الأقليات تدفع الثمن.. المكوّن المسيحي بالشرق الأدنى وبلاد الرافدين.. هل هُو الإف

بدء بواسطة برطلي دوت نت, مايو 24, 2016, 11:27:18 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

الأقليات تدفع الثمن.. المكوّن المسيحي بالشرق الأدنى وبلاد الرافدين.. هل هُو الإفناءُ المتعمّدُ؟     
   

   
برطلي . نت / متابعة
عنكاوا دوت كوم/ ايوان ليبيا/ محمد الأمين

إبّان النزاعات الكبرى التي تجتاح الأوطان، تنشط حروب مصغّرة وفرعيّة تهيمن عليها العناوين الفئوية طائفية أو عرقية أو ثقافية أو دينية. وهذا ما ظهر بالخصوص في الحالتين العراقية والسورية..

ففي العراق تجد مثلا صراعا كرديا عربيا.. تنشط داخله نزاعات بين القوميين الكُرد أنفسهم.. بينما يحترب العرب تحت عنوانين: ديني تجد ضمنه مسلمين ومسيحيين ويزيديين.. وطائفي ضمن المكوّن المسلم، يسيطر عليه عداء شيعي سنّي.. وضمن السنّة تجد معتدلين ومتطرفين، وفي صفوف الشيعة تجد فئات شتّى.. تجد كذلك عربًا ضدّ أكراد ضدّ تركمان ضدّ أرمينييّن ضدّ آشوريين.. أما في سورية، فلا تختلف العناوين الدينية والطائفية كثيرا عن بلاد الرافدين.. لكنك تضيف إلى الطوائف دروزا وعلويين، وإلى الأعراق سريانيين، وإلى الديانات وجودا مسيحيا تاريخيا كثيفا مقارنة بالعراق، باعتبار القرب الجغرافي من فلسطين حيث بيت لحم عاصمة المسيحية الشرقية.. ومن لبنان، حاضرة المسيحيين العرب، ومقرّ البطريركية الاورثودوكسية، ومعقل الموارنة الرئيسي.

وفي بؤرة صراع طائفي أخرى مستعرة باليمن، تجد شيعة وأيزيديين ومجتمع من المسلمين السنّة ذوي الولاءات والأجندات.

في كلّ هذه البلدان المتفجّرة، كانت البدايات سياسية، لكن طول مدة الاحتراب والتدخل الأجنبي وخصوصا امتدادات مختلف الأطراف المتحاربة ببلدان الجوار أدت إلى استقطاب إقليمي وتجييش غير مسبوق، حيث تحوّلت الأطراف المتناحرة داخل البلدان المضطربة إلى ما يشبه حجارة رقعة الشطرنج تحركها أطماع الآخرين، وتتحكم بمواقفهم قوافل السلاح وأفواج المقاتلين المتدفقة، وحقائب العملة الورقية وسط معارك شرسة وتصفية طائفية وعرقية وأيديولوجية هي الأعنف عبر التاريخ المعاصر. ثم انتهينا بعد سنوات من القتال إلى مدن ودول مدمرة وشعوب ممزقة ومجتمعات متباغضة، وتلاشى مفهوم الولاء الوطني، وتفسخّت مقولة الدولة الوطنية الجامعة وانزاحت تاركة المجال فسيحا أمام الدين والطائفة والقبليّة والعرق والانتماء القبلي والفئوي الضيق..

والحقيقة أن هذا الأمر مفهوم باعتباره يعكس سلوكا غرائزيا لدى الإنسان وردّ فعل طبيعي على الشعور بالخوف والقلق على المصير.. فيبدأ بالبحث عمّن يحميه، ويلوذ بالمُخلّص الأوّل والأقرب إليه مكانيا وعاطفيا.. فإذا وجد القبيلة أقرب يكون ولاؤه إليها، وإن وجد الطائفة أقوى أو الدين أشد مناعة انحاز إلى أحدهما.. وهكذا دواليك..

وفي المشهد الشرق أوسطي الدامي، حيث تكثر الأقليات العرقية والثقافية والدينية والطائفية تجد بعثرة وفوضى كبيرة في خارطة الولاءات.. حيث هنالك كثير من التناقضات بين الأطراف المعنية بالصراع وحتى داخل المعسكر الواحد..

