تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

قصة عشق قصيرة/شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يونيو 05, 2017, 09:43:23 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

قصة عشق قصيرة     
   


برطلي . نت / بريد الموقع

شمعون كوسا



من المؤكد بان هناك الكثيرين ممّن سيتساءلون: ما لصاحبنا الذي ارتفع رصيد عمره الى عدة عقود من السنوات، ما له وهذه القصة!! هل هو ندمُ أم حنين الى الماضي ؟ ألم يتجاوز هذه المرحلة ؟ بما إني أنا الذيافترضتهذا التساؤل، أقول:
إن ما دعاني الى كتابة هذه القضة  هو سماعي بصورة منتظمة لأغنية قديمة لفيروز . اغنية اندمج معها كثيرا ، اندمج معالصوت الجميل الصافي ، الصوت الهادئالذي يتّخذ الفضاء بأكمله مساحة لتنقلاته ، لحن يبدأ خافتا وبهدوء ، ويرتفع قليلا فقليلا وكأنه يتهيّأ للإقلاع ، وعلى حين غرّة تراه وتسمعه وقد حلّق عاليا. وخشية إضاعة طريق العودة ، يتجه الى الطرف الاخر متدلّياً وكأنه معلّق بخيط رفيع يزيد من رخامة الصوت وتأثيره . يستمر الغناء ،  والتحليق ، والصعودوالمراوحة ومن ثَمّ  الهبوط ، الى أن ينتهي على شكل حبّات بلورية ملوّنة تتناثر وتتضاءل بنفس الهدوء ، الى آخر حبة تنقلب غبارا وتهطل كالمطرعلى الارض. عملية تتمّ بانسجام رائع مع كلمات بسيطة تم استعارتها من الطبيعة احتفاء بالحب والعشق.
انها اغنية قديمة ، وقليلة التداول لان سماعها والاستمتاع بها يتطلب صمتا وهدوءً، وهذا استعداد قد يسخر منه أولاد جيلنا الحالي. إذا كان هناك من اقتنع قليلا بوصفي هذا ، بوسعه توفير جوّ هادئ لسماع الاغنية التي تبدأ بهذه الكلمات  : (قالوا ابعدي ، تنسيه وتنسي هواه، وتستريحي من عذابو ....) ، والان سأقوم بالنسج قليلا على بعض حافات الاغنية :
يُروى عن فتاة جميلة أحبت شابا في مقتبل العمر لا يقل عنها جمالا. يقال انهما وقعا في الغرام من النظرة الاولي التي وقعت كصاعقة خلقت جاذبية لم يُفلحا في الافلات منها . جرت الامور بسرعة ، اقترنا واصبحا يمضيان اوقاتهما وكأنهما في جنة .
مع مرور الايام ، بدأ العشق يشتدّ الى ان تحوّل الى غيرة قاتلة . الغيرة من كل نظرة او كلمة او التفاته او ابتسامة ناجمة عن الشاب .  في المساء عند حلول ساعة العتاب ، كان الزوج يبدد شكوك حبيبته ويوضح لها الامور، مؤكدا بانه لا يمكن ان يحب غيرها ، ولكن عشقها الشديد لم يكن يقبلإلابحبيب مخصص لها كاملا ، بكامل شخصيته وكافة حواسه ،كانت ترى في انفتاحه على الغير انتقاصا من حصتها فيه.
مرّت الايام والغيرة لم تتوقف. بدأت الفتاة  تُمضي  اياما وليالي في التفكير والقلق والبكاء ، الى ان اضطُرّت للبوحبمكنونات قلبها لجاراتها وصديقاتها . كان هؤلاء يُبدّدن شكوكها،يُكذّبن الظنون ويسدين لها النصح بالتريث.لم يجدِ النصح نفعا ، لان العشق كان قد تحول الى غيرة قاتلة أدّت الى هزالجسم الفتاة،وشحوب وجهها،وفقدانشهيتها.
في احد الايام وبعد أناعادت الحديث ذاته عن عذابها ،رأت صديقاتُها بانه لم يعد هناك حلّ إلا في ابتعادها عن زوجها ، وتغييرالاجواء التي تعيش فيها والا ستذبل تماما.فقلنلها:ابعديعنه،لكي تنسيه وتنسيهواه، وتستريحي من عذابه وشقائه. فالبُعد يجعل الجريح ينسى جروحه، ويستعيد هدوءه وهناه.
لا اعرف كيف اقتنعت الفتاة ، فهيّأت نفسها للرحيل واتجهت الى  مكان بعيد جميل مِلؤه الامان . وقررت  بان تخرج من قلبها الحنان،  وتعود الى سابق عهدها تغني،لأنها كانت تحب الغناء،فتنسى العشق والسهر والتفكير بحبيبها.
بعد وصولها ، وفي منهاج قاسٍ لمحو الذكريات ، بدأت تلملم ما كان قد تبقى من دموع ، وحاولت إزالة كل اثرمن حبها وولعها الشديد،  وأمضت اسبوعا وهي تضغط على نفسها في انجاز هذه العملية . كانت تقنع نفسها بان هذا هو الحلّ الوحيد ، وكل ما كانت تتذكرحبيبها ، تبدأ بالغناء أو تخرج لتغيير مساحة انظارها ،فينشغل فكرها بالأشجار والزهور والطيور والوديان . عند بروز دموع جديدة، تقوم بمسحها على الفور، وعند زيادة حنينها، تعيد الغناء بصوت أعلى لخنق صوت الحنين.ولكن بالرغم من بعدها وجهودها بقيت لياليها بيضاءَ، لأنهاكانت موقِنةًبان القلب لم ينسَولو للحظة . ولم يكنشوقها خفّ ولم تهدأ العاصفة ولم تندمل الجروح .كانت تحسّدوما بشيء ينقصها.
في احد الايام وبعد معاناة ليلية طويلة ، نهضت مع شروق الشمس .بدأ البلبل يغرد قرب شباكها  ، واذا بها مع تغريد البلبل تسمع  صوتا آخر قادماّ من أعماقبعيدة ، نداء سمعه قلبها وتعرّف عليه. بدأ قلبهايخفقبشدة،وكأن ناراً اندلعت داخلها.شعرت باندفاع شديد لم تقوَ على مقاومته،فخرجت مسرعة للحال،وغدت تعدو كهارب تلاحقه كلاب مسعورة،وطوال الطريق لم تكفّ عن الصراخ بأعلى صوتها قائلة:
ها اني راجعة اليك ، وقادمة إليك بسرعة البرق .اعادت الكلام مرة تلو أخرى وبصوت عال جدا خشية مغادرته وكفّه عن النداء ، كانت تطلب منه التريث وتغني من جديد قائلة : ها اني راجعة إليك . كان قلبها لا يكفّ عن طرح الاسئلة ، والردّ يأتيها عبر دموع تنهمر. دموعلم تنشف يوما،دموع ارتضت بالاحتباس الى أن أُفرِج عنها فانسكبت مدرارا.
وصلتِالعاشقة الى مصدر النداء ، ووقفت عند الباب ، وركعت هناك خاشعة وكأنها على عتبة مزارمقدس وبدأت  تصلي . بدأت تغني بأعلى صوتها وتستغفر حبيبها مرة ومرتين وثلاث عن غيبتها الطويلة،وبيدين ضمّتهما تارة وبسطتهماطورا ،تتضرع ،وتتوسّل ، طالبةً رضاه .
خرج الحبيب والنار تكاد تحرقه شوقا.كان هو بدوره يبكي ندماً واستغفارا،  فتعانقاطويلا.يُقال بان الدموع التي انهمرت ، سالت كثيرا الى أن كوّنت ساقية صغيرة !! وبعدهذا التجربة القاسية،  قيل بانهما عاشا عيشة سعيدة !! وهنا يجب ان اختم بالقول : لولا شغفي بجمال الاغنية ، صوتاً ولحناً وكلماتٍ عفوية ، وهذا رأيي الشخصي ،  لَما سردتُ هذه القصة العادية والبسيطة جدا والتي لا تجلب انتباها خاصا !!!.