تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

فرنسا تعيش حالة فوضى /شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يونيو 18, 2016, 03:24:14 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

فرنسا تعيش حالة فوضى       
   


برطلي . نت / بريد الموقع

شمعون كوسا



منذ شهرين وانا  اعيش كما يعيش غيري حالة غضب جرّاء ما يحدث في فرنسا . بلد عريق بتأريخه وحضارته وثقافته وتطوره في كافة الميادين، بلد حباه الله بطبيعة تضاهي جمال الجنة ، يعيش هذه الايام حالة انفلات تدعو للاستغراب .حالة الانفلات هذه متأتية من الحرية التي يؤمن بها  كأحد الاركان الاساسية لعلمانيته .غير ان هذه الحرية قد خرجت من طورها وتجاوزت حدودها ، بحيث اصبح البعض يفهمونها كحقّ في الهجوم والتخريب ، والكسر ، والنهب ، وإعاقة امور الناسوازعاجهم ،  وتشوية المحلات ، والضرب ، وحتى محاولة القتل .
على اثر الاحداث التي تعرضت لها فرنسا مؤخرا من أعمال قتل وتفجيرات قام بها نفر ينفذون خطط  واوامر مجموعة همجية تتلقىتعليماتها من إله غريب الاطوار والاخلاق ، إله ينزعج من كلّما هو جميل ومتفتح ومتطور، ويصاب بمغص حاد عند إثارة حقوق الانسان أمامه لا سيما حقوق المرأة ، على أثر هذه الاحداث ولا سيما الاخيرة منها ، اتخذت الحكومة إجراءات داخلية رادعة ،وقامت باعلانحالة الطوارئ . وبموجب هذا القرار ، اوصت الناس بتجنبالتجمعات والتواجد في المكانات المزدحمة، والاقلال من الحفلات حتى في المدارس ، وهكذا دخل عناصر الشرطة وقوات الامن حالة الانذار القصوى وبقوا متواجدين بصورة دائمة في الشوارع ومحطات النقل والمطارات وقرب المدارس والاسواقوالمستشفيات وغيرها.
في هذه الاثناء ، قامت الحكومة بسَنّ قانون جديد للعمليحلّ محلّ القانون القديم ، وأتت المبادرة بصورة خاصة لحل مشكلة البطالة ، ولو جزئيا ، مشكلة يعاني منها البلد منذ سنوات .أرخت الحبل قليلا  لأرباب العمل ، تشجيعاً  وتحفيزاً لزيادة استثماراتهم، وبالتالي توفير فرص عمليحتاجها البلد ، لان الكثير من الشركات سبق وان غادرت البلد نحو اراضي اكثر مرونة وخصوبة.
الشعب الفرنسي ، وعلى قدر متابعتي لتطوراته ، لا يحبّ الاصلاح بصورة عامة .حال الاعلان عن اصلاح ، ينتفض المنتفضون  ويعلنون معارضتهم . وبمجرد وجود فقرة واحدة لا تناسبهم ، فانهم لا يكتفون بطلب  تعديل هذه الفقرة ، ولكنهم يطالبون بإلغاء القانون من اصله . هذا صحيح في كافة الميادين، لا سيما في مجال التربية والتعليم .
بعد اعلان القانون ، قامت النقابات بدعوة الجماهير الى التظاهر .في محاولةْ لمنع التظاهرات ، دعت الحكومة الى مباحثات لدراسة مطاليب المعارضين.إلتأمت اجتماعات مطولة وتم حذف الكثير من بنود القانون ، غير أن  المحتجّين بَدَوا وكأنهم متعطشين للاضراب والتظاهر ، فاصبح شعارهم رفض التفاوض لانهم ببساطة لا يقبلون بغير الغاء القانون . ولكي لا اطيل الحديث ، اقول بانه قامت اثنا عشرة مظاهرة ضد هذا القانون، وتخللتها إضرابات ومظاهرات اخرى ، لجماعات اخرى يشكون من كل شئ.
المشكلة الكبيرة ، في المظاهرات الاخيرة هو بروز مجاميع خاصة من الشباب ،  يتقدمون المسيرة وهم ملثّمون . اتضح بان مهمة هؤلاء تقتصر على إشاعة البلبلة والقيام بالاعتداء والتكسير، والتشويه،والهجوم على الشرطة. لم تقم مظاهرة واحدة دون أن تتكسر فيها واجهات المخازن الزجاجية أو تتحطم  ابواب البنوك  والمنشآت الاقتصادية الاخرى . كلما تمّ الاعلان عن مظاهرة ، يقوم اصحاب المحلات والمطاعم المطلّة على الشارع بأغلاق متاجرهم خوفا من هؤلاء ، لانّ من لم تصبه هذه الايادي المباركة ، يُمضي نهاره في انتظار زبائنلا يأتون خشية تعرّضهم للخطر.