وضمن الصراع السياسي والمذهبي والطائفي والديني، يُعتبرُ المسيحيون أكثر الفئات التي تضرّرت بالعراق، حيث تعرّضوا إلى استهداف مباشر وتشريد من قبل الطرف التكفيري المتشدد متمثلا في تنظيم داعش، ناهيك وأن عددهم قد تقلّص إلى أقل من 500 ألف اليوم بعدما كان يبلغ مليوناً ونصف المليون عام 2003.
أما على الساحة السورية، فإن كثيرين منهم قد دفعوا غاليا ثمن موقفهم السياسي الذي تراوح بين تأييد النظام والتزام الحياد، على الرغم من الانقسام الشديد في موقف المجتمع المسيحي داخل لبنان المجاورة.. حيث يتحكم الاستقطاب السياسي بين فريقي 8 آذار، و14 شباط، بشكل واضح في صياغة موقف الكنيسة المارونية من النزاع السوري.. فتجد مثلا شقّا كبيرا من المسيحيين المؤيدين للنظام في سورية، ضمن تحالف حزب الله، حركة أمل، التيار العَوْني وبعض الأحزاب الدرزية والسنّية الصغيرة.. بينما تجد شقّا مسيحيّا آخر مدعوما بثقل موقف البطريركية وقوّة الدعم الفرنسي والأوروبي الظاّهري.. هذا الشق يضم تحالف القيادات السنيّة يقودها آل الحريري، والعائلات السياسية المسيحية الكبرى كآل الجميّل، ومعوّض، وآل المُرّ، وحزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، وحزب وليد جنبلاط ممثل القطاع الدرزي الأكبر في لبنان.. غير أن هذا التنوع الذي قد يفهمه البعض على أنه سياسة متعمّدة ومقصودة تهدف إلى ضمان أفضل التموضعات الممكنة للمسيحيين ليس في حقيقة الأمر سوى أحد الأشكال المباشرة لانقسام المجتمع المسيحي في الشرق ككلّ، وهو ثمن دفعه المسيحيّون نتيجة اندماجهم العضوي حدّ الانصهار في نسيج الدول الوطنية التي يتواجدون ضمنها، والتي استفادت من وجودهم عبر التاريخ، لكنها لم تضمن لهم ما يستحقّون أو ما يحتاجون من حماية إبّان النزاعات..

المسيحيون كانوا يدركون حقّ الإدراك ما تريده الدول الوطنية بالمنطقة من وجودهم.. فهي تريد تبييض صفحتها كي تبدو بمظهر الدول المتسامحة، والمتقدمة، وتستفيد من قدراتهم الاقتصادية وعلاقاتهم بالمجتمعات والدول الغربية، والاهمّ هو أنها تثق في زهدهم الكبير في السلطة، باعتبار أنهم يدركون جيّدا حدود ما يسمح لهم حجمهم الديمغرافي بالحصول عليه من حصص المناصب والمغانم في أجهزة السلطة.. والأنظمة السياسية في معظمها لا تريد أقليات عرقية أو دينية مزعجة ومنافسة وذات طموح سياسي جامح.. بل مجرّد تجمعات ترضى باحتكار مجالات معينة من الاقتصاد أو الصناعات أو قطاعات إنتاجية معلومة تقودها أو توجّهها رؤوس طائفية أو سياسية مشاركة في السلطة.. وهذا تجده في سورية ولبنان على حدّ سواء..
والمسيحيون كأقلية دينية متكونة أساسا من نسيج عرقي متنوع، به عربٌ وتُركٌ وأرمن وكلدانيون وآشوريون وسيرانيّون وروم ومالطيون ويونانيون وغيرهم لا يعوّلون كثيرا على الدولة الوطنية في حمايتهم بل كثيرا ما يدخلون في تحالفات مع أطراف صراع قوية مثلما هو الحال في سورية.. أو ما كان عليه الحال أثناء حرب لبنان الأهلية (تحالفات مع دروز أو شيعة أو فلسطينيين الخ..).. وكثيرا أيضا ما كانوا يخيّرون مغادرة بؤرة الصراع في حركات نزوح أو هجرة واسعة نحو بلدان أوروبية متوسطية كاليونان ومالطا وفرنسا وإيطاليا وقبرص لينتشروا بعد ذلك في بلدان كثيرة مستغلّين التعاطف الواسع معهم كأقلية مهددة أو مستخدمين جوازات سفرهم الأوروبية التي لا يكاد يخلو منها بيتٌ لبناني بالخصوص..

