صرخة غضب في وجه كنيسة متشرذمة / شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, فبراير 24, 2013, 09:09:54 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

صرخة غضب في وجه كنيسة متشرذمة




لم يخطر ببالي يوما أن اتناول موضوعا بهذا التعقيد وهذا العمر الطويل لَو لَم اسمع ابنة اخي الصغيرة قبل ايام تعبّرعن امتعاضها الشديد لظواهر شاهدتها لدى بعض الكنائس ، ظواهر اختلاف في قوانينها ، وتناقضٍ في متطلباتها ، وتباين في خطاباتها .
لم آخذ ملاحظاتِ الصبية بنظر الاعتبار لِكثرة ما نراه يوميا ونسمعه بهذا الخصوص ولكن عدم اكتراثي هذا لم يفلح في محوِ ملاحظاتها عن ذهني ، وبدأتُ فعلا استعيد كلامها واتخيل شدة انزعاجها ، فقلت في نفسي : اذا كانت هذه الظواهر قد أثارت غضب شابة صغيرة ، لماذا لا نعترف نحن بالحقيقة ونتكلم ، لاسيما اذا كانت هذه الحقيقة  تستقي شرعيتها من صُلب المنطق والبداهة ، لان المعادلة هنا سهلة جدا : إذا كانت الكنائس كلها ، دون استثناء ، تدّعي بانها تتبع المسيح وتنشر تعاليمه ، لماذا إذن هذا التعدّد وهذا الاختلاف وهذا التناقض وهذه المجافاة فيما بينها ؟
بعد أن ركّبتُ في ذهني آلية هذا الموضوع وتاريخه ، ونصبت داخل نفسي ميكانيكيته المنطقية على غرار الساعات التي كنّا ننصبها ايام زمان ، توصّلتُ الى ما يلي :
منذ قرون نعيش الفرقة بين الكنائس إلى حدّ اننا اعتدنا عليها بالتمام ، وأصبحنا نرى الامر طبيعيا جدا، فالكاثوليكي بمختلف ليتورجياته في الشرق والغرب ثابت على ما هو عليه ، والارثودكسي بمختلف كنائسه هنا وهناك راكز لا يتزحزح  ، وكنيسة المشرق بشقيها سائرة في طريقها ، والبروتستانت يصرّون على انهم المصلحون ، ناهيك عن الكنائس الجديدة التي أخذت تنمو في كل الاتجاهات .
قلتُ في نفسي ، دعني أسأل هؤلاء جميعا بعض الاسئلة واستمع لردودهم ، فقلت :
- هل تؤمنون بان المسيح هو ابن الله ؟ رأيتهم ينحنون عميقا ويقولون ، وهل هذا كلام وكيف لا نؤمن !!؟
- هل تؤمنون بالاناجيل الاربعة ؟ بدأوا يضحكون قائلين : هذا كان شأننا منذ البدء ولا اختلاف عليه .
- هل تؤمنون بان المسيح أتى لخلاص البشرية ؟ سمعتهم يجيبون كلهم ، وهل نحن اطفال لكي توجّهَ الينا اشئلة بديهية مثل هذه ؟
- هل تؤمنون بان أهمّ وصية في المسيحية هي المحبة ؟ همَّ البعض  بمغادرة المكان معتبيرين أن السؤال ساذج لحدّ التفاهة ، ولكني اسرعت اليهم وقلت : اذا كنتم لا تختلفون على الجوهر ، واذا كانت وصية المحبة التي تؤمنون بها تدعوكم  للتآلف والتسامح والتفاهم والعفو ، لماذا تتجنّبون بعضكم البعض ، لماذا كل طائفة منكم تكرز باسم المسيح بصورة فردية مختلفة ؟
إذا حاولتُ شرح الموضوع للذين لا يعرفون لماذا انقسمت الكنائس وماذا جعلها تختلف ، فان الكثيرين منهم سيقولون وبكل بساطة : ما لنا وهذه التعقيدات ، إن المهمّ لدينا هو المسيح وتعاليمه ، اما كيفية تكوين شخصيته فلسفيا أو لاهوتيا ، فهي حقيقة موجودة فيه وهو يعرفها ، وهو أصلا لم يطلب منّا تعقيدها والاختلاف عليها . بالنسبة لنا  نعرف بانه علم كثيرا وفي الاخير اوصى بمحبة الله ومحبة القريب وقال : ان هذا اعظم شئ عندي .
يجب ان نكون صادقين مع انفسنا ونعترف بان انانيتنا قد طغت على الحقيقة . اننا نفرض مصالحنا على المسيح نفسه. لقد ترسّخت الكراسي في مكانها ولا سبيل لزحزحتها أوالتخلي عن الامتيازات التي توفرها. إن تكبّرنا هو الذي يدعونا للقول  باننا لوحدنا نمتلك الحقيقة المطلقة وعلى الاخرين جميعهم التوجّه نحونا .
