الأقلية العراقية اليزيدية تتجنب الأطفال الموليدين نتيجة للإغتصاب والاستعباد

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أكتوبر 31, 2018, 02:25:17 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

الأقلية العراقية اليزيدية تتجنب الأطفال الموليدين نتيجة للإغتصاب والاستعباد   


في هذه الصورة التي أُخِذت في 22 من شهر آب الماضي، يظهر الطفل أردوان البالغ من العمر 4 سنوات وهو يأكل البطيخ على أرضية المطبخ في دار الأيتام للأطفال اليزيديين في الشيخان شمال العراق. اختفى والد الطفل وأربعة من إخوته منذ شهر آب من عام 2014 عندما سيطر مسلحوا الدولة الإسلامية على شمال وغرب العراق. يعيش هذا الطفل في دار الأيتام مع والدته وإثنان من أشقائه الباقين. (وكالة أسوشيتد برس).
         
برطلي . نت / متابعة

واشنطن بوست
حمزة هنداوي وقاسم عبد الزهرة وسالار سالم
عنكاوا كوم – ترجمة رشوان عصام الدقاق
دهوك – العراق: تواجه الأم اليزيدية البالغة من العمر 26 عاماً خياراً قاسياً جداً.
تستعد أُسرتها للهجرة من العراق الى استراليا لتبدأ حياة جديدة بعد المعاناة التي قاستها هذه الأقلية الدينية الصغيرة مع الدولة الإسلامية، وهذه الأم هي في أشد الحاجة للهجرة معهم. ولكن هناك شخصاً آخر لا تستطيع تحّمُل تركه ورائها، إنها ابنتها ماريا البالغة من العمر عامين والتي ولِدت نتيجة لإستعباد الأم من قِبل أحد مُقاتلي الدولة الإسلامية.
وهي تعرف حق المعرفة أن عائلتها لن تسمح لها على الإطلاق أخذ ماريا معها. ومما يجدر ذكره أن العائلة لاتعلم بوجود الفتاة بإستثناء عم الأم الوحيد الذي يعلم وهو الذي أخذ الطفلة ووضعها في دار الأيتام في بغداد بعد أن تم تحريرهم من الأسر في العام الماضي.
قالت أم ماريا وهي تتحدث الى وكالة أسوشيتد برس في أحد مخيمات النازحين اليزيديين في شمال العراق، ينفجر قلبي من صدري في كل مرة أُفكر في تركها، إنها جزء مني، لكني لاأعلم ما أفعل.
تحدثت المرأة بشرط أن لايتم التعرف عليها إلا على أنها أم ماريا خشية أن تعلم عائلتها ومجتمعها بذلك.
يُشير عذاب أم ماريا الى الجروح المتضاربة التي عانت منها الأقلية الدينية اليزيدية في العراق على يد تنظيم الدولة الإسلامية عندما اجتاح المسلحون في عام 2014 منطقة سنجار في شمال العراق التي يسكنها اليزيديون، وقد ألحقوا بالمجتمع اليزيدي قدراً كبيراً من الأذى، كما كان يحدث في القرون الوسطى. ذُبِحَ المئات من الرجال والصبيان اليزيديين وهرب عشرات الآلاف من منازلهم واخذ المسلحون الآلاف من النساء والفتيات واحتجزوهم كعبيد للجنس واعتبروهم زناديق يستحقون القهر والإغتصاب.
تم توزيع النساء بين مُقاتلي داعش في العراق وسوريا، وفي السنوات التالية تم الإتجار بهم وبيعوا كالماشية. وحملت العديد من النساء أطفالاً من الذين استعبدوهم، وعدد هؤلاء الأطفال غير معروف لكنه بِلا شك يُعَّد بالمئات.
ركزت جائزة نوبل للسلام لهذا العام على ضحايا العنف الجنسي واليزيديين بوجه خاص حيث تم اختيار إحدى النساء المختطفات من قِبل داعش، نادية مراد، لتفوز بالجائزة.
لقد عادت الكثير من النساء الى الوطن بعد إسقاط دولة الخلافة في العراق وسوريا، لكن ليس جميعهنَّ. وفي حين أن البعض منهم لايرغبون عمل أي شيء بالنسبة للأطفال المولودين نتيجة الإغتصاب والعبودية، يُريد البعض الآخر، مثل أم ماريا، الاحتفاظ بهم.
لكن العائلات اليزيدية غالباً ما ترفض الأطفال.
وهذا انعكاس للتقاليد العميقة التي يتّبعها المجتمع اليزيدي سعياً للحفاظ على هويته بين السكان المسلمين الذين ينظر الكثير منهم ولقرون عديدة بعين الريبة الى الديانة اليزيدية القديمة. واليزيديون يتكلمون شكلاً من أشكال اللغة الكردية ويحاولون إبقاء مجتمعاتهم مُغلقة ولا يُعرف إلا القليل عن طقوسهم.
واليزيديون يرفضون دائماً الزيجات المختلطة والأولاد من آباء غير يزيديين. تُعّد المشكلة في هذه الحالة أكبر بكثير لأن الآباء هم من المسلمين السنّة المتطرفين الذين سعوا للقضاء على المجتمع اليزيدي. وبموجب القانون العراقي يُعتبر الأطفال مسلمين.
لقد اتخذ المجتمع اليزيدي موقفاً تقدمياً نسبياً تجاه الأمهات، ففي المجتمع العراقي التقليدي يمكن أن يؤدي الإغتصاب الى وصمة عار للضحية. ولذلك أصدر الرئيس الروحي لليزيديين، باباشيخ خيرتو حجي اسماعيل، بياناً في عام 2015 أعلن فيه أن النساء اللواتي استعبدهنَّ داعش "طاهرات" مع الحفاظ على دينهنَّ. وسمح هذا الإعلان الترحيب بالنساء مرة أخرى في المجتمع اليزيدي.
لكن ليس الأطفال
واعترف خضر دوماري، وهو ناشط يزيدي بارز، بأن تقاليد المجتمع المحلي بحاجة الى بعض الإصلاح، وقال أن القيادة أظهرت مرونة في محاولتها التعامل مع الصدمة التي خلفتها الدولة الإسلامية، المعروفة بالمختصر العربي داعش. ويقول أنه من الناحية النظرية يمكن للأمهات جلب الأطفال الى مجتمعاتهم لكنهم سيواجهون ضغوطاً شديدة من أفراد العائلة والجيران. وأضاف، من الصعب حتى بالنسبة للأم أن تجلب طفلاً للعيش وسطنا عندما يُحتمل أن يكون والده الداعشي قد قتل المئات منا بيديه، بما في ذلك أقارب الأم.
أُسِرتْ أم ماريا مع نساء أخريات في شهر آب من عام 2014 عندما اقتحم المسلحون بلدة سنجار التي تقع بالقرب من الحدود السورية. وفي النهاية تم نقلها كعبد لمقاتل من داعش لم تعرفه إلا بالاسم المستعار أبو تراب.
قُتِل أبو تراب في عام 2015 وباعت عائلته أم ماريا بمبلغ 1800 دولار الى مُقاتل آخر عراقي وصفته على أنه أحمد محمد الذي أخذها الى الموصل في العراق حيث عاشت مع زوجته الأولى وأولادهما. وبعد فترة وجيزة من ولادتها لماريا قُتِلَ هو أيضاً في عام 2015.
بعد ذلك تم إرسالها الى دار ضيافة لداعش حيث يتلقى مقاتلوا الدولة الإسلامية الجرحى منهم الإسعافات الأولية، أو لأخذ قسط من الراحة من الخطوط الأمامية، ويستخدمون النساء اليزيديات لممارسة الجنس.
وحين هاجمت القوات العراقية مدينة الموصل، تم نقل النساء من حي الى آخر هرباً من القصف. وفي صيف عام 2017 عندما سقطت المدينة هربت أم ماريا الى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، رغم أنها أصيبت خلال القصف.
وفي المستشفى أقنعها أحد أعمامها لأخذ الطفل حتى تتعافى ووعدها بإرجاع ماريا بعد ذلك. وقالت أم ماريا لو علمت أنهم خططوا لإيداع الطفلة في دار الأيتام لما كنت سأعطيها أبداً.
استطاعت أم ماريا أن ترى طفلتها التي عمرها الآن 3 سنوات مرة واحدة فقط منذ ذلك الحين، فقبل عدة أشهر زارتها في دار الأيتام في بغداد وقضت يومين معها. وقالت إنها لم تعرفني لكنني عرفتها، كيف لا أعرفها إنها جزء مني.
يرى الكثير من اليزيديين أنه من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن يحمي المجتمع هويته في الوقت الذي يُكافح فيه من أجل البقاء. وكان يُقدر عدد اليزيديين في العراق قبل عام 2014 بحوالي 700 ألف نسمة. ومنذ هجوم داعش هرب من البلاد حوالي 15% من اليزيديين الذين غادر معظمهم الى الغرب. ويعيش حالياً حوالي نصف ما بقيَّ منهم في مخيمات للنازحين منتشرة في أنحاء مختلفة من شمال العراق.
