مشاكسة / ثوريـــــون .. و ثورجيـــــــــــــة / مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يونيو 01, 2012, 10:33:58 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

مشاكسة
ثوريـــــون ..
و ثورجيـــــــــــــة






مال اللـــه فــرج
malalah_faraj@ahoo.com



       لعل من العجيب والغريب , في هذا الزمن المريب , زمن المتناقضات والمزايدات , والازدواجيات والمساومات, والبطولات الساحقة  والعنتريات  الماحقة , والانجازات والملاحم والمكاسب والانتصارات التي لا وجود لمعظمها الا في القصص الخيالية وفي الحكايا الخرافية , وحيث تتواصل الثورات والانتفاضات وسقوط الحكام وتغيير الحكومات , زمن الانتحابات التي عادة ماتلي الانتخابات , وديمقراطيات شراء الذمم والاصوات بالمدافئ والبطانيات, والتظاهرات والاحتجاجات , والاعتصامات والازمات , التي غالبا ما تفشل في هز نخوة البرلمانات , والخطب والبيانات والتصريحات والتلميحات والاتهامات , زمن الحروب الخفية تحت مظلة الشراكة الوطنية , والقبضات والسياسات الدكتاتورية تحت الخطب والشعارات الثورية  , زمن اكذوبة التوزيع العادل للثروات , بعد الانتهاء من التوزيع غير العادل للماسي والنكبات , حيث يزداد المسؤولون في هذه الدولة وتلك , غنى وثراء ويزداد الفقراء فقرا ونزفا وعناء , تبرز المفارقة العجيبة الغريبة في استخدام مفردة (الثـــــــــورة) بالاخص بعد ان تراجع الثوريون الحقيقيون , وتقدم الصفوف الثوريون المزيفون , وبعد ان كان  امثال (جيفـــــارا وغانـــــدي ومانديـــــــلا)   على اصابع اليد الواحدة يعدون , اصبح المنافقون والمخادعون والفاسدون والسارقون والمختلسون والغشاشون والطبالون والمداحون والمزيفون والطفيليون والكذابون والدجالون (الثوريــــــون) لا يعدون ولا يحصون , ولعل ما بتنا نشهده من تحولات دراماتيكية مأساوية فظيعة مريعة  للثورات  الجماهيرية والانتفاضات الشعبية في المنطقة العربية ,  وأسر بعضها من قبل  اللصوص  و(البلطجيــــــة) ما يؤكد سقوط الربيع العربي مجندلا بصقيع الفساد والسبي , على ايدي المحترفين من سراق الثورات وسماسرة الشعارات وفرسان العنتريات وتجار المزايدات الوطنية الذين لا يتحركون الا بتوجيهات خارجية كونهم رغم ثوريتهم (الشكليـــــــة) اشبه بالريبورتات الالية ,  برمجتهم اجنبية , وازرارهم تديرها اصابع  اجنبية , ومع ذلك لا يخجلون من مزايداتهم الوطنية وضجيجهم الصاخب حول اهدافهم وبرامجهم وسترايجياتهم (الثوريــــة).

       في خضم هذا التداخل و التمازج والتلاصق والتفاعل والاندماج بين (الثوريـــــون) و(الثورجيـــــــة) يبرز تساؤل حيوي (مـن ايــن انبثقــت اصـــلا مفــــردة الثـــــورة) التي قلبت الموازين واطاحت بالقيم  وبالعلاقات التقليدية وغيرت  وجه العالم الذي استفاق فجأة ليجد نفسه في قلب العاصفة وفي زمن الثورات متعددة الاشكال والالوان والمذاق والاهداف والستراتيجات والارتباطات , حتى امست (الثــــورة) بالف شكل وبالف تسمية , ابتداء من ثورة العبيد مرورا بثورات الازواج والزوجات والحموات التي عادة ما تفجرها المناقشات الحامية حول عمليات التجميل والشد والنفخ والتصغير والتكبير , وانتهاء بثورات الجياع , الى جانب الثورة الطلابية والثورة الجنسية والثورة التحررية والثورة التكنولوجية والثورة النسائية , وثورة الموضة التي جعلت بثوريتها سراويل الجينز لدى المراهقات تزداد نزولا والتيشيرتات الشفافة تزداد صعودا لتظهر المزيد من مساحات اللحم الابيض المتوسط ,الى جانب  الثورة المرتدة والثورة التقدمية والثورة الرجعية وحتى الثورة الدكتاتورية , وثورة الاتصالات وثورة المعلوماتية وثورة الفيس بوك والفضائيات وثورة الكليبات التي  حملت الى العالم من  الاثارة والفضائح وعري الاجساد ما عجزت عنه كل الثورات الاصيلة والمضادة .

