عندما استقبلني الأب يوسف سعيد في صومعته / متي كلّو

بدء بواسطة برطلي دوت نت, فبراير 17, 2012, 09:01:52 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

عندما استقبلني الأب يوسف سعيد في صومعته



متي كلّو

"إنني لم أجد في حياتي كاهنا بهذه الروعة الشعرية العميقة في الحياة"
الشاعر ميخائيل نعيمة

عندما زرت  السويد للمرة الأولى في عام 2003 كان  من أوليات أجندتي زيارة  أستاذي  الأب الدكتور يوسف سعيد الذي اغتربنا عن بعض منذ 1963، عندما انتقلت الى بغداد بعد انقلاب 8 شباط 1963 وبعدها  شد الرحال مع عائلته الى لبنان ،  ولكن كنت أتابع أخباره كما كنت أتابع أخبار  جماعة كركوك  الثقافية  الذين تركوا مدينتهم  واحد بعد الأخر اما طوعا او قسرا او اعتقالا او نفيا او هربا .
استقبلني في شقته المتواضعة  في إحدى العمارات المنتشرة  في مدينة  سودرتاريا  ، كان لقاء تلميذ بأستاذه في صومعته المكتظة بأنواع الكتب  ، أمضيت معه عدة ساعات في أمسية تموزية     ، وفي جو تلك الصومعة التي تعبق  بنسمات من رائحة الأدب والثقافة والشعر  عبر تلك النسمات  استرجعنا بعض ذكرياتنا عن مدينة  كركوك التي كان الأب يوسف سعيد من ضمن قاطنيها والذي كان  احد مؤسسي  ( جماعة كركوك 1955 – 1964) مع فاضل العزاوي وسركون بولص و جليل القيسي، وجان دمو، وصلاح فائق ومؤيد الراوي، ويوسف الحيدري وغيرهم  من المبدعين الذين كانوا أكثر الجماعات الأدبية التي ظهرت في العراق المعاصر شهرة، وإنتاجا، وتأثيرا .. وقد ضمت هذه الجماعة نخبة من ممثلي الحركة الثقافية العراقية شعرا ونقدا وقصة وفنا تشكيليا وترجمة ومقالة" ويقول الشاعر فاضل العزاوي عن  الأب يوسف سعيد :
(يعترف بكل وفاء ان هؤلاء الشبان تركوا أثرا لا يمحى في مسيرته الشعرية وانه بدونهم ما كان يمكن لحياته أن تتخذ مجراها التي اتخذته. وفاء نادر، لا يمكن أن يصدر إلا من رجل يعتبر الشعر طريقه إلى الله)
عرفت الأب يوسف سعيد عن قرب (1955-1963) كان يزورنا بين فترة وأخرى ، وكان يشجعني على المطالعة ، وأتذكر  عندما حضر في إحدى المرات  ، أهداني  نسخة من العدد الأول لمجلة " المكتبة " التي كانت قد صدرت عن المكتبة العصرية ، وهي من المكتبات ذات النشاط الكبير ، ولهـا اهتمامات واسعة وهذه المجلة  استمرت في الصدور وساهمت في تنشيط واغتناء الحركة الثقافية في المدينة .
وفي تلك الأمسية تشعبت أحاديثنا إلى ساعة متأخرة من الليل واطلعني على بعض كتبه التي اصدرها في حياته المليئة بالشعر والأدب ، وقال لي ، لا زلت أسفا لمشاركتي  في مهرجان المربد وأكثر أسفي باني وضعت كتابي (......).لم نتوقف عن الحديث والمناقشة التي كانت تدور  في الأدب والشعر والثقافة ومهرجان المربد الذي شارك  فيه وذكرياته عن الاضطرابات السياسية في العراق  واستجوابه في سنة 1956 من قبل  مديرية الأمن في كركوك  عندما اقتيد إلى تلك المديرية  بسبب نشره  قصيدة  اعتبرتها الجهات الأمنية  قصيدة ثورية .
   

أستاذنته للمغادرة وشكرته على الوقت   الجميل الذي قضيته معه، وقبل ان اترك صومعته سحب من رفوف مكتبته ، نسخة من ديوان شعره "الموت واللغة" وكتب بخط يده في إهدائه على صفحته الأولى" متي كلو...  يكتسح البحار وتحت جنحه تجول إلهة الشعر .... ثم  ذيله بتوقيعه .
وبالأمس مات الأب واستاذي يوسف سعيد في المنفى كما  سبقه زملائه الآخرين من جيل الستينات في المنافي، بعيد عن ضفاف دجلة والفرات ، وتذكرت  الشاعر محمود درويش  في بعض أبياته:
" هل يذكر المساء
مهاجرا أني هنا... ولم يعد إلى الوطن؟
هل يذكر المساء
مهاجرا مات بلا كفن"
ستبقى أيها الشاعر دوما أبا روحيا وخالدا في قلوبنا، فوداعا أيها المبدع، وداعا أيها الشامخ، وداعا.