تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

الموسيقى السريانيَّة

بدء بواسطة برطلي دوت نت, فبراير 28, 2012, 08:08:50 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

الموسيقى السريانيَّة


1- الترتيل عند السّريان : لقد تطرَّق بعض علماء السّريان إلى الموسيقى في كتاباتهم ولكن لم يصلنا كتابٌ مخصَّص للموسيقى، وما لدينا هو صفحات منثورة في كتب تطرّق مؤلِّفوها السّريان إلى هذا الباب. ويُعتبر العلاّمة ساويرا سابوخت (667+) أوّل مؤلّف سرياني تطرَّق إلى الموسيقى فكتب في رسالة وجهها إلى القس أيثالاها أسقف نينوى شرح فيها أصول الموسيقى.

وفي القرن التاسع للميلاد ظهر العالم السّرياني أنطون التكريتي(القرن التاسع)، وألَّف كتاباً بالسّريانيِّة بعنوان: ܪܗܺܝܛܪܽܘܬܐRhitroutho  أي معرفة الفصاحة (حوالي 400 صفحة) تضمَّن خمس مقالات. المقالة الأخيرة تناول فيها فنون الشعر والقافية، وقسَّمه إلى اثنيّ عشر قانوناً (1). في القانون العاشر زوَّدنا بمعلوماتٍ غنيَّة عن الشعر وأوزانه، ولماذا ومَن مِنَ الشعراء استعمل هذه الأوزان، وبعد البرهان السّادس عشر ذكر التكريتي وفا الآرامي ثمّ بيَّن كيف أنَّ مار أفرام (373+) ليدحض أفكار برديصان (222م) ألَّف أشعاراً وميامر ضمنها حقائق إيمانيَّة لتدخل إلى أفكار الشبيبة.

وأشار المطران مار ديونيسيوس يعقوب ابن الصليبي مطران آمد (1171+) في كتاب شرح القدّاس بأنَّ: على الشمامسة قبل أن يرتِّل الكاهن الإنجيل في القدَّاس الإلهي أن يعزفوا بالأبواق والأعواد إقتداء بأهالي المدن عندما يستقبلون الملوك والأمراء والولاة. وأشار ابن الصليبي نفسه في كتابه: الفصول العشرة إلى صناعة الألحان السّريانيَّة.

والعلاّمة مار غريغوريوس يوحنَّا ابن العبري مفريان المشرق (1286+) صاحب المؤلّفات اللاهوتيَّة والنسكيَّة والتاريخيَّة، خصَّص البابين الرَّابع والخامس من كتاب الإيثيقون للمزامير والتراتيل والألحان.

وذكر العلاَّمة يعقوب البرطلي(1241+) في كتابه: الكنوز أكثر من مرّةٍ بأنَّه ترك كتاباً في:الموسيقى البيعيّة، بحث فيه عن الأشعار والألحان الكنسيَّة وفنونها وناظميها وزمان دخولها إلى الكنيسة، وهو كتاب مفقود لم نجد له أثراً حتّى اليوم. وله فصل في كتابه: أبحاث المجادلات، تناول فيه البحث أيضاً عن الموسيقى.

ومن الذين أجادوا في الكتابة عن الألحان والموسيقى في العصور المتأخِّرة العلاَّمة البطريرك أفرام الأوَّل برصوم (1957+) الذي ضمن كتابه اللؤلؤ المنثور في الآداب والعلوم السّريانيَّة (2) مواضيع مختلفة منها: الطقوس الكنسيَّة، الموسيقى الكنسيَّة، كتب الليتورجيا خاصَّةً كتب الألحان البيعيَّة، ويُعتبر كتابه مرجعاً مهمّاً في هذه المواضيع.

1- استعمال الآلات الموسيقيَّة :

أمّا بخصوص استعمال الآلات الموسيقيَّة ومرافقتها للألحان، فلا نملك مصادر رصينة تتحدَّث عن هذا الموضوع. وربَّما يكون موقف كنيستنا مثل موقف بقيَّة الكنائس الشرقيَّة الأرثوذكسيَّة، إذ أنَّها لم تسمح للآلات الموسيقيَّة بمرافقة الألحان داخل الكنيسة. إِنَّ فكرة الموسيقى "المقدَّسة" غير موجودة أساساً في اللاهوت الأرثوذكسي، لأنَّ الموسيقى بحدِّ ذاتها "ليست مقدَّسة"، ولو أنَّه يمكن أن تكون "مكرَّسة". وعندما منعت الكنائس الأرثوذكسيَّة الآلات الموسيقيَّة بشكل مطلق برَّرت ذلك لسببين:

أ‌-     تأثيرها السيىء على القيم والأخلاق.

