أحاطت بي الفايروسات من كل مكان / شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أغسطس 17, 2015, 09:41:14 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

أحاطت بي الفايروسات من كل مكان


برطلي . نت / خاص لبريد الموقع
   


حكايتي اليوم تجري احداثها في بلد يحتفظ بعداوة قديمة جدا مع الشمس ، بلد فتح حدوده للرياح وتبنّى سياسة تحشيد جيش عرمرم من الغيوم للحيلولة دون ظهور الشمس ، وهذه الاخيرة  إذا قّدِّر لها وان اخترقت الحواجز لبضع دقائق  فانها تعتبر نفسها سعيدة، ومن شدّة غيضها ، تضع في مقدمة خطوطها أشعةً شبه حارقة . ففي كلتا الحالتين ، الساكن هناك او القادم ضيفا ، بقليل من المبالغة ، ينتهي إمّا مقشعرّاً من البرد أو محترقاً من شدة الحرارة !!!!
لقد نويتُ هذه المرة تجنب التعليق على ظواهر لم تكن تفوتني سابقا دون تحليلها والتعليق مطوّلا عليها. في هذه المرّة مثلاً لا اريد التحدث عن ظاهرة  مراقبة الناس لبعضهم البعض  ولا اريد ان اذكرهم بالحكمة القائلة من راقب الناس مات همّاً، ولا اريد التطرق لدخولهم في منافسة مزمنة بين بعضهم البعض في كل الميادين ، فالكل تقريبا يريد ان يكون الافضل مهما بلغ الثمن او على الاقل افضل من جاره. 
كما لا اريد التطرق لمجالس كثرت فيها اشباه قاطرات تعمل على الفحم الحجري او مدافئ تعمل على الخشب ، اجهزة مخصصة لإنتاج الدخان ، يديرها عمال مهرة في سحب ونفث  اكبر كمية من الهواء الابيض . لقد عمّت هذه الظاهرة بحيث اضحى حتى القاصرون يتطوعون في تنفيذ العملية والتفنّن في هذا الشهيق والزفير . كما لا اريد ان اذكر باني احتفظ بقصاصة جريدة ، منذ اكثر من عشرين سنة ، تقول بان تأثير النرجيلة السلبي يفوق تأثير السيجارة بعشرين مرة ،  والعهدة طبعاً على الجريدة !!
ومن جهة اخرى ، ليس لي اية نية في ابداء اية ملاحظة عن محافل يكثر فيها الكلام ، بل ثرثرة تنطلق من كل الجهات لتثبيت الشيء ونفيه  في آنٍ واحد ، ليس للمتكلم هدف آخر سوى  جلب الانتباه بترويض لسانه ، والفائز يكون من افلح في اخراج اكبر عدد من الكلمات  !!
لقد تعهدتُ بألاّ اتحدث عن هذه الظواهر ، خشية ألاّ أُنعَتَ من قبل البعض  ، بشخص لا يرضى ابدا عن أي تصرف مهما كان ، أو أن اُعتبَرَ رجلا يحلو له اعطاء الدروس بمناسبة او غير مناسبة.  قد يكون هذا صحيحاً ،  فعلا في هذا الزمن ، انا لا امتلك حق انتقاد اية ظاهرة عصرية جديدة لأني بذلك امسّ  تصرفات وعادات قد انتشرت بين الاجيال الجديدة وتجذّرت . ولأجله في هذه المرّة اخترت الصمت شيمة ، صمت أصون به نفسي من الخطأ وأحافظ على وزن بات يخفّ شيئا فشيئاً ، على الاقل سأبدو ولو لحين انسانا رصينا عاقلا !!!!!
لا زلت لحدّ الان اخارج عنوان المقال . ففي اليوم الاول من زيارتي تجمّعَ عدد كبير من الاقارب والاصدقاء احتفاءً بقدومي . كانت جلسة رائعة ، اضطررتُ فيها للغناء  نزولا عند رغبة بعض الجالسين الاعزاء  . اثناء تصفيق السامعين كنت الاحظ   ابتسامات غريبة من خمس كائنات بيولوجية  لم يلاحظها احد غيري . قلت في نفسي ان هذه الكائنات تحتاج الى خلايا  تستضيفها وانا لم اقم باستضافتها .  لقد ابصرتها منذ  وصولي الى المطار . هل كانت ضمن مَن كان عليهم استقبالي ؟  كانت ابتساماتها وحركاتها وحالة هيجانها  تكاد تقول لي : اضحك وغنّ واشرب ، سترى ما قد هيأناه لك !!  عند مغادرة الحاضرين  قامت الفايروسات مع المغادرين  فخرجت وهي محتفظة بنفس الابتسامة التي ابرزتها عند دخولها . عند مغادرتها  لم أبصر الفايروس الخامس، قلت لعلني لم ألمحه لانه بحجم غير منظور ، فلم أُعِر اهمية للموضوع . ولماذا احسب حسابا لكائنات اصغر من الميكروب !!.
