مليار دولار لبناية للبرلمان يا سفلة؟

بدء بواسطة صائب خليل, مارس 14, 2013, 06:36:55 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

هناك أخبار تحفزك على الكتابة والرفض والرد العنيف أحيانا، لكن هناك أخبار لا تحفزك سوى على الشتيمة! إنها أخبار من النوع الذي يتجاوز ما في قاموسك الصحفي والأدبي من ما يمكن أن يعبر عن شدة رفضك واحتجاجك، بل وألمك، فلا تجد بداً سوى من العودة إلى قذف الشتائم وصب اللعنات! وليس ذلك عبثاً، فقد اكتشف العلماء مؤخراً أن الشتائم واللعنات تخفف الألم!(1)

"أسباب الألم كثيرة" في ا لعراق خاصة، وأحد أهم مصادر تلك الأسباب هو قراءة الأخبار، سواء كانت أخبار الإرهاب أو أخبار الحكومة، فالفرق ليس كبير من ناحية تأثيره على الشعب العراقي. ربما يكون الفرق الأساسي أن الإرهاب تأثيره مباشر وواضح وفوري، لكنه مؤقت غالباً. أما "التدمير الحكومي" فهو هادئ، شامل، وبعيد المدى، وربما لا نهاية لتأثيره. كذلك فأن للتدمير الحكومي تأثيرات جانبية أخرى عظيمة الأهمية يتفوق بها على الإرهاب، بفضل خصوصية الحكومة بالنسبة للشعب. فمن خلال موقعها كـ "أمل" للشعب في الخلاص من مصائبه، مهما كان هذا الأمل واهياً وهمياً لا تدعمه التجارب، تستطيع الحكومة أن تنزل ألام "الإحباط" بالشعب ما لا يستطيعه الإرهاب أبداً، وبشكل خاص، إن كانت الحكومة منتخبة!

خذوا معكم علبة من الباراسيتامول المسكن للألم وتعالوا نواجه بعض الحقائق المخيفة، ونقرأ....

تحت عنوان "مشروع بناء مبنى جديد للبرلمان العراقي يبقى معلقًا إثر الأزمة السياسية"(2) نقرأ ونفهم أن "العراق" (لا بد لنا أن نسأل "أي عراق؟") كلف "المعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطاني"، نهاية عام 2011 إطلاق مسابقة لتصميم مبنى جديد للبرلمان ليكون بديلا للبرلمان الحالي!
يا للعجب! حتى "المسابقة" يجب أن "يطلقها لنا بريطانيون"؟ أية مشاعر دونية تسيطر علينا إذن؟ لماذا؟ يقولون "لإزالة أي شكوك بالفساد"!! إذن فقد "زالت" الشكوك بالفساد، فالبريطانيون "معصومون" طبعاً من الفساد.. لنتناول الحبة الأولى من المسكن...وحضروا الحبة الثانية مع قدح ماء. فالسؤال ليس فقط لماذا يعطى معهد بريطاني مثل هذه المهمة، وإنما ما حاجة البرلمان ا لعراقي إلى مبنى جديد؟ 

هل من بين كل المصائب والنواقص التي لا يسبق العراق فيها أي بلد في العالم، تم اختيار تجديد مبنى البرلمان، باعتبارها القضية "الأخطر" وذات الأولوية الأولى من بين كل النواقص التي تهدد البلاد؟ أن توضع هذه القضية وتخصص لها الأموال بدلاً من الفقراء والمتقاعدين والأرامل وألأيتام والبطالة ومن لا يملك سكناً ومن يبييع أطفاله ومن يودعهم في المزابل بدلاً من المدارس، كلها هذه يمكن أن تنتظر، أما مبنى البرلمان "القديم" فتبديله هو القضية الأخطر في العراق والأكثر تأثيراً على مستقبل شعبه؟ هل بناية البرلمان توشك على السقوط على رأس هؤلاء الـ ... "خوش ولد"، ولذا تطلب إبدالها بسرعة؟

