رد عل مقال: هل كان يسوع المسيح أشوريا؟ / لين برخو

بدء بواسطة matoka, مارس 22, 2012, 05:48:01 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

رد عل مقال: هل كان يسوع المسيح أشوريا؟



ليون برخو
جامعة ينشوبنك – السويد

رد بعض الأخوة بمقالات مطولة على ما أثرته عن أهمية اللغة (رابط 1) في تحديد الهوية القومية. وهنا أخص بالذكر السيد تيري بطرس (رابط 2) والسيد أبرم شبيرا (رابط 3) رغم أن مقال السيد شبيرا لم يذكر بالإسم موقفي من نظرية اللغة التي يستند عليها الدكتور سوسة حيث ينسب من خلالها أصولنا إلى الجذور اليهودية في العراق.
وقبل أن أناقش المقالين اود اولا أن أشكر الكاتبين وأثني على خطابهما الذي إبتعد عن الشخصنة والمباشرة او إستخدام كلمات او عبارات في غير محلها كما يفعل بعض الزملاء الأخرين من المختصين بالخطاب الهابط والعبارات غير الائقة. إننا بحاجة إلى خطاب يرقى إلى ما كتبه الزميلين تيري بطرس وأبرم شبيرا، أي ان نخاطب بعضنا بكل إحترام وان نبقي خلافاتنا على المستوى الفكري حصرا. وفي نفس الوقت اود تذكير السيد تيري بطرس أنني لم أرى اي رابط  بين عنوان مقاله وما أتى في متنه. العنوان عادة يلخص المقال. أقتبسه هنا فقط كي أسترعي إنتباه القراء أنني أناقش ما ورد في هذا المقال وليس العنوان.

أطر النقاش
في كل نقاش علمي علينا دائما أن نحدد نطاق النقاش ونضع بعض الحدود الفكرية له. ومن وجهة نظري فإن حدود نقاشنا هذا تتعلق بنظرية علمية لغوية نستخدمها للإستدلال على هوية قوم ما. أي نحن لسنا في خضم مناقشة الدكتور سوسة وخصوصية حياته. نحن في خضم مناقشة نظرية لغوية علمية.
ولهذا لنخرج الدكتور سوسة وخياره العقائدي والديني جانبا. ليس من الحكمة أن نهاجمه بكل هذه العبارات السلبية فقط لأنه إختار دينا معينا. هذا لا يجوز. إثارة هذه الأمور لدحض نظرية علمية بحتة لا مكانة له في حقل العلم والمعرفة. هل كنا سنهاجم وبهذه اللغة القاسية إختيار الدكتور سوسة لو أنه كان قد أيد ما وضعنا أنفسنا فيه من أفكار ومعتقدات بخصوص جذورنا التاريخة؟ لو كان الدكتور سوسة قال اننا حقا أحفاد الأشوريين لكان الكتاب من المكون الأشوري لشعبنا جعلوا منه أية! ولو كان الدكتور سوسة أيد وجهة نظر المكون الكلداني لكان الكتاب من هذا المكون جعلوا منه أية ووضعوا مسألة إشهار إسلامه جانبا ولم يكترثوا لها ابدا. في العلم والأكاديميا نحن لا نكترث البتة لدين او ايديولوجة او عقيدة الباحث. نناقش  مدى صحة نظريته والفرضية التي  يستند عليها والتجريب الذي يستخدمه للوصل للبرهان بغض النظر عن خياراته الشخصية.

