أتانا المطران رمزي كَرمو زائراً رسولياً / شمعون كوسا

بدء بواسطة matoka, أكتوبر 18, 2013, 04:58:27 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

أتانا المطران  رمزي كَرمو  زائراً رسولياً






 

برطلي . نت / خاص للموقع


لم نكن نعرف ما هو الزائر الرسولي ولم يخطر ببالنا يوماً حتى خيالُه . كنا نسمع مِن حين لآخر عن رجل دين قابعٍ في روما يحمل هذا اللقب ، كان يتجه بين فينةٍ وأخرى الى بعض المدن الكبيرة لا سيما الاسكندينافية منها . كانوا يحدثونا عن زياراته للسويد مثلا ، حيث كان يعتلي المنبر بعد قراءة الانجيل ، ويبدأ بالتوبيخ والتأنيب والتقريع ، وبعد سرد سلسلة من تقصيرات الحاضرين الذين لا يعرفهم اصلا ، يدعوهم الى التبرع ، كالرجل السياسي الذي بعد كلمته امام الناخبين يدعوهم الى الاقتراع . يوعز الى هؤلاء الخطـأة المساكين بتحريك اياديهم السخيّة نحو جيوبهم للخروج باوراق نقدية ،تستقر في الطبـق دون إحداث دويّ ، وليس قطعاً حديدية قيمتها تتوقف عند الرنة التي تحدثها !!  أنا شخصيا لم اتشرف بمعرفة هذا المسؤول ولكني سمعت هذا الكلام ، كما سمعه غيري ، من أكثر من مصدر ، والعُهدة تبقى على الألسنة التي تفوّهت بما سمِعَتهُ آذانُها ، ونقلت ما شاهدَته أعينُها .
وفي نفس السياق ، قيل حتى ان البعض كانوا يقاطعون الكنيسة عند علمهم بمجيئه لانهم بكل بساطة لم يكونوا على استعداد لتلقّي توبيخ مجاني لا يستحقونه ، فهُم لم يكونوا يوماً عالة عليه ولا مدينين له بشئ . أنا أرى بأن الزائر الرسولي هو كاهن قبل كل شئ ، وهذا هو حال المطران والبطريرك وحتى الكردينال . هؤلاء جميعا هم في خدمة رعيتهم ، ويجب عليهم ان يكونوا رعاة صالحين قبل كل شئ محبّين لرعاياهم ، كما كان معلمهم المسيح .
والان سابدأ موضوعي بالقول :  في الخامس من شهرنا الجاري ، إستقبلتْ مدينة نانت في فرنسا ، بمجموع مسحييها العراقيين ، الزائرَ الرسولي الجديد المعيّن من قبل الفاتيكان ، سيادةَ المطران رمزي كرمو  . كان الاستقبال حارا جدا وبمستوى اندفاع المطران رمزي بالتوجه نحو مدينة ، تبعد عن باريس بحوالي اربعمائة كيلومتراً غرباً ، مدينة مهمة بالنسبة لفرنسا ، غير انها رعية متواضعة لا تضمّ أكثر من ثلاثين عائلة مسيحية عراقية معظمهم كلدان .
بدأ المطران رمزي كَرمو زيارته ، كما فعل في المدن الفرنسية الاخرى ، بالتوجه الى مقرّ ابرشية نانت للقاء اسقف المدينة ، المطران جان بول جام . كان اللقاء ، الذي استغرق زهاء نصف ساعة ، مناسبة لتبادل الحديث حول كنيسىتي العراق وايران ، لان المطران رمزي هو مطران ايران ، وايضا حول وضع الكلدان والاقليات الشرقية الاخرى في فرنسا وفي اوروبا .
بعد هذا وعند الساعة الثانية عشرة والنصف ، اقام سيدنا المطران قدّاسا احتفاليا تخللته موعظة تناول فيها شرحا لانجيل اليوم عن براءة الاطفال والويلات التي وجهها المسيح الى من تأتي علي يده الشكوك . حرص على تذكير الحاضرين باصولهم الشرقية وبانتمائهم الى كنيسة اشتهرت بعدد شهدائها وقديسيها. ومستخدماً اسلوب  الراعي الصالح ، حذر الناس من مخاطر الحرية التي يتمتعون بها هنا وقال : فرنسا كانت البنت المدللة للكنيسة غير انها لم تعد كما كانت في سابق عهدها . الكثير من قوانينها تناقض تعاليم الله والكنيسة لا سيما في موضوع الاجهاض والزواج الحرّ ، وابسط مثال هو الحرج الذي يسببه لنا الاجابة على السؤال التالي : اذا كانت امهاتنا قررن في حينه قتلنا في بطونهن ، هل كنا سنلتقي معا اليوم ؟ قال :  إنّ ما فقد قدسيته هنا ، يجب علينا ان نعيد اليه قدسيته بالنظر اليه بعيون آبائنا واصول ايماننا الشرقي . وختم موعظته بالقول : انكم جميعا شهود ، انتم نور العالم ، وعليكم التبشير باسم المسيح لان التبشير لا يقتصر على رجال الدين .
