المونيتور: اشتباكات بين فصيلين مسلّحين تكشف عمق الانقسامات الداخليّة بين المسيح

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أغسطس 16, 2017, 07:59:48 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

  المونيتور: اشتباكات بين فصيلين مسلّحين تكشف عمق الانقسامات الداخليّة بين المسيحيّين   

         
برطلي . نت / متابعة
المونيتور / سعد سلّوم

بغداد - وقعت اشتباكات بين فصيلين مسيحيّين مسلّحين في سهل نينوى في 15 تمّوز/يوليو. وحمّل البطريرك مار لويس روفائيل الأوّل ساكو في بيان له في 6 آب/أغسطس المنظّمات المسيحيّة من أحزاب وفصائل مسلّحة "قسطاً كبيراً من مسؤوليّة ما يعيشه المكوّن المسيحيّ من معاناة وارتباك". وأضاف: "نرى أنّ جانباً كبيراً من هذه المحنة، سببها انقسام هذه الأحزاب وتبعيّتها، وفشلها في توحيد صفّها وتبنّي قرار موحّد".

وكانت وحدات حماية سهل نينوى NPU قد ألقت القبض على ستّة عناصر من كتائب "بابليّون" بعد ضبط آثار مهرّبة في حوزتهم، وتمّ تسليمهم إلى عناصر الشرطة في قضاء الحمدانيّة. وحسب تصريح النائب يونادم كنّا المشرف على وحدات الـNPU لـ"المونيتور"، فقد "قامت عناصر من "بابليّون" بمساعدة قوّة أخرى من الحشد الشعبيّ باقتحام مقرّ تابع إلى وحدات الـNPU، والاستيلاء على أسلحة ومركبات لغرض تحرير العناصر الستّة الذين تمّ إلقاء القبض عليهم". لكنّ "بابليّون" التي تمثّل الجناح العسكريّ لما يعرف بالحركة المسيحيّة في العراق بزعامة ريان الكلداني، والتي تتبع في قيادتها إلى الحشد الشعبيّ، نفت ذلك، مبيّنة أنّ الإجراء الذي اتّخذته جاء ردّاً على تعرّض أحد عناصرها إلى اعتداء من قبل وحدات الـNPU.

وقد تبع هذه الاشتباكات تبادل للاتّهامات بين الطرفين في جوّ من انعدام الثقة. ففي حين صرّحت الحركة الديمقراطيّة الآشوريّة بأنّ الاشتباكات دفعت إلى إخراج عناصر كتائب "بابليّون" من قضاء الحمدانيّة ودير مار بهنام، بأمر من رئيس الوزاء حيدر العبادي وقوّات الحشد الشعبيّ، نفت كتائب "بابليّون" في المقابل هذا الخبر.

تبيّن هذه الاشتباكات الصراع المسيحيّ الداخليّ، بعد تشكيل عدد من الفصائل المسيحيّة المسلّحة في أعقاب سيطرة "داعش" على مناطق المسيحيّين في سهل نينوى، ونزوح المسيحيّين إلى إقليم كردستان في صيف عام 2014. وإذا أخذنا في الاعتبار وجود سبعة فصائل مسيحيّة مسلّحة تتقاسم النفوذ عليها كلّ من الحكومة الاتّحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، فقد يجعل ذلك من مصير مناطق المسيحيّين في سهل نينوى بعد تحرّرها من "داعش" ملتبساً باحتمالات صراع داخليّ مسيحيّ واقتتال على النفوذ في سهل نينوى، قبيل إجراء الاستفتاء على استقلال كردستان في أيلول/سبتمبر المقبل.

يتبع بعض هذه الفصائل المسلّحة أحد الأحزاب المسيحيّة، وأنشئ بعضها كتنظيم مسلّح مع سعي للتحوّل إلى منظّمة سياسيّة للمشاركة في الانتخابات البرلمانيّة المقبلة. ومن أبرز هذه الفصائل المسلّحة: كتائب "بابليّون" الجناح العسكريّ للحركة المسيحيّة في العراق؛ الحراسات التابعة إلى المجلس الشعبيّ الكلدانيّ-السريانيّ-الآشوريّ؛ الجناح المسلّح للحركة الديمقراطيّة الآشوريّة؛ كتائب الحزب الوطنيّ الآشوريّ؛ قوّات سهل نينوى؛ كتائب "أسود بابل" المشتركة؛ وكتائب "عيسى ابن مريم".

وإذا أخدنا في الاعتبار وجود 14 طائفة مسيحيّة وأكثر من 12 حزباً مسيحيّاً و7 فصائل مسلّحة، نجد أنّ الاتّفاق بين المسيحيّين يزداد صعوبة في شأن القضايا المصيريّة التي تهمّهم، وفي مقدّمتها إنشاء منطقة آمنة للمسيحيّين في سهل نينوى، وتوحيد الفصائل المسيحيّة المسلّحة لغرض الدفاع عن هذه المنطقة الآمنة.

وكان آخر محاولة للحصول على إجماع في شأن هاتين النقطتين، الاجتماع الذي عقد في عاصمة الاتّحاد الأوروبّي بروكسل، برعاية الاتّحاد الأوروبيّ، لمناقشة أوضاع المسيحيّين في سهل نينوى بعد مرحلة القضاء على "داعش"، وذلك بين من 28 و30 حزيران/يونيو 2017. كان المؤتمر في حدّ ذاته مثالاً آخر على عمق الانقسام المسيحيّ الداخليّ، فقد أصدرت ثلاثة تنظيمات هي الاتّحاد السريانيّ الديمقراطيّ، قائمة الوركاء الديمقراطيّة، والحركة المسيحيّة الديمقراطيّة المستقلّة بياناً أكّدت فيه تأييدها الكامل للمؤتمر، فيما قاطعته ثلاثة أحزاب مسيحيّة، وهي الحركة الديمقراطيّة الآشوريّة، كيان أبناء النهرين، والحزب الوطنيّ الآشوريّ. كما قاطعت المؤتمر الكنيسة الكلدانيّة الكاثوليكيّة وكنيسة المشرق الآشوريّة، وعلّلت الكنيسة الكلدانيّة في بيان لها مقاطعتها المؤتمر، بأنّه "إيماناً منها بأنّ مستقبل المسيحيّين مرتبط بمستقبل العراقيّين جميعاً، فإنّ مستقبلهم يجب أن يبحث داخل البيت العراقيّ، ويناقش داخله، وليس خارجاً عنه".

وعلى الرغم من أنّ المؤتمر تمّ الاتّفاق فيه على استحداث منطقة آمنة للمسيحيّين في سهل نينوى على شكل محافظة، مع تشكيل مجلس عسكريّ بالتنسيق بين الوحدات العسكريّة المسيحيّة بعد توحيدها، بإشراف التحالف الدوليّ مع الحكومة الاتّحاديّة وحكومة إقليم كردستان، إلّا أنّ المسيحيّين لم يحسموا حتّى هذه اللحظة كيفيّة تنفيذ هذه المطالب، وسط انقسام مسيحيّ مزمن، لكنّهم عازمون على تشكيل لجنة تتفاوض مع الحكومة الاتّحاديّة وحكومة إقليم كردستان للتوصّل إلى رؤية موحّدة عمّا قريب، حسبما صرّح رئيس كتلة الوركاء الديمقراطيّة النائب جوزيف صليوة لـ"المونيتور".

وإذا كان تعدّد الفصائل المسيحيّة يمثّل عسكرة للانقسام المسيحيّ، فقد يمثّل من جانب آخر فرصة لتشكيل وحدات حماية للمنطقة الآمنة المزمع تشكيلها للمسيحيّين في المستقبل في سهل نينوى، لا سيّما بعد اكتساب هذه الفصائل خبرة ميدانيّة في القتال ضدّ تنظيم "داعش"، مع أنّ تحويلها إلى قوّة شرطة محلّيّة أو وحدات أمنيّة لحفظ الاستقرار داخل المنطقة الآمنة رهن بتوحيدها أوّلاً، وتذليل الخلافات والمنافسات السياسيّة بينها، وربطها عموديّاً بالدولة أو إدماجها بهيكليّة الجيش العراقيّ، مع منحها استقلالاً في حدود حماية المنطقة الآمنة، وإبعادها عن التسييس قدر الإمكان.

ليس هذا خياراً يسيراً كما يبدو، فتوحيد رؤى التيّارات السياسيّة المسيحيّة يعدّ مهمّة شاقّة، في ضوء الانقسام السياسيّ المسيحيّ في شأن قضايا المسيحيّين الراهنة، مثل توحيد الفصائل المسلّحة، وإنشاء المنطقة الآمنة، وطبيعة تكوينها، وأسلوب إدارتها، ونطاق استقلاليّتها.​

وفي حديثه إلى "المونيتور" عن مظاهر الانقسام المسيحيّ، لفت رأس الكنيسة الكلدانيّة في العراق والعالم البطريرك ساكو الانتباه إلى دعوته إلى مرجعيّة سياسيّة موحّدة للمسيحيّين، وطرحه تسمية "المكوّن المسيحيّ" بديلاً عن التسميات القوميّة (الكدانيّة والآشوريّة والسريانيّة)، وربّما يمثّل هذا بداية الطريق وبديلاً مناسب لمواجهة الانقسام المسيحيّ الداخليّ ورسم مستقبل أوضح للمسيحيّين في فترة ما بعد "داعش".