ب‌-ارتباطها بالاحتفالات الدينيَّة الوثنيَّة.

2- مار أفرام والألحان السّريانيَّة :

إنَّ الذي يردِّد على أفواه المهتمِّين بالألحان السّريانيَّة، ويرد في كتابات البعض من أُدبائنا في العصور المتأخِّرة، من أنَّ: مار أفرام هو الذي أدخل الألحان إلى الكنيسة السّريانيَّة، هذه النظريَّة وردت في الأساس على لسان العلاَّمة أنطون التكريتي الذي سجَّل في كتابه: معرفة الفصاحة ما يلي:

إنَّ الذي دعا مار أفرام إلى نظم الأغاني الروحيَّة والميامر هو أنَّ برديصان كان قد نظَّم أغاني وقعها على لحون لذيذة ضمنها أقوالاً تفسد المعتقد القويم والأخلاق فعلقت بأذهان الشبَّان السذج، فجاء مار أفرام بالأغاني النقيَّة القدسية فتغلَّبت عليها.

وذكر العلاَّمة التكريتي نفسه في كتابه: معرفة الفصاحة من أنَّ: البحر الخامس في الشعر هو المؤلَّف من أوزان سداسيَّة وسباعيَّة تزيد أحياناً وتنقص وهو لرجل يُقال له وفا من فلاسفة الآراميّين، ونظّم الشعر الذي عالجه هذا المغمور اسمه أجيال عديدة، دليل على قدم هذه الصناعة عندنا. وقد أورد هذا العلاَّمة بيتاً له، تجوز في وزنه مراعاة للحن، نقله إلى العربيَّة العلاَّمة البطريرك أفرام برصوم كما يلي:

ܬܚܘܝܬܐ ܡܪܟܒܬܐ ܗܝ ܕܡܢ ܘܰܦܰܐ ܩܕܡܝܐ ܕܪܝܫ ܡܐܡܪܗ܆ ܘܦܐ ܐܢܐ ܕܫܪ̈ܫܝܬܗ. ܕܦܣܩ ܘܫܕܐ ܥܩ̈ܬܗ. ܣܡܟ ܘܡܩܝܡ ܠܒܗ. ܡܢ ܟܪܝܘܬܐ ܘܡܢ ܥܩ̈ܬܐ. ܘܡܢ ܥܝ̈ܛܐ ܘܡܢ ܒܝ̈ܫܬܐ. ܕܠܒܐ ܕܐ̱ܢܫܐ ܬܒܪܝܢ ܓܒܪܐ ܕܰܣܓܝ ܥܝܛܗ ܒܝ̈ܫܬܗ ܠܐ ܫ̈ܠܡܢ܀

أنا وفا الكريم المناسب الذي سرى عن نفسه الهم وأطرح كروبه، إنَّه يسند قلبه مسرحاً عنه الحزن والكآبة، ونزوات الغيظ والغموم التي تكسر قلوب النَّاس لأنَّ من كثرة غيظه تضيفته البلايا أبداً. وقال التكريتي بأنَّ هذا الشعر معمول على نمط الأغاني الحبية التي تعود صاغة اللحون الحربيَّة وناظمو النشائد الغزليَّة للأعراس مزاولتها.

3- أسباب استعمال الألحان :

لم نجد الأسباب التي من أجلها دخلت الألحان إلى الكنيسة فلم نجد شرحاً وافياً لها أكثر ممَّا ذكره العلاَّمة ابن العبري في كتاب: الإيثيقون وننقل كلماته كما وردت في الترجمة العربيَّة لهذا الكتاب:

إنَّني أعرف سببين اثنين: من أجلهما وافق الآباء القدِّيسون على ترتيل التسابيح الروحيَّة في الكنيسة المقدَّسة.

