أمنيات لم تتحقق ، أطلقتها من جديد من أعالي الجبال
برطلي . نت / بريد الموقع(http://im23.gulfup.com/2012-03-27/1332844778941.png) (http://www.gulfup.com/show/Xcwqg498i18w)
شمعون كوسا
قبل ان تطوي السنة صفحاتها الاخيرة بخمسة ايام ، جلست افكر بما كنا قد دأبنا على القيام به سابقا عند تبادل التهاني مع الاهل والاحباب ، حيث كنا نطوف الاسواق بحثا عن معايدات جميلة ، فننتقي لكل شخص عزيز على قلبنا بطاقة تناسبه ، ونسطّر له بخط يدنا كلمات تنبع من القلب . أما الآن فان عملية تبادل التهاني فقدت نكهتها وروحها ، حيث اصبح المرسل لا يحتاج الى أي جهد ، لانه يقوم باختيار سطر واحد أوبطاقة واحدة ، وبنقرة اصبع بسيطة يرسلها ، وهو قابع في مكانه ، الى من يعرفهم ومن لا يعرفهم ، وفي لحظتها يكون قد استلم الحديثَ الالكتروني هذا خمسون او مائة شخص .
لدى بلوغي السطر الاخير من هذه الذكريات ، لمحت عصفورا صغيرا عاديا يتنقل بين اغصان شجرة كبيرة امام بيتنا . أطال العصفور في تحوله ورقصه . الى ان طار نحوي واستقر عند أسفل النافذة . عندما رأيته لا يتحرك ، ركزت عليه انظاري ودخلت عالمي الخيالي علّني أجد تفسيرا لهذه الزيارة غير المألوفة . سمعت صوتا يكلمني ويقول : كنت قد اعتدتَ على ارسات تمنياتك في كل سنة ، وها قد مرت عدة سنوات دون أن تطلق اية امنيات . قال العصفور : أنا على بيّنة تامة من سلسلة الامنيات التي كنت قد اطلقتها في حينه فوق الجبال ، لقد قصدتك اليوم مستفسرا عن رغبتك في اعادة نفس تمنياتك السابقة لانها كانت ادعية شاملة ، كي اقوم بنقلها الى الاعلى . قلت له ، لقد نسيتُ ما كنت قد كتبته ، هل لك ان تعيد عليّ فحوى تلك التمنيات ، فبدأ يقرأ :
- تمنيت لو عرف الناس بان الله يخصّ البشر جميعا بحبّه ، وسيّان عنده لونهم أو طائفتهم او دينهم .
- تمنيت لو عرف الناس بانهم حقا إخوة لانهم قد عُجنوا دون تمييزعلى صورة الله.
- تمنيت لو عرف الناس بان الله ليس معوّقا ولا يحتاج الى حماية أحد ، لانه هو القادر على كل شئ .
- تمنيت لو عرف الناس بان الله ليس رئيس عصابة يستأجر خدمات اناس حاقدين ، أومهووسين ، او خارجين عن القانون من اجل انهاء حياة مخلوقات أوجدَها هو ، وهو الوحيد الوصيّ عليها.
- تمنيت لو عرف الناس بان الاديان أتت لاجل البشر ، لتنظيم علاقاتهم للعيش في محبة ووئام وليس للاقتتال بينهم باسم الله .
- تمنيت لو قام الناس بتنقية قلوبهم من حقد يتحول عند بعضهم الى سُمّ زعاف
- تمنيت لو أزال الناس من نفوسهم الحسد والغيرة ،
- تمنيت لو نبذ الناس غرورهم وكبرياءَهم ، وما أكثر هؤلاء
- تمنيت لو اخلص الناس لبعضهم البعض
- تمنيت لو كفّ الناس عن الفرح لمصائب غيرهم
- تمنيت لو قطع الناس دابر انجرافهم السهل نحو الافتراء والنميمة
- تمنيت لو بحثتِ العدالة عن الحق والحقيقة ، تاركة الطرق الملتوية للالتفاف عليها
- تمنيت لو رأى الناس رذائل بعض الاغنياء وقدّروا فضائل الفقراء
- تمنيت لو قررالبخلاء الانفتاح قليلا على الناس وعلى الحياة
- تمنيت لو ابتعد اهل المنطقة عن الطمع والركض وراء الاملاك والاراضي والعمارات والبيوت من اجل تأجيرها بمبالغ فاحشة تفوق طاقة المغلوبين على امرهم .
- تمنيت لو فكر الناس يوميا بان الحياة فانية وان كل شئ آئل الى الزوال ، جمالاً كان أم مالاً ام غيره ، وبأنّ هذا القدر لا يستثنى أحدا من مراحم منجله !!
- وتمنيت ، وتمنيت ولم أدَع مجالا او شريحة لم اتناولها، وكل تمنياتي كانت تصبّ في حلم أرى فيه عالماً يعمّه السلام وتعيش فيه الناس بحب ووئام .
توقفَ العصفور هنا وقال لي : هناك فقرة عن رجال الدين ، او بالاحرى امنية قد كنتَ عبّرت عنها ببعض الصراحة ، هل ارتكها كما هي ؟ قلت له ارجوك أهمِل موضوعهم لاني قد تناولتهم كثيرا ، وتمنيتُ لهم كثيرا وبصدق تامّ ، واخشى اذا اعدت الكرّة هنا ، أن أغدوَ هدفا لسهام بعضهم .سأقول لك شيئا غريبا بهذا الخصوص : عوضا عن أن نكون نحن محتاجين الى دعائهم وصلواتهم ، هم الان بحاجة لادعيتنا كي يصطلحوا ، ولكني شخصيا قد قطعتُ الامل من الكثيرين منهم . ولكن بالرغم من هذا، ارجو ان تشاركني الدعاء من اجل أن يصبح أخوتنا هؤلاء قدوة حقيقية لافراد رعيتهم ، بعيدا عن المال والماديات والانانية وترّهات الدنيا ، وان يعودوا بصدق كل يوم الى اعماق قلوبهم وضمائرهم لتمحيص درجة تجردهم وقربهم من الرسالة التي اوكلت اليهم .
قال لي : لقد انتهيتُ من قراءة رسالتك ، ولكنك ألا ترى بانك نسيت امرا مهما جدا غدا الان موضوع الساعة ؟ قلت له ، انك محق فعلا ، لقد انهمكنا في مشاغلنا الخاصة الى حدّ اننا لم نعد نعير اهمية لما يدور حولنا . ، نعم ان المحنة التي نشهدها الان كبيرة ، وامنيتي بِشأن هؤلاء المعذبين كان يجب ان تأتي على رأس التمنيات . نعم ، اتمنى بكل جوارح قلبي أن يعود المهجرون الى قراهم ومنازلهم وأن يستعيدوا اراضيّهم واموالهم وحلالهم . لقد وقعوا ضحية ظلم كبير وتعرضوا لاضطهاد لم يشهده التاريخ قبل الان . امنيتي ان تخف ألامهم ومعاناتهم الحالية وأن يجدوا حلّاً جذريا لمشكلة عودتهم الى اجوائهم.
لا اعرف كيف اضاف العصفور هذه الفقرة الى الرسالة ، ودون ان يطلب مني ختما او توقيعا ، انطلق طائرا بخط مستقيم وتابعته الى ان سلم البريد ، بعد دقيقتين ، الى نسر كان ينتظره في محطة اخرى، فبدأ هذا الاخير يحلق ويخترق الاجواء الى ان اختفي عن انظاري .
وكل عام وانتم بخير.