مجزرة الإيمو تتجاوز الحدود وتخترق صميم المجتمع المدمر

بدء بواسطة د.عبد الاحد متي دنحا, مارس 20, 2012, 08:13:30 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

د.عبد الاحد متي دنحا

مجزرة الإيمو تتجاوز الحدود وتخترق صميم المجتمع المدمر

بتاريخ : الثلاثاء 20-03-2012 09:36 صباحا
 عن: الغارديان البريطانية
إن حملة القتل، التي تستهدف النساء والرجال والأطفال، تجسّد جنون العظمة المروّع الشائع في العراق.
لدى حسن –اسمه المستعار– فرقة موسيقية تضم اثنين من أصدقائه. موسيقاهم الصاخبة تمثل التمرد، وفي العراق هناك الكثير من التمرد ضد الاجتياح الأميركي والفقر وتسلط الآباء مما يدفع المراهقين إلى الغضب.

  أنتجت فرقة حسن ألبوما لم يشتره احد، فالأغاني شيطانية كما يقول الناس وكذلك مظهر الفرقة. قبل خمسة أيام تعرض أصدقاء حسن إلى القتل في الشارع بينما بقي حسن مختبئا ويخشى التحدث مع احد "لماذا يفعلون هذا بنا؟". موجة قتل جديدة تهز العراق، والمستهدفون فيها هم "الايمو".. أولئك المراهقون الذين يقلدون الهوية الغربية ويرتدون الملابس الضيقة مع تسريحات شعر غريبة.

