تمديد بقاء القوات الأمريكية - مشكلة ذاكرة!

بدء بواسطة صائب خليل, أبريل 13, 2011, 08:35:45 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

رغم أن مناقشة "قبول أو رفض" الإحتلال، أو قوات عسكرية أجنبية، وتمديد بقائه بحد ذاتها عملية مهينة، فهي تشبه من يعد النقود ليرى إن كانت تكفي ثمناً لكرامته، لكن واقع الحال يفرض علينا ذلك على ما يبدو، مما يفرض من مرارات.

جميع المناقشات حول تمديد بقاء القوات الأمريكية في العراق اليوم، تدور بشكل رئيس حول جاهزية العراق للتصدي للتحديات الأمنية. وكما هو واضح للجميع فأن ذلك لا يعني التحديات الخارجية، فلم يعد حتى الأمريكان أو مثال الآلوسي أو أياد علاوي يقولون بأن الجيوش الإيرانية ستدخل العراق عند خروج الجيش الأمريكي منه. لذلك فالمقصود اليوم هو الأمور الأمنية الداخلية، ويبدو من المناقشات أن التركيز هو على نقطتين هما "الإرهاب" والبعث.
كذلك أبرز تهديد الصدريين بإعادة جيش المهدي إن بقي الإحتلال، أبرز قلقاً آخر يفضل البعض بقاء الأمريكان من أجله، وهو القلق من الميليشيات. وهناك أيضاً من يرى ان بقاء اميركا ضروري "للحفاظ على الديمقراطية"، وأصوات أخرى تطلب مساعدة اميركا للقضاء على الفساد وأخرى تجد أن الولايات المتحدة وصداقتها ضروريان لإزالة التخلف التكنولوجي للبلد.

تعالوا نناقش هذه النقاط، رغم مرارة ذلك، واحدة واحدة.

فأما بالنسبة للإرهاب، فهناك ما يكفي من الدلائل على أن قوات الإحتلال قد دعمت الإرهاب بل وتم الإمساك بها متلبسة في الشروع بتنفيذ عملية إرهابية "إنتحارية" (البصرة 2005) (1) إضافة إلى دلائل أخرى كثيرة متجمعة في أوقات وأماكن مختلفة منها الحرب التي جرت على القاعدة والتي حمتها القوات الأمريكية أكثر من مرة، خاصة في ديالى.
وليست هي المرة الأولى التي تمسك فيها القوات الأمريكية وتوابعها متلبسة بالإرهاب، ولعل تعبير البروفسور جومسكي حين سؤل عن أفضل طريقة تحارب بها أميركا الإرهاب، فقال "بالتوقف عن المشاركة به"!

وأما من ناحية حماية العراق من البعث، فلقد أثبتت فترة الإنتخابات الأخيرة إضافة إلى ما قبلها، ان العلاقة بين البعث والأمريكان لم تتوقف عند جلبهم البعث بقطار أمريكي كما قال علي صالح السعدي، أحد أكبر قيادييهم في بداية النصف الثاني من القرن العشرين، ولا في ترك البعث يستعيد السلطة ومده بالبنزين في انتفاضة 1991 بل أستمرت العلاقة الوطيدة خلال فترة الإحتلال الأمريكي كلها واختارت سلطة الإحتلال أور رئيس للحكنومة متمثلاً بأياد علاوي، الملطخة يده بكل جرائم البعث الأمنية والمستمر على نفس اساليبه والقائل مؤخراً بأنه لم يندم على اي شيء قام به في حياته، بضمنها على ما يبدو ما يشهد به زملاؤه من الأساليب البعثية عندما كان طالباً في الكلية وعندما كان قيادياً في منظمة حنين الأمنية البعثية، والذي كان شغله الشاغل الوحيد السيطرة على الأمن بعد 2003 وإعادة نفس رجال أمن صدام حسين إليه ولملمة كل البعثيين الممكن لملمتهم في قائمة العراقية. علاوي هذا كان خيار أميركا التي يريد البعض بقائها لحمايته من البعث، وبقي خيارها الذي استماتت من أجله في الإنتخابات الأخيرة.

وأما بالنسبة لموضوع الديمقراطية فلقد رأينا للتو التدخل الأمريكي السافر في المسيرة الديمقراطية ليس فقط في الضغط على المؤسسات الديمقراطية بكل الأساليب الإبتزازية من أجل فرض قرارات مضحكة مبكية لتأمين تمكين بقايا البعث ومن هو بأخلاق البعث من الحصول على أكبر سلطة ممكنة في البلد وبالضد من الخيار الديمقراطي للشعب (2). وليست تلك الممارسات إلا تذكير بما هو أشد جريمة ضد الديمقراطية حين أرسلت أميركا وزيرة خارجيتها السابقة كونداليزا رايس إلى العراق في الأول من نيسان 2006 لإجبار رئيس الحكومة المنتخب الجعفري على التنحي وإعادة اختيار رئيس حكومة آخر بدلاً له (3) وكان المالكي، وعلى الأغلب كانوا يأملون أن يكون عادل عبد المهدي. هكذا يساعد الأمريكان على الحفاظ على الديمقراطية!

