كيف نحدد هويتنا القومية؟ رد على مقال السيد أخيقر يوخنا / ليون برخو

بدء بواسطة برطلي دوت نت, مارس 05, 2012, 08:12:06 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

كيف نحدد هويتنا القومية؟ رد على مقال السيد أخيقر يوخنا


ليون برخو
جامعة يونشوبنك – السويد

يثير السيد أخيقر يوخنا في مقاله الأخير (رابط 1) "قراءة في كتاب مهم وخطير يزعم بان أصولنا (يهودية)" مسائل مهمة للغاية ويترك أسئلة مصيرية تخص شعبنا دون جواب. وأود أن أسترعي إنتباه القراء الكرام ان كلمة (يهودية) لم يضعها السيد أخيقر في عنوانه ربما لحساسية الموضوع ولكنها وردت في متن المقال.

إنني أشكر السيد أخيقر على شجاعته في كتابة موضوع كهذا وأثني عليه. قرأت بعض ما كتبه الدكتور أحمد سوسة ولكن فاتني أن أقرأ كتابه القيم: "ملامح التاريخ القديم ليهود العراق" وهو حسب المؤرخين من أبدع ما كتبه وقد تمت ترجمته إلى عدة لغات.

سؤال مهم جدا

وما شجعني لكتابه هذا الرد هو ما جاء في الجملة التي يختتم بها السيد أخيقر مقاله حيث يقول: "وهل نستطيع دحض ما يطرح بعيدا عن الإنفعال والتهور او التعصب؟"

ودعني أضع السؤال المهم هذا بصيغة أخرى: "هل سيسمع شعبنا  ولو لمرة واحدة ما يقوله أصحاب الإختصاص إن أتى خارج الأطر الفكرية والإيديولوجية والعقائدية والمذهبية التي وضعنا أنفسنا فيها؟" لأن دحض ما أتى به شخص بقامة الدكتور أحمد سوسة ليس بالأمر الهين على الإطلاق. بصورة عامة مكونات شعبنا المختلفة تسمية ومذهبا لا تسمع لأهل الإختصاص إلا إن غنوا على ليلاهم.

الدليل اللغوي

من الخطأ ربط هوية قوم بما يتصورن أنه كان يوما ما أصلهم من سحيق الزمان دون سند علمي لا سيما إن كانت هناك شكوكا تارخية وثقافية ولغوية حوله. والدكتور سوسةيهودي الأصل ثم أسلم وهذا الأمر له مدلولات كبيرة سأتي عليها لاحقا ودليله وقياسه العلمي في طرحه هذا يستند على الدليل اللغوي. والدكتور سوسة ليس شخصا عاديا بل علامة. حصل على شهادة الدكتوراة بشرف وأمتياز من جامعة هوبنكز الأمريكية وهي واحدة من أرقى الجامعات في الدنيا ومقالاته وكتبه حصدت عدة جوائز عالمية وهي اليوم مصدرا علميا أساسيا ليس على مستوى العراق والشرق الأوسط بل عالميا في كل إختصاص كتب فيه لا سيما التاريخ.

والدليل اللغوي لتحديد هوية قوم – أي قوم كان–هو الركيزة الأهم لتحديد الأصل. لأن أصل وتاريخ أي قوم او شعب يمتد بمقدار ذاكرته التي حفظتها له لغته. وعندما يخسر فرد او شعب لغته ويتبنى لغة أخرى فإنه بهذا يخسر ذاكرته أي اصله وهويته ويتبنى هوية وأصل أصحاب اللغة التي إكتسبها. ومن هذا المنطلق تعمل الأمم الحية على الحفاظ على لغتها لأن اللغة هي الهوية وهي الأصل.

بين سوسة وويكرام

وعليه لا يجوز على الإطلاق وضع عالم بمكانة الدكتور سوسة وما كتبه من حيث المصداقية بنفس مستوى ما أتي به ويكرام في كتابه: "مهد البشرية." ويكرام قس درس اللاهوت وكان في بعثة ظاهرها تبشيري باطنها إستعماري وتتفق جميع المصادر تقريبا على عمله كمخبر للسلطات البريطانية ودوره السياسي والإستخباري في خدمة أسياده البريطانيين الذين خدعوا شعبنا لا غبار عليه. وويكرام ليس إلا رحالة وممثل لرئس أساقفة كانتبري للكنيسة الإنكليكانية الإنكليزية التي كانت،ولا زالت،تخضع لسلطة الأمبراطورية البريطانية ممثلة في الملك الذي هو رئس الكنيسة الأعلى.

