ثمن الولاية الثالثة للمالكي- 1- نفطنا لنا ونفطكم لكم ولنا

بدء بواسطة صائب خليل, أكتوبر 21, 2013, 02:20:48 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

قبيل زيارته القادمة للولايات المتحدة، رشح المالكي نفسه ورشحه حزبه لولاية ثالثة (1) وقال المالكي وهو يستعد لزيارة الولايات المتحدة أن لا علاقة بين إعلانه الترشيح والزيارة، وأضاف بان مسألة استحقاقه المنصب أمر يعود للشعب، فهو الذي سيقرر. وها نحن نلملم الذاكرة لنحدد "المكاسب" ولننظر أين أوصلنا حكم المالكي في فترتيه، لنحدد موقفنا من الثالثة. إنني أعلن مقدماً إنني وصلت إلى استنتاجي بالوقوف ضد تلك الولاية الثالثة وأرجو أن أسهم من خلال بضعة مقالات هذه أولها، في توضيح موقفي إسهاماً في النقاش والخيار.

ما أراه هو رئيس الحكومة المالكي رجل صار أسيراً لحب السلطة، وأن القوى الدولية المؤثرة على حصوله على رغبته، وبضمنها كردستان، أدركت ذلك وراحت تبتزه وتبتز من خلاله العراق كله، وقد تضاعف هذا الإبتزاز ، وبدا المالكي مع مضي الوقت مشلولاً عاجزاً عن أن يقول أي كلمة "لا" لأي ابتزاز مهما كان مفضوحاً، ومن اية جهة كانت، حتى لو كانت أصغر واضعف من دولته. وهنا نتناول جانب واحد فقط من ابتزاز لدولة واحدة هي حكومة الإقليم الكردي (وهي حكومة دولة كاملة الإستقلال والسيادة، رغم التعتيم الضبابي الضروري للشكل)، وهي كما رأينا سابقاً وسنرى هنا، دولة عدوانية الحقت ضرراً شديداً بالعراق، وهي بلا منازع الدولة الأكثر ابتزازاً لأية حكومة عراقية، رغم أنها ليست الوحيدة بالتأكيد، وفي هذه المقالة سنكشف ابتزازاً جديداً ليس معروفاً على نطاق واسع في ا لعراق.

في هذا العام أضيفت قضية ابتزاز كبرى جديدة لكردستان، تحققت من خلالها وتثبتت رسمياً مقولة كردستان للعرب : "نفطنا لنا، ونفطكم لكم ولنا"! لكن دعونا أولاً نلقي نظرة مختصرة على التاريخ المخجل لعملية الإبتزاز هذه. وسوف يذكر التاريخ أبطال هذا الفصل بالعار، العار الأصغر من جانب السراق الذين لا يقفون عند حد في أطماعهم وتبعيتهم لأجندة أعداء البلد لتدميره، ولكن العار الأكبر بلا شك، سيغطي حكام البلد الراضخين لهذا الإبتزاز بمذلة ليس لها مثيل في تاريخ العراق، وللشعب الصامت عن نهبه بمذلة نادرة! فلم يسبق لحكومة أن قبلت مثل هذا الإبتزاز كما تبتز كردستان العراق، ولا ابتلعت بمثل هذا الصمت المهين كل ما يبصقه أي نائب أو سياسي أو عسكري كردستاني حين يتحدث عن المركز وحكومة المركز والعرب عموماً والإتهامات الجاهزة بالشوفينية والبعثية والصدامية وحلبجة والأنفال، ...لأي خلاف أو نقد قد يتجرأ أحد بطرحه وفي أي موضوع كان!

قبيل إقرار الميزانية الأخيرة، وبفضل الإضطرابات والإرهاب التي عمت البلاد، نجحت كردستان في إسكات بعض الأصوات التي تعالت محتجة على ابتزازاتها، وتم تثبيت النسبة اللصوصية ( 17%). وقبلها، وبعد بعض الجر والعر، (وكل جر وعر ينتهي في صالح كردستان، كما علمنا كالبريث) نجح التحالف الكردستاني أيضاً في الضغط على الحكومة لإقرار دفع مخصصات الشركات غير المرخصة العقود، التي فرضها الإقليم على الحكومة، على أن تقدم كردستان حساباتها للمركز. كذلك كررت كردستان المطالبة بدفع رواتب البيشمركه، المخصصة لإحتلال المزيد من أراضي العراق في كل فرصة.
طالبت كردستان بأرقام ادعتها كـ "مستحقات شركات"، بدون تقديم دليل، واضطرت الحكومة أن توافق على الدفع مسبقاً بشكل دفعات، على أن تقدم كردستان لاحقاً وصولات كل وجبة تم دفعها. والشرط الثاني هو أن تقدم كردستان 200 الف برميل في اليوم (2012)، ليرتفع إلى 250 الف برميل في السنة التالية، اي الحالية.