أما عن الفساد، فيكفي أن نذكر بأن أفضع جرائم الفساد تمت تحت حماية الأمريكان، الذين لم يتورعوا حتى عن إختطاف المجرمين الكبار المدانين بالفساد من الوزراء من يد الشرطة، وبالقوة المسلحة، وتهريبهم إلى أميركا!
ويمكننا أن نلاحظ أيضاً أن أفسد مكان في العراق هو أكثر مكان رحب بالأمريكان وأكثر مكان يوده قادة الأمريكان وسفرائهم وأكثر العلاقات مودة مع قادته وهو كردستان! فليس هناك مكان آخر في العراق تم فيه توقيع عقود سرية وبشكل هستيري مع شركات النفط الأجنبية وبشروط مشاركة الإنتاج وتزوير الأوراق لصالحها، دون أن يكون في حكومته أو برلمانه الذي لم يجرؤ على طلب الإطلاع على العقود، دون أن يكون في أي منها شريف واحد له من الجرأة أن يعترض على ذلك الفساد المسيطر حتى النخاع! وحتى اليوم يبحث البرلمان العراقي عن 40 مليار دولار عراقية "إختفت" بقدرة قادر من بين يدي بريمر.
هؤلاء هم الأمريكان الذين يأمل البعض أن يساعدوا العراق في محاربة الفساد!

وأما التطور التكنولوجي، فأولاً لا أدري لماذا يفترض دعاة بقاء القوات الأمريكية أن الصديقة أمريكا لن تتعاون معهم تكنولوجياً إلا إذا سمحوا لها بوجود عسكري في البلاد. اليس من المفروض اننا وقعنا اتفاقية "التعاون الستراتيجي" التي يعلم الله وحده وبضعة من الناس ما تحتويه، من أجل التعاون التكنولوجي وغيره؟ أم أن تلك الإتفاقية كانت لعبة أخرى؟
وتعالوا نفترض أن اميركا لن تنعم ببركاتها التكنولوجية إلا للبلدان التي تخضع لإرادتها العسكرية، رغم أنه فرض مهين لكل من أميركا و"أصدقاءها"، ولنفترض أيضاً أن كل التكنولوجيا في دول العالم المتقدم الباقي لا تكفينا وأن لا أحد يستطيع مساعدتنا في بناء تكنولوجيتنا سوى أميركا، وحدها لاشريك لها. لننظر إلى مثال قريب جداً منا. لدينا في يسار خارطتنا أحدى الدول ألأكثر "صداقة" لأميركا، "صداقة" لا نسمح لأنفسنا أن نحلم بالوصول إليها. وعلى يمين خارطة العراق دولة تعادي أميركا إلى درجة لا نتخيل أننا يمكن أن نفكر بالوصول إليها أو نريدها.
دعونا نبقى في أمثلة قريبة منا، ولا نجعل من مناقشتنا أضحوكة بالمقارنة بيننا وبين اليابان والمانيا..لنقارن بدول تشبهنا قليلاً، لنأخذ هاتين الجارتين السعودية وإيران.
السعودية، تتمتع بالصداقة الأميركية الأولى، وإيران بعداوتها الاولى. السعودية تنتج أضعاف ما تنتج إيران من النفط، وإيران تعيل أضعاف ما تعيل السعودية من النفوس. السعودية لم تواجه حرباً، إلا اللهم التحرشات الصغيرة التي تقوم بها قواتها هنا وهناك، وإيران تعرضت لحروب أصدقاء أميركا منذ ولادة ثورتها. السعودية تتمتع بأفضلية تجارية وانفتاح غربي إقتصادي عليها، وإيران "تتمتع" بحصار أمريكي غربي منذ ربع قرن، ومع ذلك، إن لم نعتبر القصور الفارهة والأبراج التي لا معنى لها والأسلحة المتطورة المستوردة، أموراً تكنولوجية، فأي من الدولتين أكثر تقدماً تكنولوجياً؟ تلك التي تتمتع بصداقة أميركا القصوى أم بعدائها الأقصى؟ وأيهما أكثر ديمقراطية؟ أي الشعبين له رأي أكبر فيمن يحكمه؟
هذه هي صداقة أميركا التي لا تأتي إلا بقبولنا جنودها، ويراد لنا أن نستفيد من مساعدتها التكنولوجية.