منذ العام الماضي بدأت المساجد ووسائل الإعلام تحذر من سوء السلوك الأخلاقي للمراهقين، وأطلقت على الايمو اسم المنحرفين وعبدة الشيطان.  وفي بداية شباط بدأت جماعات مجهولة بقتل هؤلاء المراهقين. شمل القتل الفتيان الذين يبدون كالإناث في مظهرهم وشعورهم الطويلة، وفتيات يرسمن الوشم على أجسادهن ويلبسن الحلي الغريبة. يتلذذ القتلة بتهشيم رؤوس ضحاياهم بقطع البلوك. عدد القتلى مازال غير معروف كما أن القاتل مازال مجهولا. معظم حالات القتل حصلت شرق بغداد، ولم تتبن أية جهة مسؤوليتها عن أعمال القتل. في شباط الماضي أصدرت وزارة الداخلية تصريحين أعلنت في الأول موافقتها الرسمية على "تصفية عبدة الشيطان"، وأعلنت في الثاني بدء حملة على المحال التي تبيع أزياء الايمو. توحي لهجة التصريحين بأن الوزارة تحرض على العنف على اقل تقدير. من المحتمل أن تكون بعض عناصر الشرطة المنتمية للمليشيات قد شاركت في أعمال القتل.
من المنطقي مقارنة هذا الفعل مع الحملة التي شنتها المليشيات ضد المثليين عام 2009 حيث فقد الكثير من الرجال حياتهم في حينها. إلا أن هناك اختلافاً بين الحملتين، فحملة القتل الحالية تستهدف النساء إضافة إلى الرجال والأطفال أيضاً. ليس من الصواب أن نقول إن الإيمو هو اسم بديل للشاذين جنسيا في العراق، بل إن سوء الأخلاق وتأثير الغرب والانحطاط والكفر قد تجمعت في خليط سائب غير محدد المعالم يشكل الايمو والشاذون جنسيا جزءا منه. لا احد يهتم بالتمييز بين هذه المفاهيم وخاصة القتلة، فكل ما يهمهم هو إن كل هذه الأشكال سيئة.
قتل الأطفال يعتبر سلوكا وحشيا، لكن مع ذلك فأن جنون العظمة شائع بشكل يبعث على الكآبة. قبل أربعين عاما، قام عالم الاجتماع ستانلي كوهين بتطوير مفهوم "الفزع الأخلاقي" حيث يقول إن الفزع هو: لحظات ينمو فيها التغيير الاجتماعي بشكل كبير لدرجة لا يمكن مواجهته فيها أو حتى وصفه، حيث يستخدم الرأي العام مصطلح "شياطين الشعب" ليقصد به الميول غير المرغوب فيها. مع ذلك فان انحراف الشباب هو الفكرة السائدة عن الكثير من أنواع الفزع. الأطفال لا يرمزون للتغيير الاجتماعي فحسب، وإنما هم التغيير بحد ذاته، يجسدون المستقبل الذي لا يمكن السيطرة عليه. رؤى مغامراتهم الخارجة عن السيطرة تلخص التحولات في المجتمعات والاقتصاد والتي ليس بالإمكان مقاومتها، السريعة التي لا يمكن استيعابها. بالإضافة إلى ذلك فأن ظاهرة الايمو تضيف تطورا آخرا هو نوع الجنس. كل ما في الأمر إن المسألة تتعلق بفتيان يظهرون ضعفا بأسلوب غير رجولي وفتيات يتخذن آراء ومواقف عنيفة غير أنثوية.
في الحقيقة إن الفزع الأخلاقي بشأن الإيمو ونوع الجنس والثقافة قد تضاعف في السنوات الأخيرة. حيث ناقشت روسيا قانونا يمنع ملابس الايمو عام 2008، وشهدت المكسيك أعمال شغب ضد الايمو في العام نفسه، واعتقلت السعودية فتيات من الايمو عام 2010 بتهمة "تقليد الرجال". الأكثر من ذلك إن الدول المجاورة للعراق في الخليج العربي –الكويت والبحرين والإمارات – قد منعت ارتداء النساء الملابس الرجالية أو تشبّه الرجال بالنساء في ملابسهم. أما العراق فانه مجتمع مدمر يعاني عملية سياسية مهشمة وشعبا منقسما، مر بصدمات عنيفة ولا يستطيع السيطرة على مصيره المشترك. موت واختفاء آلاف البشر يعيد صياغة الأدوار بين الجنسين، تدفق السلع الاستهلاكية والثقافات الخارجية قد غيرت القيم. كل ذلك جعل العراق مستعدا لتكرار الفزع الأخلاقي والتضحية بالمجموعات التي يعتبرها هامشية. هذا القلق سبق أن شهدته مجتمعات أخرى منها المملكة المتحدة، إلا أن الفزع في العراق يحمل سلاحا.
هناك أمل وحيد. لقد دعا السياسيون، بضمنهم أعضاء البرلمان العراقي، إلى إجراء تحقيق في جرائم القتل. ومع تصاعد الاهتمام الشعبي، فقد شجب السيد مقتدى الصدر والمرجع الأعلى السيد علي السيستاني هذه الجرائم. هذا الغضب العام يختلف عن الصمت الذي غطى على المجازر التي ارتكبت ضد المنحرفين عام 2009، مما يوحي بان تسمية هذه الجرائم بـ"قتل المنحرفين" ليس خطأ فحسب وإنما أيضا يعطي مردودا عكسيا. كان المنحرفون ضمن الضحايا، إلا أن المخاوف التي تؤجج العنف تذهب إلى ابعد من الشأن الجنسي. من الضروري أن يبدأ العراق بمناقشة الاختلاف. العراق بحاجة إلى مناقشة: لماذا جعل الرعب الآخرين يبدون غير محتملين، وعلى العراقيين أن يسألوا لماذا لا تركز السياسة على المشاكل والحلول وتركز بدلا من ذلك على الأعداء والمذنبين. هذه الأسئلة تصل إلى صميم مجتمع يعاني من الدمار. إن جثث الأطفال المقتولين تطالب ليس فقط بالعدالة وإنما بالإجابات.
 ترجمة المدى
لو إن كل إنسان زرع بذرة مثمرة لكانت البشرية بألف خير