لكن كردستان لم تلتزم بحصتها وكانت تقدم بين الحين والآخر أية كمية "بحسب ما تشتهي" وفق فؤاد الأمير (الصفحة 163 وبعدها من كتابه: "الجديد في عقود النفط والغاز الموقعة من قبل حكومة إقليم كردستان، والسياسة النفطية للإقليم"). وكانت تلك الكميات دائماً أقل بكثير من الإتفاق، ولم تصل يوما حتى إلى 200 الف برميل الذي هو حد البداية الأدنى حسب الإتفاق. ورغم ذلك دفعت الحكومة على أساس الإتفاق، دفعتين بلغ مجموعهما مليار و55 مليون دولار، وانتظرت وصولاتها ولكن كردستان لم تقدم أية وصولات عن تلك المبالغ! فأوقف ديوان الرقابة الدفعة الثالثة المقررة.

وجاءت لحظة تقرير الميزانية لعام 2013، وكل ميزانية، ليست سوى "موسم ابتزاز" كردستاني جديد للحكومة يتكرر كل عام. وهي سياسة ستراتيجية ثابتة وجهها إليها السفير كالبريث منذ أيام كتابة الدستور، وأفهم قادتها أن كل خلاف مع بغداد سينتهي لصالحهم، لذلك فعليهم أن لا يخشوا الخلافات، بل أن يثيروها إن استطاعوا! وكتب ذلك صراحة في كتابه: "نهاية العراق" وكما فصلنا بحثها في مقال سابق لنا بعنوان "- من أين استوحى قادة كردستان السياسة العدوانية مع العراق" (2) وكل ما تتصرفه كردستان اليوم مع المركز، يسهل فهمه وتفسيره من خلال فهم هذا المبدأ.

طالبت كردستان بدفع كامل كمية المبالغ للشركات، وبدون تقديم أية وصولات حتى عن المبالغ التي دفعتها الحكومة راضخة، مسبقا وعلى الثقة! ولكن ومن دروس التجارب المرة السابقة، نبه الأستاذ فؤاد الأمير بضرورة أن يثبت في قانون ميزانية 2013 ، الحصة التي يجب أن تقدمها كردستان من النفط، وأن يستقطع الفرق من حصتها في الميزانية إن لم تلتزم. وبضغط من الشهرستاني ووزارة النفط، تم ذلك بالفعل، فجن جنون كردستان فما يرضيها هو أن تدفع الحكومة المبالغ التي تطلبها كردستان وبدون مطالبتها بوصولات!
تمكن من بقي له إحساس ببعض الكرامة من الرافضين لهذا الإبتزاز العجيب في الحكومة من الصمود، مستفيدين من تفهم حزب التغيير لمدى الأطماع غير المعقولة وغير المحدودة لعصابة التحالف الكردستاني، والذي أعلن أن ما يعرض على كردستان ممتاز وقبل به فوراً، فأفلت العراق من حبل مشنقة الميزانية التي تلفها كردستان حول عنقه كل عام. 

تم التصويت على الميزانية التي تضمنت بأن تقدم كردستان يومياً 250 الف برميل للتصدير العراقي، وأن يستقطع الفرق من حصتها من الميزانية إن لم تلتزم. ولترضية كردستان المدللة على إزعاجها بتحديد إبتزازها، تم تخصيص مبلغ 625 مليون دولار من الميزانية لمستحقات شركات كردستان، وهو ما اعتبره الأمير "مبلغاً كبيراً جداً"، يقدم لها فور تقديمها الوصولات عن الدفعات السابقة. ربما كان المبلغ "كبيراً جداً"، لكنه لم يكن كافياً بالنسبة لما تطمح إليه كردستان من موسم الصيد (الميزانية).

لأجل ذلك يجب البحث عن "مشكلة" جديدة لتحل بطريقة كالبريث وكسب المزيد، وكان كما أرادت!

إنني أعلن هنا لكل من لا يعرف، أن ما يستخرج من نفط كردستان، والذي يفترض أن تقدمه كردستان كحصتها من النفط المصدر – وهو ربع مليون برميل يومياً على الأقل – تسرق كاملةً وبشكل رسمي وثابت، وبعلم الحكومة والبرلمان ورضاهما وصمتهما التام! وتباع هذه الكمية وتصرف على لصوص كردستان ومواطني كردستان ، وفي الوقت نفسه، تستلم حكومة الإقليم حصتها كاملة من ميزانية "نفطنا" وحده!
لم تقدم كردستان برميلا واحداً للنفط، ولم يستقطع من ميزانيتها دولار واحد! العيساوي سلم حلفائه اللصوص حصتهم قبل مغادرته وقبل أن يسلم حصص المحافظات، وحكومة المالكي تحرص على التسليم بدون أي قطع أو تأخير أو سؤال، لا عن النفط المتفق عليه ولا عن الوصولات التي دفنها النسيان!

هكذا أضيفت خلال العام الماضي، ومنذ اتفاق "أبو إسراء مع أبو مسرور" وتبادلهما القبل والأحضان، سرقة جديدة للشعب العراقي من قبل كردستان، تتمثل بكمية ثابتة ـ 250 الف برميل في اليوم من النفط. وإن حسبنا قيمتها بالأسعار الحالية للنفط، فهي تزيد عن 26 مليون دولار في اليوم ، أي حوالي 9.5 مليار دولار في العام (!) تستقطع من قوت بقية مكونات العراق لحساب كردستان. لقد حسبنا في مقالة سابقة كمية السرقة التي تحققها كردستان من احتساب نسبتها المزيفة 17% بدلاً من 11%، فكانت بحدود 3 مليارات دولار في العام، أي أن السرقة الجديدة تبلغ ثلاثة أضعاف تلك السرقة التي دار عليها مؤخراً احتجاج كثير لم يثمر.
السرقة الجديدة وحدها تكفي لتوزيع حوالي 1700 دولار في الشهر لكل عائلة من سكنة كردستان. وهذا المبلغ يقارب ضعف ما أعلن البرزاني توزيعه لعوائل كردستان، فلا عجب أن صار البرزاني ينثر يميناً ويساراً فيبدو أنه قرر أن يتقاسم مع شعبه هذه المرة، "غنائمه" من ابتزاز العرب. إن كل عائلة عربية تدفع اليوم 200 دولار شهرياً لتأمين هذه السرقة الجديدة لوحدها!

الصحافة العاهرة لن تسأل المالكي عن هذا الأمر، وهو لن يخصص وقتاً له بنفسه طبعاً ، لكن هناك كل الوقت للأسئلة التي تتيح له أن يعيد تفاصيل بطولات صولته الماضية ليشرح فيها غباء ضباطه ونباهته حين قلب كل خططهم، وجبن القوات السوات الخاصة التي دربها الناتو- أمام مقاول، وبطولات إبنه الخارق! 

وبدلاً من أن يوقف "ابو إسراء" صديقه "ابو مسرور"، الجشع بلا حدود والوقح بلا حدود، دفاعاً عن حقوق من انتخبه من الناس، فأنه بدلا من ذلك يتمتم بعدم رضاه عن الشهرستاني ليرضي دبابير التحالف الكردستاني، وكنوع من الوعد بالإستعداد للتخلص من الصوت الوحيد الذي بقي يفضحهم ويفضحه معاً، أما الباقين فيلفهم صمت القبور!
وبدلاً من أن ينتبه ضمير شريف لهذا الجريمة بحق الشعب، فأن برلمانيين يخصصون جهدهم لتصيد أية نقطة على الصوت الوحيد الذي مازال يرفض هذا الإبتزاز – حسين الشهرستاني، ولو بترهات عجيبة.(3)

