أحاســـيس مجنونــــة ..قصة قصيرة / مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أبريل 04, 2013, 06:46:43 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

أحاســـيس مجنونــــة
قصة قصيرة



مال اللــه فــرج
Malalah_faraj@yahoo.com


كما زارت سندريلا الامير في قصره وهي تستقل مركبتها السحرية على امل ان تعود قبل ان تدق الساعة معلنة انتصاف الليل, تعودت هي ايضا ان تطير اليه مئات المرات يوميا على اجنحة الخيال وهي تبحر في احلام يقظتها ' حاملة باقة من دمع ووجع تغلفها ابتسامات حزينه ' لتنثر على رأسه وعلى ابتسامته المميزة ' كما يحلو لها ان تصفها دائما ' احلاما بعيدة وامنيات مؤجلة متمازجة ببركان من الاحاسيس يشعل اعماقها ويحولها الى رماد من الاشتياق بين يديه وهي مثل صحراء تنتظر سحابة معلقة في الفضاء علها تسقط ولو قطرات معدودات على صحراء مشاعرها لتبلل رمال حرمانها وتروي عطشها لعل برعما واحدا من الامل ينبثق فيها ' لكن هذه الغيمة الأمل تأبى ان تلقي بامطارها على قلب يصارع امر أنواع الجفاف العاطفي ' وهو ضائع  بين غربة الوطن وغربة الاهل وغربة الاحبة الذين طوحت بهم الظروف الصعبة بعيدا ' وامسوا لا مواعيد ولا أمل أو رجاء ولا أمكنة للقائهم الا على ضفاف حلم مجنون او على اجنحة خيال تائه بين القارات او عبر احلام اليقظة وتداعياتها والتي امست مثل حقنة المورفين تخدر الاحزان والاوجاع وجراحات اللوعة وحرائق الحنين والاشتياق وتهدأها برهة لتعود وتأجج حرائقها ثانية حال الاستيقاظ منها وملامسة الواقع من جديد.
واذا كانت سندريلا قد نسيت لفرط قلقها وسرعة جريها حذاءها لدى الامير الذي فتح لها ابواب السعادة والامنيات والامال الكبيرة فيما بعد ' فانها هي الاخرى تعودت كلما زارته في احلامها ان تنسى دائما قلبها لديه' وشتان ما بين حذاء سندريلا الميت وما بين قلبها النابض بالعشق واللهفة والحياة وبالرغبات المشتعلة المجنونة' وهي التي لم ترتو لا من احاديثه العذبة ولا من احلامه الشفافة ولا من مشاعره المرهفة المترعة رقة  ولهفة ووجدا   مكتوما لا احد كان يستطيع الاحساس به وتلمس براكينه العميقة المشتعلة التي كانت تقذف حممها بصمت في اعماقه وهي تفور مصطخبة تحت غطاء كثيف من هدوئه واتزانه ووقاره ' الا هي ' بعد ان القت امواج الحياة الصاخبة باحدهما في اقصى الشرق والاخر في اقصى الغرب.     
فكم ندمت على أيام او حتى لحظات تسربت من ايديهما مثلما تتسرب ذرات الرمل من بين الاصابع المفتوحة دون ان تملؤها بمشاعرها المتفجرة وباحاسيسها التي كانت تتدفق مثل شلال عنيف لكنها حبستها باعماقها بقسوة ' وما منحت ولو قطرات منها فرصة التدفق والاعلان عن نفسها ' وما منحته حتى لذة  الارتواء بلحظة مجنونة وهي تصنع من وقار العقل غطاء لأحاسيسها وقفصا لسجن  عواطفها المتفجرة ' ومصادرة حرية تلك العواطف والاحاسيس في التعبير عن ذاتها ' لكنها بعد ان طوحت بهما الحياة بعيدا تلمست كم ظلمت نفسها وكم ظلمته معها ' ولم تعد تملك الا الدموع ' والاسى والاسف على فقدان تلك اللحظات المهاجرة والتشبث بأذيال الامل البعيد الذي بات اقرب الى المستحيل في ان تعود تلك اللحظات مرة اخرى , وان تلقاه يوما لتعوضه ولتعوض نفسها ما فاتهما. 
