مشاكسة ... وعـــاظ الســلاطين / مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أبريل 18, 2012, 07:54:53 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

مشاكسة
وعـــاظ الســلاطين




مال اللــه فـرج
malalah_faraj@yahoo.com

              في الوقت الذي اصبحت فيه السياسة علم العلوم وهي تضم مختلف الاختصاصات العلمية والانسانية والاجتماعية من جهة , وتستهدف تعزيز مرتكزات الحاضر و رسم تضاريس المستقبل وملامحه من جهة اخرى , وفق ستراتيجيات مرنة قادرة على التعامل مع كل المستجدات المتوقعة منها والمفاجئة ,  والاحاطة بها وتطويع المتغيرات  في الاوضاع الدولية بالاخص المتفجرة منها والخطيرة واحتوائها ,   وتوفير  ما يمكن  توفيره من ضمانات صيانة البلاد وحماية العباد من مختلف البراكين والاعاصير والهزات الاقتصادية والسياسية والعسكرية  الاجتماعية العنيفة , وهي بذلك تحولت الى تركيبة علمية متمازجة من الخبرات المتراكمة والاختصاصات المختلفة   والكفاءات والابداع والقدرة على القراءة الدقيقة للاحداث وتوقع اتجاهاتها وردود افعالها وتأشير افتراضات دخول تأثيرات جديدة في ساحة الصراع , كل ذلك في اطار من المرونة الدبلوماسية والقدرة على المناورة وقراءة اوراق الاطراف الاخرى ورسم مسارات الحسم بما يمنح الجهة المعنية جدارة الامساك بقوة بمفاتيح الصراع وادارته بكفاءة علمية متمازجة مع التراكم الخبراتي والمعلوماتي لتحقيق حزمة الاهداف المطلوبة , الا ان (علم السياسة وادارة الازمات) في الدول النائمة والغافية واللاهية والمتثائبة والمتوسلة والمتسولة , ما يزال أسير عقد المواقف الشخصية والاجتهادات الأمية والافتراضات غير الواقعية وافرازات الانفعالات  الانية والمبادرات العشوائية مما قاد ويقود هذه الدول الى المزيد من الهفوات والازمات والمشاكل والانتكاسات و المزيد من الصراعات والتراجعات في عالم سريع المتغيرات يحث الخطى الى الامام بسرعة مذهلة .

      في ضوء ذلك فان من يتحمل المسؤولية المباشرة عن مثل هذه الازمات  وافرازاتها في هذه الدول الغافية واللاهية هم  القادة والسياسيون اولا الذين لم يحسنوا اختيار خبراءهم ومستشاريهم , ومن ثم الخبراء والمستشارين انفسهم , الذين ربما لا يملك بعضهم ابسط المؤهلات  الدراسية او الخبرات العلمية  واتجاهات الافرازات الدولية  ولا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بالعلوم السياسية ولا بقواعد العلاقات الدبلوماسية ولا بفنون مواجهة الصراعات واحتواء التوترات وادارة الازمات .
       فبعضهم ربما لا يحفظ سطرا واحدا من ميثاق الامم المتحدة , لكنه يحفظ ملحمة (بـــوس الــــــواوا) بكل  تفاصيلها الجسدية المثيرة , واخرون لا علاقة لهم بالقانون الدولي لكنهم على علاقة وثيقة بمأثرة (كبد كبد ..كبدبد ..فدوة اروح الهالخد ) , واخرون لا يفرقون بين شخصيتي بان كي مون , وكوفي عنان لكنهم يملكون فراسة وخبرة فنية عجيبة غريبة في التعرف على الفنانات دون النظر لوجوههن من خلال تفحصهم الدقيق لتضاريس اجسادهن المثيرة  ,  وتبعا لذلك ربما لا تجد  في قواميس بعضهم الا اقذر مفردات الشتائم المعدة بعناية للاعداء والخصوم السياسيين , وابلغ تعابير المديح والثناء  للقادة والمسؤولين .

       ان وجود انصاف الاميين , وانصاف الكفوئين , وانصاف المثقفين , وانصاف المؤهلين , وانصاف المتمرسين , من وعاظ ومداحي السلاطين كخبراء ومستشارين , لانهم من اخوة واقارب واصدقاء ورفاق المسؤولين , في دول العالم الثالث والرابع والخامس والعاشر بحظها العاثر , قاد وسيقود الى العديد والمزيد من  المصائب والمصاعب  و الازمات  والصراعات والمشاكل والتحديات , لانهم يشعلون الحرائق بدل اطفائها ويزيدون المشاكل تعقيدا بدل حلحلتها , ويصعدون المواجهات بدل احتوائها , ويعززون اقدام مرؤوسيهم على الاخطاء بدل نصحهم بالعدول عنها , ولا يملكون الا الاشادة والتصفيق والمديح والهتاف والثناء  لكل خطوة ولكل بادرة ولكل اجراء ولكل خطاب ولكل موقف ولكل كلمة ولكل حرف يتفوه به المسؤول المعني حتى لو كان ذلك يقود الى كوارث وطنية مصيرية .

      بل ان بعضهم يذهب الى ابعد من ذلك في تبني  افكار ومواقف وهفوات واخطاء واجتهادات وخطايا وعقد المسؤول المعني وفلسفتها والدفاع عنها وشن حروب اعلامية وسياسية ضد الجهات الاخرى وتعقيد الاوضاع بدل حلها واشعال الخلافات بدل محاصرتها ودفع الاوضاع الى حافة الهاوية بدل احتوائها وتسويق  الشتائم والاتهامات والتجريح والاساءات بدل تغليب اللغة الدبلوماسية والمصالح الوطنية وتقريب وجهات النظر السياسية .

ان مراجعة منهجية محايدة لمسيرة الازمات والاحتقانات والصدامات والخلافات في هذه الدول النائمة والعائمة , سيقود بالتأكيد الى السبب الوحيد والاكيد لهذه الازمات ممثلا في ضلوع بعض (وعــــــاظ الســـــــلاطين) من الخبراء والمستشارين من انصاف الاميين وانصاف الكفوئين بمعظم ازمات السياسيين والمسؤولين , كما ان هذه المراجعة ربما ستكشف حقائق ماساوية مذهلة عن حجم الفساد بين هذه الفئة (المنتقاة) , وربما سنجد مستشارا  بدون مؤهلات يقدم (استشاراتـــــه العبقريـــــــة) لواحدة من ابرز القيادات السياسية , وربما سنجد راسبا في الدراسة الاعدادية يعمل ممثلا (رفيــــــعا)  لبلاده  في ارفع  المنظمات الدولية , وربما سنجد احد مزوري الشهادات  الجامعية يعمل (خبيــــــرا ستراتيجـــــــيا)  باحدى الدوائر الحيوية  .

اخيرا فان معظم الكوارث والماسي والمصائب والازمات ليست في اخطاء الرؤساء والسياسيين , انما الكوارث تكمن في وعاظ السلاطين .



ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة