تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

الصراع من أجل 8 ساعات

بدء بواسطة صائب خليل, مايو 01, 2012, 09:21:25 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل






صائب خليل
1 ايار 2012

قال ماركس أن "الرأسمالي يسعى على الدوام إلى تقليل الأجور إلى الحد الأدنى الممكن، وإطالة يوم العمل لأقصى ما يمكن، بينما يحاول المشتغل بشكل مستمر أن يضغط بالإتجاه المعاكس".(1)
فحسب التحليل الماركسي، فأن يوم العمل ينقسم إلى قسمين، القسم الأول ينتج فيه المشتغل بالأجر، قيمة أجوره الضرورية لمعيشته، وفي القسم الثاني يعمل من أجل صاحب العمل، لإنتاج ما أسماه ريكاردو بـ "فائض القيمة" دون أن يرجع أصله إلى عمل العامل، وهو ما فعله ماركس بعد ذلك.

ومن هنا تنبع أهمية إطالة يوم العمل بالنسبة لصاحب العمل. فلو كانت ساعات العمل اللازمة لإنتاج ضروريات حياة العامل ثمان ساعات، وكان طول يوم العمل 10 ساعات، فأن هاتين الساعتين الزائدتين هما ما يأخذه صاحب المال (بغير حق وفق ماركس) من أرباح. فعندما يتم زيادة ساعات العمل ساعتين إضافيتين إلى 12 ساعة، فأن ما يحصل عليه صاحب العمل يكون عمل أربعة ساعات بدل ساعتين، أي ضعف ما كان يحصل عليه قبل التمديد!

ولا يقتصر "رأس المال" على تحليل السلعة وفائض القيمة، وما فيها من حسابات معقدة، وإنما يحتوي فصولاً تاريخية قيمة يمكن لأي كان قراءتها، تروي حقائق مذهلة عن الصراع حول طول يوم العمل وظروف العمل وكيف أن الرأسمالية استغلت العاملين بشكل كان يدمر صحتهم وفي ظروف لا يتوفر فيها حتى الحد الأدنى من كمية الهواء اللازمة للتنفس الصحي في المعمل، وكان الأطفال يشغلون فترات قد تصل إلى إلى 16 ساعة في اليوم ليخرجوا بعد سنوات وقد تخلفوا في التعليم والأخلاق والمهارات، بسبب السعي لأقصى الأرباح، الذي هو مبدأ الرأسمالية الاساسي. ويبين ماركس من خلال إحصاءات توفرت له أن المستوى الصحي للكثير من المناطق في العالم تدهور بتقدم الرأسمالية بدلاً من أن يتحسن وأن معدل العمر تراجع بشكل خاص لمن يشتغلون في ا لصناعة.
ويشرح ماركس أيضاً كيف أن هذا النظام يحطم الإحساس حتى في أكثر العلاقات الإنسانية حميمية. فيذكر مستنداً إلى الوثائق، أنه في الوقت الذي كانت الحكومة البريطانية تسعى لكي تضع حدوداً لعدد ساعات يوم العمل للأطفال بعد الكوارث التي لحقت بهم والضجة التي أثيرت حول ذلك، فأن من يحتج على ذلك بشكل أشد، لم يكن أصحاب العمل، بل آباء هؤلاء الأطفال، لأن تلك القوانين كانت تقلل من أجور الأطفال التي تسلم إلى آبائهم في النهاية! أي أن أخلاق الرأسمالية لم تتلف إحساس صاحب العمل بالأطفال الذين يعملون لديه فقط، وإنما أتلفت إحساس أباءهم بهم أيضاً!
لايمكن للمرء أن يحس بعمق المشكلة الرأسمالية ما لم يقرأ تاريخها، فالرأسمالية التي وصلت إلينا ليست رأسمالية خالصة، وإنما خليط من أساس رأسمالي وتأثيرات إشتراكية، وأن الأخيرة لم تكن تبرعاً من الرأسماليين للشعب أو لشعورهم بالمسؤولية، بل لأنهم أضطروا إليها تحت ضغط العمال والتنظيمات اليسارية في ذلك البلد. ويذكر جومسكي أن شكل نظام اي بلد ونسبة إختلاطه من الرأسمالية والإشتراكية تعتمد على تاريخ ذلك الصراع ، وأن العمال من خلال نظالهم من أجل حقوقهم في ظروف عمل افضل فأنهم كانوا يفيدون الآخرين أيضا، مثل حقوق النساء والديمقراطية والتأمين الصحي والتعليم ورعاية البيئة. وعلى قدر نجاح هؤلاء، نرى البلد أكثر لطفاً بأبنائه وشعبه، وعلى قدر فشلهم نرى البلد يوجه أمواله إلى القمة الثرية، يقدم لها "حرية السوق" ويهتم بـ "ظروف الإستثمار" التي تعني غالباً نسبة بطالة عالية تؤمن عمالاً بأجور منخفضة وقوانين متساهلة تسمح بتلويث البيئة وساسة مرتشون، فيعيش الأثرياء في مستوى راق مسرف متطرف، ويترك الآخرين في مدن الصفيح ضحية للجهل والفقر والمرض.

الديمقراطية لمن تكن أيضاً هدية من الرأسمالية للشعوب كما يتوهم البعض بتأثير وجود الديمقراطية في البلدان الرأسمالية، بل أن الرأسمالية أضطرت إلى التنازل والسماح بها تحت ضغوط اليسار بأشكاله المختلفة. نلاحظ مثلاً أن الديمقراطية كانت في البداية لأصحاب الأموال فقط، دافعي الضرائب، مثلما كانت الديمقراطية الرومانية للرومان فقط، فمن الذي جعلها للجميع؟ تاريخ الديمقراطية هو أيضاُ تاريخ من الصراع المرير، خاضه ما يسمى اليسار من اجل حقوقه في الحكم كما في الأجور. إننا إن كنا مدينون للرأسمالية في حجم الإنتاج الكبير، فإننا بشكل عام مدينون لليسار بكل ما تحقق من توازن نسبي وعدالة نسبية وحقوق عامة وما يسمى دولة الرفاه والديمقراطية الإجتماعية.

إننا نلاحظ عندما نعجب بنظام رأسمالي أوروبي مثلاً، فأن أكثر ما يعجبنا فيه في الحقيقة هو التأثيرات الإشتراكية التي تركها أثر الصراع فيه. فنحن نعجب بالسويد أكثر مما نعجب بأميركا ونشعر أن في الأول حضارة إجتماعية أكبر بكثير من الثانية، لأن اليسار السويدي نجح أكثر من اليسار الأمريكي في فرض شروطه على الرأسمالية في بلاده.
لم يكن ذلك لأن اليسار في أميركا كان متخاذلاً، بل العكس، إنما السبب ربما يعود بالدرجة الأولى أن الثروة الواسعة في أميركا، خلقت شركات من القوة المالية ما لم تعرفه أوروبا، وتمكنت هذه الشركات من فرض نظام أكثر رأسمالية مما في أوروبا، وها نحن نرى أكبر الفوارق الطبقية في أميركا وأكثر نسبة السجناء في العالم في أميركا وهي الدولة الصناعية الوحيدة التي لا توفر لفقرائها تأمين صحي....الخ.

نلاحظ أيضاً أن هناك تراجع في السنوات الأخيرة في حقوق العمال والموظفين والمواطنين في جميع الدول الرأسمالية، فالنموذج الأمريكي يضغط على الآخرين لفرض رأسمالية أكثر حدة. وبزوال دول المنظومة الإشتراكية، زال الدافع للدول الرأسمالية بتقديم نفسها كنموذج أفضل يرعى المواطن، وبالتالي كشرت الرأسمالية عن أنيابها أكثر.

اليوم لدينا قوانين تحدد عدد ساعات العمل، والحد الأدنى للأجور، لكن هذه لم تأت من نفسها، بل من خلال صراع مرير طويل مليء بالمآسي لمن رفض الإستغلال البشع وضحى من أجل ذلك. ولعلكم لا تعلمون أن قوانين العمل الأولى لم تكن قد وضعت حداً أدنى للأجور، وإنما وضعت "حداً أعلى" لها!! وطبعاً كان ذلك بتأثير رجال الأعمال على السلطة التشريعية في البلد، سواء كانت برلماناً أو دكتاتورية. فلم يكن مسموح حتى لصاحب العمل أن يعطي العامل أجراً عالياً خوفاً من أن يؤثر ذلك على بقية العمال في المصانع الأخرى. والغريب أنه في حالة مخالفة ذلك القانون فأن العقوبة الأشد كانت تقع على العامل الذي قبل بأجر أعلى من أجره المحدد!

لقد كان الصراع على حقوق وساعات العمل والأجور طويلاً ومريراً، ومن جيب هذا الصراع الذي لم يكن هناك مفر منه بين مستغِل ومستغَل، خرجت الكثير من أحداث التاريخ البشري، خاصة في القرون الخمسة الماضية التي تمثل فترة حياة الرأسمالية، وقصة الأول من أيار واحدة من قصص ذلك الصراع.




في 4 أيار  1886، تجمع الاف العمال في سوق التبن في شيكاغو احتجاجاً على قتل الشرطة لستة من العمال المضربين في اليوم السابق. وفجأة إنفجرت قنبلة في التظاهرة، فصارت الشرطة تطلق النار عشوائياً، وكانت النتيجة مقتل سبعة من أفراد الشرطة وعدد غير معروف من المتظاهرين، وكان معظم الضحايا نتيجة رصاص الشرطة. أستعملت تلك الحادثة كحجة أرادتها الشرطة الأمريكية لإطلاق أول حملاتها لـ "شيطنة الحمر" وإرهاب الناس منهم. وسارع الإعلام والسلطة إلى توجيه وتثبيت الإتهام بالجريمة إلى العمال وقادة الأناركية، الذين تم اعتقالهم ومحاكمتهم وإدانتهم بشكل مسرحي.
وجرت حملة عالمية لإلغاء عقوبات الإعدام التي صدرت بحق المتهمين، الذين تم شنق أربعة منهم فيما أسمي بـ "الجمعة السوداء". وشملت الحملة المئات من الرجال والنساء الذين كان يشك بأنهم من الأناركيين أو الإشتراكيين أو الشيوعيين وألقي بهم في السجون، وتم الإعلان عن "أكتشاف" مؤامرات عديدة للقيام بتفجيرات بالديناميت، و"العثور" على كميات من الأسلحة.
وأجمع المتهمون على البراءة في خطاباتهم الأخيرة قبل تنفيذ الحكم(2) ، وقال أوكست سبايس المحكوم بالإعدام في خطابه أن المحكمة حكمت عليه بدون أية أدلة على علاقته بالحادث، وبالتالي فأنها أدانت نفسها بعملية قتل!

وتعتبر حادثة "سوق التبن" في شيكاغو رمزاً مكثفاً لصراع طويل خاضته حركة "8 ساعات عمل" ، والتي كانت اصل الإحتفال بالأول من أيار  كعيد للعمال العالمي.

في 1904 دعا المؤتمر الإشتراكي الدولي في امستردام جميع الإتحادات والمنظمات الديمقراطية الإجتماعية في العالم إلى التظاهر بقوة من أجل تثبيت قانون لتحديد يوم العمل بـ 8 ساعات والسلام في العالم.
وحصل الأول من أيار على رمزية عالمية كبيرة، أشرت وفق بعض المؤرخين مسيرة الحركة العمالية بعد ذلك. ويمكننا أن نعرف فكرة عن نوع الحكومات والجو السياسي للدول، من خلال موقفها من احتفالات الأول من أيار. (3)
وقد سعت الحكومات اليمينية في كل العالم للتمويه على يوم العمال وطمسه أو الغائه نهائياً.

وقصة الأول من أيار في اميركا التي ولدت تلك المناسبة فيها بالذات، تدل على الكثير. فبعد انتصار الثورة الإشتراكية في روسيا تم الترويج للأول من أيار، من قبل مجموعات المحاربن القدماء ومحاربة الشيوعية، باعتباره "يوم الأمركة" (Americanization Day) ثم غير الكونغرس اسمه عام 1949 إلى "يوم الولاء" (Loyalty Day) (4) من أجل أميركا وقيمها، وهو يحمل رمزاً مغايراً تماماً لرمز العمال والثورة، وفي نفس العام أعطاه الرئيس ايزنهاور إسماً إضافياً هو "يوم القانون" (Law Day) (5) ربما في إشارة إلى إدانة عمال "سوق التبن" وكأستمرار في عملية شيطنة العمال واعتبارهم خارجين عن القانون. ونقل الإحتفال بـ "عيد العمل" إلى سبتمبر، وتبعت كندا الولايات المتحدة في هذا الأمر.

حاول العمال الأمريكان أعادة يومهم رسميا إلى الأول من أيار دون جدوى. لكنهم بقوا يعترفون به ويحتفلون به ويسعون لإعادته رغم القرارات الحكومية. ففي "الكساد الكبير" في الثلاثينات كان الألاف من العمال الأمريكان يتظاهرون في المدن الأمريكية في الأول من أيار.

وفي 1955 خصصت الكنيسة الكاثوليكية الأول من أيار  لـ "سانت جوزيف العامل" و لـ "محاربة الشيوعية"! والغت الحكومات الفاشية التي تعاقبت على البرتغال وإيطاليا والمانيا واسبانيا يوم العمال.

وفي تركيا ألغت حكومة إنقلاب عام 1980 الإحتفال في السنة الأولى لتوليها السلطة، ثم أعيد الإعتراف به عام 2010.
وفي بولونيا، تم تغيير اسمه عام 1990 إلى "يوم الدولة"
وفي نيسان 1933 قامت الحكومة النازية المشكلة حديثاً في ألمانيا بتسمية الأول من ايار بـ "يوم العمل القومي" ومنعت المنظمات اليسارية والشيوعية والإتحادات العمالية من تنظيم تظاهراتها فيه واقتصر ذلك على الحكومة. ثم اكتشفت ألمانيا أن تنظيم إحتفالات الشوارع الكبرى في نفس يوم التظاهرات هو خير طريقة لمنع "الشغب". وفي السنوات الأخيرة حرص النازيون الجدد على القيام بتظاهرات مضادة لتخريب تظاهرات اليسار بعيد العمال.

وفي روسيا القيصرية لم يكن مسموحاً الإحتفال بالأول من أيار..

وفي اسبانيا كان العمال يحتفلون بالعيد حتى مجيئ الدكتاتور الفاشستي فرانكو، ولم يتم الإعتراف بالأول من أيار إلا بعد زوال الدكتاتور عام 1975
وفي جنوب أفريقيا لم يتم الإعتراف بهذا العيد إلا بعد سقوط نظام التمييز العنصري، في عام 1994

إن تصرف الحكومات المختلفة منذ القرن التاسع عشر وموقفها من الأول من أيار، يوم العمال العالمي، والسعي الحثيث لتمويهه والتغطية عليه من قبل الحكومات الفاشستية والرأسمالية، يكشف مدى اهمية الرمز وقيمته وما يثير من مخاوف لدى هؤلاء.
واليوم تهتز الشوارع مرة أخرى تحت أقدام المحتجين على ما اوصلت الرأسمالية العالم إليه من فوضى وفوارق هائلة في المال وحروب مدمرة لا نهاية لها، لأنها جزء من منظومة الرأسمالية الإقتصادية.
لقد سجلت الرأسمالية انتصاراتها وكتب البعض عن "نهاية التاريخ"، باعتبار أن أهم الصراعات قد تم حسمها، وأن البشرية قد رضت بالرأسمالية نظاماً أزلياً.
لكن هذا يبدو إحتفال قبل وقته، وبالفعل تراجع فوكوياما خجلاً عن طروحات كتابه عن نهاية التاريخ واعترف باستمرار الصراع وأشتداده.
ففي الوقت الذي سقط النظام الدكتاتوري الإشتراكي في الإتحاد السوفيتي، نبتت كالفطرأنظمة إشتراكية ديمقراطية في فنزويلا والبرازيل وبيرو وغيرها من دول أميركا الجنوبية، واحتجت جماهير الربيع العربي على الأوضاع الإقتصادية بلهجة إشتراكية، ودكت النقابات شوارع أوروبا ثم أميركا إحتجاجاً على نظام جشع في طبيعة تكوينه، يدخل العالم المرة تلو الأخرى في أزمات لا نهاية لها، وحروب لا نهاية لها، في الوقت الذي يزداد ثراء الأثرياء بشكل لا حدود له.
ويمزج العمال والمحتجون تظاهراتهم بالأغاني والإحتفالات. ونترككم مع أغنية لأسطورة البيتلز الراحل جون لينون، الذي تم اغتياله في الثمانينات في أميركا، بظروف غامظة. (6)  لكن من يستمع إلى كلمات أغانيه، يزول الكثير من هذا الغموض. أترككم في هذه المناسبة مع أغنيته "بطل الطبقة العاملة" لتتمتعوا بالإستماع إليها، وادناه ترجمة حرة لبعض من سطورها.
Working Class Hero - John Lennon
Working Class Hero - John Lennon

منذ يوم ولادتك، يجعلونك تشعر بأنك صغير
لا يمنحونك الفرصة، حتى يتسع الألم ، فلا تعود تشعر بشيء
يردعوك ويخيفوك عشرون عاماً
ثم ينتظرون أن تنغمر في العمل
حين يعجزك الخوف عن التفكير
لكن المسألة أن تكون بطلاً عمالياً

هناك فسحة في القمة، يقولون لك
لكن عليك أن تتعلم الإبتسام وأنت ترتكب القتل
إن أردت أن تكون مع الذين على التل
لكن المسألة أن تكون بطلاً عمالياً

(1)  http://www.marxists.org/archive/marx/works/1865/value-price-profit/ch03.htm
(2) http://www.marxists.org/subject/mayday/articles/speeches.html
(3) http://en.wikipedia.org/wiki/International_Workers%27_Day
(4) http://en.wikipedia.org/wiki/Loyalty_Day
(5) http://en.wikipedia.org/wiki/Law_Day
(6) http://www.doroob.com/archives/?p=12956

روابط عن الموضوع:
http://www.wsws.org/articles/2009/may2009/haym-m19.shtml
http://www.marxists.org/subject/mayday/articles/young.html


ماهر سعيد متي

كل عام وعمالنا بالف الف خير ...
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة