل الحقيقي والإقناع عن الحركة. الرئيس لا يحتاج لإقناع مؤيديه، فهم مقتنعون، وأكثرهم يريد بقاءه حتى لو صدقت الإتهامات ضده.  وهو لن يحاول إقناع خصومه، فهم يرفضون حتى النظر إلى ما قد يقدمه من أدلة. وأكثرهم يريد إزاحته سواء صدقت التهم عليه أو لم تصدق. ويفقد الشعب أهتمامه بالحقيقة ويتعصب لجانب أو آخر "ظالماً أو مظلوماً".

أي من الطرفين يخدمه هذا الإستقطاب أكثر من الآخر؟ الرئيس الديمقراطي أم الدكتاتور القادم؟ هناك عوامل مختلفة في الظروف المختلفة تجعل الجواب عن هذا السؤال بدقة أمر مستحيل. لكن بشكل عام فأن الإستقطاب ، بما يحمله من تعطيل للمناقشة والمحاججه، يخدم من يكون له أهداف مرفوضة من قبل الناس ويصعب إقناعهم بها، إذن هو الدكتاتور (القادم). إنه لا يأمل أن يكسب المزيد من الناس لرأيه، لذا يطمح فقط إلى المحافظة على دعم الجماعة المتعصبة له على الأقل، وهذا أسهل كلما ازداد الإستقطاب والجو تعصباً وقلقاً. 

ما الذي ينطبق على الوضع في العراق؟ قد يبدو للقارئ أننا قطعنا شوطا كبيراً، وأننا أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من الإجابة عن هذا السؤال. للأسف ليس هذا صحيحاً، والطريق مازال ملغماً بالأخطاء والمزالق والفخاخ. فهناك مصالح كبيرة في الميزان.
يمكننا أن نبدأ بحثنا عن الدليل على النوايا الدكتاتورية: من في الفريقين يبدو متحمساً لزيادة الإستقطاب؟ ولا يصعب علينا من ناحية أن نبرهن أن المالكي يفعل ذلك بالفعل، فهو الذي يقود العملية كلها وهو الذي قرر متى تتم المجابهة ومتى تتوقف ومتى تزداد ومتى تخفض. ورغم أن عدد من رفاقه ارجع التوقيت إلى التخلص من التأثير الأمريكي بعد الإنسحاب، والذي قالوا انه كان يمنع المالكي من مجابهة الإرهاب والفساد، وهي أسباب معقولة، لكنها لا تفسر أيضاُ تجميعها في ضربة واحدة، وقبل أن يشعر المالكي باستقرار حكومته وسيطرته، فلماذا كلها الآن؟ لماذا صار المالكي فجأة حدياً لا يقبل أية تنازلات في الدستور وغيره، وقد كان قبل الكثير منها خلال السنوات الماضية؟

بالمقابل فأن الكتلتين التين تقودان الجهة الأخرى – التحالف الكردستاني والقائمة العراقية - غارقتان لأذنيهما في الإستقطاب على طول الخط، وإضافة إلى ذلك تعتمدان الأكاذيب بسخاء ولهما تاريخ من الممارسة الدكتاتورية بل واللصوصية المعروفة منها والتي ما تزال تتكتشف كل يوم، وليس بينهم من يمكن أن تثق به حتى في الحد الأدنى من الصدق، إلا شخصيات متناثرة لا تزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة، ولا يمكنها بالتالي أن تؤثر كثيراً لا في الخطاب الإعلامي، ولا في القرار السياسي لتلك الكتلتين.

ربما يجد أحد أن التحالف الكردستاني لا يمكن أن يدعم دكتاتوراً عربياً (من العراقية مثلاً) بعد كل معاناته من الدكتاتوريات العربية السابقة، ويستنتج من هذا المنطق المعقول مؤشراً إلى أن خطر الدكتاتورية لابد أن يكون في الخندق المقابل لكردستان. ولكن مقابل هذا "المعقول" فإننا نرى أن التحالف الكردستاني يحتفظ بعلاقات متينة مع أقرب الناس إلى تلك الدكتاتورية التي جرحته في الماضي القريب، من العرب والكرد، ويمنحها سلطات أمنية وسياسية، دون أن يبدو عليه أي قلق أو عقدة خوف منها، وفي نفس الوقت يدعي خشية كبيرة من احتمال دكتاتورية من كانوا رفاقاً له في مقارعة الدكتاتورية ولم يسبق لهم ان اضطهدوه، فهل أن هذه المخاوف حقيقية ام أنها ليست سوى حجة لإستخدامها في الصراع، وأن المهم لديه هو تمشية اتفاقات سياسييه المشبوهة مع الشركات النفطية الكبرى؟ في كل الأحوال لا يمكننا الإعتماد على موقف التحالف ا لكردستاني لاستشفاف مكان الدكتاتورية المهددة.

هذه في تقديري الخطوط العامة للوضع العراقي الحرج في هذه اللحظة، وسنأتي في مقالة قادمة على بعض التفاصيل ونحاول أن نضع أجزاءها لتكوين صورة نأمل أن تعكس الواقع، ولا تعتمد كثيراً على رأي مسبق بالجهات المختلفة (حتى حين يكون لدينا فعلاً رأي مسبق عنها). لكن مهما فعلنا فستواجهنا صعوبات وسنبقى في ظلام نسبي كبير، فكل ما يمكن أن نفكر به من وسائل لكشف الحقيقة، فأن من يهمه إخفاؤها يعرف كيف يفعل ذلك.
لذلك فالمطلوب أولاً من السياسي الديمقراطي أن يبحث عن طريقة لطمأنة الناس إلى اتجاهه وأن يسعى لتجنب الإستقطاب (وليس الصراع) ومنعه وإلى أقصى شفافية وصدق. وثانياً بالنسبة للمواطن، فعليه أن يكون منفتح الذهن لكل الحقائق ودلالاتها، وأن لا يسهم في استقطاب الجو، ولا يرضى أن يكون مشجعاً سلبياً للجهة التي يدعمها دون مطالبتها بالصدق والأدلة ومحاججتها بها. عليه أن يثق بقدرة الحق إن كان في جانب جماعته، وأن لا يخشى عليهم أن يهزموا، إذا تعرضوا للمساءلة والإستيضاح والشك، بدلاً من الدعم الأعمى. فالحق يفترض أن لا يحتاج إلى الدعم الأعمى ولا يطلبه.

(1) لقاء دولة رئيس الوزراء على قناة العراقية 9 ايار 2012 جزء1


ماهر سعيد متي

من خلال السياق العام للكلام .. نفهم ان المقصود ان الدستور هو الفاصل والفيصل لذا لا يجوز مخالفته ...
وبذلك وبدلا من ان نجمد او نوقف العمل بالدستور بالأمكان تعديله خاصة وان الدستور العراقي مرنا وليس جامدا ...
فعلا هي غيوم مقلقة تتلبد بها سماء بغداد لكن الأسباب الرئيسية عديدة ومنها المحاصصة والفساد الأداري المستشري .. وسوى ذلك
اتمنى ان يتفق السياسيون لأن الشعب هو المتضرر الأكبر ... تحياتي
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

صائب خليل

الاستاذ العزيز ماهر سعيد، بل ليختلفوا بشرط أن يحلوا المشكلة بعد الإختلاف بشكل أو بآخر،
شكري وامتناني لمتابعتك
صائب