فما يحدث حقيقة اليوم هو أنه يتم جمع 900 دولار من كل ثلاث عوائل عراقية، لتقدم لعائلة كردستانية واحدة، ويجمع مثلها لتقدم إلى لصوص كردستان، من أجل تأمين بقاء المالكي على الكرسي ونحن نتحدث هنا عن السرقات الواضحة فقط، وليس عن حصة كردستان الطبيعية من ميزانية البلد. وطبيعي فكردستان ليست وحدها من يقرر بقاءه، فهناك الأردن وأميركا والبعث، وكل من هؤلاء يريد حصته من الثمن. لماذا ينتقد أعضاء دولة القانون من يوزع البطانيات على الشعب أيام الإنتخابات ويصمتون على من يوزع أراضي الدولة وثرواتها ببذخ لا حدود له؟ فإذا كان البعض يشتري البطانيات ويوزعها في فترة الإنتخابات، فالمالكي "يوعز" (باسمه) بتوزيع أراضي الدولة التي لم يدفع ثمنها! والفرق الآخر هو أن البطانيات توزع لمرة واحدة، وتتوقف بعد الإنتخابات مباشرة، أما الـ 300 دولار التي تسرق من الناس فهي ثابتة ومستمرة ولا تتوقف، بل تتزايد مع زيادة انتاج كردستان من النفط، ومع المزيد من الإبتزازات في كل موسم ميزانية، ومازال أمامنا في الولاية القادمة طموحات كردستانية كثيرة تنتظر التنفيذ مثل إقرار دفع مبالغ مستحقات شركات بلا وصولات ورواتب بيشمركه لا يعرف احد عديدهم، وتهريب سوف يتضاعف عشرات المرات مع مد أنبوب النفط مع تركيا.. وحدود تتوسع باستمرار، والحبل على الجرار كما يقولون!

إن لم يكن لدينا أمل في حكومة تستطيع وضع حد لهذا الإذلال، فهل هناك من أمل في تغير كردستان نفسها؟ لقد صوت مواطنو كردستان مؤخراً بشكل كبير لصالح قرصانهم مسعود، - أخطر رجل على العراق بلا منازع - وهذا يعني أن الأمل مقطوع بأن يتغير الحال في كردستان. وانتخاب لص واعتباره بطلاً قومياً رغم أنه مرفوض أخلاقياً، ليس مستغرباً، فقد فعلته بريطانيا مع قراصنتها وأسست ثروتها وإمبراطوريتها عليه. فمادام مواطنو العراق العرب لا يحتجون على لصوصية تكلفهم أموالهم وتسهم في إفقارهم، فلماذا يحتج المستفيد منها؟
هكذا يتثبت اليوم عراق تكون فيه كردستان فوق جميع القوانين ومواطنوها من الدرجة الأولى وعلى الباقين من الدرجات الثانية والثالثة أن يأكلوا "الحصرم" أو ينطحوا رأسهم بأقرب "حايط". هذا هو الوضع الذي ترك الإحتلال بذوره في العراق وطمأن أصدقائه أن كل شيء سيرجع له ولهم، وهذا هو الدستور الوحيد في العراق الذي قرر أبو إسراء وأبو مسرور الرجوع إليه كما يبدو لحل كل الخلافات بينهما عندما لم يفهم أحد كيف اتفقا!

قبل أن أذهب، أريد أن أقول لكم إن مجرد كتابة هذه المقالة التي طالت واضطررت لتقسيمها إلى أجزاء لكثرة الفضائح التي لم تعد فضائحاً، تسببت لي بشحنة كبيرة من الكآبة والغضب والضغط النفسي خلال الأسابيع الماضية، فكنت أترك الكتابة كل بضعة أسطر لاهدئ نفسي مما تثيره الحقائق رغم أنها ليست جديدة علي، فمجرد تذكرها يصيب المرء بحموضة في المعدة. إنني أتعجب كيف أحس بكل هذه المهانة والألم حين أكتب فقط، ولا يحس به من ينفذ ذبح بلاده وشعبها بنفسه؟ كيف أحس به وأنا مواطن عادي المسؤولية وأعيش بعيداً في بلد آخر، ولا يحس به من مازالوا يعيشون في العراق، ويرون يومياً وجوه ضحاياهم من الناس التي وضعت ثقتها بهم وسلمتهم أمرها في لحظة قدر حزينة تتكالب الذئاب فيها عليها، فيقوم هؤلاء بالتآمر عليها مع تلك الذئاب؟ وكيف أحس بالغضب وأنا وأولادي لا نتأثر بخزينة العراق في أي جيب ذهبت، ولا يحس به من يسلب منه قوت اطفاله وحقهم في الصحة والتعليم لينثره الحاكم كرشاوٍ من أجل ولاية ثالثة ؟

ما شعورك عزيزي القارئ؟ غاضب مثلي؟ ماذا ستفعل؟ أنا من ناحيتي بدأت أبحث عن "حايط" ناعم، يخلو من البسامير والأحجار الناتئة...


(1) المالكي يعلن ترشحه لولاية ثالثة
http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=31007
(2) صائب خليل - من أين استوحى قادة كردستان السياسة العدوانية مع العراق...
https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/520225571367850
(3) التميمي: خسرنا 45 مليار دولار وازداد عجز الموازنة إلى الثلث بسبب تقديرات الشهرستاني
http://www.almadapaper.net/ar/news/452948/0