ويكرام ليس عالما ولا أثاريا ولا باحث أكاديمي ومؤلفاته قصصية جلها حكايات ونوادرعن الأقوام التي زارها ومنهم الإيزيدية.فليس من الإنصاف والحكمة أن نمنح ما أتى به بخصوص شعبنا الأهمية التي يجب أن نمنحها للدكتور سوسة او اساتذة الجامعات من علماء ولغويين ومؤرخين أو ما يدور من شؤون علمية وتاريخية وثقافية تخص شعبنا في صفحات المجلات العلمية وأروقة الجامعات العالمية.

ومع ذلك صار ويكرام اليوم نبراسا لمكون معين من شعبنا وكأنه عالم زمانه كما صار مثلا العهد القديم من الكتاب المقدس الذي لا يعتد بكثير مما يحتويه من الناحية العلمية والتاريخية واللغوية نبراسا لمكون أخر إلى درجة أن بعضهم صار يذكر عدد المرات التي ترد مفردة معينة فيه للدلالة على طرحه.

وضع علامة مثل الدكتور سوسة بجانب ويكرام هو جزء من التهور والتعصب والإنفعال بعينه . ووضع ما أتى في العهد القديم بجانب ما يقوله علم الأثاروالتاريخ واللغة هو التهور والتعصب والإنفعال بعينه. والبحث عن مفردة واحدة وإقتباسها خارج سياقها التاريخي والعلمي كما نفعل عند التشبث الأعمى بتسمية معينة او مذهب معين هو التهور والتعصب والإنفعال بعينه.

كيف نحدد الهوية

أنا لن أحددموقفي مما أتى به الدكتور سوسة رغم انه هناك علماء بارزين يؤيدونه. ولكن من يقول أن الأصل الغارقفي القدم دون دليل لغوي متواصل هو هوية القوم؟ هوية قوم ما وتاريخه وإنتسابه وأصله تحددها لغته. ويبدأ الأصل وتحدد الهوية ضمن إطار الإرث الكتابي لذلك القوم.

الدكتور سوسة كان يهوديا وأسلم. اليوم صار فخرا للعروبة والإسلام. وأولاده وأحفاده سيصبحون جزءا لا يتجزاء من نسيج الثقافة واللغة العربية والإسلامية. فكيف لنا أن نتصور احفاد الدكتور سوسة بعد 2500 سنة من التعريب والأسلمة يدعون أنهم يهود او عبرانيون؟ ستكون هذه مفارقة تاريخية خارج نطاق الخيال الإنساني، ولكن عند بعض أفراد شعبنا مفارقة كهذه منطقية ومقبولة.

لنأخذ مثالا أخر. جبران خليل جبران كان هو وأجداده ذو ثقافة وهوية ولغة سريانية، شأنهم شأننا. ولكنه تعرب وصار اليوم علما من أعلام العروبة يتغنى الأطفال في المدارس العربية بأشعاره وقصيدته "أعطني الناي وغني" التي لحنها عبدالوهاب وغنتها فيروز صارت اليوم من أبدع ما أنتجت العروبة من شعر وموسيقى وغناء. وعندما ذهب إلى امريكا كتب رائعته الشهيرة "النبي" بالإنكليزية ومنذ ذلك الوقت صار علما من أعلام الأدب الإنكليزي الأمريكي حيث أقام له الكونغرس تمثالا وحديقة في واشنطن وصار "النبي" بمثابة الإنجيل لملايين الأمريكيين.

إذا هوية القوم تحددها لغتهم وما تحويه هذه اللغة من ثقافة وعلم وشعر وأدب وطقوس وأناشيد وغيره. أعرف ان كثيرا من أبناء شعبنا لن يقبل هذا الطرح والسبب معروف وواضح. هؤلاء غادروا كل ما له صلة بلغتهم وذاكرتها من تراث وثقافة وشعروأدب بعد ان عرّبوا أنفسهم بالمجان. ولهذا تراهم لا يعرفون إسم شاعر او كاتب واحد من بني قومهم وإن أنشدوا او رتلوا إستخدموا اللغة الجديدة أي الهوية او الأصل الجديد الذي تبنوه. ولأنهم لا دراية لهم بلغتهم ينسبون أنفسهم إلى أمم سحيقة في القدم لم تتحدث لغتهم ولا هم لهم دراية بذاكرة لغات تلك الأقوام.

كل الأقوام في الدنيا تتشبث بثقافتها من خلال لغتها وما حفظته لهم  من نصوص كتابية او شفهية كتب او قيلت بهذه اللغة. بمعنى أخر اصل القوم ينحدر من أصل لغتهم حتى وإن إكتسبوها حديثا. ولهذا صارت فيروز التي كانت من ابناء شعبنا نجمة الغناء العربي وليس السرياني.