في احدى المظاهرات ،  بعدما رأيتُ الخراب بأمّ عيني ، قلتُ لاحد الفرنسيين المتواجدين هناك : أيختلفهؤلاء عن الارهابيين؟قال لي كلاّ. الارهابيون يفجرونأنفسهم بغية القتل والجرح، وأفراد مجموعتنا الودعاء ، يرمون قناني الزجاج المحرقة ويسكبون موادّها على الاشخاص والمحلات ، ويهجمون بقضبان خشبية وحديدية ، ويرشون الاصباغ ويحطمون السيارات على امتداد مسيرة المظاهرة. يقومون بهذه الاعمال خاصة عند رؤيتهم قوات الشرطة ، وعند تحرك هؤلاء لمعالجة المشكلة او ملاحقتهم ، تتأزم الامور وتتفاقم . سمعتُ بان هؤلاء من اليسار المتطرف ،كما يقول آخرون ، وبصورة خاصة النقابات ،  بان الحكومة هي التي تسمح بتواجد المخربين هؤلاء ، بهدف اضعاف المظاهرات ، او تحميلها المسؤولية .ولكي يطفح الكيل ، تكونت في كل مدينة  مجموعات تلقائية تعقد جلسات احتجاج ليلية . وفي الاونة الاخيرة  ، أقامت الحكومة نفسها مناطق ترفيه في اماكن عامة تؤمّها المئات من الناس ، والهدف هو اثبات الشجاعة والتظاهر بعدم الخوف في هذه الايام العصيبة .
السؤال المنطقي والمحيّر هناهو : اذا كانت الحكومة قد اعلنت حالة الطوارئ ، لماذا تسمح بالمظاهرات؟المظاهرات مناسبة لتحشّد ، ليس العشرات ولا المئات ولا الالوف ، ولكن عشرات الالوف او مئاتها . ألا تخشى أن يتسلل الارهابيون ، او حتى ارهابي واحد فقط ، قد تمنطق ليس بزنار العفة ولكن بزنار المفرقعات، فيعيد فرنسا الى ساعات سوداء ؟ !!  تقول الحكومة بان المظاهرات هي تفرضه الحرية ، ولكن الاغلبية وانا معهم نقول بان هذا يتعارض تماما مع قرار حالة الطوارئ .
ترفض الحكومة التنازل عن قانونها بالرغم من انه قد افرغ من مضمونه ، والسبب هوفشلهاوتراجعها في أمور اخرى مهمة، وتخشى ألاّ تصبح الان هدفا لسخرية الناس واستهزائهم.  والنقابات بدورها ، وبصورة خاصة نقابة تحمل اسم–سى، جى، تى  - تأبى التنازل عن قرارها ، لكي لا تظهر في حالة ضعف ، لاسيما وانها اعضاءها في انتقاص كبير، وهي الان لا تمثل أكثر من اثنين بالمائة من القوى العاملة ، فالطرفان يقومان بلعبة لوي الذراع .
قامت هذه النقابة بقطع الطرق ، وسيطرت على  مصانع لتصفية  الوقود ومراكز توزيعها واوقفت الانتاج والتوزيع .خلتني ، وانا في فرنسا ،  اعيش اياما عرفناها في العراق في طوابير طويلة ، يقف المواطن ساعتينلكي يعود بخفي حنين لان التوزيع توقف او نفذت الكمية . قامت النقاباتوالمتحالفون معهاأيضا بالسطو على مراكز توزيع الكهرباء، فكانوا يقطعون الكهرباء من مناطق مختارة .
ولم تقتصر المظاهرات على هؤلاء ، فسواق سيارات الاجرة يبرزون على الساحة من حين لاخر، والطيارون في اضرابهم المستمر لحد الان  يطالبون بزيادة رواتبهم ، علما بان كل واحد منهم يتقاضى تسعة عشر الف يورو شهريا . وماذا اقول عن المتقاعدين والمزارعين والعاملين في قطاع النقل وموظفي الصحة ، والمعلمين ، وعمال السكك الحديدية وهؤلاء  يتظاهرون كل شهر .  اما عن الطلاب فحدّث ولا حرج ، فالنقابيون منهم معتادون على الاحتجاج على كل اصلاح في مجال التربية ، ويتعاطفون  برحابة صدر مع كافة ساعاتغضب النقابات . يتركون المدارس ويمنعون  زملاءهم غير الراغبين في الاضراب ، من دخول المدرسة لمتابعة دروسهم .انا لا ابالغ عندما اقول بانه لا يمرّيوم او يومان دون ان تقوم مظاهرة في هذا البلد . وعندما نقول مظاهرة يعني اغلاق الطرق وتوقف وسائل النقل .
التقارير تقول بان الكثيرين من السوّاح الذين اعتادوا على قضاء اوقاتهم في فرنسا ألغوا حجوزات فنادقهم وغيروا توجهاتهم الى بلدان مجاورة .وهذه هي حالة المستثمرين الاجانب الذين يحتاجون الى استقرار الوضع . حاليا وبالرغم من اقامة بطولة كرة القدم الاوربية ، لم تتنازل النقابات عن فتراتها الترفيهية هذه .
هل اصبح الشعب انانياًلهذا الحدّ ، بحيث انه لم يعد  يرى الا مصلحته ويرفض النظرالى ما يدور حوله ، فيخفف من تصرفاته ويؤجلها ولو مؤقتا ؟ ان ما يجري هنا يدعوني الى العودة احيانا الى ما عشناه في حياتنا ، فانتهي بالقول :  ألا يحتاج الناس هنا الى فترة قصيرة تحت انظار زعيم صغير من الذين كانوا قد عوّدونا على إيماءة صغيرة للعودة الى خطّ لم نكن قد حدنا عنه أصلاً ؟ !!