الابعاد الروحيه واثرها في الموروث الشعبي لبلدة برطلي- دراسه وتحليل

بدء بواسطة philip hadayee, مايو 22, 2017, 05:23:53 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

philip hadayee

  الابعاد الروحيه واثرها في الموروث الشعبي لبلدة برطلي- دراسه وتحليل -


استوحى الموروث الشعبي لبلدة برطلي اغلب موضوعاته وحكاياته وامثاله من الابعاد الروحيه التي اكتسبها الشعب السرياني من المفاهيم الانجيليه التي امن بها عبر الاف السنين وتجلى ذلك بصور الايمان وعمل الصدقه والعطاء ومساعدة الفقراء والاقتداء بسير الشهداء والقديسين والتقرب اليهم وطلب شفاعتهم في كل مجالات الحياة اليوميه وعليه فنحن امام تراث نقي وصافي وحضاره مشرقه .
كان اغلب سكان برطلي سابقا  يمتهنون الزراعه وتربية الحيوانات بعضها لانجاز اعمالهم اليوميه والبعض الاخر للاستفاده من منتجاتها لادامة العيش فكانوا يعملون طيلة اشهر السنه ففي الخريف يبدأ موسم الحراثه بالمحراث والبذارباليد  لحين سقوط الامطار في الشتاء وبحلول شهر اذار تبدأ عملية تقليب الارض لتهيئتها للموسم القادم ومع بداية شهر ايار تبدأ عملية حصاد الشعير بالمنجل ثم الحنطه لغاية نهاية شهر حزيران يرافق ذلك نقل المحصود الى البيادر بالشخر ليتم لاحقا درسها بالجرجر ثم تذريتها وتنقيتها لغاية نهاية شهر تموز او بداية شهر اب ، فكل هذه الاعمال تزخر بالحكايات والقصص والعبر بالاضافه الى ذلك قام الانسان البرطلي عبر التاريخ بتداول ونقل حوادث ووقائع تأريخيه بعضها منظم على شكل شعر ينتهي بقافيه واحده وايقاع ووزن واحد  وعادة يتكون من ثلاثة ابيات او اكثر ويردد من قبل شخص واحد او من قبل مجموعه , وفيما يلي رصد تحليلي لبعض الابعاد الروحيه في الحياة اليوميه لاهلنا :

1-   موسم البذار وطلب سقوط المطر
تمتازهذه الاعمال بصور العطاء وعمل الخير وخاصة محبة الفقير فعند البذار وكما قلنا كان يدويا يقوم الفلاح ببذر ثلاث حفنات عند المباشره بالعمل وهو يردد مع كل رمية حفنه , هذه للطيور وهذه للحيوانات وهذه للفقير وعابر السبيل بمعنى انه يؤمن رزق هؤلاء قبل رزقه وتتجلى محبته  للغيروالفقراء متذكرا ما جاء في انجيل متى (25/24 ) كما يحتمل ان الحفنات الثلاثه عند المباشره بالعمل هي ( بسم الاب والابن والروح القدس ) لتحل البركه في العمل .
وعندما  كان يتأخرسقوط المطر قليلا كان يطلب من الاطفال الطواف في احياء وازقه البلده وهم يرددون (شدر شدر نانا )   يقودهم شخصيه هزليه (مهرج) كان يسمى  (كوساكلدي ) يقوم بحركات بهلوانيه للفت انظار الناس اليه ويقوم الاهالي بتقديم الخبز او اية مواد غذائيه للصبيه تجمع تلك العطايا لتوزع على فقراء القريه لاحقا وهذا يدل على الايمان بان الله يستجيب لطلباتهم ويرسل المطر بالاضافه الى الاهتمام بالفقراء وهذا التقليد ينفذه الاطفال ليبقى راسخا في سلوكهم وكانوا يرددون المقطع التالي :

شدر شدر نانا     
وايت ربي مرحمانا
داثي دخلا لحضيرا 
دخل ناشي وفقيرا   

2-   في موسم الحصاد
عند مباشرة الفعله بعملية الحصاد بالمنجل كان رئيس الحصادين يحصد ثلاث باقات علامة التثليث وطلب البركه من الرب ليحمي محصولهم ويعطيهم القوه لانجاز الحصاد وعند الغروب وبقاء جزء من الحقل غير محصود وخاصة اذا كان يوم سبت فيقوم رئيس الحصادين بقطعها طولا وعرضا على شكل صليب ويطلب من الفعله حصادها ولكل ما يصيبه رغم تعبهم وكانت تسمى  ( شركمالي ) ويتم انجاز العمل سوية والعوده الى دورهم للراحه واستقبال يوم الاحد .
وعند حصاد ارض زراعيه تعود للكنيسه وبشكل طوعي فكان الحصادون يتجمعون امام الكنيسه ويتوجهون الى الحقل وهم يتلون المزامير ويرتلون التسابيح وكذا في العوده وبعد الانتهاء من عملية الحصاد يقوم رئيس الحصادين بربط سنابل الحنطة المحصوده على عود طويل على شكل صليب وهو يتقدم جموع الفعله وهم فرحين بأنجاز حصاد ارض الكنيسه ( شكرتا اديتا ) .

اختيار خبز القربان :اثناء عملية الحصاد كان يجري انتقاء خبز القربان وجمع سنابل الحنطه مباشرة قبل ان تنقل الى البيادر وتدرس لكي تكون نقيه ولا تدوسها الحيوانات كانوا حذرين في هذا المجال متذكرين بأن الرب يسوع المسيح  هوالخبز الحقيقي النازل من السماء بدون خطيئه فيجب ان يكون خبز القربان طاهرا .

ولا ننسى انه عند نضوج سنابل الحنطه كان الناس تفرك السنابل وتأكلها ( برختا ) اقتدا بتلاميذ الرب كما جاء في انجيل لوقا 6/1

3 –طقوس وممارسات في الاعياد والمناسبات
كان ولا يزال للاعياد في برطلي تأثيرها الايماني وبعدها الروحي في حياة الناس ونسجوا طقوس وعادات ترسخت عبر الاجيال حيث يتوقفون عن ممارسة الاعمال والمشاركة الوجدانيه بحضور القداس وتبادل التهاني لمن تسمى بأسماء القديسين والشهداء ففي عيد الصعود ينصب الاطفال ( الجولاني )  وفي عيد حلول الروح القدس على التلاميذ يتبرك كل المؤمنين بباقات من نبات ( ريخة امو ) ذو الرائحه الزكيه  الذي كان يجلب من منطقة ازق ( ازنقل ) ليرش الماء به على المؤمنين بهذا العيد , اما ممارسة تكحيل العيون في عيد شمعون الشيخ لتكبيرها وتجسيمها وكأنها ترى اوسع واكثر من المعتاد لترى مجيء الرب ودخوله الهيكل ( لوقا 2/30 (لان عيني ابصرتا خلاصك ) بالاضافه الى الاعتزاز بالشموع التي كانت توزع في عيد شمعون الشيخ الرجل الصلب والقوي فكانوا يوقدونها في الربيع عند حدوث زوابع ووقوع برد (حالوب )   الذي كان يؤذي المحصول لكي تقف تلك العواصف كما وقف شمعون الشيخ سننين طويله بأنتظار الفرح .

اما في اسبوع الألأم والجمعه العظيمه والشعب حزين على صلب المسيح فلا ضحك ولاابتسامه وحتى الاطفال لا يتم معانقتهم لان العذراء حزينه وهناك مقطوعة كانت تقال بهذه المناسبه :

مريم اسقته التلا     
بقلاثه صوله الجلا   
مريم حبيبي كيلي     
حبيبي كمصلويلي   
ارخوشن خازخ  ايكلي

ولعيد ما كوركيس الذي يصادف 24نيسان وفي فصل الربيع نكهه خاصه في برطلي حيث كان يقام سباق الخيل المسرج والمطهم بأحلى زينه يسمى ( طوافة مار كوركيس) والفارس الفائز يستحق ان يتشبه بالفارس الروماني الشهيد القديس(مار كوركيس ) فكان الكل يصفق له وتجري هذه المراسيم في منطقة الخراب حيث يتجمع اهل البلده لمشاهدة السباق ، ولاضفاء روح النكته والتندر كان احدهم يمتطي حمارا ويشارك في السباق ويتحدى الفرسان الذين يمتطون الخيل لغرض زرع الابتسامه على وجوه الجميع.

3-   ممارسات وتقاليد اخرى
-   عند فقدان الشىء :يلجأ الناس عادة عند فقدان شىء اوحاجه من الدار الى رسم علامة الصليب مؤمنين بأن للصليب قوه الهيه تساعدهم في العثور على الشيء المفقود
-   رسم علامة الصليب على العجين بعد النتهاء من عملية العجن والذي يوحي بحلول البركه عليه ويحمي متناوليه
-   حكاية حفظ النائم وجيرانه من قبل الرب يسوع :

مارن ايثلي الكيبينن       
ايصيري سسته ابدرتينن   
نطيري شوثن وشوء شوايا خضرونين 

-وللطفل هدهده خاصه كانت تردد لكي ينام
طوء ناني ناني
نطرالخ ملكثا هيلاني
ديلا ابديرا د زعفراني
اين واربي رباني
ناطيرخ اوا مطرانا
بخيلت انجل مخلصانا

-وثق الموروث الشعبي الاضطهادات التي تعرض لها السريان وخاصة مجازر سيفو وطلب شفاعة العذارء لافتداء الاسرى والمعذبين

مريم اكفيكا كرسياني
كرسياني يالد ايتا
يالد ايتا مشحايي
شقيلي ومسقي لسراي
تاما سراي خاثا
حصلي انقاشد بقراثا
وكندورد ريشواثا
دخاترد ايمن خاثا

-قوة الايمان لمجابهة الاخطار :
المجتع الشرقي يمتاز بحبه للغيبيات والامور الخارقه فيلجأ اليها عند مجابهته للضيقات والحيوانات المفترسه فنجد هذا التراث مزيج من الايمان البسيط
والحكايه الشعبيه فأيام زمان كان في كل بيت كلاب لحراسته بعضها كان اليفا والبعض الاخر كان شرسا ويخاف منه الماره وكانوا يرددون كلاما يستنجدون به بطرس الرسول ( الصخره ) ليقيهم شر الكلب

شمعون كيبا كبلي لكيبا
ايذه ششلي مارن رشلي
كلبا ابدوكه يوشلي
ليثن ناشا دمكركشلي

فكانوا يعالجون خوفهم بهذا الكلام والكلب المسعور يبقى ساكنا ويمرون  بسلام وهذا يعطي الثقه بالنفس والايمان المطلق بأنه بقوة الايمان يمكن التغلب على كل الصعاب
-كما كانت تكثر الافاعي والعقارب السامه والنوم كان على الارض وبسهوله كانوا يتعرضون الى لدغاتها وكانوا يصلون ليحفظهم الرب من كل سوء لكنهم ايضا كانوا يرددون المقطع التالي املين ابتعاد تلك الزواحف عنهم :

خوي خوي خويثا
عقروا سامنيثا
كصريلا اما كصريلا
كصريلا ابقيدة امارن
وششلاثة ما ماروثا

هذا جزء من الاف الحكايات والقصص المتواتره في مجالات الحياة الاخرى مثل الرعي والحياكه بالنول وعدد العمل الزراعي والعدد  اليدويه المنزليه     ومراسيم الخطوبه والزواج وبطولات الرجال للدفاع عن البلده ضد الاخطار , كما اتمنى من القراء الكرام رفدنا بما يتوفر لديهم من معلومات تغني هذا البحث بما تعم الفائده للجميع .


بهنام شابا شمني

سرد جميل وتوثيق رائع لتفاصيل الحياة اليومية في برطلي يوم كانت نقية صافية لم تكن قد شوهت صورتها الجميلة والبسيطة التي توارثتها بالفطرة جيلا عن جيل العادات والممارسات الدخيلة التي افقدتها خصوصيتها. ليس غايتنا ارجاع الماضي ولكن ضروري الحفاظ عليه والتذكير به بين الفينة والاخرى في الاحتفالات والمهرجانات والمناسبات حتى نظهر اننا شعب له تاريخه وعاداته وتقاليده. شكرا للاستاذ فيليب على عرضه لمخزونه الفكري هذا للقراء للاطلاع عليه. ومنه جاءت دعوته للجميع لطرح ما لديهم وعدم كتمانه وابقاءه حبيس ذكرياتنا فقط . لا ان يكتب ويوثق حتى لا نكرر الخطأ الذي وقع به من سبقونا. اكرر شكري لك وواصل في عطائك في هذا المجال

philip hadayee

الاستاذ بهنام شمني   تحيه وسلام ومحبه
شكرا لجهودك الرائعه في متابعة كل المنشورات الخاصه بالتراث السرياني والموروث الشعبي  لبلدتنا برطلي  وتعضيدها  لك مني كل الحب والتقدير