"نيويورك تايمز" تتساءل: هل هذه نهاية المسيحية في الشرق الأوسط؟

بدء بواسطة matoka, يوليو 31, 2015, 06:34:10 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

"نيويورك تايمز" تتساءل: هل هذه نهاية المسيحية في الشرق الأوسط؟








برطلي . نت / متابعة
عمّان – أبونا   
2015/07/31

يواجه المسيحيون في الشرق الأوسط صعوبات تتراوح بين "سيء" و"أكثر سوءاً"، هذا ما قاله مؤخراً بطريرك القدس للاتين فؤاد الطوال. وأضاف "أن وضع الفلسطينيين في الضفة الغربية مايزال بدون شك أفضل مقارنة مع المشقة التي يواجهها المسيحيون في سوريا والعراق، لاسيما مع أولئك الذين أجبروا على ترك منازلهم بسبب زحف ميليشيات تنظيم الدولة الإسلامية". "هل هذه نهاية المسيحية في الشرق الأوسط؟". تتساءل مجلة نيويورك تايمز في تقرير أصدرته تحت عنوان "ظلال الموت"، يوم الأحد 26 تموز.

يبدأ التقرير بقصة ضياء ورنا، وهما زوجان من قرقوش، أكبر مدينة مسيحية في سهل نينوى بالعراق، "على مساحة 1500 ميل مربع من الأراضي المتنازع عليها بين شمال العراق الكردي وجنوبه العربي. حتى الصيف الماضي، بدت المدينة مزدهرة وكانت تشمل 50 ألف نسمة وتنتج أكبر المحاصيل الزراعية في العراق". ويوضح التقرير "بأن المدينة مليئة بسهول القمح ومزارع الدواجن والماشية التي تطوق جنباتها، إضافة غلى العديد من الحانات وغيرها من المحلات التجارية".

ويضيف "معظم مسيحيّي العراق يسمّون نفسهم بالآشوريين أو الكلدان أو السريان، وهي أسماء مختلفة لوصف انتماء عرقي واحد يعود في الأصل إلى ممالك بلاد ما بين النهرين التي ازدهرت بين نهرَي دجلة والفرات قبل آلاف السنين من ميلاد المسيح. وصلت المسيحية إلى المنطقة خلال القرن الأول بحسب يوسابيوس، مؤرخ قديم للكنيسة ادعى أنه ترجم رسائل بين يسوع المسيح وملك بلاد ما بين النهرين. وفق التقاليد الشائعة، أرسل توما، أحد الرسل الإثني عشر، تدواس الذي كان من أوائل اليهود الذين اعتنقوا المسيحية إلى بلاد ما بين النهرين للتبشير بالإنجيل".

"سرعان ما توسّعت المسيحية وتعايشت مع التقاليد القديمة مثل اليهودية والزرادشتية والديانات الموحِّدة، وأبرزها الدروز واليزيديون والمندائيون وغيرهم، وقد صمدت جميع هذه الفئات في المنطقة مع أنها تقلّصت بنسبة كبيرة. وحين وصلت أولى الجيوش الإسلامية من شبه الجزيرة العربية خلال القرن السابع، كانت الكنيسة الآشورية الشرقية ترسل المبشرين إلى الصين والهند ومنغوليا. حصل التحوّل من المسيحية إلى الإسلام بوتيرة تدريجية. حلّت المسيحية مكان معظم العبادات في الطقوس الشرقية، ثم حلّ الإسلام مكان المسيحية. تحت الحكم الإسلامي، أصبح المسيحيون الشرقيون بمصاف الشعب المحميّ أو أهل الذمة: كانوا راضخين واضطروا إلى دفع الجزية (الضريبة التي يدفعها غير المسلم) لكن سُمِح لهم عموماً بتطبيق الممارسات التي يمنعها الإسلام مثل أكل لحم الخنزير وشرب الكحول. كان الحكام المسلمون أكثر تسامحاً مع الأقليات من نظرائهم المسيحيين. وطوال 1500 سنة، ازدهرت أديان مختلفة جنباً إلى جنب".