لذلك فقد تعودت في احلام يقظتها وهي تحاول ان تسحق بتخيلات قربها منه وبتمازجهما معا كل اشواك الحرمان ' أن تهمس له بينها وبين نفسها باعذب كلمات المحبة وبارق تعابير الغزل الشفيف ' لكنها ما تلبث ان تطرق برأسها خجلا وكأنها تقف امامه فعلا ' وهي تحس نفسها مثل فراشة مغرمة مبللة بالعشق وبالضوء فاجأها وهي تغرق خياله بالقبلات فاطرقت ساهمة تداري خجلها وخيبتها مثل 'تلميذة صغيرة تقف مرتجفة امام معلمة قاسية لا ترحم بعد ان نسيت واجباتها المدرسية ' ثم لا تملك الا ان تبتسم بحزن وهي تلامس الحقيقة التي تصدمها دائما بقسوتها وهي انها انما تغازل طيفا اقرب الى الوهم وخيالا اقرب الى السراب ' ورغم ذلك تعودت ان تحدثه بالالغاز تارة وبالاستعارات اخرى وبالصمت الذي هو ابلغ من كل الكلمات   احيانا' وهي في اوج ضياعها وتشتتها ووجعها واشتياقها بودها ان تصرخ بكل لغات العالم وبأعلى صوتها احبــــــــــــــك ' أحبــــــك ' أحبـــك 'لكنها لا تملك الا ان تهمس بها لنفسها باكية ممزقة وهي تدرك بأنها مهما صرخت فانه لن يسمعها , فبينهما بحار وجزر ومحيطات وبراكين وخطوط طول وعرض واسراب من البط والوز والطيور المهاجرة واميال من الاسلاك الشائكة وجبال ووديان وقارات منسية والاف القيود والاعتبارات التي تقيد حركتها وتشل لسانها وتقتل الصوت في حنجرتها.
رغم ذلك فقد تعودت في احلام يقظتها ان تحس به لصق قلبها ' بل وعندما تحتدم اشواقها وتغالي في احلامها تتصوره يسير الى جانبها واصابع ايديهما متشابكة وكثيرا ماكانت تحدثه عن همومها وأحزانها وتفاصيل ايامها وهما يقطعان الشوارع المكتظة بالسيارات المسرعة ويواصلان خطواتهما على  الارصفة المزدحمة وتساله  ان كان بامكانهما تناول قدح من قهوة الصباح في هذا الكوفي شوب او ذاك وعندما لا تسمع اجابته تتطلع بدهشة الى يمينها وشمالها لتصطدم بالواقع المر وهي لا تجد احدا يسير معها واذ تنظر لاصابعهما المتشابكة تفاجئ بان اصابعها تتشابك بالوهم رغم انها تكاد تستشعرحرارة اصابعه على كفها.
تبسم مرة وتبكي بحرقة اخرى وعندما لا حظت زميلتها المقربة تصرفاتها تلك وهي تحدث خيالا وترافق طيفا وتحدث سرابا وتقهقه ضاحكة مع نفسها نصحتها بمراجعة طبيب نفساني قبل ان تتفاقم تلك الاوهام وافرازاتها من المشاعر والاحاسيس وخشية ان تقودها الى الجنون ' لكنها سخرت منها بل وزادتها عجبا وذهولا  وهي تؤكد لها بانه على البعد يسمعها ويستشعر حرارة انفاسها ويتابع خطوها اينما ذهبت مثل الملاك الحارس كما تستشعره هي ايضا وهي تلمح وجهه في الاشجار والشوارع والساحات والنصب المختلفة وفي اضواء السيارات وعلى شموع الكنيسة التي تقصدها يوميا للصلاة وللدعاء له ليحفظه الرب سالما معافى وليحمه من كل الامراض والازمات والمخاطر حتى يلتقيا ثانية.
فجأة ' وبعد ايام ممضة من اللوعة والضياع والاحتراق قررت ان تضع حدا لهذه المشاعر المجنونة المحبوسة في اعماقها وان تكتب له صراحة عن خلجاتها ' وأن تضع كل اوجاعها ولهفتها واحزانها والامها وبراكين اشتياقها ولوعتها وجراحاتها على الورق , بعد ان تعبت من تمازج هذه الاحاسيس وعنفها ومن الوقوف في مرافئ الانتظار لأمل اشبه بالحلم او الخيال يومض في المخيلة لكنه لا يلامس الواقع الا طيفا وسرابا لا يتحقق ابدا.
كتبت له (نهارك جميل كابتسامتك .. صباحك الجميل اغرق اروقتي وعطر صباحاتي فجمعت ورداتي وارسلتها لك لتفوح بعطر القداح ولتقول لك صباح الخير) لكنها رأت ان ذلك لا يعبر عما تريده , مزقت ما كتبت وحاولت ثانية (تلاطمت امواج مشاعرك واغرقت صحراء الصمت فخنقتها واجبرتها على الكلام , وعندها عجز الكلام عن التعبير واكتفى بالاشارات وهذا قمة ....' اشتقت لك لتلك العبارات القوية الهازمة لكل النائبات ' اشتقت لصرير قلم يسمع صداه عبر الاثير ولقلب دافئ يموج بالامنيات .. فيا ليتني كنت نسمة من اعصار احساسك).