بين سوسة وماركس والمؤسسة الكنسية
كارل ماركس منظر الشيوعية لايؤمن بالخالق ونظرته اممية (يرى في المفهوم القومي ضررا بالغا على البشرية) ويهاجم الدين لاسيما المؤسسة الكنسية ويصفها بأفيون الشعوب. ولكنني كباحث أشجع طلبتي على دراسة ماركس والعلماء الذين إستوعبوا فكره وشرحوه لنا وقربوه إلى واقعنا لأن فلسفة ماركس، رغم إلحاده، تفسر لنا حياتنا العصرية لا سيما دور السلطة والمؤسسة أفضل بكثير من أي كتاب سماوي او مقدس. ولهذا أطلب من طلبتي قراءة هذه الفلسفة وليس الإنجيل او الكتاب المقدس رغم كوني مسيحي وشماس. لا يجوز أن أحكم على شخص ما من خلال دينه وعقيدته وخياراته الشخصية.
وإلى قبل أيام قليلة ظهرت للعيان عبقرية ماركس في هجومه القاسي على المؤسسة الكنسية. ولا أعلم إن كان ابناء شعبنا على علم بفاتيليكس، الفضيحة الكنسية الأخيرة التي ترقى في بعض أركانها كما تقول الصحافة العالمية والإيطالية منها تحديدا إلى ما تقوم به عصابات المافيا، والتي ضربت المؤسسة الكنسية في روما (الفاتيكان) والتي لا زال الإعلام الدولي ينقل بعض تفاصيلها  وصارت مادة دسمة للدراسة الفلسفية التي تستد على الفكر النير لهذا الفيلسوف (رابط 4).
إذا لنضع الأمور الشخصية البحتة التي تخص الدكتور سوسة جانبا ولندرس من ناحية علمية وأكاديمية بحتة النظرية اللغوية التي يستند عليها لتحديد هوية قوم ما. ولهذا فإنني سأتجنب التطرق إلى كل الأمور الجانبية التي لا علاقة لها بالنظرية هذه لأنها تقع خارج خانة ما نحن بصدد مناقشته. وهنا أعود وأقول ان كل ما قرأته لتفنيد هذه النظرية إن كان من قبل الكاتب تيري بطرس او الكاتب أبرم شبيرا أو أخرين يبرهن بالدليل القاطع ان النظرية صحيحة لا غبار عليها.

وجهة نظرنا وموقف العلم
لا يجوز ان نقول ان هذه النظرية او هذا القول غير صحيح لأنه حسب وجهة نظرنا غير منطقي وغير عقلاني. ما هو غير منطقي وغير عقلاني هو الذي يعارض النظريات العلمية التي جرى البرهنة عليها من خلال التجربة والبحث. كان العقل والمنطق حسب ملايين البشر وحسب الكنيسة وأقوال الكتاب المقدس يقول أن الشمس تدور حول الأرض. عندما أتي  غاليلو وبرهن العكس من خلال العلم والتجربة إنهال الناس والكنيسة عليه وكادوا يقتلونه.  ماذا نقول اليوم. اليوم كلنا نقول أن الأرض تدور والشمس ثابتة رغم ان الكتاب المقدس يقول عكس ذلك.
هناك نقطة يثيرها الكاتبان وهي في غاية الأهمية. الإثنان يقولان أن ما يتحدثان به لا يقع ضمن إختصاصهما. هذا إعتراف نادرا ما نحصل عليه من قبل كتاب شعبنا.  بيد أنهما من ناحية أخرى يتحدثان في أمور ليست من إختصاصهما وكأنها مسلمات. الإختصاص في غاية الأهمية عند التحدث في شؤون علمية. وأنا أرى أن شعبنا بمكوناته المختلفة  إسميا ومذهبيا جرى إختطافه من قبل الذين يتحدثون في غير إختصاصهم. وهذا حدث لدى حضوري الندوة التي عقدها المطران سرهد جمو بصفتة زعيم النهضة الكلدانية ونائبه القس في السويد. الإثنان حتى لم يعترفا بأن ما يتدحدثان به لا يقع ضمن إختصاصهما بل ذهبا بعيدا في حديثهما وأتيا بما لم ينزل الله به من سلطان في شؤون تخص تاريخ ولغة وهوية شعبنا.