أما جيش المهدي والميليشيات فأقول ببساطة أن الصدر يهدد بإعادة جيش المهدي إن بقي الإحتلال وليس إن رحل! لذلك فمن الأجدى بمن ينزعج من جيش المهدي أن لا يعطيه سبباً وجيهاً للعودة. فهل يساعد بقاء  القوات الأمريكية على التخلص من الميليشيات أم هو يعيدها، وهذه المرة بدعم كبير ومبرر قوي لا ينكره عليها أحد؟

المفروض ان تكون الحرية والإعتزاز بالذات قيماً عليا لا تقارن بأية مكاسب أخرى، ولذا يفترض بأي شعب كريم أن لا يناقش ويوازن أفضليات قبوله حماية جيش أجنبي مقابل أفضليات حريته، ولذلك أجد أن المناقشة بحد ذاتها مخجلة. ومع ذلك ولحسن الحظ، يمكن حتى للنفعيين الذين لا يحسبون للكرامة والسيادة حساباً أن يروا بأن منافع التخلص من القوات الأمريكية تزيد عن منافع بقائها، وأضرار البقاء أكبر من أضرار دفعها خارج البلاد، فما الذي يبقي المناقشة موجودة حتى الآن إذن؟

لا تفسير لدي سوى أن السر يكمن في أن تلك النقاط لا تذكر في الإعلام على الإطلاق، ولسبب لا يعلمه إلا الله والراسخون في الإعلام وأروقته السرية.
لقد كانت اول مقالة كتبتها عن العسكرييين البريطانيين الذين أمسكا متلبسين بالبدء بعملية إرهابية تحت عنوان "علينا ان ننسى: البريطانيان كانا يحملان جهاز تفجير عن بعد" (1). فقد أدركت منذ ذلك الحين أن اغتيال تلك الحقيقة ستكون المهمة الأولى للإعلام العراقي الموجه أمريكياً. لقد كان ذلك "النسيان" ضرورياً، فتذكر مثل هذه الحقائق يعرقل إدامة أسطورة أن الجيش الأمريكي ضروري لمحاربة الإرهاب في العراق.

وبنفس الطريقة كان علينا أن ننسى أن أميركا هي التي تهرب الفاسدين لكي يمكن إقناعنا بأنها يمكن أن تساعدنا بمحاربة الإرهاب، وأن ننسى أن إيران أكثر تطوراً تكنولوجياً من جميع أصدقاء أميركا في المنطقة وأن شعبها يعيش ديمقراطية، على نقصها، لا تقارن بأي من حالة أي من أصدقائها في المنطقة وأن ننسى أنها أزالت الجعفري بالضغط والإبتزاز، وإلا فكيف نقتنع بضرورة بقاء جيوشها لحماية ديمقراطيتنا؟ وأن ننسى دفاعها المستميت عن كل صدامي وكل غير صدامي بأخلاق صدامية وتدخلها في نتائج الإنتخابات من أجلهم وتفاوضها معهم في السر والعلن، في اسطنبول وغيرها... فإن لم ننسى ذلك فكيف سنقتنع بأن اميركا تساعدنا على التخلص من بقايا الصداميين والبعث الذي خلقته وأدخلته العراق من قبل؟

لماذا كل الأسباب التي تساق لقبول تمديد المعاهدة، أسباب مقلوبة؟ لماذا لا يقدم مؤيدو التمديد مبررات سليمة؟ ببساطة لأنه لا توجد مبررات سليمة للتمديد! لقد تساءلت مثل هذا التساؤل عندما كانت المناقشات تدور حول توقيع المعاهدة قبل ثلاث سنوات فكتبت : معاهدة لا تجد ما يدافع عنها سوى الكذب- (4)، فلم تكن هناك أية مبررات حقيقية لتوقيعها غير الضغط والإرهاب والإبتزاز والرشاوي الأمريكية على الحكومة والبرلمان، واليوم لا تجد تلك المعاهدة ما يدافع عن تمديدها سوى أسباب مقولبة يأمل أصحابها ان لا ينتبه لاعوجاجها أحد!

يقول تعريف ذكي، أن "الذاكرة جهاز سياسي"، ويقول آخر ساخر "الذاكرة جهاز للنسيان"، أي أننا إن أردنا أن نقنع انفسنا بشيء، فأن ذاكرتنا "السياسية" (المراوغة) ستختار أن تنسى كل الحقائق التي تعرقل تبريرنا لما نريد وقبولنا به.

لكن لكل "جهاز" قدراته المحدودة، وحتى لمن تساهل بشان الكرامة والسيادة، ونجح في تمويهها في "تعريفات حديثة"، فأن أعمال الأمريكان خلال بضعة السنين هذه، كانت أكبر من قدرة أية ذاكرة على النسيان!

(1) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=46809

(2) أميركا تريد إعادة البعث؟ من يقول هذا الكلام؟
http://www.yanabeealiraq.com/articles/saeb-khalil250809.htm
(3) صائب خليل - برج الحرباء يمر على سماء بغداد
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=63228
(4) http://al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/28usa.htm



sarmadaboosh

شكرا يا سيدي على المقال الرائع و المعلومات القيمة و بالفعل انها مشكلة ذاكرة

صائب خليل