لنستمر في القراءة، فقد تمت المسابقة واختار المعهد الملكي "الشركة الهندسية البريطانية اسمبلج" (كانت هي ايضاً بريطانية، صدفة طبعاً، وليس تحيزاً أو فساداً لا سامح الله)، "لكن المجموعة المختارة لم تسمع أي شيء من المسؤولين في البرلمان العراقي منذ اختيارها. وفي الوقت نفسه، افادت تقارير نشرتها مجلة بريطانية أن بغداد لا تزال تجري محادثات مع المعمارية العراقية المولد زها حديد."
إذن الجماعة غير مستعجلين ولا يبدو أن البرلمان "القديم" على وشك السقوط على الرؤوس التي فيه (وهذه خيبة أمل لمعظم العراقيين)، فما المبرر إذن لهذا المشروع؟ لماذا دفع "العراق" (أي عراق؟) تكاليف المسابقة النقية من الفساد، إن لم يكن مهتماً بنتائجها؟ لماذا دفع تكاليفها الضخمة ثم ذهب يفاوض مكتب زها حديد؟ لماذا لم يفعل قبل أن يدفع تلك المبالغ؟ هل ان التصميم الفائز لم يعجبهم؟ من هذا الذي يستطيع في العراق أن يقرر ذلك، وإن كان هناك من يفعل، فلماذا لم يناط به ذلك التصميم، أو على الأقل لماذا لم يقم المسابقة بنفسه ويكون حكماً عليها؟
أحد مؤسسي الشركة الفائزة يبدي تفهمه أن الجماعة مشغولين بمحاولة "منع حلّ البرلمان وانهيار كل شيء".! واضاف أن "مخاوفهم الاساسية هي أنه قد لا يكون هناك نواب يجلسون في البرلمان إذا ما بنيناه (...) لذا يتوجب علينا إعطاؤهم بعض الوقت لأنهم مشغولون كثيرًا في قضايا أخرى".
أمامنا أيها السادة "مخلوقات" عجيبة. فهي مهددة "بحل البرلمان وانهيار كل شيء" لكنها تجد الوقت والطاقة والمال لإقامة مسابقات لإنشاء مبنى جديد ، وهم في أزمة قد لاتبقي من يجلس فيه!  ألا يستحق ذلك حبة أخرى؟

يقول الخبر "ويشير بيسلي الى سلسلة الازمات السياسية التي تعصف في البلاد بين رئيس الحكومة وشركائه قبيل انتخابات مجالس المحافظات المقررة في نيسان/ابريل. واتهم عدد من اعضاء حكومة الشراكة الوطنية من السنة والأكراد وبعض الشيعة المالكي بالتفرّد والاستبداد، فيما يواجه منذ أسابيع عدة حركة احتجاجية ضد حكمه، خصوصًا في المناطق السنية."...

"وعلى الرغم من مرور اسابيع على اعلان الفائز، لم يقرّ المسؤولون في بغداد باستلام توصيات المجموعة البريطانية. وتقول اسمبلج إنها استلمت 250 الف دولار، وهي حريصة على المضي قدمًا في التفاصيل والتصاميم والتخطيط للبدء بانشاء المبنى الجديد مطلع 2015."
يعني الجماعة رغم عدم اهتمامهم باستلام النتائج، فقد قاموا بتسليم ثمنها بلا تأخير، وكأن التخلص من "وسخ الدنية" هو الهدف من قبل الحكومة والبرلمان العراقي، أو من فكر بفكرة البرلمان الجديد وعمل على إنجازها ووافق على عقدها ...

المبنى وفق التصاميم التي لم يهتم بها أحد، "اسطواني الشكل محاطًا بجدران، يحجب بعضها أشعة الشمس بصورة فنية وتتوسطه ساحة كبيرة. وفي الداخل قاعتان كبيرتان لأعضاء مجلس النواب والمجلس الاتحادي، الذي ينص عليه الدستور العراقي، لكنه لم يشرع حتى اليوم."...."ولاتزال مجموعة اسمبلج تنتظر ما ستؤول اليه الامور. ويقولون: "نحن حقًا نرغب في بدء هذه العملية، لكن يبدو أن لديهم عملاً كبيرًا حاليًا".
ويضيف مديرهم "في الغرب، الحكومات معتادة أكثر على هذه الأمور، والوزارات عيّنت لتقوم بمثل هذه المشاريع الكبيرة. لكن الوضع مختلف في بغداد، اعتقد أنهم وقفوا على اقدامهم حديثًا، لذلك يحتاجون الكثير من الدعم بالحقيقة".
"الحقيقة" هي أنكم تتمتعون بفلوس الحمقى الذين لا يعرفون كيف يتخلصون من فلوسهم، وفي هذا أنتم جاهزون لـ "الدعم" بلا شك.

الطامة الكبيرة ليست في تسليم مكتب بريطاني موضوع مسابقة، رغم أنها عملية ربما يأنف منها حتى تافهي الخليج، لكن الطامة أن أحداً في العراق لا يشعر بأية حاجة كما يبدو لاستعجال هذا المشروع الذي قدم على كل المشاريع الأساسية في العراق! وهنا تأتي طامة أكبر في الخبر:"وقالت اسمبلج إن بناء كل مرافق المجمع البرلماني يكلف 411 مليون دولار."
411 مليون دولار؟ من أجل بناية أو مجمع بنايات؟ من أجل "شيء" لا يشعر أحد بالحاجة إليه، في بلد يحتاج مليون شيء أساسي؟ في بلد يتسابق فيه المحتالون من السياسيين للتباكي على حال المواطن الذي تكفي بطانية لشراء صوته؟

لو كان هذا المشروع في الإمارات أو الكويت او السعودية، فسيكون تبذيراً حقيراً لأموال الشعب فيها، لكن ماذا نسميه عندما يكون في بلد مثل العراق؟ ماذا نسمي السياسيين الذين يقررون مثل هذا القرار؟

لكن المصائب لا تنتهي عند هذا الحد، ففي خبر آخر نقرأ أن كلفة المشروع الكلية ليست 411 مليون بل، هي مليار دولار بالكامل! (3)
فهل هو تشويه صحفي آخر؟ أم أن الـ 411 مليون دولار هي كلفة المباني فقط، وأن إيراد هذا الرقم جاء ليسهل على الناس تجرع السم بمرحلتين، وأن البركة لن تتم إلا بصرف مليار دولار؟

طبعاً لن نعرف شيئاً عن هذا من حكومة المالكي، ذات "المفاجعات" التي لا تنتهي، لكننا نستشف شيئاً من البريطانيين، فالخبر أشار إلى أن "السلطات العراقية عمدت إلى إحاطة الموضوع بالسرية"! كيف تجري "مسابقة" محاطة بالسرية؟ لاشك أنها من عجائب حكومة المالكي التي لا يشبهها شيء في العالم، مثل أجهزة كشف المتفجرات التي تعمل على الكهرباء الإستاتيكية!
وما هو مبرر هذه السرية يا ترى، في موضوع بناء يفترض أن نفاخر به في مقياس جينيس للأرقام القياسية، على الأقل من ناحية كلفته، كما يفعل الكثير من الحمقى في منطقتنا؟ يقول البريطانيون أن السبب "لمنع حدوث أي عمليات فساد إداري قد تؤثر في سير العملية"!! 
هنا تصل العجائب مرحلة أخرى: السرية تمنع حدوث الفساد! إذن لقد اكتشفنا السر في فسادنا غير الإعتيادي: إنه "الشفافية" غير الإعتيادية التي ابتلت بها حكومتنا ومشاريعها!

هل يلومنا أحد أن نفرغ علبة المهدئات في جوفنا دفعة واحدة؟

قبل أن تذهبوا حانقين، أخواتي وأخوتي القراء، أدعوكم إلى مشاهدة هذا الفلم الوثائقي "الجميل" وعنوانه "عراقيون يجمعون القمامة لإطعام عائلاتهم"(4)  اعدته (CNN)-- وبطلته الطفلة منتهى، التي تعمل ضمن آخرين وسط كومة من القذارة والنفايات، لكي تجمع كل ما يمكنها بيعه من الزجاجات أو العلب الفارغة، بدلاً من الذهاب للمدرسة فهو "مصدر الرزق الوحيد لعائلتها"...

إن لم تجدوا حبوب المهدئات بعد الفلم، فعليكم بالشتائم، ولا تخجلوا... إنها علبة الباراسيتامول التي لا تفرغ ولا تكلف مالاً والضرورية لكل من يصر على القراءة وعلى حماية معدته من القرحة، ولو مؤقتاً.

