عيد الميلاد من دون مسيحيّين في الموصل رغم تحرّرها من داعش

بدء بواسطة برطلي دوت نت, ديسمبر 26, 2018, 08:45:33 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت


عيد الميلاد من دون مسيحيّين في الموصل رغم تحرّرها من داعش   

 
         
برطلي . نت / متابعة

عنكاوا دوت كوم/ المونيتر/سعد سلوم


في وقت يحتفل فيه المسيحيّون بعيد الميلاد، تبقى مدينة الموصل، للسنة الثانية على التوالي بعد التحرير، من دون مسيحيّين. وأشار إلى هذه الحقيقة الباحث في شؤون مسيحيّي الموصل سامر الياس، الذي أصدر كتاباً عن كنائس الموصل، بعنوان كنائس الموصل التاريخ والالم، في تشرين الثاني/نوفمبر الجاري استعرض فيه ما تعرّضت له من دمار على يدّ تنظيم "داعش".

يحثّ سامر الياس في كتابه السلطات العراقيّة على بذل المزيد من التخصيصات الماليّة لإعادة إعمار هذه الكنائس، إذ أنّ وتيرة إعادة إعمارها، على حدّ قوله، بطيئة ودون مستوى الطموح.

ولفت من خلال متابعته ملف إعادة بناء الكنائس المدمّرة إلى "أنّ كنيسة واحدة تمّ تأهيلها في مدينة الموصل، وهي كنيسة مار بولس الكلدانيّة في حيّ المهندسين، وتبنّت إعمارها البطريركيّة الكلدانيّة، بالتّعاون مع مؤسّسة إيطاليّة، وهناك سعي حاليّ إلى تبنّي منظّمة اليونسكو إعمار كنيستين من كنائس الجانب الأيمن من الموصل، وهما كنيستا الآباء الدومنيكان المعروفة بكنيسة الساعة وكنيسة الطاهرة وتتبع طائفة السريان الكاثوليك".

ليست وتيرة الإعمار البطيئة للغاية هي التي تثير القلق فحسب، بل محدوديّة تأثيرها على عودة المسيحيّين إلى الموصل، فعلى سبيل المثال، رغم إعمار كنيسة مار بولس الكلدانيّة، لكنّها بقيت مهجورة، ومن دون مصلّين.

وفي السياق ذاته، أشار مدير مركز كلكامش للتراث في الموصل فيصل جبر إلى انعكاس آداء الحكومة في الجانبين الأمنيّ والسياسيّ على عودة المسيحييّن إلى الموصل، فضعف الضمانات الأمنيّة يعيق جهود العودة. وبالتّالي، لا يوجد تأثير فعليّ لإعادة إعمار الكنائس من دون توفير عوامل الاستقرار من قبل الحكومة. وإذا ما توافرت هذه العوامل، حينها ستتمكّن المجتمعات المحليّة وزعامات الطوائف المسيحيّة من إعادة إعمار الكنائس ضمن مقاربة مشجّعة على عودة المسيحيّين بنجاح.

وهناك جانب آخر يثير قلق فيصل جبر يتمثّل بتعرّض ممتلكات مسيحيّة للاستيلاء من دون وجه حقّ، مثل استخدام مديريّة الجريمة المنظّمة التابعة لاستخبارات وزارة الداخليّة العراقيّة دير النصر لراهبات القلب الأقدس والدور المجاورة له في حيّ العربيّ. وبرأيه، إنّ إشغال دائرة أمنيّة حكوميّة مكاناً دينيّاً مقدّساً بدعوة الحاجة إليه، ومن دون أن تدفع إلى مالكيه بدل إيجار مناسباً، يعزّز مخاوف المسيحيّين من انتشار الفكر الداعشيّ على مستوى السلطات، وعلى نحو يدلّ على استضعاف المسيحييّن لكونهم أقليّة.

وتحدّث الياس عن ممارسات سلبيّة أخرى تثير غضب المسيحيّين مثل استغلال تدمير الكنائس لتحويلها إلى مكبّ للنفايات، وعدم احترام خصوصيّتها الدينيّة، لافتاً في هذا السياق إلى قيام مطرب موصليّ بالغناء في كنيسة أثريّة، وهذا يتنافى مع قدسيّتها، فهي ليست بيت طرب موصليّاً قديماً أو قاعة لإحياء حفلات.

من جهة ثانية، إذا كان لإعادة إعمار الكنائس تأثير رمزيّ على تشجيع عودة المسيحيّين إلى المدينة، فإنّ العودة في حدّ ذاتها ليست بالأمر اليسير في ضوء الانقسام المسيحيّ الداخليّ حول ضمانات العودة.

وفي هذا الإطار، سلّط الياس الضوء على هذه الانقسامات، بقوله: "تشجّع الكنيسة الكلدانيّة على العودة الفوريّة للمسيحيّين إلى الموصل، في حين تطالب طائفة السريان الأرثوذكس بضمانات دوليّة لعودة المسيحيّين إلى مناطقهم. أمّا السريان الكاثوليك الذين يتركّزون خارج الموصل، وبشكل خاص في سهل نينوى، فإنّ وضعهم أقلّ تعقيداً. ولقد استجاب عدد غير قليل لتشجيع رؤسائهم الدينيّين على العودة".

يدرك الزعماء المسيحيّون، بدورهم، الموقف المعقّد صامتين أمام أسئلة ومتطلّبات يطرحها أفراد مسيحيّون يشكّكون بمستقبل وجودهم في البلاد. وفي هذا السياق، اختصر الكاردينال مار روفائيل الأوّل ساكو أوجه هذه التعقيدات، بقوله: "نحن مدعوّون اليوم إلى اختبار نصوص الأنبياء وقراءتها قراءة إيمانيّة وروحيّة عميقة، لاكتشاف غناها على ضوء ما عشناه خلال احتلال تنظيم الدولة الإسلاميّة داعش لبلداتنا في آب/أغسطس من عام 2014، وتهجيرنا وتخريب ديارنا، والعيش أكثر من 3 سنوات ونصف سنة في المخيّمات بعيداً عنها، وأخيراً تحريرها في عام 2017، وبدء عمليّة العودة والبناء، مع ما يعتور هذه العمليّة من تحدّيات أخرى ومخاض".

وإذا كانت هذه المقاربة اللاهوتيّة تكشف عن محاولة الكنيسة تحفيز الجانب الإيمانيّ للمسيحيّين للاستفادة من الخبرة الروحيّة للعهد القديم بهدف تعزيز صمودهم، لكنّها قد لا ترضي مطالب المسيحيّين الواقعيّة. ولذا، قال ساكو: مع ذلك، لا يمكن للكنيسة أن تتغافل عن حجم المعاناة الإنسانيّة للمهجّرين طوال فترة تهجيرهم.

ومن الناحية السياسيّة، رأى أنّ موضوع العودة يتطلّب "توافقاً سياسيّاً بين دول المنطقة وبين حكومة المركز والإقليم، مع الحرص على عدم التغيير ديموغرافيّاً، لأنّ بيوتنا وأملاكنا ليست للاستحواذ ولا للبيع. كما تتطلّب العودة أن تكون ثمة موارد ماليّة لاستكمال البناء والإعمار".

لقد بات المسيحيّون يدركون أنّ العودة تمثّل تحدّياً لا يمكن أن يخوضونه لوحدهم، من دون التشارك مع بقيّة المكوّنات. وانطلاقاً من هذا الإدراك، تبنّى رئيس دائرة الأوقاف في وزارة الأوقاف والشؤون الدينيّة في إقليم كردستان خالد البير مقاربة تتعلّق بوجوب الاهتمام بتراث محافظة نينوى الدينيّ من دون تمييز، إذ قال: "رغم قلّة التخصيصات الماليّة كعقبة أولى لإعادة إعمار كنائس سهل نينوى، الأمر الذي يدفع بنا إلى طلب مساعدات دوليّة من منظّمات وكنائس دوليّة، ولأنّ المنطقة تضمّ أقليّات دينيّة وإثنيّة أخرى، ولأنّنا قد نكون حسني الحظ بالحصول على مساعدات لإعادة إعمار الكنائس، فعلينا أن نعمل على تطوير مقاربة حكيمة تتناول إعادة بناء التراث الدينيّ المتنوّع في المنطقة مثل التراث الإسلاميّ والإيزيديّ الذي تعرّض هو الآخر للتدمير".

وتنطوي هذه المقاربة على رسالة مهمّة، إذ تكشف عن أنّ إعادة بناء الكنائس وترميمها ليست عمليّة منفصلة عن إعادة بناء الثقة بين المسيحيّين ومختلف مكوّنات المدينة، الأمر الذي يتطلّب العمل على رفع وعي سكّان المدينة المسلمين تجاه أهميّة التراث الدينيّ للمدينة، بوصفه مرتبطاً بهويّة المدينة الحضاريّة، وليس تراثاً دينيّاً مرتبطاً بالمسيحيّين فحسب.