السبب الأوَّل: إنَّ النغمة بعذوبتها تخفِّف من وطأة الأتعاب النسكيَّة، وتلهي النَّاسك فينسى الشعور بالوقت والملل، وإذا عدم الإنسان الشعور بالوقت والملل يعدم أيضاً الشعور بشدَّة وطأتها وأعبائهما، وهذا الهدف يظهر واضحاً في الأطفال الذين إذا آلمهم شيء يلوذون بالبكاء وإذا ما ناغتهم الأم بألحانها أنستهم ما كانوا يتألَّمون منه فتهدأ فيهم سورة البكاء، ولا شكَّ أنَّ اللّحن يؤثِّر أيضاً في الحيوانات فهذه الجمال مثلاً يقودها الحادي بألحانه، وعلى ظهورها أحمال ثقيلة تخفِّف عذوبة اللَّحن البسيط وطأتها، فتقطع المسافات البعيدة ولا تشعر بالجوع أو العطش أو الإعياء.

والسبب الثاني: أنَّ اللَّحن يؤدِّي إلى زيادة تفهم المعاني الكامنة في التسابيح الروحيَّة، وذلك على وجهين، الأوَّل: أنَّ نظام الكلمة المرافق للنغمة يغطِّي امتداد الأبيات وطول الوقت، ويفسح مجالاً أوسع للعقل لإدراك المعنى وتفهمه، والثاني: أنّ الكلمة التي تلفظ بعذوبة موسيقيَّة تكون أفعل في النفس وأحبها إليها. ولذلك تخشع النفس مستأنسَّة ويضطرم شوقها إلى الله مستغرقةً في تأمُّلاتها.

4- برديصان والأناشيد السّريانيَّة:

ونُشير إلى أهمِّ الآباء والعلماء الذين أدخلوا الأناشيد والتسابيح والتراتيل إلى الكنيسة. أوَّلهم الفيلسوف السّرياني برديصان الرّهاوي ܒܪܕܝܨܢ (ت222م) صاحب المائة والخمسين نشيداً على طريقة مزامير داود النبي قال عنها مار أفرام السّرياني أنَّه: لقَّنها الشبيبة الرّهاويَّة بعد أن وقعها على لحون مطربة تخلب الألباب. وبرديصان نفسه هو صاحب الفرقة الديصانيَّة التي ضمَّت فرقة من شباب الطبقة المثقَّفة الثريَّة من سكَّان الرَّها. وقال مار أفرام أيضاً في برديصان ما يلي:

ܓܕܠ ܓܝܪ ܡܕܪܫܐ܆ ܘܡܙܓ܆ ܒܩܝ̈ܢܬܐ܆ ܘܪܟܒ ܙܡܝܪ̈ܬܐ܆ ܘܐܥܠ ܡܘܫܚ̈ܬܐ ܒܟܝ̈ܠܐ ܘܡܬܩ̈ܠܐ. ܦܠܓ ܒܢܬ ܩ̈ܠܐ܆ ܘܐܣܪܚ ܠܬܡܝ̈ܡܐ ܡܪܪ̈ܐ ܒܚܠܝܘܬܐ܆ ܟܪ̈ܝܗܐ ܕܡܐܟܘܠܬܐ ܠܐ ܓܒܘ ܕܚܘܠܡܢܐ܆ ܒܕܘܝܕ ܨܒܐ ܕܢܚܘܪ ܒܫܘܦܪܗ ܕܢܨܛܒܬ܆ ܒܕܘܡܝܗ ܕܢܬܩܠܣ܆ ܡܐܐ ܘܚܡܫܝܢ ܪܟܒ ܐܦ ܗܘ ܙܡܝܪ̈ܬܐ܀

ترجمتها:

أبدع برديصان الأغاني وجمع بينها وبين الأنغام الموسيقيَّة، وألَّف الأناشيد وأدخل فيها الأوزان، قسَّم الألفاظ أقساماً ووَزَنَها أوزاناً، هيّأَ لسليمي الطوية سماً ناقعاً مغشى بالحلاوة، فلم يتمكَّن المرضى من انتقاء الدواء الناجع فيهم. حاول أنْ يتأثَّر بـ:داود (النبيّ) ويتزيَّن بجماله، صبا إلى ذلك المديح فألَّف مثله 150 نشيداً (2). وقد نشرها منكانا وهاريس عام (1961).

غريغوريوس يوحنّا إبراهيم

    متروبوليت حلب



المراجع :

1- الطبعة السَّادسة 1996 – دار ماردين/ حلب.

2- كتاباته المنشورة في روما سنة 1837 – 1843، ص: 553.

alepposuryoye.com