منذ مئة سنة، أدى حدثان إلى بدء أعنف حقبة ضد المسيحيين: سقوط السلطنة العثمانية واندلاع الحرب العالمية الأولى. ويذهب التقرير إلى القول "وقعت إبادة جماعية على يد حركة 'تركيا الفتاة' باسم القومية، وليس الدين، ما أدى إلى مقتل مليونَي أرمني وآشوري ويوناني على الأقل. كان معظمهم من المسيحيين. من بين الناجين، غادر بعض الأشخاص المتعلّمين إلى الغرب. واستقر آخرون في العراق وسورية حيث استفادوا من حماية الحكام العسكريين الدكتاتوريين".

وخلال قرن، (1910-2010)، استمر تراجع عدد المسيحيين في الشرق الأوسط، في بلاد مثل مصر وإسرائيل وفلسطين والأردن: "بعدما كان يشكّلون 14 بالمائة من السكان، أصبح المسيحيون يقتصرون الآن على 4 بالمائة، (في إيران وتركيا، أصبح وجودهم شبه معدوم). وتقول مجلة نيويورك تايمز "في لبنان، البلد الوحيد في المنطقة حيث يتمتع المسيحيون بنفوذ سياسي قوي، تقلَّص عددهم خلال القرن الماضي من 78% إلى 34% من السكان. سُجّل هذا التراجع بسبب انخفاض الولادات، فضلاً عن البيئات السياسية العدائية والأزمات الاقتصادية. يُعتبر الخوف عاملاً مؤثراً أيضاً. فقد رحل الناس بسبب توسّع نفوذ التنظيمات المتطرفة واقتناعهم بأن جماعتهم بدأت تتبخَّر".

"لأكثر من عشر سنوات، استهدف المتطرفون المسيحيين وأقليات أخرى كانت تؤيد الغرب في معظمها. هذا ما حصل تحديداً في العراق بعد الغزو الأميركي الذي دفع مئات آلاف الناس إلى الهرب". يقول بشار وردة، مطران أربيل للكلدان الكاثوليك: "منذ عام 2003، خسرنا كهنة وأساقفة وقُصفت أكثر من 60 كنيسة". ومع سقوط صدام حسين، بدأ المسيحيون يغادرون العراق بأعداد كبيرة، وتقلص عددهم إلى أقل من 500 ألف اليوم بعدما كان يبلغ مليون ونصف المليون في عام 2003".

"ثم جاء الربيع العربي ليزيد الوضع سوءاً. بعد إسقاط حكام دكتاتوريين مثل مبارك في مصر والقذافي في ليبيا، انتهى مفعول الحماية التي وفروها طويلاً للأقليات. اليوم، يسعى داعش إلى استئصال المسيحيين وأقليات أخرى نهائياً. يحرّف أعضاء هذا التنظيم تاريخ المسيحيين القديم في المنطقة (الإخضاع بقوة السيف) لتشريع معتقداتهم. منذ فترة، عرض داعش فيديوهات يؤكد فيها أن المسيحيين مواطنون من الدرجة الثانية في دولة الخلافة".

لأول مرة، "مستقبل المسيحية في المنطقة حيث ولدت هي الآن غير معلومة. فكم من الوقت يلزمنا للفرار نحن والأقليات الأخرى قبل أن نصبح قصة في كتاب التاريخ؟"، يقول نوري كينو، الصحفي ومؤسس منظمة 'المطالبة باتخاذ الاجراءات'. وبحسب دراسة لمركز بيو للأبحاث فإن المسيحيين يواجهون الآن المزيد من الاضطهاد الديني أكثر من أي وقت مضى منذ تاريخهم المبكر. وتقول آنا إيشو، وهي ديمقراطية من كاليفورنيا في مجلس النواب الأمريكي، من أبوين من المنطقة والتي تدافع عن المسيحيين الشرقيين، "وضع داعش الضوء على هذه القضية".

منذ اندلاع الحرب الأهلية في سورية في عام 2011، سمح الأسد للمسيحيين بمغادرة البلد. لم يجد ثلث المسيحيين في سورية، نحو 600 ألف شخص، خياراً آخر إلا الهرب من البلد". و"خلال الربيع الماضي، اجتمع مجلس الأمن لمناقشة مأساة الأقليات الدينية في العراق. قال المفوض السامي لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين: إذا طالبنا بحقوق الأقليات بعد بدء المذابح، فيعني ذلك أننا فشلنا".

ويضيف تقرير نيويورك تايمز: "كان يستحيل على رئيسَين أميركيين -بوش الإنجيلي المحافظ وأوباما الليبرالي التقدمي- أن يعالجا مأساة المسيحيين بشكل صريح خوفاً من أداء دور الصليبيين ومن تجدد خطاب صراع الحضارات الذي يُتَّهَم الغرب بتبنّيه... يقول تيموثي شاه، مدير مساعد في مشروع الحرية الدينية في جامعة جورج تاون: كانت إحدى الشوائب في أداء إدارة بوش تتعلق بالعجز عن التعامل مع هذا الوضع باعتباره نتيجة مباشرة لقرار الغزو".

"منذ فترة قصيرة"، يمضي التقرير بالقول، "تعرّض البيت الأبيض للنقد بسبب تجنب استعمال مصطلح "المسيحيين" عمداً. تحمل مسألة اضطهاد المسيحيين بُعداً سياسياً مشحوناً؛ لطالما استعمل اليمين المسيحي الفكرة القائلة إن المسيحية معرّضة للخطر ويجب أن تحشد قاعدتها. فحين ذبح داعش الأقباط المصريين في ليبيا خلال الشتاء الماضي، تعرّضت وزارة الخارجية الأميركية لنقد لاذع لأنها وصفت الضحايا بعبارة "مواطنين مصريين". يقول دانيال فيلبوت، أستاذ علوم سياسية في جامعة نوتردام: حين نوقف الحديث عن دوافع داعش الدينية أو عن الهويات الدينية للأقليات التي تهاجمها، يصبح حذر إدارة أوباما في المسائل الدينية مبالغاً فيه".

حتى لو هُزم داعش، يبقى مصير الأقليات الدينية في سورية والعراق قاتماً: "يقول عضو البرلمان الكردي د. سرود المقدسي: نحن موجودون هنا كجماعة عرقية بحد ذاتها منذ 6 آلاف سنة والمسيحيون هنا منذ 1700 سنة. لدينا ثقافتنا ولغتنا وتقاليدنا الخاصة. لكن إذا عشنا داخل مجتمعات أخرى، ستزول هذه المظاهر كلها بعد جيلين".

ووفق عدد من المسيحيين الآشوريين، يقضي الحل العملي بإنشاء منطقة آمنة في سهل نينوى. "يقول نوري كينو من منظمة 'المطالبة باتخاذ الاجراءات': إذا تمكن الغرب من استيعاب عدد كبير من اللاجئين وتولّت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عملية مماثلة، فلن نطالب بِحلّ دائم. لكن يقضي أكثر خيار واقعي بالعودة إلى الديار". إلا أن شكلاً من أشكال منطقة الحظر الجوي يمكن أن تمثل حلاً، على الرغم من أن الدعم الدولي سيكون ضرورياً للتحقيق منه.

لكن في الوقت نفسه، يعتقد آخرون أن أيام العيش السلمي بين الأديان وصلت إلى حد النهاية: "يقول الأب عمانوئيل يوخنا، رئيس برنامج مساعدة المسيحيين في شمال العراق: لا وقت لدينا لانتظار الحلول.. فالعراق أشبه بزواج قسري بين السّنة والشيعة والأكراد والمسيحيين ولكنه زواج فاشل. حتى أنا، الكاهن، أفضّل الطلاق في هذه الحالة".


Matty AL Mache