هذا إذا تعلق الأمر بصراعات عادية أو قصيرة الأمد كحرب تموز لبنان 2006 أو بدايات الأزمة السورية.. لكن في هذه المرحلة من النزاعات الشرق أوسطية والاكتظاظ الشديد الذي تعانيه بلدان المقصد والوجهات الأكثر طلبا من المهاجرين، يواجه المسيحيون نفس المخاطر التي يواجهها سائر اللاجئين وسائر الأقليات تقريبا.. بل أن هنالك أصوات وتقارير دولية تحذّر من أن هذه المرّة ليست ككلّ المرّات السابقة.. وأن وجود المسيحيين بالشرق مهدّد بشكل جدي وغير مسبوق.. وأن مخاطر انهيار الدول الوطنية في العراق وسورية ولبنان سيعني فيما يعنيه إخلاء بلاد الرّافدين والشام من المسيحيين بشكل شبه كامل، إذا ما استثنينا بعض الأديرة والكنائس والصوامع الموجودة بالمناطق الجبلية النائية وبالقرى والضياع المعزولة التي لا تهتم بها أطراف الصراع ولا تقيم لها وزنا كبيرا ضمن حسابات النفوذ والمكاسب..

في القديم.. كان وجود الأقليات وبالخصوص منها المسيحيّين مظهرا رئيسيا من مظاهر قوة المجتمع المسلم، وآية من آيات عدالة الدولة الإسلامية الضامنة لسلامة الأقليات والراعية لسُنّة الاختلاف والتسامح مع الآخر.. واستمرّ هذا منذ فتح بيت المقدس إلى العصر الوسيط ثم العصر الحديث مع الدولة الوطنية.. لكن الوهن الذي أدى إلى إسقاط الدول في مختلف المراحل عصف بأمن المسلمين وسلامتهم قبل المسيحيّين، فأصبحوا عاجزين عن حماية أنفسهم فضلا عن حماية الأقليات.. وهذا درسٌ آخر لم تستوعبه الدول الغربية التي ترفع شعار حماية المسيحيين والدفاع عنهم.. فالدفاع عنهم لا يعني التآمر على البلدان والشعوب التي يقاسمونها الأوطان منذ آلاف السنين.. ولا يعني إسقاط الدول التي كانت تحميهم وتضمن حقوقهم في قوانينها ودساتيرها.. ولا يعني أبدا تسليح ودعم الجماعات التكفيرية التي تضع إفناء المسيحيين على رأس قائمة أهدافها، إذ لا يمكن الجمع بين دعم التكفيريين والمتشدّدين، من ناحية، والخوف من تهجير كامل للمسيحيين من ناحية أخرى..

هذا مستوى أوّل من العلاقات، وهو الامتداد الأولّ للمشكلة حيث يتعلق الأمر بالمسيحيّين الشرقيين ضمن بيئتهم الأصلية .. أما الامتداد الثاني، فهو الذي يهمّ مسيحيّي الشرق (الأورثودوكس) في علاقتهم بالكنيسة الأوروبية الغربية (الكاثوليكية) والغرب بشكل عام، حيث من الصعب على المتابع العادي أن يستوعب كما يجب تشابك العلاقة، والخلاف العميق بين "المسيحيّتين"..

فإذا كانت الكنيسة الغربية قد تحولت بفعل المتغيرات البنيوية والتاريخية التي شهدها العالم الغربي إلى ديانة مادية مجردة من أهم الجوانب الإيمانية والروحية، وتماهت بفعل التشويه الشديد والمتعمد الذي استهدفها إلى عقيدة إلحادية لا فرق بينها وبين أي مذهب وضعي أو نظرية من صنع البشر.. بل إنها قد تعرّضت إلى طمس كارثي فيما يتعلق بأحكام الحياة الفردية والجماعية وانحدرت في إطار ما يُسمىّ بــ"التأقلم"إلى قبول التفسّخ الأخلاقي والقيمي، وحركات الشذوذ الفكري والسلوكي وتسامحت مع كثير من "المحرمات" كالطلاق والإجهاض والشذوذ الجنسي والانحرافات العقائدية وظواهر التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية والقتل الجماعي والتهجير القسري في أنحاء كثيرة من أوروبا عبر تاريخها الحديث والمعاصر، وغيرها.. ممّا أدّى بها إلى أن تصبح مجرّد شعائر فولكلورية مناسباتية، فإن الكنيسة الأورثودوكسية/الشرقية ما تزال، حسب ما يرى كثير من العارفين، محافظة على قُدُسيّة الجوانب الروحية والإيمانية، وما تزال قائمةً على التعاليم المسيحية الأصلية، أكان من ناحية الشعائر أو العقائد..