لكنها عادت لتمزق ثانية ولتكتب من جديد وبلا مقدمات ( كلما اتذكرك .. اضحك وابكي في ان واحد' اشبه بمجنونة اصبحت ' فقد كانت تلك اللحظات الهاربة من الزمن والتي لم نشعر بقيمتها عندما كانت ملك ايدينا 'لحظات توقف فيها الزمن وصمتت الافكار وتعثرت النبضات وامتزجت الاحاسيس بين الابتسامات ورذاذ دموع  وحنين واشواق مشاعر لا يمكن وصفها لانها لا تشبه ولا تشابه سواها .. ولعلك مثلي تتألم عندما يسكن قلبك شخص ما ولا تستطيع الوصول اليه الا في الاحلام ' فتصمت وفي داخلك فيضانات من الاحاسيس وبراكين من الكلمات الصامتة ... فيا لروعة صباحك الذي الذي كان يعطر صباحاتي .. ).
وعادت لتمزق ما كتبت لاحساسها بعدم ترابط المعاني والمواضيع التي كانت مشوشة مرتبكة مثل افكارها التي تحسها عاجزة عن وصف ما تريد قوله ' وراحت ترسم على الورق اقواسا ونقاطا وخطوطا متقاطعة ودوائر متداخلة مع بعضها والكثير من علامات الاستفهام ,واغمضت عينيها وهي تحلم بارسال رسالتها الغامضة لخيال حبيب لا عنوان له.
في ليلها تلك والتي كانت ليلة الدموع المريرة بامتياز ' ما ان وضعت رأسها على الوسادة حتى غرقت بلجة من الاحلام الغريبة ' وكالعادة انتصب طيفه فجأة من بين حلقات احد تلك الاحلام  السريعة المتداخلة ' وما ان لمحته حتى اشتعلت براكين اشتياقها ولواعج لهفتها , لكنها ما أن راحت تبثه هواها ولهفتها   ووجعها ومعاناتها في بعده ولهفتها عليه حتى ادار ظهره محاولا الابتعاد عنها ' وتركها وحيدة في صحراء شاسعة وكأنه يحاول معاقبتها على تجاهلها له .
صدمت لموقفه ' ترجته ' حاولت تبرير موقفها توسلت اليه نادته حاولت التمسك باذياله وهي تؤكد له باكية بانها غير مستعدة لفقدانه ثانية ' فهو حلمها وقدرها ومصيرها 'واقسمت له بانها لن تدعه لغيرها مهما حصل حتى لو اضطرت للاجهاز عليه و على نفسها ' فاما ان يعيشا معا او يموتا معا 'لكنه لم يلتفت لتوسلاتها ولم يقتنع بمبرراتها ولم يتراجع امام تهديداتها.
صرخت به لكن صوتها بقي محبوسا بداخلها ' كما انه لم يلتفت اليها وتابع ابتعاده عنها ' واذ ايقنت ان حلمها الجميل الذي انتظرته طويلا سيغادرها لا محالة  لم يبق امامها الا ان ترفع مسدسا لتضع النهاية له ومن خلاله لعذاباتها.
وعندما اغمضت عينيها واطلقت الرصاص عليه احست بالرصاصات تخترق جسدها وتستقر بقلبها وترديها هي بدل ان ترديه ' عندها  أيقنت بانها ما تزال تقيم بقلبه .
استيقظت فزعة مرعوبة ' لكنها تنفست الصعداء عندما ايقنت ان ما مرت به كان مجرد كابوس مخيف  ' ومن اعماقها شكرت الله على سلامته.
في الصباح تعطرت وارتدت اجمل ثيابها وقصدت مقهى بعينه وسط المدينة بعد ان  تخيلت وهي غارقة باحلام  يقظتها معه  بانه همس لها واعدا اياها بانتظارها في العاشرة من صباح ذلك اليوم هناك.
ورغم انها عندما ذهبت الى الموعد الوهم لم تجده كما في كل مرة ' الا ان سندريلا العاشقة الوالهة الضائعة بين اوهام واحلام يقظتها ,واصلت رحلة الغرق في دوامات احلام جديدة ' وما تزال تدور في حلقة الانتظار الممض لاطلالة وجه حبيب من بين تداعيات الحلم السراب ' وجه ربما لن يأتي ابدا.