وما زال هناك 3000 يزيدي تقريباً في عِداد المفقودين أو في الأسر، ويعتقد الخبراء أن ثلثهم فقط ما زال على قيد الحياة.
يُحاول اليزيديون أيضاً استعادة أماكنهم في البلاد حيث مزقَ داعش النسيج الاجتماعي. وعلى الرغم من وجود توترات مستمرة، فقد عاش اليزيديون جنباً الى جنب مع جيرانهم المسلمين في المناطق الشمالية التي تُمثل موطن العديد من الأقليات، بما فيهم المسيحيين والأكراد.
ولا يثق اليزيديون الآن مطلقاً بالمسلمين العرب متهمين اياهم بالتعاطف مع داعش، ويقولون أنهم حتى في بعض الأحيان انضموا الى المسلحين لذبحهم واستعبادهم. ويقول المجتمع اليزيدي أيضاً أن الحكومة المركزية لم تفعل ما يكفي لإستعادة النساء اليزيديات. وقد كان عمل العائلات الى حد كبير لجمع وصرف آلاف الدولارات لشراء البنات والزوجات ودفع المال لمهربين للتسلل الى الخارج.     
          قال عبدالله شيريم، وهو رجل أعمال يزيدي، لقد أصبحنا مستائين جداً من المسلمين لدرجة أننا نقول لأطفالنا لا تكونوا مثل المسلمين حين يتساوون بعضهم مع البعض الآخر.
ويُنسب الى شيريم إنقاذ عشرات  النساء اليزيديات من الأسر من خلال شبكة من الاتصالات التجارية والمهربين وبعض من صائدي الجوائز.
ويُعاني ويُصارع المجتمع اليزيدي حالياً لدمج آلاف الأطفال اليزيديين المتأثرين بالحرب.  وعادة  يقوم الأقارب بأخذ الأطفال الذين قُتِل أو أُسرَ آباؤهم لتربيتهم، ولكن إذا لم يتمكن هؤلاء الأقارب من تحمل تكاليف ذلك، ينتهي بهم المطاف في دور الأيتام. ويجب على الأطفال الذين اختطفهم داعش وترعرعوا كمسلمين استعادة تعلم الدين اليزيدي. كما يجب إعادة الأطفال الذين أجبروا على أن يصبحوا جنوداً لداعش وتحملوا التدريب العنيف.
ووسط هذه الصدمات لايوجد تعاطف كبير مع الأطفال الذين ولِدوا لمسلحين من داعش.
وصفت إمرأة أخرى من اليزيديين تبلغ من العمر 21 عاماً، طلبت أن تسمى أم بسام، وصفت كيف تركت أراضي داعش في سوريا في شهر آب، وكيف اتصلت بعائلتها طالبةً منهم إذا كان بإمكانها إحضار ابنها البالغ من العمر 9 أشهر معها الى المنزل. وكان والد بسام أحد مُقاتلي داعش الذي احتجزها.
وكان ردهم لايمكننا السماح لطفل داعشي العيش معنا.
كانت أم بسام محتجزة عند داعش لعدة سنوات. وقام مقاتل داعش الذي احتجزها، وهو عراقي، أخذها في صيف 2017 عبر الحدود الى سوريا بعد انهيار حكم المتشددين في العراق. وقد ولدت ابنها بسام في سوريا. وكان عليها وعلى محتجزها الهرب من بلدة الى أخرى حين فقد المسلحين الأرض في سوريا. وفي نهاية المطاف هرّبها هذا المقاتل الى الأراضي التي يُسيطر عليها الأكراد وهرب هو الى الصحراء مع مسلحين آخرين.
وفي مدينة القامشلي السورية الكردية، انتهت أم بسام في بيت مع نساء يزيديات أخريات والذين مع الكثير منهم أطفالاً أيضاً.
بعد رفض عائلتها، لانت ووافقت على ترك بسام مع السلطات الكردية إذ حاولوا طمأنتها وقالوا لها بأنه سيعنى بالطفل في دار الأيتام،  وأن هناك 100 طفل في الأقل تركتهم النساء اليزيديات. وقالت، كنت أعانقه واحتضنه حتى اللحظة التي أخذوه مني. وقالوا لها لا تقلقي ففي غضون 10 أيام لن يتذكركِ أو يتعرف عليكِ، سنجعله ينسى كل شيء.
لكن أم بسام تتذكر كل التفاصيل، وقالت إن ابنها كان ممتلئاً ومتوسط البياض وذو وجه جميل وله شامة تحت ابطه. وبالعودة الى مجتمعها انقطعت عن ابنها بسبب الحدود والتقاليد والمسؤولين، ولا تجد الآن أن لديها أي   خيار وسوف تدفن كل شيء وستتزوج وتبني عائلة جديدة.
وقالت أم بسام، سأجعل الأمر كما لوأنني لم أشاهد أي شيء، وسأحاول نسيان كل شيء وبدء حياة جديدة.