     وعلى الرغم من ان مفردة (الثـــــورة) ربما تكون مشتقة من (الثــــور) نفسه , نظرا لقوته وبأسه وثورة غضبه التي ان تفجرت تزلزل المكان وترعب الحيوان وتخيف الانسان , الا ان المفارقة العجيبة الغريبة تكمن في ترفع (الثورجيــــــة) من الانتساب للاصل الحقيقي   للثورة , واصرارهم على انهم (ثـــــوارا) وليسوا (ثورجيـــــة) ربما لقرب هذا المصطلح
   من  مصطلح (البلطجيـة) , لذلك فانك لو جاملت   أي سارق او مختلس او منحرف او منافق او فاسد ووصفته (بالثــــوري) لاغرقك باحترامه ولوضعك فوق رأسه , اما لو جازفت ووصفته (بالثورجـــــي) لسحقك تحت اقدامه , على الرغم من تشابه وتمازج المصطلحين , وانحدارهما ربما من مصدر واحد  و هو (الثــــــور) .

          لقد كان جدنا الاكبر الفيلسوف الاغريقي ارسطو طاليس (384 ــ   322) قبل الميلاد , ربما ساذجا او متفائلا او حسن النوايا , على الرغم من ثقافته الواسعة وبلاغته المتفردة وتحليلاته الموضوعية واهتماماته المتعددة وثراء تجربته وتنوع اختصاصاته وخصب خيالاته وقدرته الفائقة على سبر اغوار النفس البشرية  وتلمس نبض العلاقات الاجتماعية , وهو الذي تتلمذ على يد افلاطون ومعلمه سقراط واثرى تجربة الاسكندر الكبير بعلمه الغزير , وهو يحدد مفردة (الثـــــورة) ومفهومها بشكلين نمطيين فقط , الاول التغيير الكامل للدستور , والثاني تعديل الدستور الموجود اصلا , وربما لم يكن يدر في خلده ابدا ان الانسانية وفي ظل ذلك الرقي والعلاقات الاجتماعية المثالية التي  كانت سائدة قبل اكثر من الفي عام سوف تتراجع الى مثل هذ الزمن الرديئ , الذي امسى فيه الثوريون الحقيقيون في معظم الدول والمجتمعات النائمة والغائمة يقبعون في ظلمات النسيان  وليتقدم الصفوف هنا وهناك الفاسدون والمزايدون والمنافقون الكبار, الذين يجيدون ارتداء اقنعة الثوار.

     ومع ذلك فان الشعوب ما تزال قادرة بوعيها وحسها واحساسها ونباهتها وفطنتها وذكائهاان تفرق بين (الثورييــــن والثورجيـــــة)رغم ضجيج وصخب وتداخل الشعارات الثورية .
فالثوريون , هم المستعدون دائما لحمل شعوبهم على روؤسهم لايصالها الى  بر الامان , اما الثورجية فهم الذين يركبون شعوبهم  للوصول الى غاياتهم ويستعبدون الانسان ويسرقون الاوطان .

     وشتان ما بين المضحين من اجل الانسان , وما بين مستغلي الانسان وسارقي الاوطان .