من يأتي في المقدمة الإسم أم اللغة

نحن القوم الوحيد في الدنيا الذي يضع تسميته فوق لغته وثقافته وتاريخه وحضارته التي ينتمي إليها من خلال ما هو متوفر من إرث كتابي بإمكان مثقفيه إستيعابه. فالمثقف الكردي يستوعب أقدم ما كتب بلغته وكذلك الإنكليزي والتركي والفارسي وهلم جرا. نحن فقط ننظر إلى أصولنا خارج نطاق لغتنا وثقافتنا وأدبنا وأستيعابنا.

ليس المهم ما كان إسم أجدادنا قبل الاف السنين. هذا لا يحدد الهوية. ما يحددالهوية هو مقدار تشبثنا بلغتنا وما تحتويه من ثقافة وادب وشعر وعلم وأناشيد وأعلام. ما يحدد أصل الكرد اليوم هو تشبثهم الكبير بلغتهم وأشعارهم وثقافتهم وتقاليدهم التي إكتسبوها من أجدادهم. ولهذا لا يقبل الكردي ان ينشد جوق او يخطب إمام او سياسي بغير لغته القومية. واللغة والثقافة مشتركة بين مكونات الشعب الكردي المختلفة. البارزاني والطلباني والسورجي والهركي والزيباري وغيرهم لهم لغة مشتركة وثقافة وأدب مشترك وهم على إستعداد للقتال والشهادة من أجلها.

نحن صار البحث عن الأصل (التسمية) أهم من لغتنا وثقافتنا وأدبنا وشعرنا واناشيدنا. نحن الأن نتصارع ليس على الهوية بل نتصارع مثلما يتصارع البارزاني (عشائريا) مع الهركي او السورجي او كما يتصارع البهديناني مع السوراني. كل هؤلاء يتصارعون على السلطة والجاه والمالولكنهم متفقون على هويتهم وقوميتهم التي حفظتها لهم لغتهم.

ولهذا عندما سنحت الفرصة للكرد بعد سقوط نظام صدام حسين، أول عمل قاموا به كان رفع نير التعريب الذي كان قد أثقل كاهلهم كي يصبح بإمكانهم الشروع بنهضة شاملة . بعض مكونات شعبنا ومع الأسف الشديد تفعل العكس حيث صار التعريب هو الهوية وتهميش اللغة القومية جزء من الثقافة. ماذا كان سيكون موقف الأكراد لو ظل البارزانيون يعتمدون على الرحالة مثل ويكرام او على كتبهم المقدسة كما نفعل نحن مع العهد القديم لتحديد هويتهم؟ إن فعلوا ذلك فإنهم كانواسيخدمون عشائريتهم ومذهبيتهم وليس هويتهم. نحن منكبون على خدمة عشائريتنا ومذاهبنا وليس هويتنا.

مفهومنا للنهضة والهوية مفهوم بدائي

ولهذا ترى أنالبعض يعتقد ان النهضة والهوية القومية تحصل عندما يتم تثبيت وزير او مسؤول من التسمية(العشيرة) الفلانية وليس الأخرى. نحن اليوم في صراع عشائري وأنهكنا التعصب والتهور والإنفعال وإلا هل يعقل أن يعقد مؤتمر صحفي او ينشر بيان من كبار رجال ديننا للدفاع عن عشائريتا وليس عن هويتنا التي تكمن اولا وأخيرا في التخلص من الإستعمار اللغوي والثقافي الذي جلبناه على أنفسنا.

ولهذا أيضا،لأننا نبحث عن الأصل، صار كثير من أبناء شعبنا لا يكترث للتعريب وإستبدال ثقافته وطقسه وأناشيده ولغته – أي هويته – بالأجنبي لا بل صار البعض يحارب الهوية ويقدم عليها كل ما هو أجنبي لغويا، وطقسيا، وتراثيا وثقافيا. واليوم ونحن في معركة حامية الوطيس عن اصلناوضعنا فيها ليس ويكرام بل انصاف المثقفين وأشباه العلماء بمكانة ومستوى الدكتور احمد سوسة وغيره من المختصين والعباقرة.

ونحن ننتظر كي نبت في أصلنا (عشائريا) في نفس الوقت نخسر الهوية من خلال خسارة اللغة. وصار مثلنا مثل غودو في مسرحية صموئيل بيكت الشهيرة: "في انتظار غودو" حيث يظل رجلين يدعيان فلاديمير وأستراغون ينتظران  شخصا يدعى غودو وغودو لن يأتي.


رابط 1

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,563204.0.html


وصل الينا عبر بريد الموقع