امضيتُ اليوم التالي بصورة طبيعية ولكن في صبيحة اليوم الثالث أحسست بدغدغة في حنجرتي ، وهنا ايضا لم اهتم للموضوع . خلال نزهة صغيرة في المساء ، تحت اشعة الغروب الباهتة وهواء بارد لا يعرف الاعتدال ، شعرت ببعض الخمول . كانت الحرارة قد زادت عن مستواها وشقت طريقها باتجاه ابعد نقطة في جسمي . لدي استعراضي لوقائع الايام الثلاثة التي مضت ، تيقنت بان الفايروس الخامس لم يكن قد خرج ، ولكنه بقي ملتصقا بيّ في مهمة سرّية كان عليه تنفيذها داخل جسمي . وقعتُ طريح الفراش بين خمول وغثيان وحرارة زادت عن حدّها  ، في اليوم الرابع اشتد السعال كما كان قد خطط له الفايروس. كانت القصبات قد اغلفت منافذها أبواباً وشبابيكا ، فأصبحتُ اتنفس بصعوبة ، ولم تفلح أي من علاجاتي في فتح الطريق .
انقضّ عليّ الفايروس في بلد لا يحبّ المراجعات الطبية  ، بلغني بان طالب العلاج لا يحصل في اغلب الحالات على اكثر من خافضات الحرارة التقليدية ،  فـ (الباراسيتامول)  يكون وصفة لمن انكسرت ساقه او وقع فريسة أمراض مختلفة اخرى . لقد تعرضتّ قبل الان لمثل هذه الحالة التي حبكتها لي الفايروسات ،  وانا أعرف بانه لا شئ ينهي الازمة غير المضاد الحيوي (الآنتيبايوتيك) ،  غير انه قيل لي بان المضاد الحيوي (الآنتيبايوتيك) لا يوصف  الا عند اشراف المريض على الموت . بعد خمسة ايام من العذاب ، اهتديت الى صديق عزيز استطاع تزويدي بالمضاد الحيوي . ثمانية ايام من تناول الحبوب جعلتني أحسّ بنوع من الاستقرار. لقد فشل الفايروس  في مهمته ولم يقوى على مقاومة المضاد الحيوي فلفظ انفاسه.
عندما سمعت الفايروسات الاربع بان زميلها قد قضى نحبه ، قدمت  لانتشال جثته . لدى مغادرتها وهي حاملة نعش الاخ الفايروس ، رأيت احد الحاملين يرمقني بنظرات غاضبة وكأني به يقول : تمهل ، لا بد انك قادم هنا مرة اخرى ، فالمكلفون بتنفيذ المهمة في المرّة القادمة سيكونون لجنة مكوّنة من اربعة او خمسة عناصر ، قطاع طرق سيكونون لك بالمرصاد للحيلولة دون اكتشاف طريقة تنفذ فيها بجلدك. ضحكتُ في سر نفسي لأني كنت قد قررت على ألاّ اعود الى هذا البلد الجميل لانه فعلا لم يعد يناسبني أو انا لم اعد اناسبه ، لأني سبق وأن وقعت فريسة تآمر نفس الفايروسات قبل عامين  .
برأيي أنا : كان يجب ان تضاف الفايروسات على قائمة المنظمات الارهابية ، فهي لا تقل تأثيرا عن التنظيمات الحالية ، هذه الاخيرة تذبح الانسان بالسيف ، أما الفايروس يقوم بعمله التخريبي من الداخل ، والفرق المهم الاخر بين هذين التنظيمين الارهابيين هو ان الاول  ينفذ عملياته هاتفاً باسم الله ، اما الفايروس فانه لا يُدخل الله في عملياته ،  ويقوم بتنفيذ  خططه بكتمان تام .

مررت بهدوء على بعض الظواهر مستخدما طريقة التوكيد بالنفي ، ولم أشأ التعليق مطولاً على ما شاع في زمننا الجديد . وجدت الهدف البديل في الفايروس الذي امطرته بملاحظاتي وتعليقاتي وهجماتي. قمت بهذا قبل ان يجيئ اليوم الذي سيُطلب منّا ان نحترس من كل كلمة نقولها حتى  بحقّ الفايروس ، من يدري ؟!!!