وأنتم يا من تصرفون مليار دولار كاملة من أجل مبنى جديد للبرلمان أيها السفلة، من خول لكم التصرف بأموال الناس هكذا؟ لو صرف هذا المليار على أفقر مليون عراقي، لحصل كل فرد على الف دولار، وكل عائلة على ستة ألاف تنتشلها من التخلف والمرض والبؤس، فهل تبرع هؤلاء المليون بحقهم في الحياة من أجل راحة خلفياتكم ورؤوسكم العفنة؟
مبنى السفارة الأمريكية، مدينة الشر ومركز التجسس والتآمر الأكبر في الشرق الاوسط، بل العالم، والذي يتسع لخمسة عشر ألف مجرم من مجرمي الدمار الشامل، بكل ما اعتادوا عليه من رعاية ومرافق باذخة، كلفت ما لا يزيد كثيراً عن نصف هذا المبلغ، فكيف يكلف مجمعكم الرهيب هذا ملياراً من الدولارات؟ أي عديم ضمير حسبها، وأي قليل إحساس وافق عليها، وأي منعدم الإنسانية وقعها؟

ثم ما هي المشكلة في مبنى البرلمان الحالي؟ هل أن مقاعده لم تعد تناسب خلفياتكم العفنة التي تضخمت من نهب طعام الجائعين، فتتركوهم يبحثون عن العيش في القمامة لتوسيعها؟ أم أن رؤوسكم الأكثر عفونة من خلفياتكم قد كلفت بتدمير هذا البلد وهذا الشعب تدميراً نهائياً، وترك لكم انتقاء الطريقة؟ ألم يبق في كل الطبقة السياسية من جميع الكتل شريف واحد يعترض على مثل هذا الخزي؟ لماذا يشتد صراعكم على كل قضية مهما كانت تافهة، ولا يسمع لكم صوت اختلاف أو نقاش عندما يتعلق الأمر بتدمير هذا الشعب؟ هل هذه هي القضية الوحيدة التي اتفقتم عليها؟ والله أن خيركم لا يستحق أقل من الدفن حياً على هذا الإنحطاط الإنساني، بل الإنحطاط الحيواني الذي أنتم فيه، أنتم وكل ذريتكم النتنة التي لاشك سترث سرقاتكم وأخلاقكم المنحطة معها!

هل نستمر بالسباب أم تدعونا الأخلاق أن "نناقش بحضارية"؟ لا بل نسب ونشتم! فمجرد مناقشة الإنحطاط الإجرامي انتصار له. لإننا إن فعلنا فإننا نقول أن تحطيم وقتل شعبنا أمر "قابل للنقاش"، وهذا خطأ أخلاقي جسيم!

يجب أن يعامل هؤلاء ليس كلصوص أو مفسدين، بل كقتلة جماعيين مع سبق الإصرار والترصد، فما حدث يعطينا الدليل الكافي لإقناع أي قاض شريف بذلك.

إنني أطالب بقانون ذو أثر رجعي، يحكم بالإعدام والخيانة والعار، وليس الإعدام فقط، على كل من تسبب في تبذير ثروة البلاد أو سكت عنها، في وقت يتهدد فيه شعبها بالخطر والجوع، ومحاكمته بتهمة القتل الجماعي العمد! فمن الظلم أن يحكم بالإعدام سفاح يقتل خمسة أشخاص بالرصاص ويترك سفاح يقتل 5 الاف شخصاً جوعاً ويصيب عشرة أمثالهم مرضاً وتدميراً للحياة، حين يسرق قوتهم ليبني لمؤخرته بنايات أخرى، وهو يعلم أن ذلك يعني بالنسبة لهم المرض والجهل والألم والموت. إنني أجزم أن كل من فكر بهذا المشروع، أو وافق عليه أو سعى لإقراره، وهو يرى ما يحل ببلده، إنسان وضيع ودنيء، وليس له من الشرف ما لقواويد الشوارع الخلفية، حتى لو لبس القاط والرباط، أو لبست ربطة الرأس، بل خاصة لأنه يلبس القاط والرباط وتلبس ربطة الرأس! لكثرة ما ارتكب انحطاط مشاعركم من القتل العمد بأبناء بلدكم، وما تسببت به وضاعتكم من ألم للبشر الذين وثقوا بكم، أجزم أن العراق ليس بخير ما لم يجلب إلى المشنقة آخر كلب أجرب فيكم، يرى أن المليارات يجب أن تصرف على راحته وليذهب الجوعى والمرضى والأرامل ومصير ومستقبل البلد وأجياله إلى الجحيم!


(1) http://tierneylab.blogs.nytimes.com/2009/07/13/cursing-and-pain-relief
(2) http://www.iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/29488-2013-01-21-09-37-24.html
(3) http://www.iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/29238-2013-01-15-16-59-39.html
(4) http://iraqicp.com/2010-11-22-05-28-38/31163-2013-02-26-11-27-34.html