مقارنات
علاقتنا حسب النظرية اللغوية والتي  يستند عليها الدكتور سوسة مع الشعوب التي ندعي إنتسابنا إليها تختلف كثيرا عن علاقة الإنكليزي واليوناني والإيطلي والعربي والكردي والتركي وغيرهم من الأمم بجذورهم. المثقف اليوناني بإستطاعته قراءة اللغة الكلاسيكية اليونانية حتى التي كانت سائدة في عهد إسكندر المقدوني لأن لغته الحالية لهجة من تلك اللغة. والإيطالية الحديثة قريبة جدا من الاتينية، أي أن استاذ اللغة الإيطالية بإمكانه فهم وقراءة النصوص اللاتينية. وأنا، كون أحد إختصاصاتي اللغة الإنكليزية، فإنني أقراء بطلاقة شكسبير لا بل أقدم  نص إنكليزي ورد إلينا. اللغة  الإنكليزية الحديثة لهجة تطورت من لغة شكسبير. وهذا ينطبق على السريانية التي أكتبها واتحدثها بطلاقة حيث بإمكاني قراءة أقدم النصوص المكتوبة بهذه اللغة وكذلك العربية حيث بإمكاني قراءة سجع الكهان وهو من أقدم النصوص المكتوبة بهذه اللغة.
ولكنني ورغم إتقاني للسريانية فإنني كما قلت "مثل الأطرش بالزفة" عند وقوفي أمام نص مكتوب باللغة الأكدية الحديثة، لغة الأقوام  التي ندعي الإنتساب إليها. وقد  حاولت مرارا فهم جملة واحدة مما نقله علماء الأثار وكتبوه  بصورة صوتية بالإنكليزية ولم أفلح. هل تعلمون لماذا؟ لأن لغتنا السريانية ليست لهجة من لهجات الأكدية.  اللغة السريانيةـ لغتنا القومية- مستقلة عن الأكدية شأنها شأن العربية وقد تكون العربية أقرب إلى الأكدية من السريانية.
ولهذا تدرس الأكدية اليوم كلغة من لغات الأقوام القديمة من أشورية وكلدانية وأكدية وسومرية وأمورية وكيشية وميدية وحثية وساسانية وغيرها ضمن علم الأشوريات والذي يضم كل المعارف واللغات والفنون والتواريخ والأعلام والأديان والميثولوجيات التي كانت سائدة في الشرق الأدنى. وأستاذ الأكدية لا علاقة له بأستاذ اللغة السريانية. هاتان لغتان مستقلتان عن بعضهما وعلاقتهما لا تتجاوز كونهما من السلالة اللغوية السامية كما هو شأن العربية والحبشية والفينيقية والعبرية وغيرها من اللغات السامية.

نظرية الأسماء
والدكتور سوسة يستند على نظرية الأسماء أيضا وهو محق في ذلك إستنادا إلى ما كان متداول لدى كل الشعوب الأخرى التي إعتنقت ديانات جديدة حيث لم تنسى او تغادر الأسماء النابعة من هويتها اللغوية والثقافية والقومية بينما نحن لم يبقى لنا أثر تقريبا من أسماء الأقوام التي ندعي الإنتساب إليها. وتاريخنا الكتابي أقدم وأغزر تاريخ في الشرق الأدنى  إلا أنه عكس التاريخ الكتابي لكل الأمم الأخرى يتجاهل ذكر الشعوب التي ندعي الإنتساب إليها اللهم إلا مفردة هنا وهناك وهذه المفردة ترد ضمن سياق عام كما ترد مئات المفردات الأخرى رغم ان الكثير من ابناء شعبنا يبني عليها الأمال والقصور كما يفعل بعض الكلدان لورود كلمة "الكلدانيون" اليتيمة في طقسنا المشرقي. للتحقق من أمر كهذا نحتاج إلى كم هائل من الأدلة وسنوات من البحث العلمي يشترك فيه أساتذة كبار في إختصاصهم ولا يعتد بأي نتيجة مالم تختبر من قبل أساتذة وعلماء محايدين.
واليوم أدخلنا في حياتنا كثيرا من المفاهيم التي كانت سائدة لدى الشعوب السحيقة في القدم التي لم تتحدث لغتنا. خذ مثلا الصراع العقيم على أكيتو. أعطوني دليلا واحدا على ذكر هذا الإسم في تراثنا الكتابي بلغتنا القومية؟ والإسم ذاته ليس سريانيا لا هو ولا جذوره اللغوية؟ والتاريخ الذي نحتفل به اليوم لا مكانة ولا ذكر له في تاريخنا الكتابي. السؤال المنطقي هو لماذا لم يغادر الأكراد  او الفرس  اوالطليان اوالألمان اوالإنكليز وكل الأقوام الأخرى مناسباتهم الوطنية رغم قبولهم لأديان جديدة بينما تراثنا الكتابي لم يكترث لها البتة؟ أكيتو اوجدناه نحن مؤخرا وأخرجناه بصيغتين مختلفتين، صيغة أشورية وصيغة كلدانية، رغم عدم وجود علاقة وجدانية (لغوية وثقافية) بيننا وبينه. والصيغتان لا تنبعان من إرثنا السرياني بل هما جزءا من المفاهيم الجديدة التي نتصور، لكوننا لسنا أصحاب إختصاص، انها ذات علاقة مباشرة بأصولنا، وهذا ليس صحيح.

