صرعات المظهر والملبس وما استجدّ فيها /شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, نوفمبر 25, 2016, 08:41:03 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

   صرعات المظهر والملبس وما استجدّ فيها   
   

برطلي . نت / بريد الموقع

شمعون كوسا


لعلني ابدو غريبا في تناولي موضوعاً بعيدا جدا عمّا تمرّ به منطقتنا هذه الايام ، غير اني لم اكن يوما من محللي الاحداث ، لا سيما وانه لم يعد هناك منطق للتحليل ولا قاعدة او اساس يمكن الاستناد اليها او البناء علها . أنهم يُعلّـلوننا بالآمال فنرقبها ، واذا بنا لا نحصد إلا الخيبة ، لان القادم الذي بشّروا به يكون اشدّ ظلاما . خشية الاسترسال في مقدمة قد تتحول الى مقال ، اعود الى خطٍّقادني في الكثير من كتاباتي  ، ألا وهورصد المظاهر والظواهر ، لانتقاء ما يستوجبالانتقاد بعد أن أكسوَه بنسيج شفاف من السخرية. هناك ظاهرة تشغلني منذ زمن طويل وباتتتسترعي انتباهي اكثر فاكثر  لتطورهاالسريع بالرغم من غرابتها. 
منذ سنوات عديدة نرى البنطال ، لا سيما النوع الذي يدعى بـ (الجينس) ، قد تعرّض الى صرعة جديدة غريبة.  في يوم من ايام الله ، أبصرنا بعض ثقوب فيالبنطال،  فقلنا : لابد ان لابسه قد تعرض لحادثأدّى الى تمزّقه . بعد ذلك بشهرين  ونصف ، رأينا أشخاصاآخرين وقد اتّسخت بناطيلهم وتغيّر لونها ، فقلنا :لا بدّ انّهؤلاء قادمون من مطحنة او من مصبغةجعلتهم يتعرضون لغبار القمح او لاحتكاكأخر جعلبناطيلهمتبدو بهذا المظهر غير اللائق . غير أنّ الظاهرة لم تتوقف عند حدّ ، كما تضاعف مناصروها ، الى ان تحولت الى اسلوب او تقليعة عصرية رسمية في هذا النوع من الملبس .
لقد شاهدتُ تقارير عن مصانع نسيج  تستخدم مواد كيماوية خاصة لتغيير اللون الازرق لكي يبدوا مستعملا . تتناول المكائن قطعة النسيجوتسحبها من كافة جوانبهاوتحكّها بشدة بمؤازرة مواد كيماوية مريبة، ولقد سمعتُ مؤخرا بان الكثير من هذه المواد مضرّ بالصحة .قطعة النسيج تخضع لهذه القساوة في المصنع والهدف ليس سوى جعل المولود الجديد يبان بعمر تسع سنوات على الاقل منذ ولادته !!!  اما عن الثقوب والمناطق الممزقة في البناطيل ، فحدّث  ولا حرج ، لان  العبرة اصبحت في التسابق  والتفنّن في الخَرق والتمزيق بصورة عشوائية.لقد ذكّرتني هذه الظاهرة باللغة اللاتينية ، حيث قيل لنا في حينه بان زيادة التعقيد في صياغة الجملة اللاتينية يُضفي عليها جمالا لغويا وادبيا !!  رأيتُاحدهم وقد خرج جيبُه الداخلي من مكانه. ورأيت آخرين وقد تركوا قطعا ممزقة كبيرة تتدلى متحركة ذات اليمين وذات الشمال متعلقة ببعض الخيوط . وبما ان المباراة مفتوحة امام من يزيد في اساليب التمزيق ، فان قسما من البنات ينتهزن الفرصة لإحداث ثقوب تكشفعن أبعد حيّز مسموح به.
اذا تركنا مؤقتا هذه الظاهرة ، نتحول الى الظاهرة الاخرى التي لا تقلّ غرابة عن سابقتها ، وهي  الوشم او التوشّم، أو ما يدعى بـ (التاتو) . كنا نرى بعض هذا التوشم على شاكلة نقاطيتم رسمها على بعض الاذرع او الوجوه ، لا سيما عند النساء العرب ، او على شكل صليب صغير منقوش على الذراع لدى زوار القدس ، أوارقام غير قابلة للمحو توضع كوشم على يد الاسرى من اليهود وغيرهمإبان الحرب العالمية الثانية ، هذا ما يقوله لنا تاريخنا الحديث .
كانت بداية هذه الظاهرة ايضا هادئة ، غير انها لم تتأخر في استمالة الناس وغزت عالم  الشباب . قد يختار المرءنقش زهرة جميلة او عبارة قصيرة او رمز يحتفظ به  كذكرى عزيزة ،  ولكن ما نشاهده الان هو ملحمة كاملة يتم التعبير عنها برسوم وعلامات غريبة تطبع كلوحة على جسم الشاب . انها صور وكتابات ، أورسوم حيوانات ووجوه ابطال ، او لقطات تم اقتباسها من بعض الافلام . والغريب في الامر، انها لا تكتفي بمنطقة معينة في الجسم ولكنهاتغطّي مساحة كبيرة من الجسم الى حدّ تشويهه .
اننا نرىبَشَرةً  ناصعة البياض وجسما جميلا ، وقد غطّتهكتابات وصور ورسوم سوداء ، وكأن صاحبه  توّاق لما يسوّده ويوسّخه. أنا استغرب كثيرا لمنظر بنات قد شوّهن سيقانهن بهذه الاوشام السوداء التي غطت الاطراف ، او الصدر او حتى الظهر ، واماكن اخرى لا سبيل لذكرها . كنّا في السابق نرى هذا السواد   كشائبة أو أدران يجب غسلها والتخلص منها.
واذا تركنا هذه الظاهرة الاخرى مؤقتا ، ننتقل الى ثقوب من نوع آخر تستقبل حلقات أوأقراطأو وسائل اخرى يُفترض انها للزينة. كانت مظاهر التبرّجالعادية مقبولة ومطلوبة عند المرأة ، ولكن الظاهرة قد قفزت الان داخل سياج الشباب . ولم يعد هناك فرق بين الرجل والمرأة في هذا المجال.فالقَرط الذي كان يزين أرنبة اذنالمرأة لا يفي بالغرض ويجب ان تُكلل  حافات صيوان الاذنباقراط وحلقات اخرى عديدةسواء عند الرجال أم النساء. لقد اضحى الجسم يحمل ثقوبا عديدة في الوجه  والانف والاذن والشفاه واللسان والبطن ومناطق اخرى . هناك بعض التفاصيل تدعو للاشمئزاز . ترى البعضوقد وضعواحلقةتربط فتحَتَى انفهم، فيبدون  وكأن انفهم قد سال وابقى نقطة من المخاط معلقة تحته!! وهناك من تراه وقدثبّتَ خرزة صغيرة بيضاء في إحدى طرفي انفه بحيث تبدو وكأنها حبة مليئة بالقيح . أو مساميرصغيرة اخرى في اسفل الشفتين وكأن الشخص قد تعرض لحمّى ساخنة  في الليل فظهرت عليه حبوب عند طرفي شفتيه . انا استغرب كيف يتحمل المرأ ان يتحمل خرزة مزروعة في لسانه ؟إنّ ما كان قبيحا وغير مستحب سابقا اضحى الان  جميلا  .
ويتحمل اصحاب هذه الثقوب والاوشاممسؤولية إبراز ما خُطّ على ذراعهم، او على البطن او السرّة. أما الذين سطّروا ملاحم او لقطات أفلام على جسمهم ، فانهم  وبالرغم من البرد يفتحون ألبوم صدورهم وظهورهم ، واذا سألهم احد عما اذا كان البرد لا يؤثر عليهم  ،  يقولون بانهم شباب وبان  الرياضة مفيدة للجسم !!!

بعد سرد بعض هذه التعليقات ،  اقول : أين ستُفضي  بنا هذه الصرعات الجديدة . لقد انقلبتِ المفاهيم وتغيرت المعاني ، فالأسود اضحى أبيضَ، والقبيح صار جميلا ، وغير الطبيعي بات طبيعيا،  والعجيب والغريب أمسى في ايامنا لا يدعو للغرابة او الاستهجان ، بل صار هو العادي والمنصوح به، بحيث من سوّلت له نفسه بمجانبته يضع نفسه في صفّالمتخلفين وذوي العقول المتحجرة .
ولكي اذهب بعيدا برؤيتي مستعيناً بابتسامة خفيفة ، اقول : سوف يأتي يوم ، لننرى في الحفلات سوى ثيابا ممزقة ، والمكافأة سينالها من برع فيالتخريق والتمزيق والتثقيب،  لان الظاهرة ستتجاوز البنطالالمتهرّئ والممزّق الى الكنزات والمعاطف والستر والقمصان.وبنفس الابتسامة الخفيفة ، ارى بعض اصحاب الحفلات وقد وضعوا مقصّا بيد المسؤول عن باب قاعة الاحتفال ، لكي يقوم بقص وتمزيق ثياب أتت جميلة نظيفة كاملة !! 
وبما اننا في صدد التنبؤ ، أقول ايضا : سوف يأتي يوم  لن نرى الفرق بين المتشرد والانسان العادي ، وقد تنعكس الامور : الانسان العادي يغدو ممزق الثياب وشبيها بالشحاذ ، والمتشرد لا يُعترف به مُشرّدا إلا اذا ارتدى ثيابا نظيفة ولائقة جدا !!