أنا أرى ، اذا جاء المسيح يوماً وطلب ممّن يمثلونه التجمّع في قاعة كبيرة ، سيتصرف معهم تماما كما تصرف مع تجّار الهيكل . سيقوم بامساك أول هراوة تقع تحت يده ، وينهر بشدة كل واحد ويقول لهم : كيف تقولون بانكم تمثلوني وتكرهون بعضكم البعض ؟ فيسرع احدهم ليقول ، سيدي انا كاثوليكي ولديّ الحقيقة ، ويعقبه الاخر ويقول أنا ارثودكسي ذو عقيدة مستقيمة ، والثالث انا من كنيسة المشرق ولم أحِد عن الخط الذي رسمته أنت ، والاخر يقول ، انا من دعوتُ الى إصلاح الكنيسة والاخر يقول : انا افقه اللاهوت والطبيعة البشرية ، فيقوم المسيح بضرب هذا وصفع ذاك وركل الثالث ووطرح الرابع أرضا ، وسيبعد الاخر من امامه ويقول لهم جميعا : أنا لم أكن احتاج الى اكثر من ان تنظروا الى بعضكم البعض كأخوة . لقد ابتعدتم عني كثيرا وإني أكاد لا اعرفكم . وسيقول ايضا : انا لا ارى نفسي من خلالكم ، لقد جزّأتموني وقطعتموني اربا اربا ، لقد قام  كل واحد منكم بتفصيل مسيح بموجب مواصفاته وقياساته الخاصة . هل تريدون ان افهم  منكم بانكم انتم  تمثلون الحقيقة وانا مجرد خيال ؟ لقد تركتم الجوهر الذي يجمعكم واصررتم على الاختلاف على التفاصيل والمظاهر ، وهكذا يضمن كل واحد مملكته كي يتباهى بها .
اذا اخذنا بنظر الاعتبار واقع الكنيسة الحالي  نقول بان أمر الوحدة المسيحية مستحيل أو يحتاج الى هزّة ارضية شاملة ، أما اذا تناولنا الموضوع ببساطة ودون تاريخه المعقد نقول : اذا قام كلُّ صاحبِ قرار بفحص ضميره وتناول الموضوع بقلب نقي ،   فالامر سوف لن يحتاج الى أكثر من خطوة واحدة ويد ممدودة ، واذا كان لا بدّ ان يصاحب اليد الممدودة بعض الكلام ، فانه سيكون : ايها الاخوة ، يا من نتّبع جميعا معلّما واحدا ، هلمّوا نكنس ما تعشش في افكارنا ونرفع قلوبنا الى السماء ، دعونا نخرج من مبانينا ونتجه الى ذلك النور الساطع الذي ينير دربا واحدا. لنتجرّد من انانيتنا ونتجه الى هناك لننهل من نفس المنبع الذي جمعنا يوما ، ولنعد من هناك متعانقين لنتعايش في حبّ وتفاهم . إن الامر فعلا هو في مثل هذه البساطة ويجب ان يكون في هذه البساطة ، لان الكنيسة تمثل المسيح الذي اسسها واحدة من اجل مرافقة جميع المؤمنين ، دون تمييز ، الى مملكته الازلية . وتعاليم المسيح هي نفسها لم تتغيّر ولا تقبل التأويل .
إنه لمن المؤسف ان تكون الطوائف كلها قد تحولت الى مؤسسات دنيوية. والأمرُّ من ذلك هو أنّ الكلّ قانعون بما هم عليه ، وكأنّ الفرقة والتشرذم هي الحالة الحقيقية.
في كلّ عام ، عندما يحلّ اسبوع الصىلاة من اجل الوحدة ، يتهيأ المسؤولون من مختلف الكنائس ويقيمون صلوات من اجل الوحدة ، يؤدّون قراءات وتراتيل مشتركة وبعد ذلك يخرجون فرحين وكأنما المطلوب منهم كان الاحتفال فقط بصورة جميلة وشيّقة ، ويقومون حالا بالاتفاق على موعد جديد للسنة القادمة . انهم يكتفون بتلاوة بعض الصلوات من اجل الوحدة ، ولا تخطر ببالهم أبدا فكرة الجلوس واللقاء من اجل التقرب الذي يمثل السبب الرئيسي لاقامة هذا الاسبوع .
ألاحظ احيانا في وسائل الاعلام وأقرأ عن بعض الرهبنات المسؤولة عن حماية بعض العتبات المقدسة في اورشليم او بيت لحم ، كيف يختلف الرهبان فيما بينهم ويتلاسنون ويواجهون بعضهم البعض بالايدي لدى اقامة بعض المراسيم المشتركة ، أو قيامهم باعمال تنظيف ، حيث يدّعي كل واحد  بعائدية المساحة أو الزاوية الفلانية الى طائفته . لقد تمّ نسيان الروحانيات وقدسية الكنيسة الواحدة من اجل ابراز مصالح الطائفة .
اختتم بالقول : إنها مجرّد سورة غضب انتابتني . أنا على يقين بان كلامي ، الذي أملته عليّ غيرة كادت تأكلني ، سوف لن يلقى أية اذنٍ صاغية ، بل سوف يثير حنق الكثير من رجال الدين ، وإني ارى الآن بعضهم يقولون : ومن هو هذا الشخص النكرة والتافه لكي يتدخل في أمور تخصّنا نحن القيّمين على امور الدين والكنيسية ؟ عند ذاك سيكون ردّي كالاتي :  إن النكرة او التافه هو واحد من بين الملايين الذين يعانون من انقساماتكم ، واذا كان قد تجاسر في قول هذه الحقيقة ، فقد استمدّ شجاعته من رَبّ الكرمة الذي دعاكم جميعا من اجل العمل في كرمه بقلب واحد ويد واحدة .

kossa_simon@hotmail.com



ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة