انفصال مسيحيي سوريا عن قوى الثورة يطيل عمر النظام واستبداده

بدء بواسطة برطلي دوت نت, نوفمبر 19, 2014, 11:53:34 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

انفصال مسيحيي سوريا عن قوى الثورة يطيل عمر النظام واستبداده

برطلي . نت / متابعة

صحيفة العرب/

في إطار ما وصفوه بـ "الاستعداد لما هو أسوأ"، ولخوفهم من مشاريع الدويلات والكانتونات الطائفية والقومية التي تهدد سوريا، ورعبا من الجماعات الإسلامية التكفيرية التابعة للقاعدة، شكّل مسيحيو سوريا ميليشيات مسلّحة مسيحية (آشورية/ سريانية) في شمال سوريا حيث يكثرون، للدفاع عن مناطقهم ووجودهم وأرضهم الأصلية.

لم يكتف مسيحيو سوريا بهذا الكيان العسكري الأول لهم، بل أتبعه حزب الاتحاد السرياني بتشكيل (المجلس العسكري السرياني) بهدف "التصدي للكتائب التكفيرية المتشددة" التي يعتبرها الحزب من أكبر التهديدات التي تطال المنطقة بكل شعوبها من سريان وأكراد وعرب وغيرهم.

ليس هذا كل شيء.. بل أعلنوا مؤخرا، وبشكل غير مسبوق، عن تأسيس "أكاديمية عسكرية" مسيحية هدفها تأهيل المقاتلين المسيحيين وتدريبهم بالتنسيق مع الميليشيات المسلحة (السوتورو) والقوى السياسية والمجتمعية التي تقع في دائرتهم المغلقة.

تطورات الوضع الأمني في شمال سوريا تحديدا دفع المجتمع السرياني/ الآشوري إلى القلق على الوجود والخوف من مصير مظلم بوجود القاعدة والمتشددين، والخوف كذلك من متاجرة النظام بهم وإلى أين ستوصلهم تلك المتاجرة، وخوفهم أيضا من البديل عنه، وحرصهم على وقف هجرة ما تبقى من شبابهم من سورية، دفعهم لاتخاذ قرار تشكيل ميليشيات وكليات ومراكز عسكرية مسيحية صرفة لإبعاد أشباح هذه المخاوف.

ربما كان القرار المسيحي السوري عن حسن نيّة، ومشروعا، وعاديا في ظل الفوضى التي يشهدها البلد، وقد لا يحمل أي بعد انفصالي كغيره من المشاريع، لكن من اتّخذ مثل هذا القرار ربما أخطأ، بسيره خطوة تبدو للمراقب عبثية أو عابثة لأسباب عديدة.

يعيش في سوريا نحو مليوني مسيحي، أي ما يقارب 8 بالمئة من سكان البلاد، ينحدرون من أصول عرقية وقومية مختلفة، ويتوزعون على 12 طائفة أو مذهب كنسي، وقل عددهم بشكل كبير خلال العقود الأخيرة نتيجة الهجرة نحو الغرب، ويحرص غالبية المسيحيين على وجودهم في سوريا باعتبارهم "ملح الأرض"، فهم أصل السوريين وبعضهم بالفعل مازال يتحدث بلغة السيد المسيح. وفي العموم هناك تنوع في المواقف السياسية والفكرية بينهم إلى درجة التناقض أحيانا، ومن الصعب القول بوجود رؤية واحدة تجاه الثورة أو حتى رؤيتين أو ثلاث.

من منطلق هذه التركيبة، فالكيانات العسكرية التي تم تشكيلها تضم مسيحيين من اتجاهات سياسية مختلفة، وفيها حالة من عدم الانسجام السياسي بين مكوناتها، يجمعهم فقط انتماؤهم الديني، وحتى أن بعضهم مؤيد للنظام ولا يمانع من عودة الجيش السوري للمنطقة لفرض الأمن فيها وبعضهم مؤيد للمعارضة ويريد تحقيق أهداف الثورة بالعدالة والحرية والانتقال الديمقراطي، وبعض ثالث متحالف مع الأكراد تحالفاً شبه عضوي ويرى الأطراف الأخرى بعيدة عنه.