لنستأنس باراء العلماء
وأنا هنا لا أتحدث عن التسمية ولا علاقة لي بمذهب ودين الدكتور سوسة. هذه لا تغيرشيئا فيما نحن بصدد مناقشته. وبما أننا لسنا من أصحاب الإختصاص لنسأل أصحاب الإختصاص ولنضع ليون برخو خارج قوس الإختصاص. في كل ما قراءته حتى الأن من هجوم على هذه النظرية لم الحظ ان الكاتب إقتبس او إستند على عالم اوأكاديمي او بحث علمي منشور في دورية علمية تصدرها جامعة رصينة. شخصيا لم أقرأ أي بحث علمي يقول ان لغتنا السريانية هي سليلة الأكدية مثل ماهي اليونانية الحديثة سليلة اليونانية الكلاسيكية والإنكليزية الحديثة سليلة الإنكليزية القديمة وهذا ينطبق على العلاقة الحديثة والقديمة  بين لغات العالم. وجود تقارب في مفردات محددة في لغة ما مع لغة أخرى هذا لا يعني ان الواحدة مشتقة من الأخرى كما يفعل بعض الزملاء عند البرهنة على ما يرونه انه المنطق والعقل. مسألة ان تكون هذه اللغة لهجة مطورة من لغة أخرى، مثل الإنكليزية  الحديثة والقديمة، او كما يدعي السيد تيري بطرس والسيد ابرم شبيرا أن السريانية مشتقة او لهجة مطورة من الأكدية الحديثة  لها شروط علمية وبحثية تقصيها يحتاج إلى سنين من الدراسة الأكاديمية. وفي الحقيقة هناك دراسات أكاديمية كثيرة في هذا المضمار وهي متوفرة وتنفي كون السريانية لهجة من لهجات الأكدية الحديثة وإن كان في حوزة أي كاتب من كتاب شعبنا دليل علمي في دورية علمية معتمدة او كتاب علمي صادر عن جامعة راقية يفند ما أقوله فإنني على  إستعداد لأخذه في عين الإعتبار لأن العلم والأكاديمية علمتنا أن ما نملكه من معلومات ومعرفة يمكن للأخرين من العلماء تجاوزه من خلال أبحاث تستند على نظرية علمية جديدة جرى البرهنة عليها من خلال التجربة وجرى تقيمها من قبل علماء لهم شأن وباع في الإختصاص هذا قبل أن يتم نشر النظرية في مجلة علمية رصينة. وغير ذلك يبقى ما نقوله مجرد خيال وتمني وفرضيات لا أساس علمي لها ويكون مثلنا مثل الذين سجنوا غاليلو ودانوا لا بل كفروا ماركس وظهر أن ماركس أفهم  منهم بقدر تعلق الأمر بتقاصيل وخفايا السلطة والمؤسسات إن كانت دينية او دنيوية.

كلمة أخيرة
ودعني أختم هذا المقال بالإشادة بما أتي به السيد تيري بطرس لا سيما بعض المفاهيم عن اللغة وعن الخلافات بيننا، نحن ابناء وبنات شعب واحد. أنا اقف إلى جانبه في مسألة أهمية اللغة وهنا لا بد من الإشادة بما قدمه المكون الأشوري لشعبنا في هذا المجال. يكفي الأشوريين فخرا أنهم يولون لغتنا السريانية أهمية كبيرة ومن بين مكونات شعبنا برز الأشوريون اليوم هم وكنائسهم كحماة لهذه اللغة يفدونها بأرواحهم عكسنا تماما نحن الكلدان حيث أننا همشنا أنفسنا بأنفسنا من خلال تهميش لغتنا السريانية وقمنا بذلك طوعا عندما قبلنا لا بل فرضنا على انفسنا التعريب في شتى مناح الحياة. وما الاحظه الأن ان هناك عودة وبقوة للغة السريانية حتى من قبل المكون السرياني لاسيما الماروني منه. حتى السريان الكاثوليك بدأوا بالعودة إلى لغتنا الجميلة وأخر قداس للسريان الكاثوليك حضرته في السويد كان أغلبه بلغتنا السريانية. اما أشقاؤنا من السريان الأرثذوكس فمعالم النهضة اللغوية واضحة لديهم وأمل ان الأحداث في سوريا ستنتهي وشعبنا السرياني هناك قد حصل على حقوقه الثقافية واللغوية وعلى حد علمي فإن الكنيسة السريانية الأرثذوكسية وأحزاب وتجمعات أشقائنا السريان هناك تعمل بجد ودون كلل لإعلاء شأن  ثقافتنا ولغتنا السريانية. وبينما تعود كل مكونات شعبنا إلى لغتها القومية أرى أننا نحن الكلدان نبتعد عنها أكثر فأكثر. النهضة الحقيقية لأي شعب كان لا تتحقق إن لم تنهض لغته القومية معه. في هذاه النقطة أرفع القبعة لإشقائنا الأشوريين.










ورد الينا المقال عبر بريد الموقع

Matty AL Mache