كانت فعلا موعظة نوعية خرجت من فم مسؤول يتحدث بغيرة وقناعة ، ولقد أنصت اليها المؤمنون النانتيّون بخشوع وانتباه لانهم كانوا متعطشين الى كلام ، قد سمعوه حتما قبل ذلك ، ولكنه اليوم كان له وقع آخر في نقوسهم .
بعد القداس ، تمّ الانتقال الى صالة كبيرة جمعت المطران مع رعيته الصغيرة . عند الانتهاء من تناول وجبة الغداء الذي تنوعت اصنافه العراقية بتنوّع الايادي الطاهية ، توجّه الزائر الرسولي من جديد الى الحاضرين بكلمة للتعريف عن نفسه فقال : 
لقد بدأتُ مسيرتي الكهنوتية بالدخول الى معهد مار يوحنا الحبيب في الموصل سنة 1957 ، وبالمناسبة كان بمعيتي في نفس الصفّ الشماس شمعون كوسا الذي ترونه هنا .  بعد اربع سنوات فقط ، رجوتُ مديرَ السمنير ، الاب يوسف اوميه ، ان يسمح لي بترك المعهد لاني احسست باني لم اكن مدعوّا للكهنوت . تركتُ المعهد وتوجهت الى بغداد لمواصلة دراستي الاعدادية ومن ثَمّ انتقلت الى فرنسا لاكمال دراستي الجامعية . في مدينة مونبلييه جنوب فرنسا أحسستُ بالدعوة ، التي كانت قد هجرتني في حينها ، وكأنها تطرق باب قلبي قائلة : (يا رمزي ، انهض لقد دقت ساعة رسالتك . إن دعوتك كانت  قد استترت مؤقتا ولكنها لم تمت ). بعد هذا النداء ، انخرطتُ مع مجموعة كهنة برادو في ليون بفرنسا ، وبعد ان ارتسمتُ كاهنا ، إنتقاني البطريرك روفائيل بيداويد للارتقاء الى درجة الاسقفية ، وهكذا بعد فترة ، حللت محل المطران حنا زورا على كرسيّ ابرشية طهران .
بعد هذه المقدمة الموجزة ، أجاب المطران رمزي على اسئلة الحاضرين عن ابرشيته في ايران وعن مهمته الجديدة كزائر رسولي . قال بانه يتوقع ان يتم تعيين مطران رسمي للكلدان في اوربا في السنة القادمة . في نهاية حديثه طلب المطران وبالحاح من الاباء والامهات التفكير بتشجيع ابنائهم للانخراط في سلك الكهنوت قائلا بان الكنيسة بحاجة ماسة الى كهنة .
التقى الزائر الرسولي بكافة الموجودين وحرص على سماعهم فردا فردا . اقترح الحاضرون في القاعة وضع مبلغ صغير من المال في جيبه غير انه رفض رفضا قاطعا ، ولم يقبل حتى اقتراح بعض من جاؤوا بمبالغ اخرى يقدمونها كقداديس . أمام تعلّق الناس الشديد به ، وعد المطران رمزي بزيارة ثانية الى هذه المدينة في شهر شباط من العام المقبل ، وقال بانه سيحاول اصطحاب غبطة البطريرك معه . غادر الزائر الرسولي مدينة نانت في الساعة السادسة بعد الظهر بعد تلبية رغبة العوائل في التقاط صور تذكارية معه .
لم أعتد على تخصيص مقال عن زيارة رجل دين او كتابة تقرير بهذا الخصوص ، ولكني فعلت ذلك  للمطران رمزي ، بسرور عظيم ، لانه زميل صفّي ، وإن لقائي به في ذلك اليوم كان الاول بعد أكثر من خمسين سنة . لقد استقبلتُه بشوق واستعدت معه ذكريات الماضي . وانا الذي لم أخدم قداديس كثيرة ، قمت بمعيته في إحياء قداس بكامل صوتي ، حيث كان مقاما الرّست والصبا يقوداني في مسايرة ، صوته الجميل المحمّل بنبرات تقطر حناناً وتدعو لحنين عميق ترتاح له النفوس .
لقد أحبّ اهل نانت زائرهم الرسولي ، وسيبقى يوم السبت ، الخامس من تشرين الاول تأريخا حيّا في اذهانهم لانهم تعرفوا على رجل دين بسيط ، مسؤول متواضع ، واسقف حريص على الوقوف الى جانب افراد رعيته .


kossa_simon@hotmail.com





Matty AL Mache