وقد دفعت الكنيسة الشرقية ثمناً باهضًا لتناقضها مع الكنيسة الغربية المادية، حيث تصادمت لاإرادياّ مع الطموحات الصهيونية اليهودية، والصهيونية المسيحية. فالصهيونية اليهودية ممثلة في إسرائيل واللوبي الداعم لها عبر العالم.. والصهيونية المسيحية تمثلها طائفة المحافظين الجُدد أو ما يُعرفُون بالبنيويّين، الذين اخترقوا مؤسسة الحكم الأمريكية بالخصوص، وهيمنوا على مفاصل النظام السياسي وأوصلُوا إلى دوائرالسلطة متعاطفين ومتحالفين مع منظمة آيباك وشبكات دعم الاستيطان الإسرائيلي لسائر المعالم التاريخية المسيحية والإسلامية في فلسطين، وكوّنوا تدريجيّا لوبيات سياسية ونخبة فكرية واجتماعية ومالية مؤمنة بطرحهم العنصري والتمييزي ومدافعة عنه كأشرس ما يكون.

كان العداء اليهودي المسيحي مستحكما وقديما قِدم الرسالات، وموروثا مع عقليات الإلغاء والشطب المتجذّرة في الثقافة اليهودية عبر التاريخ.. وقد جعلت هذه الموروثاتُ التخلصَ من المسيحيين هاجساً يهوديا صهيونيا منذ عقود طويلة قبل إنشاء الكيان الصهيوني، وتحوّلت الكراهية المجرّدة ضدّهم إلى مساعي حقيقية وحملات اعتداء وتهجير ومحاصرة وعزل وتقييد متعدد الأشكال والأساليب، جعلت عددهم بفلسطين على سبيل المثال يتقلّص من 29350 نسمة عام 1945 إلى نحو 27000 نسمة عام 1947!! أما اليوم فإن عددهم لا يتعدى 10.000 نسمة، بعد أن كان يبلغ 12000 نسمة عام 2000!!

وقد يتساءلُ المرءُ عن الخيارات التي اعتمدتها الكنيسة الغربية، والكرسي البابوي الذي يفترض أنه الراعي لكافة مسيحيّي العالم رغم الخلافات المذهبية، في التعامل مع التحديات الوجودية التي تهدد باضمحلال المكون المسيحي الشرقي، خصوصا في سورية وفلسطين والعراق؟؟..

لا تخلُو من الإجابة غرابة، لأن أقصى ما يمكن أن يحصُل عليه المكون المسيحي الأورثوردوكسي في مثل هذه الظروف هو فرصة هجرة فردية أو فرصة استيعاب وإدماج في دولة من الدول الأوروبية تؤدي إلى شطبه وطمسه بشكل "سلميّ" وطرده من "أرضه" بالتراضي!! وهذا الحلّ يلتقي ويتناغم تناغما شديدا ومقصودا مع روح التحالف المتين بين الصهيونية والكنيسة الكاثوليكية، ومع الطوائف المسيحية الإنجيلية المؤثرة في صنع سياسات الدول الغربية، والفاعلة في توجيه القرار السياسي والعسكري والماليّ لهذه القوى.. ولأن قرار هذه الدول مُسْتَلَــبٌ ومُهيمَــنٌ عليه من الدوائر الصهيونية بالأساس، فإنه لا يستطيع إلا أن يكون مواليا لمصلحة إسرائيل، ومؤيدا ليهوديتها كدولة دينية فريدة من نوعها في العالم، وداعما لتهويد كافة الأراضي والمقدسات المسيحية والإسلامية على حدّ سواء.. المسيحيوّن في الغرب لا عداء لهُم مع تعاليم الصهيونية لأن ارتباطهم الروحي بالعقيدة المسيحية الحقيقية ضعيف أو منعدم، لذلك فتقاطع مصالحهم من الصهيونية يجعلهم يخدمون أجندة الخلاص من المسيحية الحقيقية في الشرق دون أي تحفظ ودون الشعور بأي تناقض مع مبادئهم المادية المناقضة لتعاليم الكنيسة الشرقية..

وهذا يفسّر إلى حدّ كبير الفتور الواضح الذي يطبع ردود أفعال الغرب إزاء صيحات الفزع من تلاشي الوجود المسيحي.. والصمت التآمري خصوصا في ما يتعلق بملف تهويد القدس، والاعتداءات المتكررة التي يمارسُها ضدَّ الوُجُودِ المسيحي متطرفون يهود ومستوطنون إسرائيليون وافدون أساسا من دول غربية تعتنق مذهب الكنيسة المادية، وتكنّ شعورا عدائيا عاليا ضدّ المسيحية الشرقية بشكل عام. وللحديث بقية.