من جهة ثانية، لأول مرة منذ نشأة الدولة السورية الحديثة واستقلالها أصبح لدى مسيحيي سوريا هاجس بأن وجودهم مهدد، وأن بعض السوريين يتآمر عليهم لتهجيرهم من بلادهم وإفراغها منهم، ويتناسون أن النظام السوري الذي يدّعي حماية الأقليات وعلى رأسهم المسيحيين لم يكن يوما كذلك، فهو نفسه من يعتقل غالبية الناشطين المسيحيين والعديد من المعارضين وقياديي الأحزاب المسيحية غير المتعاونة معه، وهو الذي سجن قبل ذلك مناضلين ومعارضين مسيحيين لسنوات وعقود، وبالمقابل لم تستهدفهم الثورة السورية حتى اليوم ولم يحصل أن أعلن أي فصيل سوري مسلح أنهم هدف أو تصرف وفق ذلك.

آخر تقارير المنظمات الحقوقية السورية المعارضة أشارت إلى أن عدد الكنائس التي دمرها النظام خلال الثورة بلغ 36 كنيسة مقابل أربع كنائس اتهمت المعارضة المسلحة بالاعتداء عليها، واتّهمت هذه المنظمات النظام بأنه صاحب "ذهنية طائفية"، وأنه سعى منذ بداية الثورة "للمتاجرة بالأقليات وبالأخص المسيحيين ضارباً عرض الحائط صورتهم المستقبلية في النسيج المجتمعي العام السوري في محاولة بائسة منه لربط مصيره بمصيرهم".

بالإضافة إلى ذلك، لم يُدرك من اتّخذ هذا القرار أن عدد المقاتلين في هذه الميليشيات هو مجرد عدة مئات بأحسن حال، وهو رقم صئيل أمام حجم القوات المتقاتلة في سوريا، والتي تقدرها بعض الأوساط بأكثر من 600 ألف مقاتل من كل الأطراف، من النظام وكتائب المعارضة المسلحة والتنظيمات الجهادية، حيث تضم قوات المعارضة وحدها نحو 1100 كتيبة مسلحة، منها ما يصل تعداده لعدة عشرات ومنها ما يصل تعداده لآلاف.

وعليه ستكون هذه الميليشيات المسيحية المسلحة نقطة في بحر، لن تكون قادرة على التأثير فيه بأي شكل، ولا حتى ستكون قادرة على حماية حي سكني واحد إن حصل هجوم مركّز عليه من أي طرف.

وبالتالي، كان على القائمين على هذه النظرية، أن يفكروا بطريقة مختلفة، تجميعية لا انفصالية، توحيدية لا تفريقية، شاملة لا ضيقة، وأن يدركوا أن مصيرهم حُكماً مرتبط بمصير كل السوريين الآخرين، مسلمين وغير مسلمين، ويحمّلوا مسؤولية حمايتهم لجميع الكتائب الأخرى وينخرطوا معها في مشروع واحد.

إن مبدأ ابتعاد مسيحيي سوريا عن مسلميها فيه من الخطر ما يفوق كل المخاطر الأخرى، ورهانهم على الأكراد رهان ليس بالضرورة رابح من خلال التجربة والبرهان، ومن التهور الوثوق بنظام عانى منه المسيحيون والمسلمون على حد سواء طوال خمسة عقود، بينما الغالبية السورية التي يرى الكثيرون أنها أكثرية إسلامية بالاسم والانتماء فقط ـ هي الحامي التاريخي للمسيحيين، وفتح المسيحيين أي معركة هامشية معهم سيكون أمراً خاسراً، يضر بهم ويضر بالثورة وأهدافها.